معالم في أدب الاختلاف

معالم في أدب الاختلاف

سماح محمد هاشم

 

الاختلاف سنة كونية، وجبلة فطرية، موجودة في كل شيء؛ بدءاً باختلاف مخلوقات الله عز وجل، واختلاف الليل والنهار، وكذا الأيام والشهور؛ فاليوم ليس كالبارحة، وغداً يوم آخر، وأنا وأنت بشر، ومع ذلك فبيننا فوارق في الأهواء والطباع والصفات.. هذا هو ما يجعل الحياة متجددة، وممتعة!!.. تصور إذا كانت الأيام كلها مثل سابقاتها!، أو كان الليل والنهار شيئا واحدا؛ لا فرق بينهما!!، وأنا وأنت كنا نسخة كربونية واحدة في كل شيء!!!، عندها سنملّ، ونثور، ونتفجر، وندعو إلى الاختلاف، والتغيير!!.. إذن فالاختلاف أمر طبيعي، بدهي، وفطري، وقد يكون أحياناً ضروريا.
ومبحثنا في هذه الأسطر هو جزئية معينة من أنواع الاختلاف؛ وهو اختلاف الفكر والرأي؛ فكلٌّ منا له فكره، وله رأيه الخاص الذي يميزه عن غيره، والذي يتشكل، ويتكون بحس ثقافة المرء، وعلمه، وعقيدته الدينية، وظروفه البيئية، والاجتماعية؛ فكلها عوامل تؤثر، وتتأثر؛ لتخرج لنا فكراً خاصاً بصاحبه.. ومن هنا يتضح لنا أن هنالك أكثر من سبب يؤدي إلى اختلافنا في الرؤى، والأفكار!!.. إذن فالمشكلة ليست في اختلافنا؛ بل في إيجاد أرضية واحدة للاتفاق؛ فليس معنى أن تخالفني الرأي أنك قد أصبحت ضدي، وليست قاعدة (ما أريكم إلا ما أرى) من الحق في شيء؛ فقد نختلف في مسألة، ولكن هنالك العديد من المسائل التي نتفق فيها.. وقد أختلف مع أخي، ولكن هذا لا يعني أن أختزل أُخوتي معه لهذا الاختلاف فقط..
إن من أهم، وأسلم، وأنجع الوسائل لحل الاختلاف الحوار الجاد، الهادئ، البنّاء؛ فهو موصل جيد للأفكار، وأقصر الطرق لإقناع الآخرين.. وعلينا أن نقبل على من نحاور؛ فمقصودنا, ومرادنا من ذلك هو وضوح الحق؛ لا شيء غيره.. وكذلك من الأهمية بمكان عند المحاورة توسيع، ودعم دائرة الاتفاق، وتضييق دائرة الاختلاف.. وهذا لا يكون إلا بتأطير، وتحديد ما نختلف فيه؛ فقد يكون وضوح الأمر المختلف فيه لكلا الطرفين بداية الحل؛ فكثيراً ما نختلف فقط لأننا لا نعرف ما هو الشيء الذي اختلفنا فيه.. وأحياناً قد نكون متفقين؛ ولكن هنالك مشكلة في قنوات الاتصال والفهم.. فسوء الفهم آفة.
ومن هنا تنشأ حاجتنا الماسة لمعرفة أدب الحوار، وضرورة ممارسته، وتطبيقه في قضايانا الكبرى؛ بل حتى في حياتنا اليومية المعتادة.. وهنا جملة من الآداب التي يجب أن يلتزم بها المحاور:
• التجرد التام وتصحيح النية لله عز وجل.
• عدم الاستكبار عن الحق.. وأخذ الحق من أي شخص؛ فالحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أولى الناس بها.
• إياك والغرور العلمي.. وهو أن تظن أن من تحاوره هو أقل منك علماً؛ فهذا يسد عليك باب التمعن والتفكر فيما يقوله لك.
• التحدث بطريقة هادئة ومقنعة؛ فالثورة والغليان قد يضيع معها الحق (وجادلهم بالتي هي أحسن).. وكما قال أحدهم: النفوس بيوت؛ فاطرقها برفق عند الولوج إليها.
• تذكر أنك تحاور من يختلف معك في فكره فقط لا في شخصك؛ فبذلك تترفع عن أذيته والنيل من عرضه.
• البعد عن المسميات والانتماءات الحزبية؛ فإنها تشيع روح العصبية، وتزيد عمق الشرخ.
• هنالك قاعدة تقول: ليس كل ما لديّ صواب، وليس كل ما يأتي من الآخر خطأ.
• ليكن لسان حالك ومقالك ما قاله الإمام الشافعي رحمه الله: (ما ناظرت أحداً قط إلا ولم أبالي بيّن الله الحق على لساني أو لسانه).
وأخيراً وليس آخراً فمراد الحديث ومقصوده ألاَّ ننزعج كثيراً إذا نحن اختلفنا؛ فهذا أمر قدري؛ بل إن ملائكة العذاب، وملائكة الرحمة اختلفوا في الرجل التائب كما ورد ذلك في الحديث الشريف؛ أيهم يأخذه؟!.. وكذلك اختلف أعظم جيل بعد الأنبياء - وهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم - ولكن ضربوا لنا أروع المثل في أدب الاختلاف، وحسن الحوار.. وليكن شعارنا في ذلك مقولة أحد الدعاة المعاصرين: (فلنتعاون فيما اتفقنا فيه، وليعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه).. والله أسأل أن يوفق، ويسدد كل باحث عن الحق، وأن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، وأن يرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه، وهو الهادي إلى سواء السبيل.

المصدر: http://www.meshkat.net/node/11874

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك