القرآن الكريم يقدم النظام الأكفأ للمشكلات الاقتصادية

القرآن الكريم يقدم النظام الأكفأ للمشكلات الاقتصادية

 

د. رفعت العوضي

 

 

أ. أحمد حسين الشيمي

 

 

ذكر الدكتور رفعت العوضي أستاذ الاقتصاد الإسلامي بجامعة الأزهر الشريف وعضو لجنة الاعجاز العلمي في مجمع البحوث الإسلامية أن البعض يخطأ عندما يعتقد أن الاقتصاد الاسلامي يتضمن الزكاة فقط، مشيراً إلى أن التشريع الاسلامي يتضمن الضريبة أيضاً، ويؤدي كل منهما دوره في العملية الاقتصادية.

 

 

وأضاف في حوار خاص لـ (المركز العربي للدراسات والابحاث ) أن دور الدولة الرئيسي يتمثل في القضاء على الفقر الذي ينتشر بصورة واسعة في العديد من الدول العربية.

 

وشدد العوضي على أن الوقف الإسلامي هو صانع الحضارة الإسلامية، حيث قام بتمويل جميع عمليات التعليم والصحة والخدمات الاجتماعية في مراحل النهضة الإسلامية، متوقعاً أن يعود الاهتمام بالوقف الاسلامي إلى سابق عهده لتحقيق التقدم العربي.

 

التقينا الدكتور رفعت العوضي بمكتبه بالقاهرة، وطرحنا عليه العديد من القضايا الاقتصادية، فدار هذا الحوار.

 

س1) بداية هل لنا أن نعرف بعض ملامح الاعجاز القرآني في الجانب الاقتصادي، وكيف عالج القرآن الكريم أبرز المشكلات التي تواجهنا وهي الفقر؟

 

ج1) بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وسلم تسليماً كثيراً أما بعد،،

القرآن الكريم هو معجزة نبينا محمد صلوات الله عليه، والكتابات عن الاعجاز في القرآن بدأت منذ أن بدأ التدوين في علوم القرآن الكريم، لكن نستطيع القول أنه في النصف الثاني من القرن العشرين بدأ الحديث عن الاعجاز العلمي في القرآن، فخلال ثلاثين عاماً اقتصر الحديث عن الاعجاز في المجالات العلمية والعلوم الاساسية مثل الزراعة وغيرها، وكانت وجهة النظر حينها أن هذه العلوم تُبنى على حقائق يمكن تفسيرها من خلال القرآن الكريم، وأُستبعد الحديث عن الاعجاز في مجال العلوم الاجتماعية مثل الاقتصاد والسياسة والتاريخ والحضارة، على أساس أن هذه العلوم بطبيعتها مرتبطة بالانسان وانفعالاته ونظمه، فلا يمكن الحديث فيها عن حقائق.

لكن بحمد الله سبحانه وتعالى شهدت الفترات الماضية تقديم بحوث مقبولة ومتميزة في مجال الإعجاز في الجانب الاقتصادي، لاسيما أن القرآن يقدم النظام الأكفأ للمشكلات الاقتصادية، ونعطي على سبيل المثال موضوع الميراث كما جاء في سورة النساء، فقد عرض القرآن هذه المسألة بنظام يعجز أي إنسان أن يأتي بمثله.

مثال آخر عندما عرض القرآن مسألة الربا في أربع سور، عرضه على نحو يعجز أي نظام اقتصادي ان يأتي بمثله، ولك أن تتصور أنه يثبت لنا أن القرآن الكريم أشار إلى أن الربا هو من مسببات الأزمة المالية العالمية التي بدأت عام 2008، وهو بمثابة سبق تاريخي للقرآن الكريم.

أيضاً حينما تقرأ قصة شعيب عليه السلام كما جاءت في سورة هود وهو موضوع يتعلق بادارة الاستثمار في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة، وقصة سيدنا يوسف عليه السلام، ترى أنه كيف قدم القرآن الكريم النموذج الأمثل في الشق الاقتصادي.

وبخصوص موضوع الفقر نستطيع القول أن هناك ثلاثة فروع رئيسية :

الأول : الاعجاز العلمي في القرآن الكريم.

الثاني : الاعجاز العلمي في السنة النبوية.

الثالث : الاعجاز التشريعي، وهو الخاص بالاعجاز العلمي في القرآن والسنة المطهرة وما أتفق عليه الفقهاء.

ولدينا الآن دراسات عن الاعجاز التشريعي في معاجة الفقر، وبخصوص هذا المجال، يمكن النظر إليها من جانب إن الاسلام له تشريعاته العاملة في تحديد الموارد الاقتصادية وتوضيحها، كما أنه يحدد دور الدولة الاقتصادي، وهنا تحل مشكلة الفقر عن طريق دور الدولة اولاً، باعتبار أن الدولة مسؤولة بصفة أساسية عن مكافحة الفقر، ثم يأتي دور الفرد والقطاع الخاص من خلال الزكاة لاستكمال خطة التصدي للفقر.

 

س2) بماذا تتميز الزكاة عن الضرائب المعمول بها في كثير من الدول، وأيهما أكثر قدرة على تحقيق الأمن الاقتصادي والاجتماعي للفرد ومن ثم تحقيق التكافل الاجتماعي بين المسلمين؟

 

ج2) البعض يعتقد أن الاسلام به زكاة فقط، لكن التشريع الاسلامي به زكاة وضريبة لكل منهما دوره في العملية الاقتصادية، فالزكاة وظيفتها رائدة يتعلم العالم كله منها وهي أنه لأول مرة في تاريخ البشرية، يوجد دين أحد أركانه علاج الفقر عن طريق الزكاة.

وبخصوص الضريبة، يقول الإمام الجويني ـ وهو من كبار أئمة الفقه الاسلامي ـ في كتابه "الغياثي" الذي ألفه منذ 1010 سنة : "إذا لم يفرض الحاكم ضريبة فمن أين يدفع مرتبات الجند والقضاة وكل من يقوم بوظيفة لازمة للإنسان"، وبناء عليه يقول أن ولي الأمر عليه أن يفرض ضريبة يدفع منها لكل هذه الأمور.

فإذا قلنا أن الاسلام ليس به ضريبة، فمعنى ذلك أن نستخدم أموال الزكاة في مشروعات الطرق والكباري وهذا لا يجوز، لأن الزكاة محدد وظيفتها بدقة في القرآن، لكن الضريبة تساعد الحاكم على القيام بذلك، لكن في الوقت نفسه يجب على الحاكم أن يستشير الدعاة وأئمة المسلمين قبل تحديد قيمة الضريبة، فلابد من توافر شروط شرعية معينة ومحددة بدقة قبل إقرار الضريبة، ولا يكون تحديدها بصورة جزافية أو مزاجية.  

 

 س3) في كتابكم أطلقتم على الاسلام الطريق الثالث بعد الاشتراكية والرأسمالية، كيف يحقق الاقتصاد الاسلامي ما عجزت عنه تلك الإيدولوجيتين، وماهي الاسس والمبادئ لتحقيق ذلك؟  

 

ج3) العالم تبنى الاشتراكية لفترة وعندما فشلت في معالجة المشكلات توجه إلى الرأسمالية، وعندما عجزت عن مواجهة الأزمات، بدأ الحديث عن الطريق الثالث، لكن تتوجه الانظار الآن إلى وسطية الاقتصاد الاسلامي، باعتباره أسمى من هاتين الايدولوجيتين.

الملفت أن بعض الليبراليين والأحزاب الليبرالية في مصر يتحدثوا الآن عن وسطية الاقتصاد الاسلامي، خاصة مع جو الانفتاح الذي يعيشه الشعب المصري عقب ثورة يناير.

وحالياً نقوم في مجمع البحوث الإسلامية بشرح خصائص الاقتصاد الاسلامي، وكيف أنه يتضمن دوراً لقطاع الدولة والقطاع الخاص لتحقيق التنمية المنشودة، وهذا يجد قبولاً من قبل تيارات عديدة في المجتمع المصري، ونؤكد لهم أنه لا يجدي نفعاً تبني الرأسمالية أو الاشتراكية أو الطريق الثالث الذي يجمع بين الأثنين، لكن المخرج الوحيد هو تبني الاقتصاد الاسلامي.  

 

س4) الفساد الاقتصادي العريض الذي احدثته النظام المصري السابق، كيف يمكن مواجهته في هذه المرحلة المهمة التي يمر بها الاقتصاد المصري؟

 

ج4) دائماً نؤكد أن الاسلام مسؤول عن نظامه، وإن أخطأ أي نظام آخر فلا نطلب من الاقتصاد الاسلامي تصحيح هذا الخطأ. النظام السابق استخدم الرأسمالية في أسوأ صورة لها، حتى أنها على مدى ثلاثين عاماً تجاوزت تطبيقات الرأسمالية نفسها في أمريكا خاصة فيما يتعلق بإقتصاد السوق.

والحل يكمن الآن في ضرورة هيكلة الاقتصاد المصري حسب الشريعة الإسلامية التي تضمن أدواراً محددة للقطاع العام والقطاع الخاص والأفراد، حتى يشارك الجميع في عملية التنمية، مع ضرورة تنظيم الموارد وتحديد حد أدنى للأجور، وبنود لمعالجة قضية الفقر المنتشرة بقوة بين شرائح عديدة في المجتمع.

 

س5) تشير بعض الاحصاءات إلى أن الوقف الاسلامي يبلغ 105 مليار دولار في الدول العربية، وبالرغم من ذلك لا نرى الاهتمام الكافي بهذا القطاع الهام، برأيكم ما هو دور الوقف في عملية التنمية الاقتصادية، وما هي أبرز التحديات التي تواجه تطوير هذا القطاع، وكيف يمكن التعاطي معها؟

 

ج5) يمكن القول بما لا يدع أي مجال للشك أن الوقف هو صانع الحضارة الإسلامية، وكما نعلم فإن الوقف قام بتمويل جميع عمليات التعليم والصحة والخدمات الإجتماعية في مراحل النهضة الإسلامية.

وقد خطابنا النظام السابق عن تطوير الوقف المصري وتصحيح دوره في التنمية، لكنه رفض أفكارنا. ويمكن القول الآن أن الاهتمام بالوقف الإسلامي سيخفف العبء عن ميزانية الدولة في هذه المرحلة الحرجة في مسيرة الاقتصاد المصري، وأتوقع مع المناخ الموجود في مصر حالياً أن يعود الوقف إلى سابق عصره، وسيكون عاملاً هاماً في بعث النهضة المصرية. 

 

س6) لماذا يتخوف بعض المسلمين من تطبيق الاقتصاد الاسلامي، هل يخفي ذلك جهل بمرتكزات الاقتصاد الاسلامي، أم هي فزاعة تروج لها بعض الأنظمة العربية لإحداث فوبيا من أي مظهر إسلامي؟

 

ج6) الذين يتخوفون لا يعلمون كثيراً عن ضوابط وأركان وأسس الاقتصاد الاسلامي، ويصدرون أحكاماً مسبقة بدون علم أو دراية، وعليهم أن يستمعوا ويدركوا حقيقة الاقتصاد الاسلامي قبل الحكم عليه.

مثلاً العالم الغربي تحدث عن الاقتصاد الاسلامي أثناء أزمته المالية أكثر مما تحدث المسلمون أنفسهم، وهذه مشكلة كبيرة، لذا أدعو كافة التيارات الغير إسلامية إلى المعرفة الصحيحة للضوابط الاقتصادية الإسلامية، ثم بعد ذلك الحكم.

 

س7) من لا يملك قوت يومه لا يملك حريته، ورغم الامكانات العربية الهائلة من مساحات زراعية ورؤوس أموال طائلة، لم نستطيع تحقيق الأمن الغذائي، ما هي الآثار المترتبة على ذلك، وكيف يمكن تحقيق ذلك؟

 

ج7) هناك دراسات وكتابات عديدة تتناول مشكلة الأمن الغذائي العربي، ويجب التنبيه إلى أن الوطن العربي لا يعاني من قلة الأراضي الزراعية أو قلة المياة، وهي العناصر الاساسية لمواجهة هذه المشكلة.

لكن القضية تكمن في السياسات الخاطئة التي تتبناها الأنظمة العربية، وزعمت عن طريق وسائل الاعلام أننا لدينا مساحات كبيرة من الأراضي الصحراوية أو أن الموارد المائية غير كافية، وكلها أمور خاطئة.

الله سبحانه وتعالى منح الأمة الإسلامية الموارد الرئيسية لتحقيق الأمن الغذائي، لكن المشكلة في إدارة هذه الموارد.

وأتوقع مع الثورات العربية أن نحسن إستغلال مواردنا بصورة تجعلنا نصل إلى مرحلة الاكتفاء الغذائي.

 

س8) بعد ما يزيد على ثلاثين عاماً من وجود البنوك الإسلامية، هل ترى ضرورة إعادة النظر فيها؟، ولماذا يشكك الكثيرون في أنها واجهة إسلامية لمعاملات ربوية؟ فيما يرى البعض أنها تبنت القواعد الإسلامية فقط لتحقيق الربح؟  

 

ج8) يجب التمييز بين المصرفية الإسلامية وتجربة البنوك الإسلامية، وهذه التجربة تحتمل الخطأ والصواب، ولابد أن تخضع لمراجعات مستمرة لتصحيح أخطاءها، حيث أن هناك التشريع الخاص بالمصارف من قبل الله سبحانه وتعالي، لكن التطبيق يقوم به بشر، يخطئ ويصيب، مع ضرورة تقويم التطبيق لمعرفة مدى إقترابه من التشريع الاسلامي.

س9) ذكرتم أن العولمة ترسخ نظرية (20/80) أي أن يكون 20% من العالم غني والباقي فقير، ما هو الطريق الصحيح لمواجهة هذه الهيمنة الغربية؟

 

ج9) في مصر خلال الثلاثين عاماً الماضية كانت الموارد في يد أقل من 20% من الشعب المصري، وفي العالم هناك عدد كبير جداً من الدول فقيرة ومستهلكة وعدد قليل غني ومنتج.

الخروج من الهيمنة لن يكون إلا عن طريق التقدم الاقتصادي، ولن يتأتى ذلك إلا بتطبيق الاقتصاد الاسلامي، الذي يضمن توزيعاً عادلاً للموارد وتحقيق الاكتفاء الذاتي للفرد، بعيداً عن سطوة الأقلية وهضم حقوق الأغلبية كما حدث في مصر.

 

س10) إلى متى ستظل الدول العربية رهينة تلك الهيمنة، وما هي المخاطر الاقتصادية التي تسببها المعونات الغربية والامريكية بالتحديد التي تتلاقها بعض الدول وابرزها مصر؟

 

ج10) هذه المعونات والقروض تحول دون التقدم الاقتصادي وترسخ التبعية للغرب، ويكفي أننا نهدي الأجيال القادمة أسوأ هدية، وهي مبالغ ضخمة جداً من الديون، ولاشك أن تفعيل الأدخارات والاستثمارات الداخلية يؤدي إلى عدم الحاجة لهذه المساعدات التي تكون مُسيسة في معظم الحالات.

فمثلاً تشير التقديرات الأولية إلى أن الاموال المصرية المهربة للخارج تقدر بحولي 200 مليار دولار بغض النظر عن أسماء أصحابها، فإذا تم استدعاء هذه الأموال بصورة صحيحة لتغير الوضع إلى الأفضل، وحينها لا تحتاج مصر إلى أمريكا أو غيرها من الدول الاوروبية.

الدين الداخلي والخارجي المصري يُقدر بحوالي تريليون جنيه، فلك أن تتخيل أن تصدر للأجيال القادمة هذا المبلغ، لن تدعو هذه الأجيال لنا بالرحمة بل سيدعو لنا بشئ آخر!!. 

 

س11) أقلام وأفكار كثيرة طُرحت وما تزال تُطرح حول التكامل الاقتصادي الاسلامي، ولماذا لم يتحقق حتى الآن، برأيكم ما هي الأسس القويمة لتحقيقه؟

 

ج11) نحن نعيش عصر الكيانات الكبيرة مثل أمريكا والاتحاد الأوروبي والصين وروسيا والهند، ونكتب منذ فترة طويلة ونؤكد أنه إذا لم يتحول العالم العربي والاسلامي (المكون من 57 دولة ) إلى مثل هذه الكيانات سوف تؤكل دوله واحدةً تلو الأخرى.

وتبدأ الوحدة بتحقيق تكامل في الموارد الاقتصادية ثم تتحول إلى كيان سياسي كبير على غرار الاتحاد الاوروبي، وبدون ذلك لن يكون لنا دور في الحاضر أو المستقبل. 

 

  • صحفي وكاتب مصري .

 المصدر: http://arabicenter.net/ar/news.php?action=view&id=1149

أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك