دعوة للتعايش
دعوة للتعايش
التعايش بين الثقافات والحضارات والأديان قضية رائجة في عصرنا، كتب فيها كثير من المفكرين العالميين كتابات مشهورة متداولة، وأهل الإسلام أسعد الناس بأي مشروع (صادق) يبسط السلام، ويعزز القيم الإنسانية المشتركة، ويجعل من الحوار سبيلا لتمحيص الحقائق، وحل المشكلات.
لأننا واثقون بإذن الله أن التعايش مع الآخر –الثقافي- لن يكون خصما على ديننا، بل سيزيدنا قوة إلى قوتنا، وقد تواترت الشواهد على أن الأجواء السلمية التي يشيع فيها الأمن، وتحفظ الحقوق، هي أفضل الأجواء لانتشار الإسلام، فنحن نعلم من السيرة المباركة أن عدد الذين دخلوا في الإسلام بعد صلح الحديبية أضعاف عدد الذين كانوا فيه من قبل ولذلك سماه الله فتحا.
والواقع المعاصر يشهد أيضا أن الإسلام ينتشر في أوربا وأمريكا انتشارا واسعا، أربك خصوم الإسلام هناك وأفسد عليهم عيشهم، وما الحملات المستعرّة التي تؤلبها الدوائر الصهيونية في بلاد الغرب إلا شاهد على قوة الإسلام وحيويته.
وهذه الحقيقة نثبتها هنا لنقول لبعض إخواننا الدعاة : إن العزلة عن الناس بحجة فساد الزمن أمر لا يستند إلى معرفة صحيحة بالواقع الذي يشهد –بفضل الله- إقبالا على الإسلام في كل مكان، والأصل أن يكون لهذا الإقبال أثر على الأمة منعش، يجدد حيويتها، ويدفعها لمزيد من الثقة في النفس، ولمزيد من الانفتاح على العالم، فالذي يعلم أنه يملك التصور الصحيح والفكرة الصائبة والدين الحق لا ينبغي له أن ينغلق في حَوْزات تحول بينه وبين الناس.
إن التعايش مع الآخرين بالحسنى، أمر مطلوب لتبليغ الدعوة ولصلاح الحياة وعمرانها، وقد لمست من خلال تتبّعي لبعض مقالات الإسلاميين وخطبهم ومحاضراتهم توجسا من دعوات التعايش هذه، لأنهم وجدوا أن الذين انبروا لهذه الدعوة وأكثروا من الحديث عنها ينطلقون في غالب الأحيان من رؤية علمانية خالصة، أو إسلامية مشوَّهة، فهم يردون لنا أن نتعايش مع الآخر تعايشا نتنازل فيه عن محكمات ديننا، فقد كتب أحدهم(فهمي جدعان) يدعونا إذا أردنا أن نتعايش مع فضاء العصر العولمي ومذاهبه أن نحدث خروقات اجتهادية في منظومة الإسلام العقدية والفقهية ، وذلك بتبني رؤى أو مواقف غير مألوفة أو منكرة –على حد تعبيره-لم يجر عليها العمل عند المسلمين مثلما فعلت أمينة عبدالودود بإمامتها للصلاة في الولايات المتحدة، وهذه الخروقات الاجتهادية أو تفكيك الإسلام-بتعبير آخرين- دعوة خلاصتها أن نترك الإسلام إلا نَذْرا يسيرا منه يتصل ببعض القيم الأخلاقية،وأن نتقبل كل ما انتهت إليه الحضارة الغربية من قيم وأفكار ومناهج، وهذا ما لا يمكن أن تتبناه امة تقرأ قول الله ( قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون) فنحن المسلمين مع التعايش الذي يقر التعددية الدينية (لكم دينكم ولي دين) ويتيح حرية الحوار(ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم) ويصون كرامة الإنسان ودمه وعرضه.
هذا هو التعايش الذي نطالب الدعاة والمفكرين الإسلاميين أن يشرحوه للناس، وأن يكتبوا فيه، وأن يُجرُوا حوله حوارات ومؤتمرات تناقش كل ما يتصل به من تحديات ومشكلات، وإذا تراخى الإسلاميون الجادّون عن هذا الواجب، فسيملأ الفراغ قوم آخرون.. تحركهم مطامع قريبة أو أفكار شاذة.