مواقف تربويّة من هدي النبيّ صلى الله عليه وسلم مع الأطفال

مواقف تربويّة من هدي النبيّ صلى الله عليه وسلم مع الأطفال
( اللهُ يَعْلَمُ إنّي لأُحِبُّكُنَّ )
حديث شريف
إعداد

الدكتور عبد المجيد البيانوني
دكتوراة في الشريعة وعضو رابطة الأدب الإسلاميّ العالميّة
المشرف العلميّ على موقع الميثاق التربويّ

الحمد لله حمداً يوافي نعمه ، ويكافئ مزيده ، يا ربّ لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك ، سبحانك لا نحصي ثناءً عليك ، أنت كما أثنيت على نفسك .
والصلاة والسلام الأتمّان الأكملان على أشرف الأنبياء والمرسلين ، المبعوث رحمةً للعالمين ، سيّد ولد آدم ، وعلى آله وأصحابه والتابعين ، ومن اتّبع سنّته ، واهتدى بهديه إلى يوم الدين ، وبعد ؛
فإنّ الحاجة ملحّة إلى التأصيل الشرعيّ لمختلف جوانب الفكر الإنسانيّ ، وبخاصّة أنّ الأمّة تعيش مرحلة حسّاسة حاسمة من صراع الهوّيّة مع القريب المفتون ببضاعة الغرب ، التي يروّج لها ، والعدوّ الماكر المتربّص ، الذي يهدف في جملة ما يهدف أن يشكّك شبابَ الأمّة بثوابتها ، وأن يعمّق الشعور بالهزيمة النفسيّة ، والإحباط ومركّب النقص ، ولا علاج من ذلك إلاّ بردّ الأمّة إلى أصولها وثوابتها ، وتعريفها بما أكرمها الله به من دين ومنهاج ، هو سرّ سعادتها وفلاحها ..
ولعلّ الحاجة إلى التأصيل الشرعيّ لأصول التربية ومبادئها تأتي على رأس الألويّات في هذا المجال ، لما للتربية من أثر فعّال في بناء الأجيال التي تقود مسيرة الأمّة ، وتصنع مستقبلها ..
وقد عَرَضَت فكرةُ هذه اللقطات عَرَضاً منذ عدّة أشهر ، ولقيت استحساناً من الإخوة القائمين على برنامج جيل المستقبل ـ وفّقهم الله تعالى لكلّ خير ـ فجمعتُ خلال أيّام معدودات بتوفيق الله تعالى وتيسيره ، ما أودعتُه هذه الرسالة ، واستخرجتُ من كلّ حديثٍ أهمّ ما فيه من العبر والفوائد ، وطُبِعَت الرسالة على عُجالة من الأمر ، لظروف آنيّة قضت بذلك .. وعندما فكّرت فيما أودعته فيها ، وأعدت النظر في أبواب كتب الحديث ، ومجاميع السنّة الشريفة ، وجدت ما كنت أظنّ : أنّ ما فاتني أكثر ممّا جمعت ، وما غفلت عنه مجموعة لا تقلّ عمّا جمعت ، فأضفت أهمّ ما فاتني حتّى تضاعف حجم الرسالة .. ثمّ استخرجت معاني جامعة أسمَيتُها : " مبادئ نبويّة في فنّ التعامل مع الأطفال " زادت على سبعين مبدأ ، وها هي ذي قد استتمّ بنيانها ، وقام كيانها ، والله تعالى أسأل ، أن يجعلها خالصة لوجهه الكريم ، وأن يتقبّلها بقبولٍ حسن ، وينفع بها عباده ، ويكتب لي بها مغفرته ورضوانه ، إنّه أكرم مسئول ، وهو حسبي ونعم الوكيل .

جدّة في 20/1/1425 هـ
وكتبه /
د. عبد المجيد البيانوني

تصدير

حافظوا على فطرة الله ولا تهملوها .!

الإنسان أكرم مخلوق .. خلقه الله بيديهِ ، وأسجدَ له ملائكته ، وجعله في الأرض خليفة ، وأرسل إليه الرسل ، وأنزل عليهم الكتب .. وحباه فطرة قويمة ، تقبل الحقّ ، وتقبل على الخير ، فحَقّ على الآبَاء والمربّين أن يحوطوها بعنايتهم ، فلا تفسدها الأهواء ، ولا تشَوّهها أيدي العابثين .
عَن أَبي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ  : ( مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلاّ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ ، أَوْ يُنَصِّرَانِهِ ، أَوْ يُمَجِّسَانِهِ ، كَمَا تُنْتَجُ البَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ ، هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ ؟ ) ، ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ  : الروم ( ) .
شرح معاني الكلمات :
ـ تُنْتَجُ : تولد ، والنتاج للبهائم كالولادة للإنسان .
ـ البَهِيمَةُ : كلّ ذات أربع قوائم من دوابّ البرّ والبحر ، ما عدا السباع .
ـ جَمْعَاءَ : هي التي لم يذهب من بدنها شيء .
ـ جَدْعَاءَ : هي التي قُطع بعضُ أطرافِها .

  

صورة من العناية الإلهيّة بطفولة النبيِّ  المباركة

حفّت النبيَّ  يد العناية الإلهية منذ الصغر ، وحفظتْه مِن حظّ الشيطان ، فلا سبيل له إلى قلبه بحال ، لأنّها كانت تهيّئه لأعظم رسالة ، تقود الإنسانيّة إلى ما فيه عزّها وسَعادتها ، وإذا أشرقت البدايات فلا تَعجب بما تكون عليه النهايات .
عَنْ أَنَسٍ  أَنَّ رَسُولَ اللهِ  كَانَ يَلْعَبُ مَعَ الصِّبْيَانِ ، فَأَتَاهُ آتٍ فَأَخَذَهُ ، فَشَقَّ صَدْرَهُ ، فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ عَلَقَةً فَرَمَى بِهَا ، وَقَالَ : هَذِهِ نَصِيبُ الشَّيْطَانِ مِنْكَ ، ثُمَّ غَسَلَهُ فِي طَشْتٍ مِنْ ذَهَبٍ ، مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ ، ثُمَّ لأَمَهُ ، فَأَقْبَلَ الصِّبْيَانُ إِلَى ظِئْرِهِ ( ) : قُتِلَ مُحَمَّدٌ ، قُتِلَ مُحَمَّدٌ ، فَاسْتَقْبَلَتْ رَسُولَ اللهِ  ، وَقَدِ انْتَقَعَ لَوْنُهُ ( ) ، قَالَ أَنَسٌ  : فَلَقَدْ كُنَّا نَرَى أَثَرَ المَخِيطِ فِي صَدْرِهِ ) ( ) .

* معالم هاديَة :
1 ـ عناية الله تعالى بنبيّه  في طفولته ، وحفظه من تأثير الشيطان ووساوسه ، وهذا من إرهاصات نبوّته .
2 ـ على المربّي أن يعتني بأولاده منذ الطفولة ، فما يكون في الطفولة ـ غالباً ـ هو الذي يطبع شخصيّة الإنسان ، ويخطّ له مستقبل حياته .

  

حبّ الطفولة أصلٌ نبويّ مكين
ومحبّةُ النَّبِيِّ  لأطفال الأنصَار
( اللهُ يَعلَمُ إنِّي لأُحِبُّكُنّ )
طار كلّ شيء فرحاً لمقدم النبيّ  إلى المدينة ، وتلألأ وزغرد .. وسرى نسيم الحبّ بكلّ من فيها ، وما فيهَا .. حتّى الجواري اللاتي لم يخفت بريق فطرتهنّ عبّرن عن محبّتهنّ بغناء الطفولة العذب ، والضرب بالدفّ .. فرَحاً وابتهاجاً لحلول النبيّ  في ديارهم .. فبادلهنّ النبيّ  حبّاً بحبّ ، ودعاءً بصفاء قلوبهنّ ، وفرحة أرواحهنّ : ( الله يعلم إنّي لأحبّكنّ .. اللهمّ بارك فيهِنّ ) .
عن أنس بن مالك  أن النبي  مرّ ببعض المدينة بجوارٍ من الأنصار ، وهن يضربن بدفّهنّ ، ويغنين ويقلن :
نحن جوار من بني النجار يا حبذا محمد من جار
فقال رسول الله  : ( الله يعلم إني لأحبكن ) ( ) .
وفي رواية عنهِ  أَنَّ النَّبِيَّ  اسْتَقْبَلَهُ ذَاتَ يَوْمٍ صِبْيَانُ الأَنْصَارِ وَالإِمَاءُ ، فَقَالَ : ( وَاللهِ إِنِّي لأُحِبُّكُمْ ) ( ) .
وجاء في رواية أبي يعلى أنّ نبيّ الله  قال لهنّ : ( اللهم بارك فيهنّ ) ( ) .

* معالم هاديَة :
1 ـ من السنّة الإخبار بالمحبّة لمن يحبّ ، ولَو كان من الأطفال .
2 ـ مشروعيّة القسم لتأكيد الخبر المهمّ ، ولو لم يطلب من الإنسان .
3 ـ حسن خلق النبيّ  مع الأطفال ، ولطفه بهم ورفقه .

  

اللوحة الأولى
أطفالنا مستودع العقيدة ومعدن الإيمان

غرس المبادئ منذ الصغر ، وتعليم الطفل حقائق الإيمان دأب المربِّي الحريص على حسن النشأة ، ورسوخ الحَقّ ، وثبات العقيدة .. وما أحسن أن تسير المبادئ جنباً إلى جنبٍ مع السلوك العمليّ ، والمواقف اليوميّة ..
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللهَ  يَوْماً فَقَالَ :
( يَا غُلامُ ( ) ! إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ : احْفَظِ اللهَ يَحْفَظْكَ ، احْفَظِ اللهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللهَ ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللهِ ، وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ ، لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلاّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ لَكَ ، وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ ، لَمْ يَضُرُّوكَ إِلاّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ عَلَيْكَ ، رُفِعَتِ الأَقْلامُ ، وَجَفَّتِ الصُّحُفُ ) ( ) .
ومعنى : " رُفِعَتِ الأَقْلامُ ، وَجَفَّتِ الصُّحُفُ " : أي أنّ ما قُدّر فهو كائن لا محالة .
ورواه الإمام أحمد في المسند ، وفيه زيادة : ( تَعَرَّفْ إِلَيْهِ فِي الرَّخَاءِ يَعْرِفْكَ فِي الشِّدَّةِ ، وَاعْلَمْ أَنَّ فِي الصَّبْرِ عَلَى مَا تَكْرَهُ خَيْراً كَثِيراً ، وَأَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ ، وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ ، وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً ) ( ) .

* معالم هاديَة :
1 ـ مَن قال : إنّ الغلام لا يدرك حقائق الإيمان .؟ فليَقف على هذا الحديث ليعرف الحقيقة .
2 ـ كما نعلّم أبناءنا أركان الإيمان ، علينا أن نعلّمهم حقائقه ..
3 ـ تعلّق القلب بالله تعالى ، واللجوء إليه في كلّ حال ، مع الأخذ بالأسباب المطلوبة : من أعظم حقائق الإيمان وثمراته .
4 ـ حقائق الإيمان سُنَنٌ إلهيّة راسخة لا تتبدّل ، يحسن التعامل بها المؤمنون الموفّقون ، ويحرم منها سواهم ، فكم نخسر عندما لا نغرسها في نفوس أبنائنا .؟!
5 ـ إنّ تلقين الأطفال حقائق الإيمان يختزن في نفوسهم ، ثمّ يكون التعامل بها في أوقاتها المناسبة .
6 ـ صحبة الطفل للكبير لا ينبغي أن تنفكّ عن فائدةٍ تربويّة .

  

اللوحة الثانية
ما ألطف الأخلاق النبويّة مع الصبيان وما أرقّها .!

أعلى ما عرفت الإنسانيّة من صور التربية : التربية باللحظ والإشارة ، وهي تقوم على العلاقة الحميمة بين المربّي والطفل ، والتماس العذر لأخطاء الطفل بقدر الله السابق .. وإذ كان النبيّ رحمةً مهداة للعالمين ، فإنّ من خصوصيّته التي تلائم هذه الطبيعة ، ولا يقدر عليها تنو أحد من البَشر أنّه لم يضرب قطَّ امرأة ولا خادماً ..
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ  قَالَ : خَدَمْتُ النَّبِيَّ  عَشْرَ سِنِينَ ، فَمَا أَمَرَنِي بِأَمْرٍ فَتَوَانَيْتُ عَنْهُ ، أَوْ ضَيَّعْتُهُ فَلامَنِي ، فَإِنْ لامَنِي أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ إِلاّ قَالَ : دَعُوهُ فَلَوْ قُدِّرَ أَوْ قَالَ : لَوْ قُضِيَ أَنْ يَكُونَ كَانَ ) ( ) .
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ  قَالَ : ( خَدَمْتُ رَسُولَ اللهِ  عَشْرَ سِنِينَ ، وَاللهِ مَا قَالَ لِي : أُفّاً قَطُّ ، وَلا قَالَ لِي لِشَيْءٍ : لِمَ فَعَلْتَ كَذَا ؟ وَهَلاّ فَعَلْتَ كَذَا ؟ ) ( ) .
وعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ : ( مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللهِ  شَيْئاً قَطُّ بِيَدِهِ ، وَلا امْرَأَةً وَلا خَادِماً ، إِلاّ أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللهِ ، وَمَا نِيلَ مِنْهُ شَيْءٌ قَطُّ فَيَنْتَقِمَ مِنْ صَاحِبِهِ ، إِلاّ أَنْ يُنْتَهَكَ شَيْءٌ مِنْ مَحَارِمِ اللهِ ، فَيَنْتَقِمَ للهِ عَزَّ وَجَلَّ ) ( ) .
* معالم هاديَة :
1 ـ عظمة أخلاق النبيّ  وسعة صدره في تعامله مع الأطفال .
2 ـ تقدير النبيّ  لمرحلة الطفولة وطبيعتها ، ودفاعه عن الطفل المخطئ ، والتماس العذر له .
3 ـ جواز الاحتجاج بالقدر لالتماس العذر للمخطئ بغير تعمّد .
4 ـ حسن التعامل معَ الأطفال يبقى راسخاً في ذاكرتهم ، ممّا يكون له أبلغ الأثر في سلامة شخصيّتهم ، وحسن نموّهم .

  
اللوحة الثالثة
تحنيك الطفل المولود والدعاء له بالبركة

مجتمع المدينة على عهد النبيّ  كان مجتمع الأسرة الواحدة .. والنبيّ  كان بمثابة الوالد لكلّ أفراد الأمّة .. فهوَ الذي يسمّي الطفل المولودَ ويحنّكه ، ويدعو له بالخير والبركة .. فماذا ينتظر منْ مجتمع بهذا التحابّ والتآلف .؟
عَنْ أَبِي مُوسَى  قَالَ : وُلِدَ لِي غُلامٌ ، فَأَتَيْتُ بِهِ النَّبِيَّ  فَسَمَّاهُ إِبْرَاهِيمَ ، فَحَنَّكَهُ بِتَمْرَةٍ وَدَعَا لَهُ بِالبَرَكَةِ ، وَدَفَعَهُ إِلَيَّ ، وَكَانَ أَكْبَرَ وَلَدِ أَبِي مُوسَى ) ( ) .
والتحنيك : أن تُمْضغَ تمرة ، ثمّ توضعَ في فمِ الوليد ، وتدار في أطرافه .

* معالم هاديَة :
1 ـ مشروعيّة تقديم المولود إلى الرجل الصالح ليسمّيه ، ويحنّكه ويدعو له .
2 ـ من السنّة الدعاء للمولود بالبركة في الدنيا والآخرة .
3 ـ قُربُ الصحَابة  من النَّبِيِّ  ، ومشاركته  لهم في شئونِهم الأسريّة .

وعن عائشة أمّ المؤمنينَ رضي الله عنها أنّ النبيّ  دَعا لمولودٍ فقال : ( اللهُمّ اجعَلْهُ بَارّاً تَقيّاً رَشِيداً ، وَأنبِتهُ في الإسلامِ نباتاً حَسَناً ) ( ) .
هذه الدعوة من جوامع كلمهِ  ، فقد جمعت في كلّ كلمة منهَا مقصداً كبيراً من مَقاصد هذا الدين ، فالبرّ والتقوى والرشد ، والنبات في الإسلام نباتاً حسناً معانٍ كلّيّة جامعة ، تشمل حقائق عظيمة ، تكاد تستوعب الدين كلّه .
وروى الإمام ابن القيّم رحمه الله ، عن الحسَن البصريّ رحمه الله تَعالى أنّه علّم بعض جلسائه التهنئة بالمولود أن يقول : ( بُورِكَ لَكَ في المَوهُوبِ ، وَشَكَرتَ الوَاهِبَ ، وَرُزِقتَ بِرَّهُ ، وَبَلَغَ أشُدَّهُ ) ( ) .

  
اللوحة الرابعة
حقّ الطفلِ في العَقِيقَةِ

العقيقة شكر للواهب ، وفرحة بالموهوب وأدَاء لحقّه ، وابتهَاج أسريّ واجتماعيّ بمقدمه ، والاجتماع على طعامها مظهر للحبّ والتعارف والتآلف ..
عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ  عَنْ رَسُولِ اللهِ  قَالَ : ( كُلُّ غُلامٍ رَهِينٌ بِعَقِيقَتِهِ ، تُذْبَحُ عَنْهُ يَوْمَ سَابِعِهِ ، وَيُحْلَقُ رَأْسُهُ وَيُسَمَّى ) ( ) .
* معالم هاديَة :
1 ـ سنّيّة العقيقة ، وهي من حقّ المولود على والده ( ) .
2 ـ من السنّة أن يحلق رأس المولود يوم السابع ، وتذبحَ عنه العقيقة ، ويسمّى .

  

اللوحة الخامسة
رحمة وحماية بالوَالِدَةِ وَوَلَدِهَا

أحكام الإسلام كلّها تقوم على الرحمة ورعاية الحقوق ، وتربط بين عمل الدنيا ، وجزاء الآخرة .. وحقّ الوالدة برعاية ولدها مصون مقدّس ..
عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الأنصاريّ  قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ  يَقُولُ : ( مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الوَالِدَةِ وَوَلَدِهَا فَرَّقَ اللهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحِبَّتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) ( ) .
ورواه الدارميّ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحُبُلِيِّ أَنَّ أَبَا أَيُّوبَ  كَانَ فِي جَيْشٍ ، فَفُرِّقَ بَيْنَ الصِّبْيَانِ وَبَيْنَ أُمَّهَاتِهِمْ ، فَرَآهُمْ يَبْكُونَ ، فَجَعَلَ يَرُدُّ الصَّبِيَّ إِلَى أُمِّهِ وَيَقُولُ : إِنَّ رَسُولَ اللهِ  قَالَ : ( مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الوَالِدَةِ وَوَلَدِهَا فَرَّقَ اللهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الأَحِبَّاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) .
* معالم هاديَة :
1 ـ ما أرحم الإسلام بالطفل والإنسان .! وما أعظم تقديره لمشاعر الأمومة .؟!
2 ـ هل نبعد في القول إذا قلنا بعد أن نسمع هذا الحديث : إنّ مشاعر الأمومة في الإسلام مقدّسة.؟!
3 ـ ما أجمل أن توظّف الأمّهات مشاعر الأمومة وعواطف البنوّة للتمسّك بالحقّ ، وَحبّ الخير وفعله .؟! وهذا باب من أوسع أبواب التربية
4 ـ الدفاع عن الإسلام ، وحفظ حرماته ، لا يعطّل مشاعر الأمومة والطفولة ، ولا يرضى بالإساءة إليها .

  

اللوحة السادسة
رحماك يا ربّ بالطفولة الغضّة

رفق النبيّ  بالأطفال ، وتقديره لرغباتهم ومشاعرهم الرقيقة تجلّى في كلّ موقف ، حتّى في الصلاة ، فكيف ينبغي أن يكون المؤمن خارجَ الصلاة .؟
عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ شَدَّادٍ عَنْ أَبِيهِ  قَالَ : خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ  فِي إِحْدَى صَلاتَيِ العِشَاءِ ، وَهُوَ حَامِلٌ حَسَناً أَوْ حُسَيْناً ، فَتَقَدَّمَ رَسُولُ اللهِ  فَوَضَعَهُ ، ثُمَّ كَبَّرَ لِلصَّلاةِ ، فَصَلَّى ، فَسَجَدَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ صَلاتِهِ سَجْدَةً أَطَالَهَا ، قَالَ أَبِي : فَرَفَعْتُ رَأْسِي ، وَإِذَا الصَّبِيُّ عَلَى ظَهْرِ رَسُولِ اللهِ  وَهُوَ سَاجِدٌ ، فَرَجَعْتُ إِلَى سُجُودِي ، فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللهِ  الصَّلاةَ ، قَالَ النَّاسُ : يَا رَسُولَ اللهِ ! إِنَّكَ سَجَدْتَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ صَلاتِكَ سَجْدَةً ، أَطَلْتَهَا حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ قَدْ حَدَثَ أَمْرٌ ، أَوْ أَنَّهُ يُوحَى إِلَيْكَ ، قَالَ : كُلُّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ ، وَلَكِنَّ ابْنِي ارْتَحَلَنِي ، فَكَرِهْتُ أَنْ أُعَجِّلَهُ ، حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ ) ( ) .

* معالم هاديَة :
1 ـ كما تُكلّفُ الأمَّة أن تقتديَ بنبيّها  في صلاتهِ ، فهي تُكلّفُ أن تقتديَ به  في تعامله مع الأَطفال وجميع علاقاته ، ولعلّ اقتران هذا الموقف بالصلاة خير ما يشير إلى ذلك .
2 ـ إذا كان رفق النبيّ  بالأطفال هَكذا وهو في الصلاة ، فكيف ينبغي أن يكون المؤمن مع أطفاله خارج الصلاة .؟!
3 ـ لا بأس بدخول الأطفال المسجد مع آبائهم وأمّهاتهم ، إذا أمن من تلويثهم لهُ ، فعلى الذيْن تثور ثائرتهم باسم الغيرة على الدين ، عندما يرون بعض الأطفال مع آبائهم : أن يتأمّلوا هذا الحديث ، ويصحّحوا أفكارهم .

  
اللوحة السابعة
ويخفّف الصلاة رحمةً بالأطفال والأمّهات

ما أرقّ مشاعرَ النبيّ  وما ألطفها .؟! وما أدقّها وهو يراعي مشاعر الأمّ ولهفتها على طفلها ، إذ يبكي وهي تصلّي ، فيتجوّز في صلاته رحمة بهما ..
عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ  حَدَّثَهُ أَنَّ النَّبِيَّ  قَالَ : ( إِنِّي لأَدْخُلُ فِي الصَّلاةِ وَأَنَا أُرِيدُ إِطَالَتَهَا فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ فَأَتَجَوَّزُ فِي صَلاتِي مِمَّا أَعْلَمُ مِنْ شِدَّةِ وَجْدِ أُمِّهِ مِنْ بُكَائِهِ ) ( ) .
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ  أَنَّ رَسُولَ اللهِ  جَوَّزَ ذَاتَ يَوْمٍ فِي صَلاةِ الفَجْرِ ، فَقِيلَ : يَا رَسُولَ اللهِ لِمَ تَجَوَّزْتَ ؟ قَالَ : ( سَمِعْتُ بُكَاءَ صَبِيٍّ ، فَظَنَنْتُ أَنَّ أُمَّهُ مَعَنَا تُصَلِّي ، فَأَرَدْتُ أَنْ أُفْرِغَ لَهُ أُمَّهُ ) ( ) .
* معالم هاديَة :
1 ـ هل هناك أعظم من هذا الرفق بالأطفَال وأمّهاتهم .؟ فالصلاة التي هي أجلّ عبادةٍ لله تعالى يخفّفها النبيّ  مع شغفه بها ، وشدّة حرصه  على إطالتِها .؟!
2 ـ ينبغي للمربّي أن يوازن دائماً بين المصالح والمفاسد ، فيرجّح المصلحة الأكبر ، ويدفع المفسدة الأكبر ، فما كلّ ما كان خيراً في حال ، هو خير في جميع الأحوَال .. و ( مَن يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيراً يُفَقِّهْهُ في الدينِ ) ( ) .
3 ـ أيّ رفعة للعواطف الإنسانيّة في الإسلام أعظمُ من هذه الرفعة .؟! وأيّ تقدير لمشاعر الأمومة أبلغُ من هذا التقدير .؟! وكيف يكون حال الأمّة ، عندما يكون فينَا من يترجم هذه المبادئ إلى حياةٍ واقعيّة ، وسلوكٍ عمليّ .؟!

  
اللوحة الثامنة
سلام النَّبِيِّ  عَلَى الصِبْيَانِ

السلام مظهر الاهتمام والعناية ، والترابط الاجتماعيّ بين أفراد الأمّة ، والسلام على الأطفال خاصّة : لفت لأنظار الكبار ليولوا هذه الفئة ما تستحقّ من العناية ..
عَنْ سَيَّارٍ قَالَ : كُنْتُ أَمْشِي مَعَ ثَابِتٍ البُنَانِيِّ ( ) ، فَمَرَّ عَلَى صِبْيَانٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ ، فَقَالَ ثَابِتٌ : كُنْتُ مَعَ أَنَسٍ  فَمَرَّ عَلَى صِبْيَانٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ ، وَقَالَ أَنَسٌ  : كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ  فَمَرَّ عَلَى صِبْيَانٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ ) ( ) .
* معالم هاديَة :
1 ـ مشروعيّة سلام الكبار على الصبيان تعليماً لهم لفضائل الإسلام وآدابه ، والأصل أنّ الصغير يبتدئ الكبير بالسلام .
2 ـ حرص الصحابة والتابعين على التأسّي بالنبيّ  واتّباعه .
3 ـ في السلام على الصبيان إشعار لهم بكيانهم ، وتقدير الكبار لهم ، وفي ذلك رفع لهممهم أن يتّصلوا بالكبار ، ويقتدوا بهم .

  
اللوحة التاسعة
ما أحسن الطفولة على مائدة الأدب !

تأديب الطفل بآداب الإسلام يبدأ منذ الطفولة المبكّرة ، وما يغرس في هذه المرحلة يصبح جزءاً من شخصيّة الإنسان وكيانه ، ولا يمحى مدى الدهر .. فليس للوالد والمربّي أن يستهينا بتوجيه الطفل وتأديبه برفق وتلطّف ، في هذه المرحلة المهمّة ..
عن وَهْبَ بْنَ كَيْسَانَ ، أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ  يَقُولُ : كُنْتُ غُلاماً فِي حَجْرِ رَسُولِ اللهِ  ، وَكَانَتْ يَدِي تَطِيشُ فِي الصَّحْفَةِ ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللهِ  : ( يَا غُلامُ ! سَمِّ اللهَ ، وَكُلْ بِيَمِينِكَ ، وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ ، فَمَا زَالَتْ تِلْكَ طِعْمَتِي بَعْدُ ) ( ) .
* معالم هاديَة :
1 ـ رفق النبيّ  بربيبه ، فلم يزجره ، ولم يعنّفه ، وإنّما علّمه آداب الطعام بكلمات موجزة ، جامعة بيّنة .
2 ـ ينبغي على المرَبّي أن ينتبه إلى سلوك الطفل ، فيوجّهه من خلال أخطائه ، ولا يتغاضى عنها بدون حكمة ظاهرة .
3 ـ ما يلقى إلى الطفل في سنّ الطفولة يرسخ في نفسه ويثبت ، ويصبح عادة له لا يتخلّى عنها .

  

اللوحة العاشرة
جلوس الأطفال في مجالس الكبار

من حقّ الطفل أن يجالسَ الكبار ، ومن حقّه أن يستأذنَ في التنازل عَن حقّه ، وألاّ يصادر حقّه بدعوى صغر سنّه .. وإذا أردنا لصغارنا أن يكونوا كباراً بحقّ فلنخلطهم بالكبار القُدوات ..
عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ  أَنَّ رَسُولَ اللهِ  أُتِيَ بِشَرَابٍ فَشَرِبَ مِنْهُ ، وَعَنْ يَمِينِهِ غُلامٌ ، وَعَنْ يَسَارِهِ الأَشْيَاخُ ، فَقَالَ لِلْغُلامِ : ( أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أُعْطِيَ هَؤُلاءِ ؟ فَقَالَ الْغُلامُ : لا وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ ، لا أُوثِرُ ( ) بِنَصِيبِي مِنْكَ أَحَداً ، قَالَ : فَتَلَّهُ رَسُولُ اللهِ  فِي يَدِهِ ) ( ) .
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ  قَالَ : أُتِيَ رَسُولُ اللهِ  بِلَبَنٍ ، وَعَنْ يَمِينِهِ ابْنُ عَبَّاسٍ ، وَعَنْ يَسَارِهِ خَالِدُ بْنُ الوَلِيدِ  ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ  لابْنِ عَبَّاسٍ : ( أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أَسْقِيَ خَالِداً ؟ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : مَا أُحِبُّ أَنْ أُوثِرَ بِسُؤْرِ ( ) رَسُولِ اللهِ  عَلَى نَفْسِي أَحَداً ، فَأَخَذَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَشَرِبَ ، وَشَرِبَ خَالِدٌ ) ( ) .
* معالم هاديَة :
1 ـ جلوس الطفل في صدر المجلس .
2 ـ لطْف النبيّ  ورفقه ، وتواضعه وتعليمه .
3 ـ ذكاء ابْنِ عَبَّاسٍ  ونَباهته وهو طفل ، وحرْصه على سؤر رسول الله  .
4 ـ الأيمن في المجلس أحقّ بالضيافة من شَرابٍ ونحوه ، بعد صدر المجلس ، ولوْ كان الأيمنُ طفلاً صغيراً ، وخَطأ بعض الناس في تجاوز الصغير ، حتّى في السلام .
5 ـ مُجَالَسةُ الأطفالِ للكبار أدعى إلى سموّ هممهم ، وتفتّح مواهبهم .

  

اللوحة الحادية عشرة
حِرصُ الأطفال عَلى الجلوس بجَنْبِ رَسُولِ اللهِ 

كان النبيّ  يستأثر بحبّ الكبار والصغار ، حتّى الأطفال كانوا يحرصون على القرب من النبيّ  ، والجلوس بجنبه ، ويتعلّمون بقربه سنّته وهديه ..
عن مَجْمَعِ بْنِ يَعْقُوبَ مِنْ أَهْلِ قُبَاءَ قَالَ : حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَنَّ بَعْضَ أَهْلِهِ قَالَ لِجَدِّهِ مِنْ قِبَلِ أُمِّهِ ، وَهُوَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي حَبِيبَةَ  : مَا أَدْرَكْتَ مِنْ رَسُولِ اللهِ  ؟ قَالَ : أَتَانَا فِي مَسْجِدِنَا هَذَا ، فَجِئْتُ فَجَلَسْتُ إِلَى جَنْبِهِ ، فَأُتِيَ بِشَرَابٍ فَشَرِبَ ، ثُمَّ نَاوَلَنِي ، وَأَنَا عَنْ يَمِينِهِ ، قَالَ : وَرَأَيْتُهُ يَوْمَئِذٍ صَلَّى فِي نَعْلَيْهِ ، وَأَنَا يَوْمَئِذٍ غُلامٌ ) ( ) .
* معالم هاديَة :
1 ـ حرص الأطفال على القرب من رسول الله  ، ولم يمانعْهم النبيّ  من ذلك ، ولم يَنتهرهم ، كما يفعل بعض الناس اليوم .
2 ـ وعي أطفال الصحابة  لأفعال النبيّ  وهديه ، ونقلها إلينا بأمانةٍ ودقّة .
3 ـ مشروعيّة الصلاة في النعال ، إذا لم يكن عليها شيء من الخبث ، وأنّ ذلك من سماحة الإسلامِ ويسرِه .

  
اللوحة الثانية عشرة
مخالَطةُ الأطفَالِ للنبيّ  ، وروايتُهُم عَنْهُ

مشاركة الأطفال للكبار ، وعلوّ همّتهم في العلم والعمل دليل على حيويّة الأمّة ورقيّها ، ولن يقعدَ الدهر بأمّة كانتْ همّة أطفالها على مثال همّة رجالها ..
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَاطِبٍ الجُمَحِيِّ  قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ  :
( فَصْلُ مَا بَيْنَ الحَرَامِ وَالحَلالِ ـ يعني في النكاح ـ : الدُّفُّ وَالصَّوْتُ ) ( ) .
قال الإمام الترمذيّ : " وَمُحَمَّدُ بْنُ حَاطِبٍ قَدْ رَأَى النَّبِيَّ  وَهُوَ غُلامٌ صَغِيرٌ " .
وعَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ  قَالَ : لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللهِ  مِنْ تَبُوكَ خَرَجَ النَّاسُ يَتَلَقَّوْنَهُ إِلَى ثَنِيَّةِ الوَدَاعِ ، قَالَ السَّائِبُ : فَخَرَجْتُ مَعَ النَّاسِ وَأَنَا غُلامٌ ) ( ) .
وحَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ  : ( لا يَأْخُذْ أَحَدُكُمْ عَصَا أَخِيهِ لاعِبًا أَوْ جَادًّا ، فَمَنْ أَخَذَ عَصَا أَخِيهِ فَلْيَرُدَّهَا إِلَيْهِ ) ( ) .
قال الإمام الترمذيّ : " وَالسَّائِبُ بْنُ يَزِيدَ لَهُ صُحْبَةٌ ، قَدْ سَمِعَ مِنَ النَّبِيِّ  أَحَادِيثَ ، وَهُوَ غُلامٌ ، وَقُبِضَ النَّبِيُّ  وَهُوَ ابْنُ سَبْعِ سِنِينَ ، وَوَالِدُهُ يَزِيدُ بْنُ السَّائِبِ  لَهُ أَحَادِيثُ ، هُوَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ  وَقَدْ رَوَى عَنِ النَّبِيِّ  " .
وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ  قَالَ : اسْتَبَّ رَجُلانِ عِنْدَ النَّبِيِّ  حَتَّى عُرِفَ الغَضَبُ فِي وَجْهِ أَحَدِهِمَا ، فَقَالَ النَّبِيُّ  : ( إِنِّي لأَعْلَمُ كَلِمَةً لَوْ قَالَهَا لَذَهَبَ غَضَبُهُ : أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ) .
قال الإمام الترمذيّ : وَهَذَا حَدِيثٌ مُرْسَلٌ : عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى لَمْ يَسْمَعْ مِنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ  ، مَاتَ مُعَاذٌ فِي خِلافَةِ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ  ، وَقُتِلَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ  وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى غُلامٌ ابْنُ سِتِّ سِنِينَ ، وَقَدْ رَوَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ وَرَآهُ ، وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ : " أَدْرَكْتُ عِشْرِينَ وَمِائَةً مِنَ الأَنْصَارِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ  " ( ) .

* معالم هاديَة :
1 ـ اهتمام علَماء الحديث ببيان حال الرواة وسنّهم عنْد تحمّل الحديث وسماعه .
2 ـ الطفل المميّز أهْل لتحمّل الحديث ووعيه ، وأهلٌ في تبليغه بعدَ ذلكَ وروايته .
3 ـ حرص أطفال التابعين على رؤية الصحابةِ ومجالستهم والتلقّي عنهم .
4 ـ نبوغ الأطفال ومجالستهم للكبار ، ودقّة تلقّيْهم للعلم ، ونقله لمن بعدهم : كان من أجلى المظاهر العلميّة الحضاريّة في حيَاة الصحابة ، وسلف هذه الأمّة الصالح .
5 ـ مشروعيّة استقبال القادم من سفر خارجَ البنْيان ، وابتهاج الصحابة كِبَاراً وصغَاراً بمَقدم رسولِ الله .
6 ـ اهتمام التابعينَ بعدد من أدركوهم من الصحابة ، ثمّ كانت سنّة في العلماء والمحدّثين .

  

اللوحة الثالثة عشرة
تردّد الأطفال على مجالس العلماء وروايتهم للحديث

مجالس الكبار منهل عذب للكبار والصغار ، وعندما يعوّد الأطفال على ارتيادها فإنّهم ينشئون على حبّ العلم ، وربّما حفظوا فيها ما لم يحفظ الكبار ..
عن قُدَامَةَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الجُمَحِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَخْتَلِفُ إِلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ  وَهُوَ غُلامٌ ، وَعَلَيْهِ ثَوْبَانِ مُعَصْفَرَانِ ، قَالَ : فَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ  أَنَّ رَسُولَ اللهِ  حَدَّثَهُمْ : أَنَّ عَبْداً مِنْ عِبَادِ اللهِ قَالَ : ( يَا رَبِّ لَكَ الحَمْدُ ، كَمَا يَنْبَغِي لِجَلالِ وَجْهِكَ وَلِعَظِيمِ سُلْطَانِكَ ، فَعَضَّلَتْ بِالمَلَكَيْنِ ( ) ، فَلَمْ يَدْرِيَا : كَيْفَ يَكْتُبَانِهَا ، فَصَعِدَا إِلَى السَّمَاءِ ، وَقَالا : يَا رَبَّنَا إِنَّ عَبْدَكَ قَدْ قَالَ مَقَالَةً لا نَدْرِي كَيْفَ نَكْتُبُهَا ، قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ ـ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا قَالَ عَبْدُهُ ـ : مَاذَا قَالَ عَبْدِي ؟ قَالا : يَا رَبِّ إِنَّهُ قَالَ : ( يَا رَبِّ لَكَ الحَمْدُ ، كَمَا يَنْبَغِي لِجَلالِ وَجْهِكَ وَعَظِيمِ سُلْطَانِكَ ) ، فَقَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُمَا : اكْتُبَاهَا كَمَا قَالَ عَبْدِي ، حَتَّى يَلْقَانِي ، فَأَجْزِيَهُ بِهَا ) ( ) .

* معالم هاديَة :
1 ـ تردّد الأطفال إلى مجالسِ العلمَاء ، وسماعهم للحديث وروايته .
2 ـ فضل هذا الذكر والثناء على الله تعَالى ، وعظيم مثوبة الله سبحانه لقائِلهِ .
3 ـ لا حرج على المؤمن أن يجتهد في حمد الله تعالى بما يلهمه الله من المحامد ، والثناء على الله بما هو أهله .

  
اللوحة الثالثة عشرة
الرسول  يدعو لابن عبّاس 

إظهار العطف على الطفل ، والدعاء له خيرُ ما يسمو بهمّته ، ويَشحذُ عزيمته .
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ  قَالَ : ضَمَّنِي رَسُولُ اللهِ  إِلَيْهِ وَقَالَ : ( اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ الحِكْمَةَ وَتَأْوِيلَ الكِتَابِ ) ( ) .
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ  أَنَّ رَسُولَ اللهِ  وَضَعَ يَدَهُ عَلَى كَتِفِي أَوْ عَلَى مَنْكِبِي ـ شَكَّ سَعِيدٌ ـ ثُمَّ قَالَ : ( اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ ، وَعَلِّمْهُ التَّأْوِيلَ ) ( ) .
* معالم هاديَة :
1 ـ الدعاء للطفل من أهمّ مظاهر الإحسان في تربيته .
2 ـ التواصل الجسديّ بين المربّي وطفله من مظاهر الرحمة وحسن الرعاية .
3 ـ الدعاء للطفل بظهر الغيب لا يغني عن الدعاء له أمامه .
4 ـ كما أنّ الدعَاء باب عظيم من أبواب العبوديّة لله تعالى ، فهو ذو تأثير إيحائيّ كبير في نفس المدعوّ له ، فالدعاء للطفل ، أو الناشئ أمامه يرفع همّته ، ويشحذ عزيمته ، ويحمله على توجّه همّته إلى تحقيق ما يدعى له به .
5 ـ من أعظم ما يكرم الله به العبد : أن يؤتيه الفهمَ لكتاب الله تعالى ، فهذا مفتاح كلّ خير في حياته .

  
اللوحة الرابعة عشرة
همّة ابن عبّاس  وهو غلام رفعت قدره بين الأنام

الطفولةُ الجادّةُ مقدّمة الغد المشرق ، وعلى قدر اعتناء الكبار بالصغار يبنى مستقبل الأمّة المشرق الواعد ، وتتحقّق آمالها .
عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ رحمه الله قَالَ : إِنَّ الَّذِي تَدْعُونَهُ المُفَصَّلَ هُوَ المُحْكَمُ ، قَالَ : وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ  : تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ  وَأَنَا ابْنُ عَشْرِ سِنِينَ ، وَقَدْ قَرَأْتُ المُحْكَمَ ) ( ) .
* معالم هاديَة :
1 ـ سموّ همّة ابن عبّاس  وهو غلام ، وحرصه على العلم ، ممّا جعل له هذه المنزلة الرفيعة بين علماء الصحابة .
2 ـ لا حرج على الإنسان أن يتحدّث بما منّ الله به عليه ، ليرفع همم الناس ، ويقتدوا به في الخير .

  

اللوحة الخامسة عشرة
وعُمَرُ  يعرف قدر ابْنِ عَبَّاسٍ ومنزلته

ربّما احتاجت الأمّة إلى الأطفال مع وجود كبار الرجال ، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء .. وكمّل الرجال لا يغفلون عن سؤالِ الأطفال واسْتشارتهم .
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللهُ عَنْهُمَا قَالَ كَانَ عُمَرُ  يُدْخِلُنِي مَعَ أَشْيَاخِ بَدْرٍ ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ : لِمَ تُدْخِلُ هَذَا الْفَتَى مَعَنَا ، وَلَنَا أَبْنَاءٌ مِثْلُهُ ؟ فَقَالَ : إِنَّهُ مِمَّنْ قَدْ عَلِمْتُمْ ، قَالَ : فَدَعَاهُمْ ذَاتَ يَوْمٍ ، وَدَعَانِي مَعَهُمْ ، قَالَ : وَمَا رُئِيتُهُ دَعَانِي يَوْمَئِذٍ إِلاّ لِيُرِيَهُمْ مِنِّي ، فَقَالَ : مَا تَقُولُونَ فِي : ، حَتَّى خَتَمَ السُّورَةَ ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ : أُمِرْنَا أَنْ نَحْمَدَ اللهَ وَنَسْتَغْفِرَهُ ، إِذَا نُصِرْنَا وَفُتِحَ عَلَيْنَا ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ : لا نَدْرِي ، أَوْ لَمْ يَقُلْ بَعْضُهُمْ شَيْئاً ، فَقَالَ لِي : يَا ابْنَ عَبَّاسٍ أَكَذَاكَ تَقُولُ ؟ قُلْتُ : لا ، قَالَ : فَمَا تَقُولُ ؟ قُلْتُ : هُوَ أَجَلُ رَسُولِ اللهِ  أَعْلَمَهُ اللهُ لَهُ : فَتْحُ مَكَّةَ ، فَذَاكَ عَلامَةُ أَجَلِكَ : ، قَالَ عُمَرُ  : مَا أَعْلَمُ مِنْهَا إِلاّ مَا تَعْلَمُ ) ( ) .

* معالم هاديَة :
1 ـ دقّة فهم ابن عبّاس  للقرآن ، مصداق دعوات رسُوْلِ الله  المباركة .
2 ـ بعد نظر عمر  ، وحسن اختياره لمجلس شوراه ، ودقّة ميزَانه للرجال ، وبُعدِه عن محاباة أيّ واحد .
3 ـ إنّما يتفاضل الرجال بالعقول والأفهام ، لا بعدّ السنين وعُظمِ الأجسام .

  

اللوحة السادسة عشرة
ابْن عبّاسٍ  نموذج الطفولة الواعدة

تقدير الكبار للإطفالِ ، وسؤالهم عن العلمِ خير ما يرفع هممهم ، ويذكي في نفوسهم روح الجدّ والاجتهاد .
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ  أَنَّهُ قَالَ لَهُ عُمَرُ : يَا غُلامُ هَلْ سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللهِ  أَوْ مِنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ إِذَا شَكَّ الرَّجُلُ فِي صَلاتِهِ مَاذَا يَصْنَعُ ؟ قَالَ : فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ أَقْبَلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فَقَالَ : فِيمَ أَنْتُمَا ؟ فَقَالَ عُمَرُ : سَأَلْتُ هَذَا الغُلامَ : هَلْ سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللهِ  أَوْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ : إِذَا شَكَّ الرَّجُلُ فِي صَلاتِهِ مَاذَا يَصْنَعُ ؟ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ  يَقُولُ : ( إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلاتِهِ ، فَلَمْ يَدْرِ : أَوَاحِدَةً صَلَّى أَمْ ثِنْتَيْنِ فَلْيَجْعَلْهَا وَاحِدَةً ، وَإِذَا لَمْ يَدْرِ ثِنْتَيْنِ صَلَّى أَمْ ثَلاثاً فَلْيَجْعَلْهَا ثِنْتَيْنِ ، وَإِذَا لَمْ يَدْرِ أَثَلاثاً صَلَّى أَمْ أَرْبَعاً فَلْيَجْعَلْهَا ثَلاثاً ، ثُمَّ يَسْجُدْ إِذَا فَرَغَ مِنْ صَلاتِهِ ، وَهُوَ جَالِسٌ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ سَجْدَتَيْنِ ) ( ) .

* معالم هاديَة :
1 ـ تواضع عمر  وسؤاله في العلم لمَن هو في سنّ ولده ، وحسن تقديره لعلم ابن عبّاس  وذكائه .
2 ـ ما أبعد الفرق بيننا وبين سلفنا .! : كان رجالهم يَرفعون قدْر الأطفال ويُشَجّعونهم ، لأنّهم عدّة الأمّة ورجال المستقبل .. وفينا من يحطّ من أقدار الرجال ، ويحطّم مواهبهم .!
3 ـ عندما تشجّع الطفولَة الطموحة تأخذ أحسن أبعادها ، وترقى أعلى مدى لها .

  

اللوحة السابعة عشرة
قيام الطفل من الليل

قرب الطفل من المربّي ، ومعايشته له في عباداته وأخلاقه وعاداته ، خير ما يدعوه إلى التأسّي به والاقتداء ، ويؤثّر فيه أكثر ممّا يؤثّر التوجيه بالكلام ، ولا تزال ذكراه تفعل فعلها في نفسه ما حيي .
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ  قَالَ : بِتُّ فِي بَيْتِ خَالَتِي مَيْمُونَةَ بِنْتِ الحَارِثِ ، زَوْجِ النَّبِيِّ  ، وَكَانَ النَّبِيُّ  عِنْدَهَا فِي لَيْلَتِهَا ، فَصَلَّى النَّبِيُّ  الْعِشَاءَ ، ثُمَّ جَاءَ إِلَى مَنْزِلِهِ ، فَصَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ ، ثُمَّ نَامَ ، ثُمَّ قَامَ ، ثُمَّ قَالَ : نَامَ الْغُلَيِّمُ ، أَوْ كَلِمَةً تُشْبِهُهَا ، ثُمَّ قَامَ فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ ، فَجَعَلَنِي عَنْ يَمِينِهِ ، فَصَلَّى خَمْسَ رَكَعَاتٍ ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ ، ثُمَّ نَامَ حَتَّى سَمِعْتُ غَطِيطَهُ ، أَوْ خَطِيطَهُ ( ) ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الصَّلاةِ ) ( ) .
* معالم هاديَة :
1 ـ لا بأس بمبيت الطفل عند بعض محارمه ، إذا كان لهدف تربويّ مشروع .
2 ـ نباهة ابن عبّاس رضي الله عنهما ، وحرصه على ملاحظة أحوال النبيّ  في بيته وأعماله .
3 ـ مشروعيّة قيام الليل بجماعة ، ومن السنّة وقوف المقتدي عن يمين الإمام .
4 ـ سؤال النبيّ  عن أولى حال ابن عبّاس رضي الله عنهما فيه إلماح له إن لم يكن نائماً أن يقوم ويصلّي مع النبيّ  .

  
اللوحة الثامنة عشرة
حرصُ ابْنِ عُمَرَ  عَلَى الخير واجتهاده
نجباء الأطفال يتطلّعون إلى أحوال كمّل الرجال ، ويحرصون على التأسّي بهم .
عن ابْنِ عُمَرَ  قَالَ : إِنَّ رِجَالاً مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ  كَانُوا يَرَوْنَ الرُّؤْيَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ  ، فَيَقُصُّونَهَا عَلَى رَسُولِ اللهِ  ، فَيَقُولُ فِيهَا رَسُولُ اللهِ  مَا شَاءَ اللهُ ، وَأَنَا غُلامٌ حَدِيثُ السِّنِّ ، وَبَيْتِي المَسْجِدُ ، قَبْلَ أَنْ أَنْكِحَ ، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي : لَوْ كَانَ فِيكَ خَيْرٌ لَرَأَيْتَ مِثْلَ مَا يَرَى هَؤُلاءِ ، فَلَمَّا اضْطَجَعْتُ ذَاتَ لَيْلَةٍ قُلْتُ : اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ فِيَّ خَيْراً فَأَرِنِي رُؤْيَا ، فَبَيْنَمَا أَنَا كَذَلِكَ إِذْ جَاءَنِي مَلَكَانِ فِي يَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِقْمَعَةٌ مِنْ حَدِيدٍ ، يُقْبِلانِ بِي إِلَى جَهَنَّمَ ، وَأَنَا بَيْنَهُمَا أَدْعُو اللهَ : اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ جَهَنَّمَ ، ثُمَّ أُرَانِي لَقِيَنِي مَلَكٌ فِي يَدِهِ مِقْمَعَةٌ ( ) مِنْ حَدِيدٍ ، فَقَالَ : لَنْ تُرَاعَ ( ) ، نِعْمَ الرَّجُلُ أَنْتَ لَوْ كُنْتَ تُكْثِرُ الصَّلاةَ ، فَانْطَلَقُوا بِي ، حَتَّى وَقَفُوا بِي عَلَى شَفِيرِ جَهَنَّمَ ، فَإِذَا هِيَ مَطْوِيَّةٌ كَطَيِّ البِئْرِ ( ) ، لَهُ قُرُونٌ كَقَرْنِ البِئْرِ ( ) ، بَيْنَ كُلِّ قَرْنَيْنِ مَلَكٌ بِيَدِهِ مِقْمَعَةٌ مِنْ حَدِيدٍ ، وَأَرَى فِيهَا رِجَالاً مُعَلَّقِينَ بِالسَّلاسِلِ ، رُءُوسُهُمْ أَسْفَلَهُمْ ، عَرَفْتُ فِيهَا رِجَالاً مِنْ قُرَيْشٍ ، فَانْصَرَفُوا بِي عَنْ ذَاتِ اليَمِينِ ، فَقَصَصْتُهَا عَلَى حَفْصَةَ ، فَقَصَّتْهَا حَفْصَةُ عَلَى رَسُولِ اللهِ  ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ  : ( إِنَّ عَبْدَ اللهِ رَجُلٌ صَالِحٌ لَوْ كَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ ) فَقَالَ نَافِعٌ  : فَلَمْ يَزَلْ بَعْدَ ذَلِكَ يُكْثِرُ الصَّلاةَ ) ( ) .
* معالم هاديَة :
1 ـ في الرؤى مواعظ وعبر ، ومثَبّتات للقلوب على الحقّ والهدى .
2 ـ مشروعيّة قصّ الرؤيا على الرجل الصالح ليعبّرها .
3 ـ مشروعيّة مَبيت الرجل في المسجد حرصاً علَى العبادة وشهود مجالس الخير .
4 ـ من صلاح الرجل حرصه على قيام الليل ، الإكثار من نوافل الطاعات .
5 ـ سموّ همّة عبد الله بْن عمر  ، وحرصه على الخير ، واجْتهاده في طاعة الله .
6 ـ الإكثار مِن نوافل العبادات من سمات المتّقين الموفّقينَ .

  

اللوحة التاسعة عشرة
الثناء على الناشئ في طاعة الله والتماس دعواته

الثناء على الأطفَال بمَا هم عليه من الخير والاستقامة خير ما يثبّتهم على الحقّ ، ويرفع هممهم .
عَنْ غُضَيْفِ بْنِ الحَارِثِ ، رَجُلٍ مِنْ أَيْلَةَ قَالَ : مَرَرْتُ بِعُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ  فَقَالَ : نِعْمَ الغُلامُ ، فَاتَّبَعَنِي رَجُلٌ مِمَّنْ كَانَ عِنْدَهُ فَقَالَ : يَا ابْنَ أَخِي ! ادْعُ اللهَ لِي بِخَيْرٍ ، قَالَ : قُلْتُ : وَمَنْ أَنْتَ يَرْحَمُكَ اللهُ ؟ قَالَ : أَنَا أَبُو ذَرٍّ صَاحِبُ رَسُولِ اللهِ  فَقُلْتُ : غَفَرَ اللهُ لَكَ ، أَنْتَ أَحَقُّ أَنْ تَدْعُوَ لِي مِنِّي لَكَ ، قَالَ : يَا ابْنَ أَخِي ! إِنِّي سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ حِينَ مَرَرْتُ بِهِ آنِفاً يَقُولُ : نِعْمَ الغُلامُ ، وَسَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ  يَقُولُ : ( إِنَّ اللهَ وَضَعَ الحَقَّ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ يَقُولُ بِهِ ) ( ) .
* معالم هاديَة :
1 ـ فرَاسة عمر بن الخطّاب  .
2 ـ تواضعُ أبي ذَرّ  وشدّة حرصه على الخَير ، إذ طلب الدعاء من غلام .
3 ـ فضل عمر بن الخطّاب  وشهادة النبيّ  له .
4 ـ الثنَاء على الطفل بما فيه بدونِ مبالغةٍ ، مدعاة له لرفْع همّته ، وحرصه على الازْدياد من الخير .

  

اللوحة الوافية عشرين
ونأمرُهم بِالعبادة وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعٍ

تدريب الطفل على العبادة منذ سنّ التمييز ضمانة مهمّة لينشأ مستقيماً على طاعة الله تعالى وعبَادته ، بعيداً عن الزيغ والانحراف .
عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ  : ( مُرُوا أَوْلادَكُمْ بِالصَّلاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي المَضَاجِعِ ) ( ) .

* معالم هاديَة :
1 ـ سنُّ السابعَة سنُّ التمييز بين الخير والشرّ ، والحسَن والقبيح ، وأمر الناشئ بالصلاة منذ هذا السنّ إنَّمَا هو للتَحبيب بالعبَادة والترغيب ، وللتعْويد عليها ، فينبغي أن يؤمرَ بِرفقٍ ، ويذكّر بتحبيب وترغيب ، فإنّه غير مكلّف بعد ..
2 ـ ثلاث سنواتٍ مدَّة كافية لتدريبِ الطْفل علَى العبادة ، وتحَبيبه بها ، وما لم يتحقَّق ذلك فيعني أنّ الخلل وَاقع من المربّي : من طريقته وأسلوبه ، أو إهماله وتقصيرِه ، وَفِي سنّ العاشرة فرصة للتداركِ ، ولو بالضربِ غيرِ المبرّح ، فهذَا خيْر من تمرُّد الناشئ منذ هذا السنّ .
3 ـ فِي التفريق بين الأطفال فِي المَضَاجِعِ حكم كثِيرة ، من أهمّها : تربيَة الذكور على الرجولة ، والإناث على الحياءِ والأدب ، وسدّ ذرائع الشرّ .

  

اللوحة الحادية والعشرون
ربّما وعى الصغار ما لم يعِ الكبار ..

أدب الطفال في مجالس الكبار لا ينبغي أن يمنعهم عن المشاركة فيما يطرح من مسائل العلم .
عن ابْنِ عُمَرَ  يَقُولُ قَالَ النَّبِيُّ  : ( مَثَلُ المُؤْمِنِ كَمَثَلِ شَجَرَةٍ خَضْرَاءَ ، لا يَسْقُطُ وَرَقُهَا ، وَلا يَتَحَاتُّ ، فَقَالَ القَوْمُ : هِيَ شَجَرَةُ كَذَا ، هِيَ شَجَرَةُ كَذَا ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَقُولَ : هِيَ النَّخْلَةُ ، وَأَنَا غُلامٌ شَابٌّ فَاسْتَحْيَيْتُ ، فَقَالَ : هِيَ النَّخْلَةُ ) ( ) .
وَزَادَ في روَاية : ( فحَدَّثْتُ بِهِ عُمَرَ فَقَالَ : لَوْ كُنْتَ قُلْتَهَا لَكَانَ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ كَذَا وَكَذَا ) .
وفي رواية مسلم عن عَبْدِ اللهِ بْنَ عُمَرَ  يَقُول : قَالَ رَسُولُ اللهِ  : ( إِنَّ مِنَ الشَّجَرِ شَجَرَةً لا يَسْقُطُ وَرَقُهَا ، وَإِنَّهَا مَثَلُ المُسْلِمِ ، فَحَدِّثُونِي مَا هِيَ ؟ فَوَقَعَ النَّاسُ فِي شَجَرِ الْبَوَادِي ، قَالَ عَبْدُ اللهِ : وَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهَا النَّخْلَةُ فَاسْتَحْيَيْتُ ، ثُمَّ قَالُوا : حَدِّثْنَا مَا هِيَ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ : فَقَالَ : هِيَ النَّخْلَةُ ، قَالَ : فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعُمَرَ  قَالَ : لأَنْ تَكُونَ قُلْتَ : هِيَ النَّخْلَةُ ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كَذَا وَكَذَا ) ( ) .

* معالم هاديَة :
1 ـ أخذُ النبيّ  بمنهج الحوار في أسلوب تعليمه لأصحابه ، وحثّهم على التفكير والنظر .
2 ـ ضرب الأمثال في التعليم خير ما يوضِّح المعَاني ، ويقرّبها إلى الأذهان .
3 ـ تَشجيع آبَاء الصحابة لأَبنائهم على المشاركة في الحديث معَ الكبار ، والإجابة عَنْ أسئلتِهِم .
4 ـ لا حرجَ على الإنسان أن يحبَّ لأبنَائه التفوّق ، والتقدّم على الأقران .

  
اللوحة الثانية والعشرون
أطفال بمثل همّة الرجال

نجابة الطفل تبدو في تصميمه على فعل الخير ، وقوّة إرادته ، والمربّي بحقٍّ هو من يحسن توجيه إرادة الطفل إلى معالي الأمور ، وينأى به عن سفسَافها .
عَنْ أَبِي أَيُّوبَ قَالَ : دَخَلْتُ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ  المَسْجِدَ يَوْمَ الجُمُعَةِ ، فَرَأَى غُلاماً ، فَقَالَ لَهُ : يَا غُلامُ اذْهَبِ العَبْ ، قَالَ : إِنَّمَا جِئْتُ إِلَى المَسْجِدِ ، قَالَ : يَا غُلامُ اذْهَبِ العَبْ ، قَالَ : إِنَّمَا جِئْتُ إِلَى المَسْجِدِ ، قَالَ : فَتَقْعُدُ حَتَّى يَخْرُجَ الإِمَامُ ، قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ  يَقُولُ : ( إِنَّ المَلائِكَةَ تَجِيءُ يَوْمَ الجُمُعَةِ ، فَتَقْعُدُ عَلَى أَبْوَابِ المَسْجِدِ ، فَيَكْتُبُونَ السَّابِقَ وَالثَّانِيَ وَالثَّالِثَ وَالنَّاسَ عَلَى مَنَازِلِهِمْ ، حَتَّى يَخْرُجَ الإِمَامُ ، فَإِذَا خَرَجَ الإِمَامُ طُوِيَتِ الصُّحُفُ ) ( ) .
* معالم هاديَة :
1 ـ ظنُّ أبي هريرةَ  أَنَّ هذا الطفلَ يريد اللعب ، ويبدو أنّه كَان دون سنّ السابعة ، فوجّهه إليه ، وكرّر عليه الأمر مرّتين ، ليرى مَدى صدقه ، وعزمه على ما يقول .
2 ـ توجيه الطفل إلى لزوم الأدب في المسجد ، ومَا فيه من عظيم المثوبة .
3 ـ مشروعيّة تحديث الطفل بحديث رسول الله  لترغيبه في الخير وحثّه عليه .

  
اللوحة الثالثة والعشرون
غُلامٌ يؤمّ الرجال بجمعه للقرآن

إنّ الله تعالى ليرفع بهذا الكتاب أقواماً ، ويضع به آخرين ، ولا أدلّ على ذلك من رفعةِ الأطفال ليكونوا أئمّة الرجال .
عَنْ عَمْرو بْنِ سَلَمَةَ الجَرْميّ عَنْ أَبِيهِ  : أَنَّهُمْ وَفَدُوا إِلَى النَّبِيِّ  ، فَلَمَّا أَرَادُوا أَنْ يَنْصَرِفُوا قَالُوا : يَا رَسُولَ اللهِ مَنْ يَؤُمُّنَا ؟ قَالَ : ( أَكْثَرُكُمْ جَمْعاً لِلْقُرْآنِ ، أَوْ أَخْذاً لِلْقُرْآنِ ) قَالَ : فَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنَ القَوْمِ جَمَعَ مَا جَمَعْتُهُ ، قَالَ : فَقَدَّمُونِي وَأَنَا غُلامٌ ، وَعَلَيَّ شَمْلَةٌ لِي ( ) ، فَمَا شَهِدْتُ مَجْمَعاً مِنْ جَرْمٍ إِلاّ كُنْتُ إِمَامَهُمْ ، وَكُنْتُ أُصَلِّي عَلَى جَنَائِزِهِمْ إِلَى يَوْمِي هَذَا ) ( ) .
* معالم هاديَة :
1 ـ في الأطفال طاقة عظيمة ، لو وجّهت إلى الخيرِ ومعالي الأمور لأثمرت أطيب الثمرات في أقصرِ مدّةٍ .
2 ـ أهل القرآن هم أهل التقدّم في الدنيا والآخرَة ، وأمّة القرآن ـ عندما تعملُ بالقرآن ، وتُقيمُ شريعتَه ـ فَلهَا التقدّم على سائرِ الأمم .
3 ـ وضع النبيّ  معياراً لتفاضل الناس ، وتقديمهم في حمْل المسئوليّة ، والنهوض بِها هو : الاجتهاد في أخذ القرآن وتلقّيه .

  
اللوحة الرابعة والعشرون
رحمة الله بأهلِ الأَرْضِ إكراماً لمن يتعلّم القُرْآنَ

تعلّم القرآن حرز من العذاب العاجل ، لأنّ المجتمع الذي يتعاهد أطفالَه بالقرآن يُرجَى له أن يتحوّل قريباً عن الفساد .
قَالَ ثَابِتُ بْنُ عَجْلانَ الأَنْصَارِيُّ : كَانَ يُقَالُ : ( إِنَّ اللهَ لَيُرِيدُ العَذَابَ بِأَهْلِ الأَرْضِ فَإِذَا سَمِعَ تَعْلِيمَ الصِّبْيَانِ الحِكْمَةَ صَرَفَ ذَلِكَ عَنْهُمْ ، قَالَ مَرْوَانُ : يَعْنِي بِالحِكْمَةِ : القُرْآنَ ) ( ) .

* معالم هاديَة :
1 ـ فضل تعليم الأطفال القرآن ، وأنّه سبَب لرفع البلاء عن أهل الأرض ، وقد كان بعض السلف يمرّ على كتاتيب القرآن ، ويسلّم على الأطفال ، ويطلب الدعاء منهم ، وإذا التقاهم في الطريق سلّم عليهم وطلب منهم الدعاء .
2 ـ القرآن الكريم والحكمة صنوان لا يفترقان .
3 ـ البلاء والعذاب ربّما نزل بالناس لبعدهم عن تعليم القرآن الكريم والأخذ به .

اللوحة الخامسة والعشرون
الحنوّ على الطفل من صفات المرأة الكريمة الخيرة

حسن الاختيار للمرأة الصالحة مبدَأ التربية القَويمة ، لأنّ الإناء لا ينضح إلاّ بما فيه ، وفاقد الشيء لا يعطيه ، وطيب الفرع بطيب أصله ، والبلد الطيّب يخرج نباته طيّباً بإذن ربّه .. فماذا بعد ذلك .؟
عَن أَبي هُرَيْرَةَ  قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ  يَقُولُ : ( نِسَاءُ قُرَيْشٍ خَيْرُ نِسَاءٍ رَكِبْنَ الإِبِلَ ، أَحْنَاهُ ( ) عَلَى طِفْلٍ في صغره ، وَأَرْعَاهُ عَلَى زَوْجٍ فِي ذَاتِ يَدِهِ ) ، يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ  عَلَى إِثْرِ ذَلِكَ : وَلَمْ تَرْكَبْ مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ عليها السلام بَعِيراً قَطُّ " ( ) .

* معالم هاديَة :
1 ـ حاجَة الطفل في صغره إلى الحنوّ والرحمَة .
2 ـ الحنوّ على الطفل من صفات الأمّ الحسيْبة الكريمة .
3 ـ المرأة الصالحة تحْفظ مال زوجهَا ، وتصونه وترعاه .
4 ـ خصوصيّة مَرْيَمَ بِنْتِ عِمْرَانَ عليها السلام يعارضها ما جاء في شرعنا مِن حلّ ركوب النساء للإبل ، فلا مجال للاقتداء بها في ذلك .

  

اللوحة السادسة والعشرون
قبلة الطفولة بسمة أمل ونبضة رحمة .!

الرحمة بالأطفال هبة الرحمن لخيَار عباده ، وعنوان المؤمن الحقّ في جميع علاقاته .. ومن لا يرحم لا يرحم ..
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ : قَدِمَ نَاسٌ مِنَ الأَعْرَابِ عَلَى رَسُولِ اللهِ  فَقَالُوا : أَتُقَبِّلُونَ صِبْيَانَكُمْ .؟ فَقَالُوا : نَعَمْ فَقَالُوا : لَكِنَّا وَاللهِ مَا نُقَبِّلُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ  : ( وَأَمْلِكُ إِنْ كَانَ اللهُ نَزَعَ مِنْكُمُ الرَّحْمَةَ .!؟ ) . وفي روايةٍ : مِنْ قَلْبِكَ أو قلوبِكم الرَّحْمَةَ ) ( ) .
وعَن أَبي هُرَيْرَةَ  قَالَ : قَبَّلَ رَسُولُ اللهِ الحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ ، وَعِنْدَهُ الأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ التَّمِيمِيُّ جَالِساً ، فَقَالَ الأَقْرَعُ : إِنَّ لِي عَشَرَةً مِنَ الْوَلَدِ مَا قَبَّلْتُ مِنْهُمْ أَحَداً ، فَنَظَرَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ  ، ثُمَّ قَالَ : مَنْ لا يَرْحَمُ لا يُرْحَمُ ) ( ) .
* معالم هاديَة :
1 ـ الرحمة بالأطفال عاطفة إنسانيّة سامية ، يكرم الله بها من شاء من عباده ، لهَا مظاهرها وآثارها ، وليست دعوى بغير برهان ..
2 ـ ربّما ظنّ بعض الكبار أنّ العظمة بالترفّع على الأطفال واستصغارهم ، ولكنّ هذا الحديث يكذّب هذا الظنّ ويلغيه ..
3 ـ رحمة الصغار والضعفاء باب لاستنزال رحمة الله تعالى وفضله .
4 ـ سلوك المربّي ومواقفه مع أطفاله ، مَصدر خير عظيم لكلّ مَن حوله ..
5 ـ رحمة الأطفال ورحمة الله متلازمتان

  

اللوحة السابعة والعشرون
ممازحة مؤنسة هادفة معبّرة
ممازحة الأطفال من صفات كمّل الرجال ، ٍ ومزاح المربّي مع الطفل لون من ألوان التربية ، والتنفيس عن انفعالاته .
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ  قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللهِ  يَدْخُلُ عَلَيْنَا ، وَلِي أَخٌ صَغِيرٌ يُكْنَى أَبَا عُمَيْرٍ ، وَكَانَ لَهُ نُغَرٌ ( ) يَلْعَبُ بِهِ ، فَمَاتَ ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ  ذَاتَ يَوْمٍ فَرَآهُ حَزِيناً فَقَالَ : مَا شَأْنُهُ ؟ قَالُوا : مَاتَ نُغَرُهُ ، فَقَالَ : ( يَا أَبَا عُمَيْرٍ مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ ) ( ) .
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ  قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللهِ  أَحْسَنَ النَّاسِ خُلُقًا ، وَكَانَ لِي أَخٌ يُقَالُ لَهُ أَبُو عُمَيْرٍ قَالَ أَحْسِبُهُ قَالَ كَانَ فَطِيمًا قَالَ فَكَانَ إِذَا جَاءَ رَسُولُ اللهِ  فَرَآهُ قَالَ : أَبَا عُمَيْرٍ ! مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ ؟ قَالَ : فَكَانَ يَلْعَبُ بِهِ ) ( ) .
عَنْ أَنَسٍ  قَالَ : كَانَ النَّبِيُّ  أَحْسَنَ النَّاسِ خُلُقاً ، وَكَانَ لِي أَخٌ يُقَالُ لَهُ : أَبُو عُمَيْرٍ ، قَالَ : أَحْسِبُهُ فَطِيماً ، وَكَانَ إِذَا جَاءَ قَالَ : يَا أَبَا عُمَيْرٍ مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ ؟ نُغَرٌ كَانَ يَلْعَبُ بِهِ ، فَرُبَّمَا حَضَرَ الصَّلاةَ ، وَهُوَ فِي بَيْتِنَا ، فَيَأْمُرُ بِالْبِسَاطِ الَّذِي تَحْتَهُ ، فَيُكْنَسُ وَيُنْضَحُ ، ثُمَّ يَقُومُ ، وَنَقُومُ خَلْفَهُ ، فَيُصَلِّي بِنَا ) ( ) .

* معالم هاديَة :
1 ـ تخصيص زيارة العالم والداعيّة أتباعه ، وتفقّد أحوالهم ، وتعهّدهم بالرعاية والتوجيه .
2 ـ استحباب ممازحة الطفل ، والصبيّ الصغير ، والتلطّف لهِ بالقول .
3 ـ جواز تكنية الطفل ، قبل أن يولد له ، كما عنون الإمام البخاريّ لهذا الحديث ، وأنّ في ذلك رفعاً لهمّته ، وتقوية لثقته بنفسه .
4 ـ لا بأس باستعمال السجع للمداعبة والتلطّف ( ) .

  
اللوحة الثامنة والعشرون
ملاطفة محبّبة ومداعبة هادفة

مداعبة الأطفال بما يناسب سنَّهم واهتماماتهم فنّ لا يحسنه أكثر الكبار ، وعندما تكون المداعبة هادفَةً محَبِّبة ، فتلك السقيا العذبة المسلسلة ، الموصولة بهدي النبيّ  ، الرءوف الرحيم ، صاحب الخلق العظيم .
عَنْ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ  قَالَ : ( عَقَلْتُ مِنَ النَّبِيِّ  مَجَّةً مَجَّهَا فِي وَجْهِي ، وَأَنَا ابْنُ خَمْسِ سِنِينَ مِنْ دَلْوٍ ) ( ) .
والمجّ هو إلقاء الماء أو الشراب من الفم ، والمُجاج هو ما يلقى من الفم .

* معالم هاديَة :
1 ـ مداعبة الأطفال من خير ما يحبّبهم بالكبار ، ويقرّبهم منهم ، ويهيّئهم للتكيّف الاجتماعيّ المنَاسب .
2 ـ استنبط العلماء من هذا الحديث أنّ أهليّةَ الإنسان لتحمّل العلم والرواية تبتَدِئ من هذا السنّ .
3 ـ مزاح المربّي الحكيم لا يقف عند حدّ المزاح فحَسب ، دون أن يحقّق مقاصد أخرى مشروعة مفيدة ..

  
اللوحة التاسعة والعشرون
ملاعبة النبيّ  للحُسَيْنِ بْنِ عَلِيّ 
تواضع النبيّ  ورفقه كان يتجلّى في كلّ موقفٍ وعلاقةٍ ، رعاية للأطفَال ولطْفاً ، وتعليماً للأمّة وتَربية .. فأين الذين تأنف نفوسهم من أن يداعبوا أطفالهُم أمام الآخرين ، أو يحدّثوهم ، ويظنّون أنّ ذلك دليل رفعتهم ، وعلوّ مكانتهم ..
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ  قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللهِ  حَامِلَ الحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ عَلَى عَاتِقِهِ ، فَقَالَ رَجُلٌ : نِعْمَ المَرْكَبُ رَكِبْتَ يَا غُلامُ ! فَقَالَ النَّبِيُّ  : وَنِعْمَ الرَّاكِبُ هُوَ ) ( ) .

* معالم هاديَة :
1 ـ حمل النبيّ  للحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ رضي الله عنهما ، وهو طفل صغير على عاتقه ، لملاعبته وملاطفته ( ) .
2 ـ مباسطة النبيّ  لأصحابه مع عظيم هيبته ووقاره .
3 ـ شدّة محبّة النبيّ  للحسين بن عليّ  وثناؤه عليه .

  

اللوحة الوافية ثلاثين
رفقُ النَّبِيِّ  بأَحد الحَسَنينِ وتأديبُه له

ما أسمى الأخلاق النبويّة وما أكرمها .! وما أوسع صدر النبيّ  وما أرحمه .! ومَن مِن الناس يتقبّل أن يبول عليه صبيّ أمام الناس ، ولا يغضب ولا ينفعِل .؟! بل يطلب ممّن حوله أن يترك الصبيّ ليكمل بوله .؟!
عَنْ أَبِي لَيْلَى  قَالَ : كُنْتُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ  ، وَعَلَى صَدْرِهِ أَوْ بَطْنِهِ الحَسَنُ أَوِ الحُسَيْنُ ، قَالَ : فَرَأَيْتُ بَوْلَهُ أَسَارِيعَ ، فَقُمْنَا إِلَيْهِ ، فَقَالَ : ( دَعُوا ابْنِي ، لا تُفْزِعُوهُ ( ) حَتَّى يَقْضِيَ بَوْلَهُ ، ثُمَّ أَتْبَعَهُ المَاءَ ، ثُمَّ قَامَ فَدَخَلَ بَيْتَ تَمْرِ الصَّدَقَةِ ، وَدَخَلَ مَعَهُ الغُلامُ ، فَأَخَذَ تَمْرَةً ، فَجَعَلَهَا فِي فِيهِ ، فَاسْتَخْرَجَهَا النَّبِيُّ  ، وَقَالَ : إِنَّ الصَّدَقَةَ لا تَحِلُّ لَنَا ) ( ) .
* معالم هاديَة :
1 ـ عظمة أخلاقِ النبيِّ  ، وسَعَة صدره ، وجميل رفقه بالأطفال وتواضعه ، وتعليمه لأمّته الأحكام الشرعيّة بصوْرة عمليّة .
2 ـ في هذا الموقف آيةٌ من آيات النبوّة ، فقد ثبت أنّ قطع البوْل فيه على صحّة الإنسان ضرر بَالغ .
3 ـ ورع النبيّ  عن تمر الصدقة ، ونهيه للصغير من أهل بيته عمّا لا يحلّ له ، مع أنّهُ غير مكلّفٍ بعد .

  

اللوحة الحادية والثلاثون
الأطفال خير ما يستقبل به القادم

الأطفال أحبّ الناس إلى آبائهم ، فما أرفع الذوق النبويّ أن يستقبل الآباء عندما يعودون من أسفارهم بأطفالهم ، ليأنسوا بهم ، ويسرّوا بلقياهم .
عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ جَعْفَرٍ  قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللهِ  إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ تُلُقِّيَ بِصِبْيَانِ أَهْلِ بَيْتِهِ ، قَالَ : وَإِنَّهُ قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ ، فَسُبِقَ بِي إِلَيْهِ ، فَحَمَلَنِي بَيْنَ يَدَيْهِ ، ثُمَّ جِيءَ بِأَحَدِ ابْنَيْ فَاطِمَةَ ، فَأَرْدَفَهُ خَلْفَهُ قَالَ : فَأُدْخِلْنَا المَدِينَةَ ثَلاثَةً عَلَى دَابَّةٍ ) ( ) .
* معالم هاديَة :
1 ـ سنّة كريمة تشير إلى التقدير البالغ لمشَاعِر الأبوّة والطفولة ، والحرص على تلبيتها .
2 ـ ينبغي أن يحرص علَى قرب الطفل من المربّي ، وعدم بعده عنه ، ففي القرب لن يعدم النفع والخير .
3 ـ ينبغي أن يشجّع الأطفال على القرب من الوالدين ، ومن المربّين ، والتنافس في ذلك ، لما فيه من الفائدة لهم .

  
اللوحة الثانية والثلاثون
كيف ندعو على أكبادنا .؟!
أيبلغ الحمقُ بالإنسانِ أن يدعو على نفسه أو ولده .؟ وما يدري لعلّها ساعة إجابة ، فينزل من الضرّ والبَلاء بالنفس أو الولد ما يكون وبالاً على الإنسان أو ولده .؟!
عن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ  قَالَ : سِرْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ  فِي غَزْوَةِ بَطْنِ بُوَاطٍ وَهُوَ يَطْلُبُ المَجْدِيَّ بْنَ عَمْرٍو الجُهَنِيَّ وَكَانَ النَّاضِحُ يَعْقُبُهُ مِنَّا الخَمْسَةُ وَالسِّتَّةُ وَالسَّبْعَةُ فَدَارَتْ عُقْبَةُ رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ عَلَى نَاضِحٍ لَهُ فَأَنَاخَهُ فَرَكِبَهُ ثُمَّ بَعَثَهُ فَتَلَدَّنَ عَلَيْهِ بَعْضَ التَّلَدُّنِ فَقَالَ لَهُ : شَأْ لَعَنَكَ اللهُ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ  : مَنْ هَذَا اللاّعِنُ بَعِيرَهُ .؟ قَالَ : أَنَا يَا رَسُولَ اللهِ ، قَالَ : انْزِلْ عَنْهُ فَلا تَصْحَبْنَا بِمَلْعُونٍ ، لا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ ، وَلا تَدْعُوا عَلَى أَوْلادِكُمْ ، وَلا تَدْعُوا عَلَى أَمْوَالِكُمْ ، لا تُوَافِقُوا مِنَ اللهِ سَاعَةً يُسْأَلُ فِيهَا عَطَاءٌ ، فَيَسْتَجِيبُ لَكُمْ ) ( ) .

* معالم هاديَة :
1 ـ التربية العَمليّة خير ما يعمّق الحقائق الإيمانيّة والتربويّة في النفوس .
2 ـ الدعاء للأولاد باب عظيم لإصلاحهم ، فلا يجوز أن يتّخذ وسيلةً لإيذائهم وإفسادهم .
3 ـ ربّما جرّ الإنسان الشرّ بدعائه على نفسه وولده ، ثمّ يندم ويتحسّر .! الإسراء .
4 ـ لم يرتضِ النبيّ  الدعاء باللعن على حيوان ، فكيف يرضى لأمّته بالدعاء على أنفسهم وأطفالهم .؟!

  
اللوحة الثالثة والثلاثون
ندعو لهم لأنّهم الأمل الواعد

الدعاء للطفل بخيري الدنيا والآخرة من مظاهر التعلّق بالله تعالى ورجائه ، والرغبة الصادقة أن يهيّئ الله تعالى له الخير ، ويصرف عنه الشرّ ، ويجعله لوالديه قرّة عين .
عَنْ أَنَسٍ  قَالَ : دَخَلَ النَّبِيُّ  عَلَيْنَا ، وَمَا هُوَ إِلاّ أَنَا وَأُمِّي وَأُمُّ حَرَامٍ خَالَتِي فَقَالَ : قُومُوا فَلأُصَلِّيَ بِكُمْ ، فِي غَيْرِ وَقْتِ صَلاةٍ ، فَصَلَّى بِنَا فَقَالَ رَجُلٌ لِثَابِتٍ : أَيْنَ جَعَلَ أَنَساً مِنْهُ ؟ قَالَ : جَعَلَهُ عَلَى يَمِينِهِ ، ثُمَّ دَعَا لَنَا أَهْلَ البَيْتِ بِكُلِّ خَيْرٍ مِنْ خَيْرِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ، فَقَالَتْ أُمِّي : يَا رَسُولَ اللهِ ! خُوَيْدِمُكَ ادْعُ اللهَ لَهُ ؟ قَالَ : فَدَعَا لِي بِكُلِّ خَيْرٍ ، وَكَانَ فِي آخِرِ مَا دَعَا لِي بِهِ أَنْ قَالَ : اللَّهُمَّ أَكْثِرْ مَالَهُ وَوَلَدَهُ ، وَبَارِكْ لَهُ فِيهِ ) ( ) .
قَالَ أَنَسٌ  جَاءَتْ بِي أُمِّي أُمُّ أَنَسٍ إِلَى رَسُولِ اللهِ  وَقَدْ أَزَّرَتْنِي بِنِصْفِ خِمَارِهَا وَرَدَّتْنِي بِنِصْفِهِ ( ) ، فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللهِ هَذَا أُنَيْسٌ ابْنِي أَتَيْتُكَ بِهِ يَخْدُمُكَ فَادْعُ اللهَ لَهُ فَقَالَ : اللَّهُمَّ أَكْثِرْ مَالَهُ وَوَلَدَهُ ، قَالَ أَنَسٌ  : فَوَاللهِ إِنَّ مَالِي لَكَثِيرٌ ، وَإِنَّ وَلَدِي وَوَلَدَ وَلَدِي لَيَتَعَادُّونَ عَلَى نَحْوِ المِائَةِ اليَوْمَ ) ( ) .
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ  أَنَّ رَسُولَ اللهِ  أَتَى أُمَّ حَرَامٍ ، فَأَتَيْنَاهُ بِتَمْرٍ وَسَمْنٍ فَقَالَ : ( رُدُّوا هَذَا فِي وِعَائِهِ ، وَهَذَا فِي سِقَائِهِ فَإِنِّي صَائِمٌ ، قَالَ : ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى بِنَا رَكْعَتَيْنِ تَطَوُّعاً ، فَأَقَامَ أُمَّ حَرَامٍ وَأُمَّ سُلَيْمٍ خَلْفَنَا ، وَأَقَامَنِي عَنْ يَمِينِهِ فِيمَا يَحْسَبُ ثَابِتٌ ، قَالَ : فَصَلَّى بِنَا تَطَوُّعاً عَلَى بِسَاطٍ فَلَمَّا قَضَى صَلاتَهُ قَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ : إِنَّ لِي خُوَيْصَّةً ، خُوَيْدِمُكَ أَنَسٌ ادْعُ اللهَ لَهُ ، فَمَا تَرَكَ يَوْمَئِذٍ خَيْراً مِنْ خَيْرِ الدُّنْيَا وَلا الآخِرَةِ إِلاّ دَعَا لِي بِهِ ، ثُمَّ قَالَ : اللَّهُمَّ أَكْثِرْ مَالَهُ وَوَلَدَهُ ، وَبَارِكْ لَهُ فِيهِ ، قَالَ أَنَسٌ  : فَأَخْبَرَتْنِي ابْنَتِي أَنِّي قَدْ دَفَنْتُ مِنْ صُلْبِي بِضْعاً وَتِسْعِينَ ، وَمَا أَصْبَحَ فِي الأَنْصَارِ رَجُلٌ أَكْثَرَ مِنِّي مَالاً ، ثُمَّ قَالَ أَنَسٌ  : يَا ثَابِتُ مَا أَمْلِكُ صَفْرَاءَ وَلا بَيْضَاءَ إِلاّ خَاتَمِي ) ( ) .
* معالم هاديَة :
1 ـ قرب النَّبِيِّ  من أصحابه ، واختلاطه بهم بغير تكلّف ، وذلك من خير وسائل التربية العمليّة ..
2 ـ قرب المربّي يعني الحبّ والنفع بكلّ خير .. فكيف بقرب الوالد والوالدة .. والبعد يعني الجفوة والجهل .. ولا تربية مع الجهل .!
3 ـ دعاء الكبار للصغار بخيري الدنيا والآخرة من أعظم أسباب السعادة والفلاح .
4 ـ يستحبّ للوالدين أن يطلبوا الدعاء لأولادهم من أهل الصلاح والتقوى .
5 ـ زهد الصحابة  ، وعدم تعلّقهم بالدنيا ، وبذلهم لها في سبيل الله تعالى .
6 ـ ما أعظم رحمة الأمّهات بأولادهم .! وإيثارهم لهم على أنفسهنّ .!

  
اللوحة الرابعة والثلاثون
ولأطفالنا باكورة ثمارنا
براءة الأطفال وسلامة فطرهم تدعو الآباء أن يقدّموا لهم باكورة الرزق والثمر ، وكأنّهم يقولون لهم : " إنّنا بكم رُزقنا ، فلا يقدّم أحد عليكم في ذوق أوّلِ ثمرنا " .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ  أَنَّ رَسُولَ اللهِ  كَانَ إِذَا أُتِيَ بِأَوَّلِ الثَّمَرَةِ قَالَ : ( اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي مَدِينَتِنَا ، وَفِي ثِمَارِنَا ، وَفِي مُدِّنَا ، وَفِي صَاعِنَا بَرَكَةً مَعَ بَرَكَةٍ ، ثُمَّ يُنَاوِلُهُ أَصْغَرَ مَنْ بِحَضْرَتِهِ مِنَ الوِلْدَانِ ) ( ) .
* معالم هاديَة :
1 ـ الدعاء بالبركة ممّا ينبغي على المؤمن أَن يعوّد لسانَه عليه ، لأنّها نماء وحسن عاقبة ، والبركة أهمّ ما يكرم الله به عبَاده .
2 ـ في تقديم باكُورة الثمار لبعض الأطفالِ تيمّنٌ بدوام النعمَة ، ومزيد فضل الله على عباده ، فالأطفال لا أوزار عليهم ولا تبعاتٍ ، وفي ذلك استدرار لفَضل الله تعالى ورحمته .
3 ـ ينبغي أن يُقدّم الأطفال والضعفاء ، على الأقويَاء والكبار في بذل الطعام والمشتهيات ، رحمةً بهم ، والتماساً لبركة الله ودوام نعمه .

  

اللوحة الخامسة والثلاثون
بضعة النفس فكيف تنفصل عنها.؟!

هلْ يلام والد أو والدة على تعلّق قلبه بولده .؟ بعدما رأينا النبيّ  يعتني بأطفالِ بناته هذا الاعتناء ، ويتلطّف بهم ، حتّى ولو كان في صلاته .
عَنْ أَبِي قَتَادَةَ  ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ  كَانَ يُصَلِّي ، وَهُوَ حَامِلٌ أُمَامَةَ بِنْتَ زَيْنَبَ بِنْتِ رَسُولِ اللهِ  ، وَلأَبِي العَاصِ بْنِ الرَّبِيعِ ، فَإِذَا قَامَ حَمَلَهَا ، وَإِذَا سَجَدَ وَضَعَهَا ) ( ) .
* معالم هاديَة :
1 ـ حمل الطفل أو الطفلة في الصلاة لا يتنافى مع أدب الصلاة والمصَلّي .
2 ـ رفق النبيّ  ورحمته بالأطفال ، وحسن رعايته لهم .
3 ـ تعليمه  لأصحابه وأمّته ذلك بصورة عمليّة .

  

اللوحة الخامسة والثلاثون
غُلامٌ يَهُودِيٌّ يَخْدُمُ النَّبِيَّ  ثمّ يسلم

هل هناك أبلغ في حبّ الأطفال للنبيّ  من أن يجتهد غلام يهوديّ في خدمة النبيّ  ، وعندما يمرض يخصّه النبيّ  بالعيادة ، ويدعوه إلى الإسلام فيسلم .؟
عَنْ أَنَسٍ  قَالَ كَانَ غُلامٌ يَهُودِيٌّ يَخْدُمُ النَّبِيَّ  فَمَرِضَ فَأَتَاهُ النَّبِيُّ  يَعُودُهُ فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَقَالَ لَهُ أَسْلِمْ فَنَظَرَ إِلَى أَبِيهِ وَهُوَ عِنْدَهُ فَقَالَ لَهُ : أَطِعْ أَبَا القَاسِمِ  ، فَأَسْلَمَ ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ  وَهُوَ يَقُولُ : ( الحَمْدُ للهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ مِنَ النَّارِ ) ( ) .
عَنْ أَنَسٍ  أَنَّ غُلاماً يَهُودِيّاً كَانَ يَضَعُ لِلنَّبِيِّ  وَضُوءَهُ ( ) ، وَيُنَاوِلُهُ نَعْلَيْهِ ، فَمَرِضَ فَأَتَاهُ النَّبِيُّ  فَدَخَلَ عَلَيْهِ ، وَأَبُوهُ قَاعِدٌ عِنْدَ رَأْسِهِ ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ  : يَا فُلانُ قُلْ : ( لا إِلَهَ إِلاّ اللهُ ) ، فَنَظَرَ إِلَى أَبِيهِ ، فَسَكَتَ أَبُوهُ ، فَأَعَادَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ  ، فَنَظَرَ إِلَى أَبِيهِ ، فَقَالَ أَبُوهُ : أَطِعْ أَبَا القَاسِمِ ، فَقَالَ الغُلامُ : " أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاّ اللهُ ، وَأَنَّكَ رَسُولُ اللهِ " ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ  وَهُوَ يَقُولُ : ( الحَمْدُ للهِ الَّذِي أَخْرَجَهُ بِي مِنَ النَّارِ ) ( ) .
* معالم هاديَة :
1 ـ مشروعيّة عيادة مرضى أهل الكتاب ، لدعْوَتهم إلى الإسلام ، وحثّهم على اتّباع الحقّ .
2 ـ اليهود أعْرف الناس بصدق النبيّ  ، وإنّما يصدّهم عن الإيمان الكبر والحسد ، ومعاندة الحقّ واتّباع الهوى .
3 ـ حرص النبيّ  على هداية الناس إلى الحقّ ، وفرحه باستجابتهم .
4 ـ كيف يدعو هذا اليهوديّ ولده أن يطيع أبا القاسم ، ولا يطيع هو أبا القاسم  ، فيستجيب له ويسلم .؟! ولعلّه قد استجاب بعد ذلك وآمن .!

  

اللوحة السابعة والثلاثون
يَستحلُّ الشَّيْطَانُ الطعام إن لم يذكر اسم الله عليه

ذكر الله تعالى على الطعام وغيره يحفظه من الشيطَان ، وعلى الكبار أن يتعهّدوا الأطفال بالمحافظة على ذكر الله تعالى قبل الطعام ، وقبل كلّ شيء ٍ، كيلا يقربهم الشيطان أو يستحلّ طعامهم .
عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ اليَمَانِ  قَالَ : كُنَّا إِذَا حَضَرْنَا مَعَ النَّبِيِّ  طَعَاماً ، لَمْ نَضَعْ أَيْدِيَنَا حَتَّى يَبْدَأَ رَسُولُ اللهِ  ، فَيَضَعَ يَدَهُ ، وَإِنَّا حَضَرْنَا مَعَهُ مَرَّةً طَعَاماً ، فَجَاءَتْ جَارِيَةٌ كَأَنَّهَا تُدْفَعُ ، فَذَهَبَتْ لِتَضَعَ يَدَهَا فِي الطَّعَامِ ، فَأَخَذَ رَسُولُ اللهِ  بِيَدِهَا ، ثُمَّ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ كَأَنَّمَا يُدْفَعُ ، فَأَخَذَ بِيَدِهِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ  : ( إِنَّ الشَّيْطَانَ يَسْتَحِلُّ الطَّعَامَ أَنْ لا يُذْكَرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ ، وَإِنَّهُ جَاءَ بِهَذِهِ الجَارِيَةِ لِيَسْتَحِلَّ بِهَا ، فَأَخَذْتُ بِيَدِهَا ، فَجَاءَ بِهَذَا الأَعْرَابِيِّ لِيَسْتَحِلَّ بِهِ ، فَأَخَذْتُ بِيَدِهِ ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّ يَدَهُ فِي يَدِي مَعَ يَدِهَا ) ( ) .
وَزَادَ فِي رواية أخرى في آخِرِ الحَدِيثِ : ( ثُمَّ ذَكَرَ اسْمَ اللهِ وَأَكَلَ ) .

* معالم هاديَة :
1 ـ ضرورة تأديب الأطْفال بآداب الطَعَام والشراب ، وبخاصَّة ذكر اللهِ تعالى قَبل البَدء ، وحمده بعد الانتهاء .
2 ـ الشيطان يستحلّ طعامنا إن لم يُذكَرِ اسمُ الله عليهِ ، فنحرم بذلك من بركته وخيره .
3 ـ من الأدَب مع الكبار ألاّ يَأكلَ مَن بحضرَتهم قَبْلَهم ، فقد يكُونُ لهم من الرأي والتوجيه ما لا يُدرَكُ بسبقهم .

اللوحة الثامنة والثلاثون
خصوصيّة البنات في التربية والتعليم

أهمّيّة المرأة في المجتمع ، وعظم المسئوليّة التي تقوم بها جعلت لتربية البنات ، وحسن تأديبهنّ خصوصيّة خاصّة منَ الأجر والمثوبة .. فكم من فارق بعيد بين موقف الإسلام ، وموقف الجاهليّة قديماً وحديثاً .؟!
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ  قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ  : ( مَنْ كَانَ لَهُ ثَلاثُ بَنَاتٍ ، أَوْ ثَلاثُ أَخَوَاتٍ ، أَوِ ابْنَتَانِ ، أَوْ أُخْتَانِ ، فَأَحْسَنَ صُحْبَتَهُنَّ ، وَاتَّقَى اللهَ فِيهِنَّ فَلَهُ الجَنَّةُ ) ( ) .
* معالم هاديَة :
1 ـ لتربية النساء في الإسلامِ خصوصيَّة ومزيّة ، رَدّاً من جهةٍ على تلكَ العاداتِ الجاهِليّة ، التي تقوم على كَراهة المرأة ، والتشاؤم بِها ، وتنويهاً بأهمّيّة المرأة في المجتمع ، وعظم الدور الذي تقوم به من جهةٍ أخرَى ..
2 ـ حسن الصحبة إنّما يكون : بإخلاص النصح ، وحبّ الخير ، والإعانة على فعله .
3 ـ الإسلام يشجّع على كَثرة النسل الصالح ، لما فيه من قوّة الدين وأهله ، وعمارة الأرض بدين الله وعبادته.
4 ـ خير ما يعدُ به المربّي جَنَّةَ اللهِ تعالى ورِضوانه ، وما أكثر النصوص في الكتاب والسنّة التي تَعِدُ المؤمنين المتّقين بذلكَ ، فَعَلى المرَبّي ألاّ يُغفِل هذَا الأمْر في منهَجه وأسلوبِه .

  
اللوحة التاسعة والثلاثون
رَسُولُ اللهِ  يؤدّبُ غُلاماً ويدعو له
جناية الطفل لا تقاس بجناية الكبير .. فالطفل أحوج من الكبير إلى العطف والرفق ، والتوجيهِ والدعاء ..
عَنْ عَمِّ أَبِي رَافِعِ بْنِ عَمْرٍو الغِفَارِيِّ  قَالَ : كُنْتُ غُلاماً أَرْمِي نَخْلَ الأَنْصَارِ فَأُتِيَ بِي النَّبِيُّ  ، فَقَالَ : ( يَا غُلامُ لِمَ تَرْمِي النَّخْلَ ؟ قَالَ : آكُلُ ، قَالَ : فَلا تَرْمِ النَّخْلَ ، وَكُلْ مِمَّا يَسْقُطُ فِي أَسْفَلِهَا ، ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ : فَقَالَ : اللَّهُمَّ أَشْبِعْ بَطْنَهُ ) ( ) .
* معالم هاديَة :
1 ـ رفق النبيِّ  بالغلام وسُؤَاله عن سبب فعله ، قبلَ أَن يعاتبَه أو يوجّه إليه أيّة ملاحظة .
2 ـ لا حرجَ في شكوى الطفل إلى المعلّم والكبير ، ليُعَلّمَه ويوجّهَه ويؤدّبَه .
3 ـ تصديقُ النبيِّ  للطفل ، وتوجيهه إيّاه إلى ما يحلُّ له فعْلُه .
4 ـ علاجُ النبيّ  لهذا الطفل بمسحه على رأسه والدعاء له ، فجمع له بين التعليم والتوجيه ، والتربيةِ الروحيّة له بالدعاء .

  
اللوحة الوافية أربعين
علّموهم العدل بالعدل
العدل مع الأطفال ممّا يتساهل به كثير من الكبار ، فتنشأ المشكلات بين الأقارب والأرحام ، ويتعمّق الخلاف ، وتكون القطيعة ، وتختلّ العلاقات ..
عَنْ عَامِرٍ قَالَ : سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ  ، وَهُوَ عَلَى المِنْبَرِ يَقُولُ : أَعْطَانِي أَبِي عَطِيَّةً ، فَقَالَتْ عَمْرَةُ بِنْتُ رَوَاحَةَ : لا أَرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ رَسُولَ اللهِ  ، فَأَتَى رَسُولَ اللهِ  فَقَالَ : إِنِّي أَعْطَيْتُ ابْنِي مِنْ عَمْرَةَ بِنْتِ رَوَاحَةَ عَطِيَّةً ، فَأَمَرَتْنِي أَنْ أُشْهِدَكَ يَا رَسُولَ اللهِ  ، قَالَ : ( أَعْطَيْتَ سَائِرَ وَلَدِكَ مِثْلَ هَذَا ؟ قَالَ : لا ، قَالَ : فَاتَّقُوا اللهَ ، وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلادِكُمْ ) ، قَالَ : فَرَجَعَ فَرَدَّ عَطِيَّتَهُ ) ( ) .

* معالم هاديَة :
1 ـ العدل عنوَان شخصيّةِ المسلم ، ومن أبرز صفاته .
2 ـ العْدلُ بَيْنَ الأَوْلادِ من أهمّ ما يؤلّف بين قلوبهم ، ويحفظهم من الفرقة والاختلاف .
3 ـ على المؤمن أن يأخذ بالعدل ، ويدافع عَن الحقّ ، وألاّ يشهد على جورٍ .
4 ـ على المؤمن أنْ يدافع عن حقّ الضعفاء ، كالطفل والمرأة ، وينهى عن ظلمهم .

  

اللوحة الحادية والأربعون
إِنَّ فِيهِمْ قُرَّةَ عَيْنٍ وهم مَجْبَنَةٌ مَحْزَنَةٌ

الأطفال قرّة عين ، وفيهم الأجر العظيم إنْ صبر المرء على فقدهم ، وقلوب الآباء عليهم دائماً ، ممّا يجلب الحزن لوالديهم ، ويجعلهم يضنّون ببذل الأموال في سبيل الله ، ويجبنون عن ملاقاة أعداء الله ..
عَنِ الأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ  قَالَ : قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ  فِي وَفْدِ كِنْدَةَ ، فَقَالَ لِي : هَلْ لَكَ مِنْ وَلَدٍ ؟! قُلْتُ : غُلامٌ وُلِدَ لِي فِي مَخْرَجِي إِلَيْكَ مِنِ ابْنَةِ جَدٍّ ، وَلَوَدِدْتُ أَنَّ مَكَانَهُ شَبِعَ القَوْمُ ، قَالَ : ( لا تَقُولَنَّ ذَلِكَ ، فَإِنَّ فِيهِمْ قُرَّةَ عَيْنٍ ، وَأَجْراً إِذَا قُبِضُوا ، ثُمَّ وَلَئِنْ قُلْتَ ذَاكَ ، إِنَّهُمْ لَمَجْبَنَةٌ مَحْزَنَةٌ ، إِنَّهُمْ لَمَجْبَنَةٌ مَحْزَنَةٌ ) ( ) .

* معالم هاديَة :
1 ـ الأطفَال مَجلَبةٌ لبهجة النفس وسرورها ، وفيهم الأجر والمثوبةُ إذا فقدوا .
2 ـ من ابتلاء الله تعالى للإنْسان بالإطفالِ أن جعلهم مجلبة للجبن مَحْزَنَةً .
3 ـ من السنّة سؤال الإنسان عن أولاده ، وهل له من ولد .

  
اللوحة الثانية والأربعون
أعيذكم بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّةِ

ما أجملَ أن ينشأ الطفل على الاستعَاذة بالله تعالى ، ويغرس في قلبه اليقين بقوّة الله تعالى وقدرته ، وأنّه لا نافع ولا ضارّ أحد إلاّ بإذنه .
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ  قَالَ : كَانَ النَّبِيُّ  يُعَوِّذُ الحَسَنَ وَالحُسَيْنَ وَيَقُولُ : إِنَّ أَبَاكُمَا كَانَ يُعَوِّذُ بِهَا إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ : ( أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّةِ ، مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ وَهَامَّةٍ ، وَمِنْ كُلِّ عَيْنٍ لامَّةٍ ) ( ) .

* معالم هاديَة :
1 ـ من أعظم حقائق الإيمان التعوّذ بالله تعالى من كلّ شَرّ .
2 ـ الحثّ على تعويذ الأطفال من شرّ الشياطين ، وأنّ ذلك سنّة نبويّة من زمن إبراهيم وإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ عليهم السلام .
3 ـ مشروعيّة التعوّذ بالله تعالى من شرّ العينِ فهي حقّ ، ولكنّها لا تضرّ إلاّ بإذن الله .
4 ـ في تعويذ الأطفال من شرّ الشياطين ، ومن شَرّ كلّ ذي شَرّ تلقين لهم لحقائق الإيمان ، لينشئوا على خوف الله تعالى وحده ، واللجوء إليه سُبحانه .

  

اللوحة الثالثة والأربعون
كفّ الصبيان عن كيد الشَّيطانِ

ذكر الله تعالى على كلّ شيءٍ أدب نبويّ كريم ، يحفظ المؤمن وماله من شرّ الشيطان ومكره ، فلا يسَلّطَ على شيء من أمره .
عَنْ جَابِرٍ  عَنِ النَّبِيِّ  قَالَ : ( إِذَا اسْتَجْنَحَ اللَّيْلُ ، أَوْ قَالَ : جُنْحُ اللَّيْلِ ، فَكُفُّوا صِبْيَانَكُمْ ، فَإِنَّ الشَّيَاطِينَ تَنْتَشِرُ حِينَئِذٍ ، فَإِذَا ذَهَبَ سَاعَةٌ مِنَ العِشَاءِ فَخَلُّوهُمْ ، وَأَغْلِقْ بَابَكَ وَاذْكُرِ اسْمَ اللهِ ، وَأَطْفِئْ مِصْبَاحَكَ وَاذْكُرِ اسْمَ اللهِ ، وَأَوْكِ سِقَاءَكَ وَاذْكُرِ اسْمَ اللهِ ، وَخَمِّرْ إِنَاءَكَ وَاذْكُرِ اسْمَ اللهِ ، وَلَوْ تَعْرُضُ عَلَيْهِ شَيْئاً ) ( ) .
وَمعنى اسْتَجْنَحَ اللَّيْلُ : أي مال لذهاب أو مجيء ، والمراد به هنا دخوله وأوّله .
وَأَوْكِ سِقَاءَكَ : وكَى الصرّة ونحوها شدّها بالوِكاء ، وهو الخيط الذي يكون على فمها . وَخَمِّرْ إِنَاءَكَ : أي غطّه ، وخمّر الشيء غطّاه .
* معالم هاديَة :
1 ـ حرص النبيّ  عَلى حفظ الأطفال من شرّ الشياطين وأذاهم ، بكفّهم عن اللعب أوّل الليل ، ومَا قد يتعرّض له الأطفال هذه الساعة من الشرّ والأذى قد لا تزول آثاره إلى آخرِ العمر .
2 ـ خير ما يحفظ المؤمن من شرِّ الشياطين أن يعتصم بذكر الله تعالى في جميع أحوَاله .
3 ـ من رحمة الله بنا أنّ الشياطين لا تقترب ممّا غطّي من الآنية ، وذُكرَ اسمُ الله عَليه .
4 ـ ضرورة إطفَاء النار في البيوت وقت النوم ، فالنار عدوّ لا يَرحم .
5 ـ رحْمةُ النبيّ  بأمّته ، إذ أرشَدها إلى توجيهات ما كان لها لولا تعليمه أن تعلمَها .

  

اللوحة الرابعة والأربعون
النهيُ عَنْ ضَرْبِ أَهْلِ الصَّلاةِ

ما أكرم المصلّين على الله تعالى .! وما أحسن أخذ الصحابة بوصاة النبيّ  ، وحرصهم على العمل بها في أرْفعِ صورها .!
عَنْ أَبِي أُمَامَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ  أَقْبَلَ مِنْ خَيْبَرَ وَمَعَهُ غُلامَانِ ، وَهَبَ أَحَدَهُمَا لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ  وَقَالَ : ( لا تَضْرِبْهُ ، فَإِنِّي قَدْ نَهَيْتُ عَنْ ضَرْبِ أَهْلِ الصَّلاةِ ، وَقَدْ رَأَيْتُهُ يُصَلِّي ) .
وفِي روايةٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ : أَنَّ النَّبِيَّ  أَقْبَلَ مِنْ خَيْبَرَ وَمَعَهُ غُلامَانِ ، فَقَالَ عَلِيٌّ  : يَا رَسُولَ اللهِ أَخْدِمْنَا ، قَالَ : خُذْ أَيَّهُمَا شِئْتَ ، قَالَ : خِرْ لِي ، قَالَ : خُذْ هَذَا وَلا تَضْرِبْهُ ، فَإِنِّي قَدْ رَأَيْتُهُ يُصَلِّي مَقْبَلَنَا مِنْ خَيْبَرَ ، وَإِنِّي قَدْ نَهَيْتُ ـ يعني عَنْ ضَرْبِ أَهْلِ الصَّلاةِ ـ وَأَعْطَى أَبَا ذَرٍّ  غُلاماً وَقَالَ : اسْتَوْصِ بِهِ مَعْرُوفاً ، فَأَعْتَقَهُ ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ  : ( مَا فَعَلَ الغُلامُ ؟ قَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ أَمَرْتَنِي أَنْ أَسْتَوْصِيَ بِهِ مَعْرُوفاً فَأَعْتَقْتُهُ ) ( ) .
* معالم هاديَة :
1 ـ تكريم أهل طاعة الله تعالى من علامات تعظيم حرمات الله .
2 ـ أدبُ عليّ  إذ رغِبَ إلى النبيّ  أن يختارَ له الخادم .
3 ـ رحْمةُ النبيّ  بالخدم ووصيّته بهم ، واهتمامه بحسن معاملتهم .
4 ـ حرص الصحابة  على كمال الطاعة لرسول الله  ، ممّا دفع أبا ذرّ  إلى أنْ يُعتقَ الخادم ابتغاء مرضاة الله تعالى .
5 ـ عِظَمُ قَدر الصلاة وأثرها في حفْظ الإنسان ، ودفع الأذى عنه .

  

اللوحة الخامسة والأربعون
اللهَ أَقْدَرُ عَلَيْكَ .!

عندما يذكر المؤمن قدرة الله تعالى عليه لا يمكن أن تمتدّ يده بالأذى إلى أيّ مخلوق من عباد الله ، فكَفى برقابة الله تعالى وشهود قدرته رادعاً عن الظلم والعدوان .
قَالَ أَبُو مَسْعُودٍ البَدْرِيُّ  : كُنْتُ أَضْرِبُ غُلاماً لِي بِالسَّوْطِ فَسَمِعْتُ صَوْتاً مِنْ خَلْفِي : اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ فَلَمْ أَفْهَمِ الصَّوْتَ مِنَ الغَضَبِ قَالَ فَلَمَّا دَنَا مِنِّي إِذَا هُوَ رَسُولُ اللهِ  فَإِذَا هُوَ يَقُولُ : اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ ! اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ ، قَالَ : فَأَلْقَيْتُ السَّوْطَ مِنْ يَدِي فَقَالَ : ( اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ أَنَّ اللهَ أَقْدَرُ عَلَيْكَ مِنْكَ عَلَى هَذَا الغُلامِ ، قَالَ : فَقُلْتُ : لا أَضْرِبُ مَمْلُوكاً بَعْدَهُ أَبَداً ) ( ) .
وفي رواية : ( فَسَقَطَ مِنْ يَدِي السَّوْطُ مِنْ هَيْبَتِهِ ) .
وزاد في رواية : ( فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ! هُوَ حُرٌّ لِوَجْهِ اللهِ ، فَقَالَ : ( أَمَا لَوْ لَمْ تَفْعَلْ لَلَفَحَتْكَ النَّارُ ، أَوْ لَمَسَّتْكَ النَّارُ ) .

* معالم هاديَة :
1 ـ ضرورة الرفق وحسن الخلق في التعامل مع الأطفال والناشئة .
2 ـ لا يعذر المربّي بالظلم للطفل أو الناشئ ، والشدّة بغير حقّ .
3 ـ المؤمن سريع الفيء إلى الحقّ ، فلا يجادل ، ولا يكابر .
4 ـ تقوى الله تعالى خير ما يحفظ المؤمن من الظلم وتجاوز الحقّ .
اللوحة السادسة والأربعون
رَسُولُ اللهِ  يعلّمُ غُلاماً صنعتَه

من كمال المربّي أن يجمع بين التعليم النظريّ ، والتعليم العمليّ ، وألاّ يكتفي بواحد عن الآخر ، وربّما ظنّ بعض المعلّمين أنّ الممارسة العمليّة لا تليق بمقامهم ، فليكن لهم برسول الله  أسوة حسنة .
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ  : أَنَّ رَسُولَ اللهِ  مَرَّ بِغُلامٍ يَسْلُخُ شَاةً ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ  : ( تَنَحَّ حَتَّى أُرِيَكَ ، فَأَدْخَلَ رَسُولُ اللهِ  يَدَهُ بَيْنَ الجِلْدِ وَاللَّحْمِ ، فَدَحَسَ بِهَا ( ) حَتَّى تَوَارَتْ إِلَى الإِبِطِ ، وَقَالَ : يَا غُلامُ هَكَذَا فَاسْلُخْ ، ثُمَّ مَضَى وَصَلَّى لِلنَّاسِ ، وَلَمْ يَتَوَضَّأْ ) ( ) .
* معالم هاديَة :
1 ـ تواضع النبيِّ  ، وحرصه في كلّ منَاسبة على تعليم أمّته ما ينْفعُها بصورَة عمليّة .
2 ـ تشجيع النبيّ  للغلام في عمله ، وتعليمه المهارة فيه .
3 ـ سلخُ الشاة أو أيٍّ من الأنعام لا ينقض الوضوء .

  
اللوحة السابعة والأربعون
صبيٌّ يحفظ سرّ النبيّ 
تدريب الأطفال على خدمة الكبار ، وحفظ الأسرار ، ممّا يؤهّلهم لجليل الأعمال ، وينبغي على المهتمّين بالتربية أن يكون بعضهم عوناً لبعض على ذلك ، ممّا يحقّق التربية المثلى للطفل ، وبناء شخصيّته المتوازنة .
عَنْ أَنَسٍ  قَالَ : خَدَمْتُ رَسُولَ اللهِ  يَوْماً حَتَّى إِذَا رَأَيْتُ أَنِّي قَدْ فَرَغْتُ مِنْ خِدْمَتِهِ ، قُلْتُ : يَقِيلُ رَسُولُ اللهِ  ، فَخَرَجْتُ إِلَى صِبْيَانٍ يَلْعَبُونَ ، قَالَ : فَجِئْتُ أَنْظُرُ إِلَى لَعِبِهِمْ ، قَالَ : فَجَاءَ رَسُولُ اللهِ  فَسَلَّمَ عَلَى الصِّبْيَانِ وَهُمْ يَلْعَبُونَ ، فَدَعَانِي رَسُولُ اللهِ  ، فَبَعَثَنِي إِلَى حَاجَةٍ لَهُ ، فَذَهَبْتُ فِيهَا ، وَجَلَسَ رَسُولُ اللهِ  فِي فَيْءٍ ، حَتَّى أَتَيْتُهُ ، وَاحْتَبَسْتُ عَنْ أُمِّي عَنِ الإِتْيَانِ الَّذِي كُنْتُ آتِيهَا فِيهِ ، فَلَمَّا أَتَيْتُهَا قَالَتْ : مَا حَبَسَكَ ؟ قُلْتُ : بَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ  فِي حَاجَةٍ لَهُ ، قَالَتْ : وَمَا هِيَ ؟ قُلْتُ : هُوَ سِرٌّ لِرَسُولِ اللهِ  ، قَالَتْ : فَاحْفَظْ عَلَى رَسُولِ اللهِ  سِرَّهُ ، قَالَ ثَابِتٌ : قَالَ لِي أَنَسٌ : لَوْ حَدَّثْتُ بِهِ أَحَداً مِنَ النَّاسِ ، أَوْ لَوْ كُنْتُ مُحَدِّثاً بِهِ لَحَدَّثْتُكَ بِهِ يَا ثَابِتُ ) ( ) .

* معالم هاديَة :
1 ـ سلام النبيّ  على الصبيان ، ومشروعيّة السلام على من يلعبون لعباً مباحاً .
2 ـ التربية النبويّة للأطفال على حفظ السرّ ، ولو على من هو أقرب الناس إلى الطفل .
3 ـ وعي أنس بن مالكٍ  وهو صبيّ صغير ، لما طلب منه النبيّ  ، ودقّة التزامه بذلك .

  
اللوحة الثامنة والأربعون
احذروا الكذب على الأطفال
ما أكثر ما يتساهل الآباء والمربّون بالكذب على الأطفال ، ويظنّون أنّ الأطفالَ لا يدركون ، ع يْنَوا ي ثمّ يشتكون من أطفالهم أنّهم يكذبون ، وهم الذين علّموهم الكذب ، وهم لا يشعرون .
عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَامِرٍ  أَنَّهُ قَالَ : أَتَانَا رَسُولُ اللهِ  فِي بَيْتِنَا وَأَنَا صَبِيٌّ ، قَالَ : فَذَهَبْتُ أَخْرُجُ لأَلْعَبَ ، فَقَالَتْ أُمِّي : يَا عَبْدَ اللهِ ! تَعَالَ أُعْطِكَ ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ  : ( وَمَا أَرَدْتِ أَنْ تُعْطِيَهُ ؟ قَالَتْ : أُعْطِيهِ تَمْراً ، قَالَ : فَقَالَ رَسُولُ اللهِ  : أَمَا إِنَّكِ لَوْ لَمْ تَفْعَلِي كُتِبَتْ عَلَيْكِ كَذْبَةٌ ) ( ) .
* معالم هاديَة :
1 ـ يبدو أنّ أمّ عبد الله بن عامر أرادت لولدها ألاّ يخرج لينال بركة مجالسة النبيّ  واستماع حديثه .
2 ـ المنهج الإسلاميّ يقوم على الصدق في الأقوال والأفعال والأحوال ، ومع جميع الناس ، حتّى مع الأطفال ، لأنّ شخصيّتهم في تشكّل ونموّ ، وعندما يكذب عليهم المربّي ، فإنّما يعلّمهم الكذب بسلوكه ، كما أنّ الكذب لا يخفى عليهم أمره .
3 ـ ينبغي على المربّي أن يستفسر عمّا يقع أمامه ممّا تشكل عليه حقيقته ، وينبّه على ما يرى من ملاحظات شرعيّة أو تَربويّة ، وينصح .
4 ـ ما أكثرَ ما يستهتر الوالدان والمربّون بالكذب على الطفل وَأمَامه ! ثمّ يطالبونَ الطفل بأقوالهم أن يبتُعد عن الكذب .

  
اللوحة التاسعة والأربعون
تشجيعُ النَّبِيِّ  فتيان الصحابة على الرماية

التربية على الأخذ بأسباب القوّة ، وإتقان مهاراتها ، والتشجيع على ذلك ، جزء أساسيّ من منهج الإسلام في بناء الشخصيّة وإعدادها ، والأمّة الجادّة في بناء نهضتها تضع أبناءها في هذا المسار منذ نشأتهم الأولى ، لأنّ قوّة نشاطهم هي امتداد بقائها وقوّتها ، ولا قيمة لأمّة لا قوّة لها .
عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ  قَالَ : مَرَّ النَّبِيُّ  عَلَى نَفَرٍ مِنْ أَسْلَمَ ، يَنْتَضِلُونَ ( ) فَقَالَ النَّبِيُّ  : ( ارْمُوا بَنِي إِسْمَاعِيلَ ، فَإِنَّ أَبَاكُمْ كَانَ رَامِياً ، ارْمُوا وَأَنَا مَعَ بَنِي فُلانٍ ، قَالَ : فَأَمْسَكَ أَحَدُ الْفَرِيقَيْنِ بِأَيْدِيهِمْ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ  : مَا لَكُمْ لا تَرْمُونَ ؟ قَالُوا : كَيْفَ نَرْمِي وَأَنْتَ مَعَهُمْ .؟ قَالَ النَّبِيُّ  : ارْمُوا ، فَأَنَا مَعَكُمْ كُلِّكُمْ ) ( ) .
* معالم هاديَة :
1 ـ تشجيع النبيّ  أصحابه على الرماية ، وتذكيرهم بما كان عليه أبوهم إسماعيل الصلاة والسلام من قوّة الرماية والمهارة بها .
2 ـ لا مانع من إثارة حماسة المتنافسين في المسابقات بأن يكون كبير الناس مؤيّداً لفريق دون آخر . فها
2 ـ ما أحوج الأطفال والناشئين إلى تدريبهم على التنافس في ألعاب القوى الهادفة ، وإتقان مهاراتها ، وتشجيعهم على ذلك بالجوائز والمكافآت .

  
اللوحة الوافية خمسين
غلام ينال الشهادة ، وتُبشّر أمّه بالجنّة ..
إنّ البيئة التي نشأ فيها أطفال الصحابة رفعت هممهم إلى ذرى الشرف والمجد ، فكان أطفالهم يطلبون الشهادة والجنّة كما يطلبها كبارهم ، فنجحوا في امتحان الدنيا ، ونالوا عزّ الآخرة ، وكانوا لمن بعدهم قدوةً صالحة .
عَنْ حُمَيْدٍ قَالَ سَمِعْتُ أَنَساً  يَقُولُ : أُصِيبَ حَارِثَةُ يَوْمَ بَدْرٍ ، وَهُوَ غُلامٌ ، فَجَاءَتْ أُمُّهُ إِلَى النَّبِيِّ  فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللهِ ، قَدْ عَرَفْتَ مَنْزِلَةَ حَارِثَةَ مِنِّي ( ) ، فَإِنْ يَكُنْ فِي الجَنَّةِ أَصْبِرْ وَأَحْتَسِبْ ، وَإِنْ تَكُ الأُخْرَى تَرَى مَا أَصْنَعُ ؟ فَقَالَ : ( وَيْحَكِ أَوَهَبِلْتِ ؟ ( ) ، أَوَجَنَّةٌ وَاحِدَةٌ هِيَ ؟ إِنَّهَا جِنَانٌ كَثِيرَةٌ ، وَإِنَّهُ فِي جَنَّةِ الفِرْدَوْسِ ) ( ) .
وجاء خبر حارثة  في رواية غير البخاريّ : أنّ النبيّ  التقاه ذات يومٍ ، فسأله : ( كيف أصبحت يا حارثة .؟ قال : أصبحت مؤمناً بالله حقّاً .. قال : يا حارثة ! انظر ما تقول ! فإنّ لكلّ قول حقيقة .! فما حقيقة إيمانك .؟ قال : يا رسول الله عزفت نفْسي عن الدنيا ، فأسهرتُ ليليْ ، وأظمَأتُ نَهاري ، فكأنّي بعرش ربّي بارزاً ، وكأنّي بأهل الجنّة يتزاوَرُونَ فيها ، وبأهل النار يتَعاوَوْنَ فيها ، فقال له النبيّ  : عرفت فالزمْ ، عبد نوّرَ الله الإيمان فِي قلبه ) ، فقَالَ : يا رسول الله ادعُ الله لي بالشهادة ، فدَعا له ، فقتل  يومَ بدر " .
وفي رواية : ( من سرّه أن ينظر إلى من نوّر الله قلبه ، فلينظر إلى حارثة بن مالك ) ( ) .
* معالم هاديَة :
1 ـ اهتمام النبيّ  بأصحابه ، ومتابعته لأمورهم ، وسؤَاله عن أحوالِهم .
2 ـ حرص أطفال الصحابة على الجهاد مع رسول الله  ، ونيْلهم للشهادة في سبيل الله تعالى .
3 ـ الإيمان بفضل الله تعالى ومثوبَتِه خير ما يعين المؤمن على الصبر ، ويعزّيه عن فقد من يحبّ في الدنيا .
4 ـ قوّة عاطفة الأمّهات نحو الأولاد ، وضرورة مواساتهنّ عند فقْد الأولاد ، والتخفيف عنهنّ .

  
اللوحة الحادية والخمسون
رفقاً وتكريماً للخادم الإنسان .!

لم تعرف الإنسانيّة ديناً فرضَ المساواة بين الناس ، وشدّد على حقوق العامل والأجير كالإسلام ، وكم كانت المعاملة الإنسانيّة الكريمة سبباً لدخول الناس في دين الله .؟!
عَنِ المَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ  قَالَ : لَقِيتُ أَبَا ذَرٍّ  بِالرَّبَذَةِ ، وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ ، وَعَلَى غُلامِهِ حُلَّةٌ ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ : إِنِّي سَابَبْتُ رَجُلاً ، فَعَيَّرْتُهُ بِأُمِّهِ ، فَقَالَ لِيَ النَّبِيُّ  : ( يَا أَبَا ذَرٍّ أَعَيَّرْتَهُ بِأُمِّهِ ؟! إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ ، إِخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ ، جَعَلَهُمُ اللهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ ، فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ ، وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ ، وَلا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ ، فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ ) ( ) .
* معالم هاديَة :
1 ـ الإسلام دين العَدل والمساواة ، والبرّ والمواساة .
2 ـ دقّة اتّباع الصحابة  لتوجيهات النبيّ  .
3 ـ الرفق في مُعاملَةِ الأطفالِ والخدم من أهمّ آداب الإسلام ومبادئه .
4 ـ سماحة الإنسان وحسن خلقه أعظم ما تتجلّى في تعامله مع الضعفاء والمساكين ، ومن يكون تحت يده من العمّال والخدم .

  
اللوحة الثانية والخمسون
بُشراكَ يا كَافِل اليَتِيمِ .!

أيّ شرفٍ لكافل اليتيم أرفع من صحبة النبيّ  ، وأيّ أجرٍ لمنْ يحسن لليتيم أكبَرُ من أن يوجب الله له الجنّة ، ويعتق رقبته من النار .؟!
عَنْ سَهْلٍ  قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ  : ( وَأَنَا وَكَافِلُ اليَتِيمِ فِي الجَنَّةِ هَكَذَا ، وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى وَفَرَّجَ بَيْنَهُمَا شَيْئاً ) ( ) .
وعَنْ عَائِشَةَ رَضِي اللهُ عَنْهَا قَالَتْ : دَخَلَتِ امْرَأَةٌ مَعَهَا ابْنَتَانِ لَهَا تَسْأَلُ ، فَلَمْ تَجِدْ عِنْدِي شَيْئًا غَيْرَ تَمْرَةٍ ، فَأَعْطَيْتُهَا إِيَّاهَا ، فَقَسَمَتْهَا بَيْنَ ابْنَتَيْهَا ، وَلَمْ تَأْكُلْ مِنْهَا ، ثُمَّ قَامَتْ فَخَرَجَتْ ، فَدَخَلَ النَّبِيُّ  عَلَيْنَا فَأَخْبَرْتُهُ ، فَقَالَ : ( مَنِ ابْتُلِيَ مِنْ هَذِهِ الْبَنَاتِ بِشَيْءٍ كُنَّ لَهُ سِتْرًا مِنَ النَّارِ ) ( ) .
وعَنْ عَائِشَةَ رَضِي اللهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ : ( جَاءَتْنِي مِسْكِينَةٌ تَحْمِلُ ابْنَتَيْنِ لَهَا ، فَأَطْعَمْتُهَا ثَلاثَ تَمَرَاتٍ ، فَأَعْطَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا تَمْرَةً ، وَرَفَعَتْ إِلَى فِيهَا تَمْرَةً لِتَأْكُلَهَا ، فَاسْتَطْعَمَتْهَا ابْنَتَاهَا ، فَشَقَّتِ التَّمْرَةَ الَّتِي كَانَتْ تُرِيدُ أَنْ تَأْكُلَهَا بَيْنَهُمَا ، فَأَعْجَبَنِي شَأْنُهَا ، فَذَكَرْتُ الَّذِي صَنَعَتْ لِرَسُولِ اللهِ  ، فَقَالَ : ( إِنَّ اللهَ قَدْ أَوْجَبَ لَهَا بِهَا الجَنَّةَ ، أَوْ أَعْتَقَهَا بِهَا مِنَ النَّارِ ) ( ) .
* معالم هاديَة :
1 ـ كفالَة الأيتام وحسن رعايتهم من مظاهر اجتماع كلمة الأمّة وتآلفها ، وتعاونها على البرّ والتقوى .
2 ـ أعظم بشرى لكافل اليتيم أنّه يكون مع النبيّ  في الجنّة .
3 ـ تشجيع النبيّ  لعاطفة الأمومة ، وما تشتمل عليه من عظيم الرقّة والرحمة .
4 ـ فضل تربية البنات وحسن رعايتهنّ .
5 ـ ربّما كان للعمل القليل في رعاية الطفولة والعناية بها مثوبةٌ كبرى مِن فضلِ الله ورحمتِه ، ونيلِ جنّته ، وذلكَ لما يترتّب عليها من حسنِ النشأةِ ، وسويّةِ الشخصيّة .

  
اللوحة الثالثة والخمسون
من بركاتِ رَسُولِ اللهِ  على الأطفالِ

دلائل نبوّة النبيّ  تبدّت في كلّ شيء ، حتّى في تعامله  مع الأطفال ، ومن بركات ذلك تثبيت المؤمن على الحقّ ، وردّه عن اتّباع الهوى والضلال .
عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ أَنَّ رَجُلاً وُلِدَ لَهُ غُلامٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ  ، فَأَتَى النَّبِيَّ  فَأَخَذَ بِبَشَرَةِ وَجْهِهِ ، وَدَعَا لَهُ بِالبَرَكَةِ ، قَالَ : فَنَبَتَتْ شَعَرَةٌ فِي جَبْهَتِهِ كَهَيْئَةِ القَوْسِ ، وَشَبَّ الغُلامُ ، فَلَمَّا كَانَ زَمَنُ الخَوَارِجِ أَحَبَّهُمْ ، فَسَقَطَتِ الشَّعَرَةُ عَنْ جَبْهَتِهِ ، فَأَخَذَهُ أَبُوهُ فَقَيَّدَهُ وَحَبَسَهُ ، مَخَافَةَ أَنْ يَلْحَقَ بِهِمْ ، قَالَ : فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ فَوَعَظْنَاهُ ، وَقُلْنَا لَهُ فِيمَا نَقُولُ : أَلَمْ تَرَ أَنَّ بَرَكَةَ دَعْوَةِ رَسُولِ اللهِ  قَدْ وَقَعَتْ عَنْ جَبْهَتِكَ ؟! فَمَا زِلْنَا بِهِ حَتَّى رَجَعَ عَنْ رَأْيِهِمْ ، فَرَدَّ اللهُ عَلَيْهِ الشَّعَرَةَ بَعْدُ فِي جَبْهَتِهِ وَتَابَ ) ( ) .

* معالم هاديَة :
1 ـ ظهور هذه المعجزَة لرسول الله  في وجه هذا الغلام ، كان لها من الحكمة ما جرى بعْد عقودٍ من السنين .
2 ـ مشروعيّة منعِ الناشئ عَن أهل الشرّ والبدعة بالقوّة ، ولو أدّى ذلك إلى حبسِه والتضييق عليه خوفاً على دينه وعاقبة أمره .
3 ـ أهمّيّة وعظ المنحرف عن الحقّ ، أو من يخشى علَيه ذلكَ ، وألاّ نيأس من إصلاحه وفيئته .
4 ـ ظهور تلك المعجزة مرّة أخرى في وجه ذلك الغلام يعدّ آيةً من آيات النبوّة بعد آية .
  

اللوحة الرابعة والخمسون
بركةُ رَسُولِ اللهِ  على طفلٍ معوّقٍ
ما أكثر ما أكرم الله به نبيّه  من المعجزات ، تكرمةً لأصحابه ، وتقوية للإيمان في قلوبهم ، ودفعاً للضرّ والبلاء عنهم : الأنبياء .
عَنْ أُمِّ جُنْدُبٍ رَضِي اللهُ عَنْهَا قَالَتْ : رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ  رَمَى جَمْرَةَ العَقَبَةِ مِنْ بَطْنِ الوَادِي يَوْمَ النَّحْرِ ، ثُمَّ انْصَرَفَ وَتَبِعَتْهُ امْرَأَةٌ مِنْ خَثْعَمٍ ، وَمَعَهَا صَبِيٌّ لَهَا بِهِ بَلاءٌ ، لا يَتَكَلَّمُ ، فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللهِ ! إِنَّ هَذَا ابْنِي ، وَبَقِيَّةُ أَهْلِي ، وَإِنَّ بِهِ بَلاءً ، لا يَتَكَلَّمُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ  : ( ائْتُونِي بِشَيْءٍ مِنْ مَاءٍ ، فَأُتِيَ بِمَاءٍ ، فَغَسَلَ يَدَيْهِ ، وَمَضْمَضَ فَاهُ ، ثُمَّ أَعْطَاهَا ، فَقَالَ : اسْقِيهِ مِنْهُ ، وَصُبِّي عَلَيْهِ مِنْهُ ، وَاسْتَشْفِي اللهَ لَهُ ، قَالَتْ : فَلَقِيتُ المَرْأَةَ ، فَقُلْتُ : لَوْ وَهَبْتِ لِي مِنْهُ ، فَقَالَتْ : إِنَّمَا هُوَ لِهَذَا المُبْتَلَى ، قَالَتْ : فَلَقِيتُ المَرْأَةَ مِنَ الحَوْلِ ( ) ، فَسَأَلْتُهَا عَنِ الغُلامِ ، فَقَالَتْ : بَرَأَ وَعَقَلَ عَقْلاً ، لَيْسَ كَعُقُولِ النَّاسِ ) ( ) .
* معالم هاديَة :
1 ـ بركة النبيّ  على هذا الطفل المعوّق ، وشفاؤه بإذن الله تعالى ، ممّا يعدّ منْ دلائل النبوّة الكثيرة .
2 ـ ظهور بركة النبيّ  بهذه الصورة يدخلُ في مَعنى قول الله تعالى : الأنبياء .

  

اللوحة الخامسة والخمسون
برٌّ ووفاء بأطفالِ الشهداءِ

برّ أطفال الشهداء ، وإكرامهم والدعاء لهم برّ بآبائهم الذين قدّموا أرواحهم في سبيل الله ، والأمّة التي ترعى أطفال شهدائها لا تعدم في كلّ شدّة أن ترى من يضحّي في سبيلها .
عَبْدَ اللهِ بْنَ جَعْفَرٍ  قَالَ : لَوْ رَأَيْتَنِي وَقُثَمَ وَعُبَيْدَ اللهِ ابْنَيْ عَبَّاسٍ  ، وَنَحْنُ صِبْيَانٌ نَلْعَبُ ، إِذْ مَرَّ النَّبِيُّ  عَلَى دَابَّةٍ فَقَالَ : ارْفَعُوا هَذَا إِلَيَّ ، قَالَ : فَحَمَلَنِي أَمَامَهُ ، وَقَالَ لِقُثَمَ : ارْفَعُوا هَذَا إِلَيَّ فَجَعَلَهُ وَرَاءَهُ ، وَكَانَ عُبَيْدُ اللهِ أَحَبَّ إِلَى عَبَّاسٍ مِنْ قُثَمَ ، فَمَا اسْتَحَى مِنْ عَمِّهِ أَنْ حَمَلَ قُثَمًا وَتَرَكَهُ ، قَالَ : ثُمَّ مَسَحَ عَلَى رَأْسِي ثَلاثًا ، وَقَالَ كُلَّمَا مَسَحَ : ( اللَّهُمَّ ! اخْلُفْ جَعْفَراً فِي وَلَدِهِ ) قَالَ : قُلْتُ لِعَبْدِ اللهِ : مَا فَعَلَ قُثَمُ ؟ قَالَ : اسْتُشْهِدَ ، قَالَ : قُلْتُ : اللهُ أَعْلَمُ بِالخَيْرِ وَرَسُولُهُ بِالخَيْرِ ، قَالَ : أَجَلْ ) ( ) .

* معالم هاديَة :
1 ـ برّ النبيّ  بأطفال الشهداء ، تعويضاً لهم عمّا فقدوا من رعاية الآباء ، وكذلك يشرع لولاة أمور المسلمين ، فمن بذل روحه في سبيل الله أقلّ ما له من الحقّ أن يُرعَى في أهله وأولاده .
2 ـ تواضع النبيّ  ورحمته بالأطفال ، إذ حملهم أمامه وخلفه على الدابّة .
3 ـ مشروعيّة المسح على رأس الصبيّ اليتيم بخاصّة ، والدعاء له .

  

اللوحة السادسة والخمسون
كرم النَّبِيِّ  ورحمته وعطاؤه للأمّ الحامل وأطفالها

الأمّ أحقّ الناس ببرّ أبنائها ، وأحقّ الناس ببرّ مجتمعها ، ولها البشرى بالجنّة ، إن هي أدّت حقّ ربّها ، وحقّ زوجها .
عَنْ أَبِي أُمَامَةَ  قَالَ : أَتَتِ النَّبِيَّ  امْرَأَةٌ ، وَمَعَهَا صَبِيٌّ لَهَا تَحْمِلُهُ ، وَبِيَدِهَا آخَرُ ، وَلا أَعْلَمُهُ إِلاّ قَالَ : وَهِيَ حَامِلٌ ، فَلَمْ تَسْأَلْ رَسُولَ اللهِ  شَيْئاً يَوْمَئِذٍ إِلاّ أَعْطَاهَا إِيَّاهُ ، ثُمَّ قَالَ : ( حَامِلاتٌ وَالِدَاتٌ رَحِيمَاتٌ بِأَوْلادِهِنَّ ، لَوْلا مَا يَأْتُونَ إِلَى أَزْوَاجِهِنَّ ( ) ، دَخَلَ مُصَلِّيَاتُهُنَّ الجَنَّةَ ) ( ) .

* معالم هاديَة :
1 ـ تحذير النبيّ  للنساء من سوء العشرة لأزواجهنّ ، وأنّ ذلك من أسباب تأخّرهنّ عن دخول الجنّة .
2 ـ رحمة النبيّ  بالنساء والأطفال ، وعظيم شفقته  ورأفته .
3 ـ فضل المرأة التي تحبس نفسها على أطفالها ، وتهتمّ بهم ، وضرورة أن تسدّ حاجاتها ، وتكون محلّ عناية الأمّة وأولياء أمورها .

  

اللوحة السابعة والخمسون
يا غلام ! تَجَاوَزْ لَعَلَّ اللهَ يَتَجَاوَزُ عَنَّا

ما أحسن أن يدرّبَ الناشئ على فعل الخَير ، وكفّ الأذى بصورة عمليّة ، فذلك أرسخ في نفسه ، وأعمق في تكوينه .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ  عَنْ رَسُولِ اللهِ  قَالَ : إِنَّ رَجُلاً لَمْ يَعْمَلْ خَيْراً قَطُّ ، وَكَانَ يُدَايِنُ النَّاسَ فَيَقُولُ لِرَسُولِهِ : خُذْ مَا تَيَسَّرَ وَاتْرُكْ مَا عَسُرَ ، وَتَجَاوَزْ لَعَلَّ اللهَ تَعَالَى أَنْ يَتَجَاوَزَ عَنَّا ، فَلَمَّا هَلَكَ قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ : هَلْ عَمِلْتَ خَيْراً قَطُّ قَالَ : لا ، إِلاّ أَنَّهُ كَانَ لِي غُلامٌ ، وَكُنْتُ أُدَايِنُ النَّاسَ ، فَإِذَا بَعَثْتُهُ لِيَتَقَاضَى قُلْتُ لَهُ : خُذْ مَا تَيَسَّرَ ، وَاتْرُكْ مَا عَسُرَ ، وَتَجَاوَزْ لَعَلَّ اللهَ يَتَجَاوَزُ عَنَّا ، قَالَ اللهُ تَعَالَى : قَدْ تَجَاوَزْتُ عَنْكَ ) ( ) .

* معالم هاديَة :
1 ـ تعليم الرجل غلامه ومن يعمل معه التسامح مع الناس ، وحسن المطالبة بالحُقُوْق ، والتيسير عَلى الناس ، والتجاوز عنهم ابتغاء عفو الله تعالى ورحْمته .
2 ـ ربّما وفّقَ اللهُ بعضَ المفرّطين في طاعةِ الله إلى عملٍ يقع من الله تعالى موقع القبول والرضا ، فلا يغرنّك الظاهر ، ولا تقفنّ عندَه .
3 ـ الجزاءُ عندَ الله تعالى من جنس العمَل ، وبما هو أحسن وأجزل .

  

اللوحة الثامنة والخمسون
صبراً على فقدهم واحتساباً

ما أشدّ فقد الأطفال على النفس ، وأشدّ منه أن يحرمَ الإنسان الصبر والاحتساب ، فيجمع على نفسه مصيبتين ، وما أحوج الإنسان إلى وقوف الكبار معه عند المصيبة ، للتخفيْفِ عنه ومواساته .
عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ  قَالَ : كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ  ، إِذْ جَاءَهُ رَسُولُ إِحْدَى بَنَاتِهِ يَدْعُوهُ إِلَى ابْنِهَا فِي المَوْتِ ، فَقَالَ النَّبِيُّ  : ارْجِعْ إِلَيْهَا ، فَأَخْبِرْهَا أَنَّ للهِ مَا أَخَذَ ، وَلَهُ مَا أَعْطَى ، وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِأَجَلٍ مُسَمًّى ، فَمُرْهَا فَلْتَصْبِرْ وَلْتَحْتَسِبْ ، فَأَعَادَتِ الرَّسُولَ ، أَنَّهَا قَدْ أَقْسَمَتْ : لَتَأْتِيَنَّهَا ، فَقَامَ النَّبِيُّ  ، وَقَامَ مَعَهُ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ ، وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ ، فَدُفِعَ الصَّبِيُّ إِلَيْهِ ، وَنَفْسُهُ تَقَعْقَعُ ، كَأَنَّهَا فِي شَنٍّ ، فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ ، فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ : يَا رَسُولَ اللهِ مَا هَذَا ؟! قَالَ : هَذِهِ رَحْمَةٌ ، جَعَلَهَا اللهُ فِي قُلُوبِ عِبَادِهِ ، وَإِنَّمَا يَرْحَمُ اللهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ ) ( ) .
* معالم هاديَة :
1 ـ الدنيا دار ابتلاء ، ولابدّ أن تنزل بالإنسان المصائب والمكاره ، وخير سلاحٍ لمواجهة ذلك : التدرّع بالصبر والاحتساب ..
2 ـ حمل النبيّ  للطفل ، وهو في النزع وبكاؤه ، يدلّ على عظيم اعتناء النبيّ  بالأطفال ، ورحمته بهم .
3 ـ لا غنى للصغار عن وقوف الكبار بجانبهم عند الشدائد ، فمنهم يتعلّمون ، وبهديهم يقتدون ..
4 ـ البكاء بغير سخطٍ على قضاء الله وقدره رقّةُ قلبٍ ورَحمةٌ .. وَإِنَّمَا يَرْحَمُ اللهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ ..
5 ـ للمربّي أن يصحب معه بعض أتباعه في زياراته ، ولو كانت لرحمه ، لما فيها من الفوائد التربويّة لهم .

  
اللوحة التاسعة والخمسون
جرأة طفلٍ في المطالبة بحقّه

تربية الأطفال على الجرأة في الحقّ ، والشجاعة في مخاطبة الكبار من أهداف التربية المثلى ، وعلى الكبار أن يهيّئوا لأطفالهم البيئة المشجّعة ، التي تنبت فيها مواهبهم ، وتنمو مهاراتهم .
عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ شَيْخٍ مِنْ أَهْلِ دِمَشْقَ قَالَ : كُنْتُ عِنْدَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ العَزِيزِ ، وَعِنْدَهُ سُلَيْمَانُ بْنُ حَبِيبٍ وَأَبُو قِلابَةَ ، إِذْ دَخَلَ غُلامٌ فَقَالَ : أَرْضُنَا بِمَكَانِ كَذَا وَكَذَا ، بَاعَكُمُ الوَصِيُّ ، وَنَحْنُ أَطْفَالٌ ، فَالْتَفَتَ إِلَى سُلَيْمَانَ بْنِ حَبِيبٍ فَقَالَ : مَا تَقُولُ ، فَأَضْجَعَ فِي القَوْلِ ( ) ، فَالْتَفَتَ إِلَى أَبِي قِلابَةَ فَقَالَ : مَا تَقُولُ ؟ قَالَ رُدَّ عَلَى الغُلامِ أَرْضَهُ ، قَالَ : إِذاً يَهْلِكُ مَالُنَا ، قَالَ : أَنْتَ أَهْلَكْتَهُ ) ( ) .
* معالم هاديَة :
1 ـ فصاحة الطفل في المطالبة بحقّه بإيجاز مع إلماحه إلى حجّته .
2 ـ استقبال الخليفة للأطفال واستماعه إلى شكْوَاهم .
3 ـ على جلساء ولاة الأمور وبطانتهم أن يكونوا أنصَاراً للحقّ ، مدافعين عن أصحابه مؤيّدين ، ولو كانوا من الأطفال والضعفة .

  
اللوحة الوافية ستين
أكرم بالطفولَةِ المُبَارَكة .!

كما أكرم الله الرجال الصالحين بكرامات ، فقد أكرم بعض الأطفال بالكلام في المهد ، تكرمة لآبائهم وأمّهاتهم ، وإحقاقاً للحقّ ، وتثبيتاً لهم على الهدى .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ  عَنِ النَّبِيِّ  قَالَ : ( لَمْ يَتَكَلَّمْ فِي المَهْدِ إِلاّ ثَلاثَةٌ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ، وَصَاحِبُ جُرَيْجٍ ، وَكَانَ جُرَيْجٌ رَجُلاً عَابِداً ، فَاتَّخَذَ صَوْمَعَةً ، فَكَانَ فِيهَا ، فَأَتَتْهُ أُمُّهُ ، وَهُوَ يُصَلِّي ، فَقَالَتْ : يَا جُرَيْجُ ! فَقَالَ : يَا رَبِّ أُمِّي وَصَلاتِي ! ( ) ، فَأَقْبَلَ عَلَى صَلاتِهِ ، فَانْصَرَفَتْ فَلَمَّا كَانَ مِنَ الغَدِ ، أَتَتْهُ وَهُوَ يُصَلِّي ، فَقَالَتْ : يَا جُرَيْجُ ! فَقَالَ : يَا رَبِّ أُمِّي وَصَلاتِي ! فَأَقْبَلَ عَلَى صَلاتِهِ ، فَانْصَرَفَتْ ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الغَدِ أَتَتْهُ وَهُوَ يُصَلِّي ، فَقَالَتْ : يَا جُرَيْجُ ! فَقَالَ : أَيْ رَبِّ أُمِّي وَصَلاتِي ! فَأَقْبَلَ عَلَى صَلاتِهِ ، فَقَالَتِ : اللَّهُمَّ لا تُمِتْهُ حَتَّى يَنْظُرَ إِلَى وُجُوهِ المُومِسَاتِ ( ) ، فَتَذَاكَرَ بَنُو إِسْرَائِيلَ جُرَيْجاً وَعِبَادَتَهُ ، وَكَانَتِ امْرَأَةٌ بَغِيٌّ ، يُتَمَثَّلُ بِحُسْنِهَا ، فَقَالَتْ : إِنْ شِئْتُمْ لأَفْتِنَنَّهُ لَكُمْ ، قَالَ : فَتَعَرَّضَتْ لَهُ ، فَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهَا ، فَأَتَتْ رَاعِياً ، كَانَ يَأْوِي إِلَى صَوْمَعَتِهِ ( ) ، فَأَمْكَنَتْهُ مِنْ نَفْسِهَا ، فَوَقَعَ عَلَيْهَا ، فَحَمَلَتْ ، فَلَمَّا وَلَدَتْ ، قَالَتْ : هُوَ مِنْ جُرَيْجٍ ، فَأَتَوْهُ ، فَاسْتَنْزَلُوهُ ، وَهَدَمُوا صَوْمَعَتَهُ ، وَجَعَلُوا يَضْرِبُونَهُ ، فَقَالَ : مَا شَأْنُكُمْ .؟! قَالُوا : زَنَيْتَ بِهَذِهِ البَغِيِّ ، فَوَلَدَتْ مِنْكَ ، فَقَالَ : أَيْنَ الصَّبِيُّ ؟ فَجَاءُوا بِهِ ، فَقَالَ : دَعُونِي حَتَّى أُصَلِّيَ ، فَصَلَّى ، فَلَمَّا انْصَرَفَ أَتَى الصَّبِيَّ ، فَطَعَنَ فِي بَطْنِهِ ، وَقَالَ : يَا غُلامُ ! مَنْ أَبُوكَ .؟ قَالَ : فُلانٌ الرَّاعِي ، قَالَ : فَأَقْبَلُوا عَلَى جُرَيْجٍ ، يُقَبِّلُونَهُ ، وَيَتَمَسَّحُونَ بِهِ ، وَقَالُوا : نَبْنِي لَكَ صَوْمَعَتَكَ مِنْ ذَهَبٍ ، قَالَ : لا أَعِيدُوهَا مِنْ طِينٍ كَمَا كَانَتْ ، فَفَعَلُوا .
وَبَيْنَا صَبِيٌّ يَرْضَعُ مِنْ أُمِّهِ ، فَمَرَّ رَجُلٌ رَاكِبٌ عَلَى دَابَّةٍ فَارِهَةٍ ( ) ، وَشَارَةٍ حَسَنَةٍ ( ) ، فَقَالَتْ أُمُّهُ : اللَّهُمَّ اجْعَلِ ابْنِي مِثْلَ هَذَا ، فَتَرَكَ الثَّدْيَ وَأَقْبَلَ إِلَيْهِ ، فَنَظَرَ إِلَيْهِ ، فَقَالَ : اللَّهُمَّ لا تَجْعَلْنِي مِثْلَهُ ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى ثَدْيِهِ فَجَعَلَ يَرْتَضِعُ ، قَالَ : فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى رَسُولِ اللهِ  ، وَهُوَ يَحْكِي ارْتِضَاعَهُ بِإِصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ فِي فَمِهِ ، فَجَعَلَ يَمُصُّهَا ، قَالَ : وَمَرُّوا بِجَارِيَةٍ ، وَهُمْ يَضْرِبُونَهَا ، وَيَقُولُونَ : زَنَيْتِ ، سَرَقْتِ ، وَهِيَ تَقُولُ : حَسْبِيَ اللهُ ، وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ! فَقَالَتْ أُمُّهُ : اللَّهُمَّ لا تَجْعَلِ ابْنِي مِثْلَهَا ، فَتَرَكَ الرَّضَاعَ ، وَنَظَرَ إِلَيْهَا ، فَقَالَ : اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِثْلَهَا ، فَهُنَاكَ تَرَاجَعَا الحَدِيثَ ( ) ، فَقَالَتْ : حَلْقَى ! ( ) ، مَرَّ رَجُلٌ حَسَنُ الهَيْئَةِ ، فَقُلْتُ : اللَّهُمَّ اجْعَلِ ابْنِي مِثْلَهُ ، فَقُلْتَ : اللَّهُمَّ لا تَجْعَلْنِي مِثْلَهُ ، وَمَرُّوا بِهَذِهِ الأَمَةِ ، وَهُمْ يَضْرِبُونَهَا ، وَيَقُولُونَ : زَنَيْتِ ، سَرَقْتِ ، فَقُلْتُ : اللَّهُمَّ ! لا تَجْعَلِ ابْنِي مِثْلَهَا ، فَقُلْتَ : اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِثْلَهَا ، قَالَ : إِنَّ ذَاكَ الرَّجُلَ كَانَ جَبَّاراً ، فَقُلْتُ : اللَّهُمَّ لا تَجْعَلْنِي مِثْلَهُ ، وَإِنَّ هَذِهِ يَقُولُونَ : لَهَا زَنَيْتِ ، وَلَمْ تَزْنِ ، وَسَرَقْتِ ، وَلَمْ تَسْرِقْ ، فَقُلْتُ : اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِثْلَهَا ) ( ) .
وزاد في رواية الإمام أحمد : ( فَقَالَ الصَّبِيُّ : إِنَّكِ دَعَوْتِ رَبَّكِ أَنْ يَجْعَلَنِي مِثْلَ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ النَّارِ ، وَإِنَّ الحَبَشِيَّةَ أَوِ الزِّنْجِيَّةَ كَانَ أَهْلُهَا يَسُبُّونَهَا ، وَيَضْرِبُونَهَا ، وَيَظْلِمُونَهَا ، فَتَقُولُ : حَسْبِيَ اللهُ ! حَسْبِيَ اللهُ ! ) ( ) .

* معالم هاديَة :
1 ـ كرامة الطفل كرامة لوالديه . فلنكرم أنفسنا بحسن الرعاية لأطفالنا .
2 ـ لو كان جريج على فقهٍ في دينه لما تردّد في إجابة دعوة أمّه ، أو السعي إليها بعد صلاته ، ولكنّ الله تعالى أحسن عاقبته بإخلاصه وصدق نيّته .
3 ـ عظم حقّ الوالدين ، ووجوب إجابة دعوتهما .
4 ـ الخوف من دعوة أحد الوالدين على الولد ، ولو كان معذوراً في عمله .
5 ـ على الآباء والأمّهات أن يحذروا من الدعاء على أولادهم ، فربّمَا كان ذلك فتنة عليهم ، لا تحمد عقباها ، فيندم الوالدان ولات ساعة مندم .
6 ـ الصادق مع ربّه لا تضرّه الفتن بإذن الله تعالى ، والله يدافع عن الذين آمنوا بما شاء سبحانه ، والعاقبة للمتّقين .
7 ـ الصلاة خير ما يفزع إليه المؤمن عندما تنزل به الشدائد .
8 ـ لا تستصغر طفلك .. فربّما فاق الطفل والديه ، والفضل بيد الله يهبه كيف يشاء ..
9 ـ سوء طويّة بني إسرائيل في سعيهم لنشر الفساد في الأرض ، وإغواء العُبّاد لله تعالى ، وهو فيهم خلق قديم عميم .
10 ـ ما عرضه اليهود من بناء صومعة جريجٍ من ذهب ، لا يكفّر لهم سعيهم بالفساد في الأرض ، وما قيمة ذهب الدنيا أمام انتهاك عرض المؤمن ، والسعي في فتنته وإضلاله .؟! ولكنّ عُبّاد عجل الذهب ، يحسبون أنّ الإنسان يُقوّم بالذهب .!
11 ـ المؤمن الحقّ لا يبالي بما يقال عنه ، ما دام لم يقترف إثماً ، ولم يفعل ما حرّم الله .
12 ـ أكرم الله الطفل بالنطق بالحقّ وهو رضيع ، ليصحّح لأمّه موازينها وأحكامها .
13 ـ على المؤمن الحقّ ألاّ يغترّ بمظاهر الدنيا وزينتها ، عن التمسّك بالحقّ ، وإعلاء كلمته ونصرته .
14 ـ ما أكثر ما يقع الظلم على الضعفة والمساكين ، وعند الله تبلى السرائر ، فيعلو الحقّ وأهله ، ويكشف عوار الباطل ، ويهتك ستره .
15 ـ " حَسْبِيَ اللهُ ! " خير كلمةٍ يقولها المؤمن مستنصراً بها بالله تعالى ، دافعاً عن نفسه أذى الناس ومكرهم .

  
اللوحة الحادية والستون
صورة من دلائل النبوّة وآيات الرحمة

رأى الصحابة ممّا أكرم الله به نبيّه  من المعجزات ما زادهم به إيماناً ويقيناً ، وكان دليلاً من دلائل النبوّة وبيّناتها .
عَنْ يَعْلَى بْنِ مُرَّةَ  قَالَ : لَقَدْ رَأَيْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ  ثَلاثاً مَا رَآهَا أَحَدٌ قَبْلِي ، وَلا يَرَاهَا أَحَدٌ بَعْدِي ( ) ، لَقَدْ خَرَجْتُ مَعَهُ فِي سَفَرٍ ، حَتَّى إِذَا كُنَّا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ مَرَرْنَا بِامْرَأَةٍ جَالِسَةٍ ، مَعَهَا صَبِيٌّ لَهَا ، فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللهِ هَذَا صَبِيٌّ أَصَابَهُ بَلاءٌ ، وَأَصَابَنَا مِنْهُ بَلاءٌ ، يُؤْخَذُ فِي اليَوْمِ ( ) مَا أَدْرِي كَمْ مَرَّةً ؟ قَالَ : نَاوِلِينِيهِ فَرَفَعَتْهُ إِلَيْهِ ، فَجَعَلتْهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَاسِطَةِ الرَّحْلِ ( ) ، ثُمَّ فَغَرَ فَاهُ ( ) ، فَنَفَثَ فِيهِ ثَلاثاً ، وَقَالَ : بِسْمِ اللهِ ، أَنَا عَبْدُ اللهِ ، اخْسَأْ عَدُوَّ اللهِ ( ) ، ثُمَّ نَاوَلَهَا إِيَّاهُ ، فَقَالَ : الْقَيْنَا فِي الرَّجْعَةِ فِي هَذَا المَكَانِ ، فَأَخْبِرِينَا مَا فَعَلَ ، قَالَ : فَذَهَبْنَا وَرَجَعْنَا ، فَوَجَدْنَاهَا فِي ذَلِكَ المَكَانِ ، مَعَهَا شِيَاهٌ ثَلاثٌ ، فَقَالَ : مَا فَعَلَ صَبِيُّكِ ؟ فَقَالَتْ : وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ مَا حَسَسْنَا مِنْهُ شَيْئًا حَتَّى السَّاعَةِ ، فَاجْتَرِرْ هَذِهِ الغَنَمَ ( ) ، قَالَ : انْزِلْ فَخُذْ مِنْهَا وَاحِدَةً ، وَرُدَّ البَقِيَّةَ ، قَالَ : وَخَرَجْتُ ذَاتَ يَوْمٍ إِلَى الجَبَّانَةِ ( ) ، حَتَّى إِذَا بَرَزْنَا ، قَالَ : انْظُرْ وَيْحَكَ هَلْ تَرَى مِنْ شَيْءٍ يُوَارِينِي ؟ ( ) ، قُلْتُ : مَا أَرَى شَيْئاً يُوَارِيكَ إِلاّ شَجَرَةً ، مَا أُرَاهَا تُوَارِيكَ ، قَالَ : فَمَا بِقُرْبِهَا ؟ قُلْتُ : شَجَرَةٌ مِثْلُهَا أَوْ قَرِيبٌ مِنْهَا ، قَالَ : فَاذْهَبْ إِلَيْهِمَا ، فَقُلْ : إِنَّ رَسُولَ اللهِ  يَأْمُرُكُمَا أَنْ تَجْتَمِعَا بِإِذْنِ اللهِ ، قَالَ : فَاجْتَمَعَتَا فَبَرَزَ لِحَاجَتِهِ ، ثُمَّ رَجَعَ ، فَقَالَ : اذْهَبْ إِلَيْهِمَا فَقُلْ لَهُمَا : إِنَّ رَسُولَ اللهِ  يَأْمُرُكُمَا أَنْ تَرْجِعَ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْكُمَا إِلَى مَكَانِهَا ، فَرَجَعَتْ ، قَالَ : وَكُنْتُ عِنْدَهُ جَالِساً ذَاتَ يَوْمٍ ، إِذْ جَاءَهُ جَمَلٌ يُخَبِّبُ ( ) ، حَتَّى صَوَّبَ بِجِرَانِهِ ( ) بَيْنَ يَدَيْهِ ، ثُمَّ ذَرَفَتْ عَيْنَاهُ ، فَقَالَ : وَيْحَكَ انْظُرْ لِمَنْ هَذَا الجَمَلُ ؟ إِنَّ لَهُ لَشَأْناً ، قَالَ : فَخَرَجْتُ أَلْتَمِسُ صَاحِبَهُ ، فَوَجَدْتُهُ لِرَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ ، فَدَعَوْتُهُ إِلَيْهِ ، فَقَالَ : مَا شَأْنُ جَمَلِكَ هَذَا ؟ فَقَالَ : وَمَا شَأْنُهُ ؟ قَالَ : لا أَدْرِي وَاللهِ مَا شَأْنُهُ ، عَمِلْنَا عَلَيْهِ ، وَنَضَحْنَا عَلَيْهِ ( ) ، حَتَّى عَجَزَ عَنِ السِّقَايَةِ ، فَأْتَمَرْنَا البَارِحَةَ ( ) ، أَنْ نَنْحَرَهُ ، وَنُقَسِّمَ لَحْمَهُ ، قَالَ : فَلا تَفْعَلْ هَبْهُ لِي ( ) ، أَوْ بِعْنِيهِ ، فَقَالَ : بَلْ هُوَ لَكَ يَا رَسُولَ اللهِ ، قَالَ : فَوَسَمَهُ بِسِمَةِ الصَّدَقَةِ ( ) ثُمَّ بَعَثَ بِهِ ) ( ) .

* معالم هاديَة :
1 ـ تسلّط الشيطان على الإنسان بالأذى بدرَجَات مختلفة ثابت ، صغيراً كان أم كبيراً ، ووقائع ذلك وأدلّته أكثر مِن أن تحصى ، فلا معنىً لمكابرة بعض الناس بذلك ، وذكر الله تعالى خير ما يحفظ من الشيطَان ومسّه .
2 ـ ما أكثر دلائل النبوّة التي أكرم الله بها نبيّه  ، وما أعظم الآيات التي ظهرت لأصحابه في كلّ مناسبة فزادتهم إيماناً ، وكانت بهم رحمةً وإحساناً .
3 ـ مشروعيّة إكرام مَن نَفَعَ بِرُقية ، أو شيءٍ من التلاوة المشروعة ، وحِلُّ ما أخذ بذلك .
4 ـ رفق النبيّ  بالمرأة ، إذ لم يأخُذْ منها إلاّ غنمَةً واحدَةً .
5 ـ من أدب المؤمن وحيائه أن يستتر عن الناس عند قضاء حاجته .
6 ـ رحمة النبيّ  شاملة لجميع خلْق الله تعالى ، حتّى البهائم والجمادات ، وتبارك الله أصدقُ القائلين : الأنبياء .

  

هذا والله تعالى أعلم وأحكم
وصلّى الله وسلّم وبارك على عبده ونبيّه سيّدنا محمّد ، وعلى آله وأصحابه أجمعين ، والحمد لله ربّ العالمين .

أهمّ المراجع

صحيح الإمام البخاري
فتح الباري شرح صحيح البخاري
صحيح الإمام مسلم
شرح صحيح مسلم للنوويّ
سنن أبي داود
سنن الترمذيّ
سنن النسائيّ
سنن ابن ماجة
مسند الإمام أحمد
سنن الدارميّ
الأدب المفرد للإمام البخاري .
تاريخ بغداد
مسند الفِردوسِ للديلميّ في طبع دار الكتب العلميّة ، وتحقيق سعيد بن بسيوني زغلول
مجمع الزوائد للهيثميّ
تُحفة المودود في أحْكام المولود " للإمام ابن القيّم
التراتيب الإداريّة الشيخ عبد الحي الكتاني
نفح الطيب " المَقَّري
الرسول المعلّم وأساليبه في التعليم للشيخ عبد الفتّاح أبو غدّة
الإصابة في حياة الصحابة لابن حجر
حياة الصحابة للشيخ محمّد يوسف الكاندهلويّ
الأعلام للزركليّ
المفردات للراغب الأصفهانيّ
التعريفات للجرجانيّ
المعجم الوسيط .
القاموس المحيط
لسان العرب
رياض الصالحين للإمام النووي
الأذكار للإمام النووي
منهاج التربية الصالحة للشيخ أحمد عزّ الدين البيانوني
تربية الأولاد في الإسلام للشيخ عبد الله علوان
رسالة المعلّم وآداب العالم والمتعلّم عبد المجيد البيانوني
ركائز دعويّة من هدي النبيّ  في العلاقات الاجتماعيّة عبد المجيد البيانوني
النصائح الذهبيّة لتربية الأولاد ورعايتهم عبد المجيد البيانوني
رسالتان في التربية عبد المجيد البيانوني
ومضات من هدي النبيّ الخاتم  . عبد المجيد البيانوني

  

ثمانون مبدأً نبويّاً في فنّ التعامل مع الأطفال

1 ـ علينا أن نعلّم أبناءنا حقائق الإيمان ، كما نعلّمهم أركانه .
2 ـ تعلّق القلب بالله تعالى ، واللجوء إليه في كلّ حال ، مع الأخذ بالأسباب المطلوبة : من أعظم حقائق الإيمان وثمراته ، التي ينبغي أن تغرس في نفس الطفل والناشئ منذ الصغر .
3 ـ التربية العَمليّة خير ما يعمّق حقائق الإيمان في النفوس ، وهي تختزن في نفوس الأطفال ، ثمّ يكون التعامل بها في أوقاتها المناسبة .
4 ـ صحبة الطفل للكبير لا تنفكّ عن فائدةٍ تربويّة ، فعلينا ألاّ نحجب أبناءنا عن صحبتنا وصحبة الكبار .
5 ـ لا غنى للصغار عن وقوف الكبار بجانبهم عند الشدائد ، فمنهم يتعلّمون ، وبهديهم يقتدون ..
6 ـ مشاعر الأمومة في الإسلام محترمة مقدّسة .؟! فعلى الأمّهات الفاضلات أن يوظّفن مشاعرهنّ ، وعواطف البنوّة نحوهنّ لغرس مبادئ الحقّ والتمسّك بها ، وَحبّ الخير وفعله .؟!
7 ـ الدفاع عن الإسلام ، والغيرة عليه وحفظ حرماته ، لا يبرّر العدوان على مشاعر الأمومة والطفولة ، ولا يقرّ الإساءة إليها .
8 ـ الدعاء باب عظيم لإصلاح الأولاد ، وحسن توجيههم .
9 ـ الدعاء على الأولاد فتنة وبلاء ، وإفساد وإيذاء ، وربّما جرّ الإنسان الشرّ بدعائه على نفسه وولده ، ثمّ يندم ويتحسّر ، ولات ساعة مندم .!
10 ـ الدعاء للطفل من مظاهر الإحسان في تربيته ، والدعاء له بظهر الغيب لا يغني عن الدعاء له أمامه .
11 ـ الدعاء للطفل ، أو الناشئ أمامه يرفع همّته ، ويشحذ عزيمته ، ويحمله على التوجّه إلى تحقيق ما يدعى له به .
12 ـ دعاء الكبار للصغار بخيري الدنيا والآخرة من أعظم أسباب السعادة والفلاح .
13 ـ على الوالدين أن يطلبوا الدعاء لأولادهم من أهل الصلاح والتقوى ، ويعلّموا أطفالهم ذلك .
14 ـ على المؤمن أَن يعوّد لسانَه : الدعاء بالبركة ، فأنّها نماء وحسن عاقبة ، وهي أهمّ ما يكرم الله به عبَاده من النعم .
15 ـ ينبغي المسح على رأس الطفل والدعاء له ، قبل تعليمه وتوجيهه ، والدعاء له من وسائل التربيةِ الروحيّة ، لغرس معاني الذكاء الروحيّ وحقائقه .
16 ـ التواصل الجسديّ بين المربّي وطفله من مظاهر الرحمة وحسن الرعاية .
17 ـ التماس البركة من الله تعالى بتقديم المولود إلى الرجل الصالح ، ليسمّيه ويحنّكه ، ويدعو له .
18 ـ العقيقة سنّة ، وهي من حقّ المولود على والده ، ويُسنّ أن تُذبحَ يوم السابع ، ويحلق رأس المولود ويسمّى .
19 ـ قرب المربّي يعني الحبّ والنفع بكلّ خير .. فكيف بقرب الوالد والوالدة .. والبعد يعني الجفوة والجهل .. ولا تربية مع الجهل .!
20 ـ إخبار الأطفال بمحبّة الكبار لهم ، له أثر كبير في تربيتهم وتوجيههم .
21 ـ كما تُكلّفُ الأمَّة أن تقتديَ بنبيّها  في صلاتهِ وعباداته ، فهي تُكلّفُ أن تقتديَ به  في حبّه للأَطفال ، وحسن تعامله معهم ، وسائر شئونه .
22 ـ دخول الأطفال إلى المسجد مع آبائهم وأمّهاتهم ، ولو كانوا غير مميّزين ، إذا أمن من تلويثهم لهُ ، من خير الوسائل المعينة على تربيتهم ، وغرس معاني الخير في نفوسهم .
23 ـ توجيه الطفل إلى لزوم الأدب في المسجد ، ومَا فيه من عظيم الأجر والمثوبة .
24 ـ من فقه المربّي في الدينِ أن يوازن بين المصالح والمفاسد ، فيرجّح المصلحة الأكبر ، ويدفع المفسدة الأكبر ، فما كلّ ما كان خيراً في حال ، هو خير في جميع الأحوَال .
25 ـ الرحمة بالأطفَال عاطفة إنسانيّة سامية ، يكرم الله بها من أحبّ من عباده .
26 ـ من عظمة الكبير وفضله وكماله : أن يرحم الأطفال ، ويحسن التعامل معهم ..
27 ـ رحمة الصغار والضعفاء باب لاستنزال رحمة الله تعالى وفضله على عباده .
28 ـ سلوك المربّي الفاضل ومواقفه مع أطفاله ، مَصدر تربية عمليّة ، وخير عظيم لكلّ مَن حوله .
29 ـ ممازحة الطفل ، والصبيّ الصغير من حقوق الأطفال التي لا ينبغي أن يستهان بها .
30 ـ اللغة ذات الجرس الطفوليّ ، التي فيها المداعبة والتلطّف خير مفتاح للدخول إلى قلوب الأطفال والتأثير فيهم .
31 ـ مداعبة الأطفال وممازحتهم من خير ما يحبّبهم بالكبار ، ويقرّبهم منهم ، ويهيّئهم للتكيّف الاجتماعيّ المنَاسب ، فمزاح المربّي يحقّق مقاصد مشروعة مفيدة ..
32 ـ الطفل أهل لتحمّل العلم والرواية منذ سنّ مبكّر ، فلا تستهن بقدراته .
33 ـ على المربّي أن يعتني بأولاده منذ الطفولة ، فما يكون في مرحلة الطفولة ـ غالباً ـ يطبع شخصيّة الإنسان ، ويخطّ مستقبل حياته .
34 ـ ما يلقى إلى الطفل في سنّ الطفولة يرسخ في نفسه ويثبت ، ويصبح عادة له لا يتخلّى عنها .
35 ـ في الأطفال طاقة عظيمة ، لو وجّهت إلى الخيرِ ومعالي الأمور لأثمرت أطيب الثمرات في أقصرِ مدّةٍ بإذن الله .
36 ـ على المرَبّي أن يوجّه الطفل برفقٍ من خلال أخطائه ، ولا ينبغي أن يتغاضى عنها بدون حكمة ظاهرة .
37 ـ ذكر اللهِ تعالى قَبل البَدء بالطَعَام والشراب وفي كلّ شأن ، من أهمّ ما ينبغي أن يراعى في تربية الأطْفال وتأديبهم .
38 ـ من الأدَب مع الكبار ألاّ يَأكلَ مَن بحضرَتهم قَبْلَهم ، فقد يكُونُ لهم من الرأي والتوجيه ما لا يُدرَكُ بسبقهم .
39 ـ سنُّ السابعَة هو سنُّ التمييز بين الخير والشرّ ، والحسَن والقبيح ، وأمر الناشئ بالصلاة منذ هذا السنّ إنَّمَا هو للتَحبيب بالعبَادة والترغيب بها ، وللتعْويد عليها ، فينبغي أن يؤمرَ بِرفقٍ ، ويذكّر بتحبيب وترغيب ، فإنّه غير مكلّف بعد ..
40 ـ ثلاث سنواتٍ مدَّة كافية لتدريبِ الطْفل علَى العبادة ، وتحَبيبه بها ، وإذا لم يتحقَّق ذلك فيعني أنّ الخلل وَاقع من المربّي غالباً : من طريقته وأسلوبه ، أو إهماله وتقصيرِه .. وَفِي هذا السنّ فرصة للتداركِ ، ولو بالضربِ غيرِ المبرّح ، فهذَا خيْر من تمرُّد الناشئ وانحرافه بعد ذلك .
41 ـ من أهمّ حكم التفريق بين الأطفال فِي المَضَاجِعِ : تربيَة الذكور على العفّة والرجولة ، والإناث على الحياءِ والأدب .
42 ـ لتربية البنات في الإسلامِ خصوصيَّة ومزيّة ، نظراً لأهمّيّة المرأة في المجتمع ، وعظم المسئوليّة التي تناط بها ..
43 ـ خير ما يعدُ به المربّي الطفلَ جَنَّةُ اللهِ تعالى ورِضوانه ، وما أكثر النصوص في الكتاب والسنّة التي تَعِدُ المؤمنين المتّقين بذلكَ ، فَعَلى المرَبّي ألاّ يُغفِل هذَا الأمْر من منهَجه وأسلوبِه ، فيقصر المثوبة والجزاء على الحظوظ الدنيويّة العاجلة .
44 ـ الإسلام يشجّع على الإكثار من النسل الصالح ، لما فيه من قوّة الدين وأهله ، وعمارة الأرض بدين الله ومَنهجه .
45 ـ يُقدّم الأطفال والضعفاء على الأقويَاء والكبار في بذل الطعام والمشتهيات ، رحمةً بهم ، والتماساً لبركة الله تعالى في الأطعمة والأرزاق ، واستدراراً لفَضله على عبَاده ، وتيمّناً بدوام نعمَته سبحانه ، لأنّ الأطفال لا أوزار عليهم ولا تبعاتٍ .
46 ـ العْدلُ بَيْنَ الأَوْلادِ من أهمّ ما يؤلّف بين قلوبهم ويحفظهم من الفرقة والاختلاف ، وهو عنوَان شخصيّةِ المسلم ، وأظهر صفاته وخلاله .
47 ـ ما أكثر ما يقع الظلم على الضعفة والمساكين ، والظلم مرتعه وخيمُ ، وعند الله تبلى السرائر ، وتجتمع الخصوم ، فيعلو الحقّ وأهله ، ويكشف عوار الباطل ، ويهتك ستره . وعلى المؤمن أنْ يدافع عن حقّ الضعفاء ، كالطفل والمرأة ، وينهى عن ظلمهم ، وألاّ يشهد على جورٍ يوقع عليهم ، أو يكون شريكاً فيه ، فذلك أدنى الدرجات في نصرتهم .
48 ـ لا عذر للمربّي بالظلم للطفل أو الناشئ ، والأخذ بالشدّة في تربيته بغير حقّ ، فالرفق ما جعل في شيءٍ إلاّ زانه ، وما نزع من شيءٍ إلاّ شانه .
49 ـ يتأكّدُ كفّ الأطفال عن اللعب أوّل الليل ، لحفظهم من شرّ الشياطين وأذاهم ، ومَا قد يتعرّض له الأطفال هذه الساعة من الشرّ والأذى قد لا تزول آثاره إلى آخرِ العمر .
50 ـ تعويذ الأطفالِ من شرّ الشياطين ، وتعويدهم التعوّذ بالله تعالى من كلّ شَرّ ، من أعظم حقائق الإيمان بالله تعالى ، وخير ما يحفظهم من شرِّ الشياطين أن يعتادوا ذكر الله تعالى في جميع أحوَالهم .
51 ـ من السنّة السلام على الصبيان ، ولو كانوا يلعبون ، ما دام اللعب مباحاً ..
52 ـ سلام الكبار على الصبيان تعليماً لهم لآداب الإسلام وفضائله ، والأصل أنّ الصغير يبتدئ الكبير بالسلام ، وفي السلام على الصبيان إشعار لهم بكيانهم ، وتقدير الكبار لهم ، ورفع لهممهم أن يتّصلوا بالكبار ، ويقتدوا بهم ..
53 ـ تربية الأطفال على حفظ السرّ ، ولو عن أقرب الناس إليهم ، من أهمّ ما يغرس فيهم من أخلاق ومبادئ .
54 ـ الدفاع عن الطفل المخطئ ، والتماس العذر له ، من حكمة المربيّ ، وبعد نظره ، وسعة صدره .
55 ـ جواز الاحتجاج بالقدر بعد وقوعه ، لالتماس العذر للمخطئ بغير تعمّد .
56 ـ حسن التعامل معَ الأطفال يرسخ في ذاكرتهم ، ويكون له أبلغ الأثر في سلامة شخصيّتهم ، وحسن نموّهم ، ومن أهمّ مظاهره : الاحترام والتقدير ، وعدم الاستهانة أو الاستصغار .
57 ـ لا تستصغر طفلك أو تلميذك .. فربّما فاق طفل اليوم والديه وأستاذه في الغد القريب ، والفضل بيد الله يؤتيه من يشاء وكيف يشاء ..
58 ـ الرفق في مُعاملَةِ الأطفالِ والخدم من أهمّ آداب الإسلام ومبادئه ، وممّا يدلّ على سماحة الإنسان وحسن خلقه .
59 ـ رحْمةُ النبيّ  بالضعفاء والخدم ، ووصيّته بهم ، واهتمامه بحسن معاملتهم ، ممّا لا خصوص فيه ولا استثناء .
60 ـ كفالَة الأيتام وحسن رعايتهم من مظاهر اجتماع كلمة الأمّة ، وتآلفها وتراحمها ، وأعظم بشرى لكافل اليتيم أنّه يكون مع النبيّ  في الجنّة .
61 ـ مشروعيّة المسح على رأس الصبيّ اليتيم بخاصّة ، والدعاء له .
62 ـ كرامة الطفل وحسن نشأته كرامة لوالديه . فلنكرم أنفسنا بحسن الرعاية لأطفالنا .
63 ـ ربّما كان للعمل القليل في رعاية الطفولة مثوبة كبرى من فضل الله ورحمته ، ونيل رضوانه وجنّته ، وذلكَ لما يترتّب عليها من النشأة السويّةِ والآثار الطيّبة .
64 ـ جلوس الأطفال مع الكبار في صدر المجلس أدعى إلى سموّ هممهم ، وتفتّح مواهبهم .
65 ـ تَشجيع الأطفال على المشاركة في الحديث معَ الكبار ، والإجابة عَنْ أسئلتِهِم ، وعندما تشجّع الطفولَة الطموحة تأخذ أحسن أبعادها ، وترقى أعلى مدى لها .
66 ـ الأيمن في صدر المجلس أحقّ بالضيافة ولوْ كان طفلاً صغيراً .
67 ـ ضرب الأمثال للأطفال في التعليم خير ما يوضِّح الحقائق ، ويقرّب المعَاني إلى الأذهان ، ويجلّيها .
68 ـ لا حرجَ على الإنسان أن يحبَّ لأبنَائه التفوّق ، والتقدّم على الأقران .
69 ـ أهل العمل بالقرآن هم أهل الفضل والتقدّم على الناس في الدنيا والآخرَة ، ولو كانوا أطفالاً .
70 ـ حاجَة الطفل في صغره إلى الحنوّ والرحمَة ، والحنوّ على الطفل من صفات الأمّ الحسيْبة الكريمة .
71 ـ لا حرجَ في شكوى الطفل إلى المعلّم والكبير ، ليُعَلّمَه ويوجّهَه ويؤدّبَه ، وعلى المربّي أن يسأله عن سبب فعله ، قبلَ أَن يعاتبَه أو يوجّه إليه أيّة ملاحظة .
72 ـ الصدق في الأقوال والأفعال والأحوال ، ومع جميع الناس ، من أعظم حقائق المنهج الإسلاميّ ، حتّى مع الأطفال ، وعندما يكذب المربّي عليهم ، فإنّه يعلّمهم الكذب من حيث لا يدري ، كما أنّ الكذب لا يخفى عليهم أمره في أكثر الأحيان .
73 ـ على الوالدين والمربّين أن يكونوا قدوة حسنة لأولادهم في كلّ شأن ، فلا قيمة للمبادئ إن لم تترجم إلى سلوكٍ عمليّ . وما أكثرَ ما يستهتر الوالدان والمربّون بالكذب معَ الطفل وَأمَامه .! ثمّ يطالبونَه بالبُعد عن الكذب في سلوكه ، فكيفَ تنجح تربيتهم بذلك ، أو تثمر .؟
74 ـ مشروعيّة منعِ الناشئ بالقوّة عَن رفاق السوء ، وأهل الشرّ والبدعة ، خوفاً على دينه ومستقبل حياته ، ولو أدّى ذلك إلى حبسِه في البيت والتضييق عليه .
75 ـ على الكبير أن يرفق بالأطفال ، حتّى ولو بالوا على ثيابه ، أو في حجره ، وقد ثبت أنّ قطع البوْل فيه ضرر بَالغ على صحّة الإنسان .
76 ـ الثنَاء على الطفل بما فيه دونِ مبالغةٍ ، مدعاة له لرفْع همّته ، وحرصه على الازْدياد من الخير .
77 ـ تعليم الأطفال للقرآن سبَب لرفع البلاء عن أهل الأرض .
78 ـ السلام على الأطفال سنّة كريمة ، فيها تربية وحسن رعاية ، وقد كان كثير من السلف يسلّمون على أطفال كتاتيب القرآن ، ويطلبون منهم الدعاء .
79 ـ التسمية الحسنة للطفل باب من أبواب نجابته ، وتألّق شخصيّته ، وحسن مستقبله .
80 ـ المثل الأعلى للطفل خير ما يرفع همّته ، ويشحذ عزيمته ، ويحفظه من سفساف الأخلاق ، وصحبة السفلة من الناس .

وصلّى الله وسلّم وبارك على عبده ونبيّه سيّدنا محمّد ، وعلى آله وأصحابه أجمعين ، والحمد لله ربّ العالمين .

  

* صدر للمؤلّف *
1 ـ ضرب الأمثال في القرآن أهدافه التربويّة وآثاره .
2 ـ وجوب وحدة المسلمين .
3 ـ رسالة المعلّم وآداب العالم والمتعلّم .
4 ـ اعرف نبيّك محمّداً  يا بنيّ .!
5 ـ ومضات من هدي النبيّ الخاتم  .
6 ـ البيّنات في تفسير سورة الحجرات .
7 ـ المنهج القويم للداعية الحكيم .
8 ـ مشاهد الأتقياء في الصبر على الابتلاء .
9 ـ رسالتان في التربية .
10 ـ قصص وعبر من لطائف القدر . المجموعة الأولى .
11 ـ قصص وعبر من عجائب القدر . المجموعة الثانية .
12 ـ حديث القلب .
13 ـ النصائح الذهبيّة لتربية الأولاد ورعايتهم .
14 ـ قبسات من نور النبوّة لصاحبي الفضيلة : الشيخ أحمد عزّ الدين البيانوني ، والشيخ عبد الفتّاح أبو غدّة رحمهما الله تعالى . بعناية د. عبد المجيد البيانوني ، وفي ختامه رسالة : " ومضات من هدي النبيّ الخاتم  " .
15 ـ تذكرة العابد بحقوق المساجد .
16 ـ أساليب تربويّة ومفاهيم دعويّة من حياة الشيخ أحمد عزّ الدين البيانوني .
17ـ ركائز دعويّة من هدي النبيّ  في العلاقات الاجتماعيّة .
18 ـ القول المبين في تفسير سورة : " يس " .
19 ـ لمحات من حياة الشيخ أحمد عزّ الدين البيانوني وتعريف بمؤلّفاته .
20 ـ مواقف تربويّة من هدي النبيّ  مع الأطفال .
21 ـ خمس عشرة مهارة تجعلك مربّياً متميّزاً .
22 ـ خطوة خطوة نحو التربية الناجحة .
23 ـ أربع رسائل في التربية .
24 ـ لئلاّ تضيع الطفولة : ثلاثون سبباً تمنعك من الطلاق .!
25 ـ الغائب المنتظر
26 ـ ملامح السعادة في تربية الطفل على العبادة
27 ـ معالم تربويّة
28 ـ حديث أبي دردرة !
29 ـ أيّها الأمير رسَالتَان فِي النُّصح وَالرِّعَايَة
30 ـ إنّها الأنثَى .! رؤى نقديّة حول دعوى التمييز ضدّ المرأة
31 ـ كيف تنعم أسرنا بالأمن .؟

  

الحوار الداخلي: 
أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك