الآخـــر

الآخـــر

كثر الكلام في أيامنا هذه عما يسمى بالآخر، عن الاعتراف به وعن قبوله. فما المقصود بالآخر؟ يدل اللفظ على أن المقصود به من ليس مثلك، من هو مختلف عنك، فأنت شيء وهو شيء آخر. فإذا كان الواحد أبيض اللون فأسود اللون آخر، أو كان الواحد مسلمًا فالنصراني أو اليهودي بالنسبة له آخر.
ما المقصود بالاعتراف به؟ إن كان المقصود الاعتراف بوجوده فهذا تحصيل حاصل، لأنه لو لم يكن موجودًا لما سمي بآخر، أم أن المقصود به حقه في الوجود وعدم تطهير العالم من أمثاله؟ إعطاء هذا الحق يعتمد على نوع العقيدة التي يؤمن بها كل من الأول والآخر. أما صاحب العقيدة الإسلامية، فإنه يعطي الآخر هذا الحق في الوجود والله تعالى يقول: (وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين).
ما المقصود بقبول الآخر؟ إن كان المقصود به أن تقول مثلي ولا فرق بيننا البتة، فهذه مغالطة، لأنه لولا وجود الفارق لما سُمي آخر. فاليهودي ليس كالنصراني، والملحد ليس كالمؤمن بوجود الخالق، والعربي ليس كالأعجمي. فلا بد أن يكون للقبول معنى آخر إذن. والمعنى المتبادر إلى الذهن هو أن تعده مثلك في أمر هو أهم عندك من الأمر الذي أنتم مختلفون فيه. فإذا كنت مسلمًا فستأخذ بمعيار التقوى الذي قرره الرسول صلى الله عليه وسلم والذي يقتضي أنه لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأحمر على أسود إلا بالتقوى. فأنت هنا لم تعترف بالوجود الحسي للآخر وبحقه في هذا الوجود فحسب، بل اعترفت بأن فارق اللغة أو اللون لا تأثير له في قيمة الإنسان، فقد يكون الأبيض خيرًا من الأسود أو العكس، وقد يكون العجمي خيرًا من العربي أو العكس.
وإذا كنت مسؤولاً عن دولة علمانية فقد تجعل القيمة العليا هي المواطنة فلا تفرق بين المواطنين بسبب لونهم أو دينهم.
فقبول الآخر يعتمد إذن على نوع القيمة أو المعيار الأعلى الذي تؤمن به. لكن هذا معناه أن الآخر إذا كان مختلفًا بذلك المعيار فلن يقبل ولن يعامل معاملة الأول. فالمسؤول في الدولة العلمانية لا يعامل الأجانب معاملة المواطنين، والمسلم الذي يجعل القيمة العليا للتقوى لا يسوي بين المسلم والنصراني أو اليهودي أو الملحد. فالذي يسوي بينهم إذا كان منتسبًا إلى الإسلام مثلاً فكأنه يقول أنا أعتقد أن الله لم يلد ولم يولد، لكنني أعتقد كذلك أنه لا فرق بيني وبين الآخر الذي يقول إن عيسى ابن الله، هذا تناقض.
ليس هنالك إذن قبول للآخر بإطلاق وإنما هو أمر نسبي. والذي يقول بغير هذا لا يتصور حقيقة ما يقول.

المصدر: http://www.meshkat.net/node/11434

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك