تميز المنظور الإسلامي لحقوق الإنسان

تميز المنظور الإسلامي لحقوق الإنسان

 

أ. الدكتور عباس الجراري*

 

 

لو حاولنا أن نتأمل الخصوصيات التي تميز منظور الإسلام للحقوق، لوجدناها بإجمال نابعة من القيمة التي منحها الله للإنسان وما نتج عنها من إنعام وتكريم، ونابعة كذلك من كون الإسلام دين رحمة وهداية وتكليف موجهاً للناس كافـة، إضافــة إلـى كونهـا مرتبطـة بالفطــرة السليمة والطبيعة السوية. يقول تعالى : { فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون }.

 

إن موضوع "حقوق الإنسان" قديم جديد، شغل به المفكرون على امتداد العصور، واهتمت به الإنسانية جمعاء في كل زمان ومكان.

 

والسبب في هذه العناية أن الإنسان بطبيعته متطلع للحياة الحرة الكريمة، وأن البشرية تعاني باستمرار مواقف القهر والاضطهاد، سواء بين شعب وآخر أو بين فئة وأخرى داخل الشعب الواحد بحكم التفاوت الطبقي أو غيره من الاختلالات الاجتماعية والرغبة نتيجة ذلك في التسلط والاستبداد.

 

ومن ثم كان الناس في مقاومة دائمة للإحراز على الحقوق، ولا سيما على الحقوق الأولية والبسيطة التي يمكن وصفها بالطبيعية. وبعد ذلك جاءت الحروب لتعمق هذه المشاعر والمواقف.

 

وإن الفرد المسلم ليتساءل في خضم هذه القضية ـ قضية حقوق الإنسان ـ عن رأي الإسلام فيها والموقف منها، خاصة وأن المسلمين اليوم هم من أكثر سكان الأرض مقاساة منها ومعاناة، ومن أكثر الشعوب المتهمة بإغفال هذه الحقوق وتجاهلها والتعامل معها بالخرق والانتهاك.

 

ولعل هذا العرض الذي يسعدني أن أشارك به في هذه الندوة العلمية القيمة أن يلقي الضوء على بعض جوانب المنظور الإسلامي لحقوق الإنسان، بدءاً من المدلول اللغوي لكلمة "الحق" التي وردت في القرآن الكريم أربعاً وتسعين ومائة مرة إلى جانب ألفاظ أخرى مشتقة منها جاءت في ست وسبعين آية.

 

ويمكن إجمال هذا المدلول في كل ما يظهر ويثبت بصحة ومطابقة ووضوح. وهو بهذا يدل على الصدق والعدل والعلم والحكمة، وعلى ذات الله وكتبـه وشرائعه، وعلى كل ما ينافي الباطل والضلال، كما يدل على الواقع الموجود الذي لا يرتفع، وعلى ما يعبر به عن هذا الواقع، ثم هو يدل على ما يجب للناس أن يتمتعوا به ويستفيدوا منه ويفعلوه، في إطار ما تتيحه فطرة الإنسان وطبيعته البشرية، وفي نطاق ضوابط دينية أو قوانين وضعية أو عادات متبعة، وفي تقابل مع الواجب الملزم لغيرهم.

 

من هذا الجانب يلتقي مفهوم الحق مع ما جاء به "الإعلان العالمي لحقوق الإنسان" ؛ وهو الإعلان الذي صادقت عليه هيئة الأمم المتحدة يوم عاشر ديسمبر سنة ثمان وأربعين وتسعمائة وألف، نتيجة شعور جديد بمبادئ السلوك وقيم الأخلاق. وهو شعور تولد في أحضان حرب أهدرت هذه القيم والمبادئ وما يتبعها من حقوق فردية وجماعية، مما جعله يدعو إلى إعادة النظر في العلاقات بين شعوب العالم وضمان حقوقها في حدود يتفق عليها الجميع.

 

ثم عزز هذا الإعلان بمواثيق ومعاهدات تأكيدية، على غرار الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان عام خمسين وتسعمائة وألف، والاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان سنة تسع وستين وتسعمائة وألف. وتجدر الإشارة إلى أن الإعلان العالمي كان مسبوقاً، بل مستوحى من "نداء حقوق الإنسان والمواطن" ؛ وهو النداء الذي أقرته الجمعية التأسيسية الفرنسية يوم السادس والعشرين من أو غشت (آب) سنة تسع وثمانين وسبعمائة وألف، والذي أبرز الحقوق الطبيعية والمقدسة للإنسان، في ضوء تطبيق شمولي لمبادىء الحرية والإخاء والمساواة، وكذا مبدأ فصل السلطات.

 

وكتب المفكرون الغربيون عن هذه المبادئ ما بين مؤيد ومعارض. وكان معظم المعترضين من رجال الكنيسة، مما قاد الصراع على امتداد عقود نحو تركيز العلمانية، مروراً بإِعمال سلطة الطبيعة الإنسانية وما تفرض من حقوق.

 

كما أن الإعلان العالمي لم يلبث ـ بعد تحرر عـدد من الدول الآسيوية والإفريقية ـ أن ووجه بانتقاداتها، إذ لم يراع ما عندها في هذا المجال وما لها فيه من مقتضيات، بحكم غيابها يوم صياغته ؛ مما أثار ويثير الآن وبإلحاح ضرورة مراجعة هذا الميثاق في ضوء ثقافات جميع الشعوب وما لها من خصوصيات، إذ تشكل مرجعيات مختلفة في سياق التعدد والتنوع، بعيداً عن الأحادية القائمة الآن باسم "عالمية حقوق الإنسان"، والمتخذة ـ بحق أو بباطل ـ سوطاً يلهب ظهر المخالفين، في حين أن القصد من أي إعلان أو ميثاق عالمي أن يضبط متعلقات حقوق الإنسان أينما كان وكيفما كان، في منظومة قانونية خلقية قادرة على مرافقة حياته، مع ما في سير هذه الحياة من مد وجزر أو سلب وإيجاب.

 

من هنا، وسعياً إلى إغناء هذه المنظومة إن لم أقل إلى إعادة تشكيلها، كان البحث في المنظور الإسلامي لهذه الحقوق.

 

وليس المقصود استعراض جميع الحقوق وتتبعها في شموليتها واستجابتها لمختلف متطلبات الحياة الفردية والجماعية، ولا تتبع ما لها من حرمة وقداسة في التنظير والممارسة، مما لا يتسع له مثل هذا العرض المحدود والمحدد وإن كان بعض ذلك يتضح من خلاله. وإنه ليكفي الوقوف عند فقرات مختزلة نقتبسها من نص واحد هو خطبة حجة الوداع، لتتأكد مدى تلك الشمولية والقداسة. يقول رسول الله "ص"في هذه الخطبة التي جاءت ميثاقاً مبكراً لحقوق الإنسان، كان "ص" يلح على تبليغه والإشهاد عليه :  ... أوصيكم عباد الله بتقوى الله وأحثكم على طاعته... أيها الناس، إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم إلى أن تلقَوا ربكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا. ألا هل بلغت ؟ اللهم اشهد. فمن كانت له أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها. وإن ربا الجاهلية موضوع... وإن دماء الجاهلية موضوعة...

 

أيها الناس، إن لنسائكم عليكم حقاً ولكم عليهن حق... أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، فاتقوا الله في النساء واستوصوا بهن خيراً. ألا هل بلغت ؟ اللهم اشهد. أيها الناس، إنما المؤمنون إخوة، ولا يحل لامرىء مال أخيه إلا عن طيب نفس منه. ألا هل بلغت ؟ اللهم اشهد. فلا ترجعن بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض... أيهـا الناس، إن ربكم واحـد، وإن أباكم واحـد، كلكم لآد م، وآدم من تراب، أكرمكم عند الله أتقاكم. وليس لعربي على عجمي فضل إلا بالتقوى. ألا هل بلغت ؟ اللهم اشهد... أيها الناس، إن الله قد قسم لكل وارث نصيبه من الميراث، ولا يجوز لوارث وصية، ولا تجوز وصية في أكثر من الثلث. والولد للفراش وللعاهر الحجر، من ادعى إلى غير أبيه أو تولَّى غيرَ مَواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يُقبل منه صَرْف ولا عدْل"(1).

 

كما أن المقصود لا يرمي إلى إقامة مقارنة لإثبات سبق الإسلام إلى إقرارها والمناداة بها وتطبيقها ؛ إذ لو كان الأمر كذلك لوقع الاكتفاء ببعض مواد الإعلان العالمي، ليتضح أن الإسلام سبق إليها ليس في مضمونها فحسب، ولكن حتى فـي أسلوب التعبيـر عنها، ولتكن هاتين المادتين :

 

الأولى تتعلق بالحرية وتنص على أنه "يولد جميع الناس أحراراً متساوين في الكرامة، وفي الحقوق". وفي غير حاجة إلى الاستشهاد بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية الكثيرة التي تركز على هذا الحق، تكفي الإشارة إلـى قـول عمـر بـن الخطاب رضي الله عنه :"متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا ؟" إن النص يكاد أن يكون هو هو في لفظه وفي معناه، مع قوة في قولة ابن الخطاب مردها إلى استنكار الاستعباد.

 

الثانية تتعلق بالمساواة وتنص على أن "لكل إنسان حق التمتع بكافة الحقوق والحريات الواردة في هذا الإعلان ودون أي تمييز، كالتمييز بين العنصر أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو أي رأي آخر، أو الأصل الوطني أو الاجتماعي أو الثروة أو الميلاد أو أي وضع آخر". والشواهد الإسلامية في هذا الباب أكثر من أن تحصى، سواء من القرآن الكريم أو السنة النبوية التي منها ما جاء في الخطبة المشار إليها حول المساواة والتي أعطى فيها رسول الله "ص" مفهوماً بعيداً لهذا الحق وعلل له. على أن الموقف الإسلامي في هذا الصدد ـ وشواهده أكثر من أن تحصى عدداً ـ لا يكتفي بتثبيت مبدأ المساواة، ولكنه يتجاوز مجرد التثبيت إلى جعله مجالاً للتعارف والتعاون لتحقيق التعايش والتسامح وفق قول الله عز وجل : { يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم }(2).

 

لو حاولنا ـ بعيداً عن مثل هذه المقارنات الدالة ـ أن نتأمل الخصوصيات التي تميز منظور الإسلام للحقوق، لوجدناها بإجمال نابعة من القيمة التي منحها الله للإنسان وما نتج عنها من إنعام وتكريم، ونابعة كذلك من كون الإسلام دين رحمة وهداية وتكليف موجهاً للناس كافـة، إضافــة إلـى كونهـا مرتبطـة بالفطــرة السليمة والطبيعة السوية. يقول تعالى : { فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون }(3).

 

من هذه الخصوصيات :

 

أولاً : أن حقوق الإنسان جزء من حقوق أخرى متعددة مردها إلى رؤية الإسلام للإنسان في نطاق علاقاته مع الكون وما فيه، ورؤيته كذلك للإيمان باعتباره اعتقاداً وعملاً وسلوكاً، إذ جعل لكل من هذه المحاور الثلاثة وجوداً أساسياً في حياة المؤمن مع ما يمثله هذا الوجود من حقوق يمكن حصرها في أنماط ثلاثة تتصل بالله والعباد والنفس :

 

1. حقوق الله : وتقتضي الإسلام لله، أي الانقياد له وتوحيده والثقة به، وطاعته وعبادته، وإحسان هذه العبادة بإقامة شرائعه لتتم بصدق وإتقان وضمير حي يقظ، سواء في السر أو العلن 0 يقول تعالى : { وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه }(4) ويقول : { بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون }(5). ويشرح القرآن الكريم هذا الإحسان في قوله عز وجل ينبه إلى مدى علمه بما يفعله الإنسان : { وهو معكم أينما كنتم }(6) { ربنا إنك تعلم ما نخفي وما نعلن وما يخفى على الله من شيء في الأرض ولا في السماء }(7) { يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور }(8). كما يشرحـه الحديث النبوي الشريف في قوله "ص" يجيب عن سؤال جبريل "... قال : أخبرني عن الإحسان ؟ قال : أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك"(9). وهذه لا شك مرتبة الإيمان الكامل أو أفضل الإيمان لقول رسول الله "ص" : " أفضل الإيمان أن تعلم أن الله معك حيثما كنت"(10).

 

وقد لخص النبي الكريم هذا الجانب من الحقوق وما لها من مقابل عند الله في الحديث الذي رواه معاذ بن جبل قال : " كنت رِدْف النبي "ص" على حمار فقال : يا معاذ هل تدري ما حق الله على عباده وما حق العباد على الله ؟ قلت : الله ورسوله أعلم. قال فإن حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً، وحق العباد على الله ألا يعذب من لا يشرك به شيئاً. قلت : يا رسول الله أفلا أبشر الناس ؟ قال : لا تبشرهم فيتكلوا"(11).

 

2. حقوق العباد : وهي تابعة ونتيجة تلقائية لحقوق الله. وتتمثل في التعامل بالقسط والعدل وعدم الظلم والاعتداء والغش. يقول تعالى : { يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدَين والأقربين، إن يكن غنياً أو فقيراً فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا، وإن تلْووا أو تُعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيراً }(12).

 

وفي الحديث القدسي ينقل رسول الله "ص" مما يرويه عن الله أنه قال : " يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا"(13). ومر صلوات الله وسلامه عليه بطعام وقد حسنه صاحبه فأدخل يده فيه فإذا هو طعام رديء فقـال لــه : "بع هذا على حدة وهذا على حدة، فمن غشنا فليس منا"(14).

 

وتتجلى حقوق العباد كذلك في حسن السلوك ومعاملتهم بالخلق الحميد. يقول سبحانه : { فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر }(15). ويقول رسول الله "ص" "أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خُلُقا"(16).

 

وتشمل هذه الحقوق أيضاً الحرص والمحافظة على ما جعله الله منفعة عامة ومصلحة مشاعة بين الناس، كالماء والكلأ وما يرمزان إليه، مما يدخل فيما يسمى اليوم بالمرافق العامة والموارد الحيوية وشتى المظاهر البيئية التي ينبغي صـونها، ليفـيد منها الجـميع في غير إضـاعة لها أو إفسـاد. يقول الحق سبحانه : { وإذا تولَّى سعى في الأرض ليفسد فيها ويُهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد }(17).

 

ويدخل في هذا الباب كل ما يتعلق به الصالح العام، وجميع ما يترتب على خرقه خلل في المجتمع، كالعناية باللقطاء والمعتوهين، ومنع ما يثير الفوضى والاضطراب، كإعلان السكر والفحش ومـا إليهما مما يصدم الضمير ويزعج سير الحياة.

 

وفي جانب مهم من هذه الحقوق يتصل بعلاقة الحاكم والمحكوم، يبرز الله عز وجل ما ينبغي أن تقوم عليه هذه العلاقة من تعاقد إذ يقول : { إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نِعِمَّا يعظُكم به إن الله كان سميعاً بصيرا. يأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأُولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا }(18)، وهو قول كريم ينبه إلى ثلاثة أمور(19) :

 

  1. تحديد العلاقة بين الراعي والرعية أي بين الحاكم والمحكوم.
  2. البدء بذكر ما يجب على الراعي من عدل وأداء للأمانة قبل الحديث عما يجب على الرعية من سمع وطاعة.

ج) دعوة المؤمنين في حال وقوع الاختلاف بينهم في أمر ما أن يردوه إلى الله والرسول ليحتكموا إليهما، أي أن يرجعوا إلى الرسول "ص". والرجوع إليه يتضمن الرجوع إلى الله عز وجل. أما بعد مماته عليه الصلاة والسلام فالاحتكام يكون إلى من يتحمل الأمانة العظمى من ولاة الأمور.

 

ولعله لا حاجة إلى الحديث ـ في مثل هذا العرض الوجيز ـ عما يترتب على خرق حقوق العباد من جزاء فصّله الفقه الإسلامي فيما يتعلق بالحدود والعقوبات.

 

3. حقوق النفس : وتتطلب المحافظة عليها ـ أي على النفس ـ وضبطها بالقيم السامية الرفيعة، والابتعاد بها عن مواطن الذل والهوان، يقول تعالى : { ولا تهِنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلَون إن كنتم مؤمنين }(20). ويقول رسول الله "ص" : "إن الله يحب معالي الأمور وأشرفها ويكره سفاسفها"(21).

 

في هذا الإطار تدخل جميع الحقوق التي تضاف للإنسان، والتي سنرى في أثناء العرض كيف ساقها الإسلام ونظمها في سلك محكم دقيــق ومتميـز 0 كمـا تدخــل مسؤولية الإنسان عن جسمه وعقله لحمايتهما من التخريب والإفساد وكل ما ينتج عن تناول المحرمات وما يؤدي إلى الهلاك، يقول تعالى : { ولا تلقـوا بأيـديكم إلـى التهلكة }(22)، ويقول : { ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما، ومن يفعل ذلك عدواناً وظلماً فسوف نُصليه ناراً }(23). وهو نهي قائم على اعتبار النفس ذات حرمة لا يجوز انتهاكها، وكذا على اعتبارها ملكاً لله ؛ والفرد إنما هو مؤتمن عليها، ومن ثم عليه أن يصونها ويحفظها، فلا يغامر بإتلافها، كأن ينتحر مثلاً ليضع حداً لحياته، ما لم يتعلق الأمر بالاستشهاد.

 

ولـيس يخـفى مـا يكون للمنتحـر مـن مصير أخبـر عنـه رسول الله "ص" فـي قوله : "الذي يخنقُ نفسه يخنقها في النار والذي يطعن نفسه يطعنها في النار"(24)، وقوله : "من تردى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردى خالداً مخلداً فيهـا أبـداً، ومن تحسى سماً فقتل نفسه فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً ومن قتل نفسه بحديدة فحديدته في يــده يجأ بها بطنـه في نــار جهنم خالداً مخلداً فيها أبدا"(25).

 

على أن صيانة النفس لا تكون فقط بالمحافظة على حياتها فحسب، ولكن تكون كذلك بحفظ التوازن بين الجسم والروح، لأن من شأن هذا التوازن أن يحميها من الآفات الجسدية والعلل النفسية، ولا سيما هاته التي شاعت في المجتمعات المعاصرة، كالقلق والشك والضياع والحيرة واليأس، وربما الانقياد للتخدير والسرقة والجريمة. وهذا ما جعل الإسلام يدعو إلى العناية بالنفس حتى تتحقق لها السلامة والقوة عن طريق التغذية والتربية والتعليم والنظافة المادية والروحية، دون إهمال أي من هذين الجانبين ـ كما مر ـ طالما أن الإنسان خلق من مادة وروح. يقول تعالى : { إذ قـال ربك للملائكة إني خالـق بشراً من طين. فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا لـه ساجدين }(26).

 

ونظراً لأن هذه الحقوق عائدة بطبيعتها إلى الفطرة، فإنها تتجاوز العناية بالذات إلى من يرتبط بها، كعناية الوالدين بالأطفال، ورعاية حقوقهم، بدءاً من حق الحياة الذي ينهى عز وجل عن مسه بسبب الفقر والحاجة. يقول سبحانه : { ولا تقتلوا أولادكم من إملاق }(27) ويقول : { ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق }(28).

 

وإضافة إلى كون هذا النهي نابعاً من تحريم قتل النفس على العموم، فإنه ينم على معنى آخر عميق، باعتبار الأطفال جزءاً من الوالدين، ومن الأم بصفة خاصة، إذ في أحشائها تكونوا وبدأوا الحياة. وليست تخفى في هذا المجال وغيره عناية الإسلام بحقوق الزوجة والمرأة عامة، وقد سبقت الإشارة إلى بعض ذلك.

 

هذا، ولا يمكن لحقوق النفس أن تأخذ مجراها الطبيعي إلا إذا أديت حقوق الله والعباد. ومدار هذا الأداء على التقوى والورع، يقول تعالى : { إن أكرمكم عند الله أتقاكم }(29). والله وحـده هو العـارف بالمتقي، وليس لأحد أن يزعم ذلك، يقول عز وجل : { فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى }(30). ومن أهم مظاهر التقوى ترك مواطن الشبهة والابتعاد عن الشك إلى ما يبعث في النفس الطمأنينة، يقول رسول الله"ص" : "دع ما يَريبك إلى ما لا يريبك"(31).

 

وتكميلاً للحديث عن هذه الأنماط الثلاثة من الحقوق المتصلة بالله والعباد والنفس، تجدر الإشارة إلى المحاسبة التي أناطها الله بها جميعاً وما يتبعها من جزاء، مما أبرزه تعالى حين جعل كلاً منها شاهداً على الإنسان عبر ما يراه الله، ثم ما يراه الرسول والمؤمنون، وبعد ذلك ما تراه النفس. يقول تعالى : { وسيرى الله عملكم ورسوله ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون }(32)، ويقول : { وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون }(33).

 

فإذا كانت رؤية الله للعمل معروفة، فإنها بالنسبة للرسوله "ص" قائمة وثابتة، لأنه هو الذي بلغ الرسالة. أما المؤمنون فإنهم شهداء الله في الأرض. وأما النفس فإن رؤيتها تتم بعد أن تُنبأ بما كانت تعمل، وبعد أن تشهد عليها مختلف الحواس، وفق قوله عز وجل { يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون }(34).

 

ثانياً : أن حقوق الإنسان ثابتة بحكم إنعام الله عليه وتكريمه له، وليست ناتـجة عـن صـراع أو مـطالبة لنيـلها، والفـرق واضـح بـين الأمـرين. يـقول تعالى : { ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا }(35).

 

1. وإن هذا التكريم ليتجلى في جملة مظاهر بدءاً من الخلق على أحسن تقويم إلى إسباغ الأفضال عليه بل خلق بقية الكائنات من أجله. يقول عز وجل : { لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم }(36)، ويقول : { هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً }(37)، ويقول : { وآتاكم مـن كل مـا سألتموه وإن تعـدوا نعمـة اللـه لا تحصـوها }(38)، ويقول : { ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السماوات وما في الأرض وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة }(39).

 

2. وبالإضافة إلى هذه المظاهر التي تمس صورة الإنسان وخلقه وما أفاض الله عليه من نعم، فإنه عز وجل فضله بأن جعله عالما متحضراً قابلاً لاكتساب المعارف وتحقيق التطور لنفسه وللحياة من حوله.

 

ولـيـس يخـفى أنه بالعـلم أهـل لخـلافة الأرض وحـمـل الأمـانة، يـقول تعـالى : { وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون. وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسمـاء هـؤلاء إن كنتم صادقين .قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم . قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب السماوات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون }(40). هذا في الوقت الذي صعب على أعظم المخلوقات حمل هذه الأمانة، فامتنعت عنها معتذرة بعجزها عن ذلك. يقول سبحانه { إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان }(41). وقد استـحق الإنـسان بذلك وبـعده أن تـسجد لـه الملائكة تجـلة واحـتراماً، يقول تعالى : { وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين }(42).

 

3. وما كان للإنسان أن يتبوأ هذه المكانة فضلاً عن أن يتمتع بمختلف النعم التي كرمه الله بها وأكرمه، لولا نعمة الحرية التي هي في الإسلام قيمة كبرى وأساسية، لارتباطها بطبيعة الإنسان وفطرته وغريزته وفق قولة عمر السابقة، ولتأثيرها في تكوين شخصيته إذ بها تقوم الحياة ويتحقق الإنتاج وينهض المجتمع المتعارف والمتعاون.

 

وإن دعوة الإسلام للحرية لتبدأ بالتوحيد الذي حرر الإنسان من الشرك، أي من عبادة غير الله. وهذا ما جعله يقاوم تقديس الأصنام والأوثان ويحارب الخضوع للأهواء والنزوات ويمنع الانسياق لطغيان المال ويدحض استعباد الإنسان للإنسان. وهي كلها ظواهر عرفها البشر وما زالوا يعرفونها في صيغ متعددة وأشكال متنوعة.

 

وقد أفضى التحرير من الشرك في الإسلام إلى عملية أخرى لتحرير الإنسان من كل سيطرة تستبد به أو نفوذ يتحكم فيه، باعتباره ينبغي أن يتمتـع بالحريــة في نطــاق الانضباط واحترام القوانين والتشريعات التي تهدف إلى تنظيم الحياة والمجتمع، إذ من حقه أن يكون في مأمن من كل عدوان أو بغي أو تسلط أو ما إلى ذلك مما يخرق حريته أو يصيب حياته أو دينه أو ماله أو أهله وجميع حرماته التي لا يمكن أن يراجع فيها إلا بالحق، أي بالقانون.

 

والإسلام بهذا قد سبق جميع الدساتير والقوانين والمواثيق التي تحدثت عن حقوق الإنسان وأبرزت حرياته الخاصة والعامة. وإنه لمن الصعب استعراض كل ما يميزه في سياق هذا العرض المحدود، وتكفي الإشارة إلى بعض جوانب الحرية التي نادى بها الدين الحنيف والتي يظن أنها من الحقوق التي أقرتها التشريعات الحديثة.

 

منها حرية العمل، وتتجلى في قوله تعالى : { هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه }(43).

 

ومنها حرية المسكن والمراسلة وما إليهما مما ينتهك بالتجسس واتباع ما خفي من أمور الناس الخاصة. يقول سبحانه : { ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضاً }(44)، ويقول : { يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها }(45).

 

ومن هذه الحريات بل في طليعتها حرية التعبير. وهي تعد في الإسلام نعمة تأتي مباشرة بعد نعمة الوجود، وبها فضل الله الإنسان على غيره من الذين لا ينـطقون ولا يـبينون. يقول عز وجل: { الرحمن علم القرآن خلق الإنسان علمه البيان }(46).

 

وفي نطاق هذه الحرية دعا الإسلام إلى النظر في الكون لتأمله وتدبره والتفكير فيه. يقول تعالى: { قل انظروا ماذا في السماوات والأرض }(47). وهي آية تعني أن الإسلام دعا إلى النظر في كل ما خلق الله، ولم يمنع إلا شيئاً واحداً لا يدركه التفكير فضلاً عن البصر، وهو ذات العلي القدير.

 

ومن ثم أدان الله كل تحجير على التعبير وجميع أحاديات الفكر والـرأي إذ يقول : { قال فرعون ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكمُ إلا سبيل الرشاد }(48). وقد بلغ هذا التحجير عند الذين لا يعرفون الحرية ولا يؤمنون بها إلى حـد القتل. يقـول تعالى : { أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله }(49).

 

ويكفي الإسلام حرصاً على الحرية التعبيرية إقراره بحرية العقيدة(50) مع كل مـا تقتضي مـن احتـرام ممارستها وعــدم الإجبار على تعطيلها أو تغييرهــا. يقــول تعالـى : { لا إكراه في الدين }(51). ويقول: { ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعاً أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين }(52).

 

أ) هنا تثار مسألة المرتد وحكم الدين بقتله، وهو أمر لا مجال لإنكاره، وإن كان في حاجة إلى توضيح يزيل ما فيه من لبس. ومعروف أن المرتـد هـو الـذي يعلن خروجه من الإسلام بعد أن يكون دخل فيه. وقد يتخذ هذا الخروج شكلين : شكلاً عاماً بالطعن في الدين كله، وشكلاً خاصاً برفض أحد أركانه.

 

وعقوبة المرتد ـ ما لم يتب ـ منصوص عليها في القرآن الكريم ومحددة بالسنة النبوية الشريفة. يقول تعالى معقباً على الارتداد والموت عليه: { ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون }(53). ويقول رسول الله"ص" : "من بدل دينه فاقتلوه"(54).

 

وليس السبب في هذه العقوبة راجعاً إلى كون المرتد اعتنق ديناً آخر أو كفر بالإسلام، بدليل معاملة المسلمين لغيرهم داخل المجتمع الإسلامي أو خارجه من المنتمين لبقية المعتقدات، ولكنه راجع إلى ما يعنيه الارتداد في مفهوم الدين وسياق المجتمع من تآمر على المسلمين وخيانة لهم بكل ما في ذلك من كيد ومكر، وسعي إلى زرع الشك في صفوفهم وبث الفرقة بينهم وردهم عن دينهم وهدم بناء مجتمعهم.

 

ب) إن الإسلام حين أعطى الحرية ومنحها، فإنه في نفس الوقت حماها من كل عبث، إذ ربطها بحقوق تجعل الإنسان متمتعاً بخصائص ذاتية يشعر من خلالها بالسيادة والكرامة، ولكن في نطاق الضوابط والقوانين العامة التي تنظم أمر هذه الحقوق وتحفظ لها حرمتها بوعي وحرص من جميع الأطراف، في غير محاولة لاستحلالها بالتحايل أو التأويل، مما نبه إليه رسول الله "ص" حين قال : "إنما أنا بشر، وإنكم تختصمون إليّ، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له بنحو ما أسمع فمن قضيت له بحق أخيه فإنما أقطع له قطعة من النار"(55).

 

إن هذا الانضباط بالتشريعات والقوانين هو الذي يجعل الحرية لا تنقلب إلى فوضى فتضر بصاحبها قبل أن تضر بغيره، وحتى تكون حرية الفرد عامل خير ونفع للآخرين. وبذلك ـ كما يقال ـ تنتهي حرية الفرد عندما تبدأ حرية الآخرين.

 

لقد أراد الله للإنسان بهذه الحرية أن يعيش حياة أساسها التكريم الذي يتيح له ليس فقط أن يتمتع بها هنيئة وسعيدة، ولكن أن يحيا ضمن مجتمع صغير أو كبير بناء على روابط وضوابط تضمن سير الحياة الخاصة والعامة على النحو الذي يمكنه ـ أي الإنسان ـ من حمل الرسالة وأداء الأمانة، كل في دائرة عمله واختصاصه وفي نطاق مسؤوليته.

 

وهنا قيمة كبرى تجعل الحرية في الإسلام مرتبطة بالمساواة، أي بالمساواة في الحرية وفي جميع الحقوق، ولا أدل على هذه المساواة في الحقوق من قول أبي بكر الصديق في أول خطبة له بعد أن ولي الخلافة : "ألا إن أقواكم عندي الضعيف حتى آخذ الحق له، وأضعفكم عندي القوي حتى آخذ الحق منه"(56). وكان عمر ابن الخطاب قد كتب لأبي موسى الأشعري في رسالته المشهورة التي بعثها له متعلقة بشؤون القضاء: "آس بين الناس في وجهك وعدلك ومجلسك حتى لا يطمع شريف في حيفك ولا ييأس ضعيف من عدلك"(57).

 

وهنا تجدر الإشارة إلى أن المسلمين ـ بحكم هذه المساواة ـ كانوا يأنفون من أن يعظموا أو يميزوا عن غيرهم حين يكونون معه في مـوقف التقاضي، على حـد مـا حدث لعلي بن أبي طالب كرم الله وجهه، وكان يتقاضى مـع يهودي أمـام عمر، إذ وقف ابن أبي طالب ـ هو وخصمه اليهودي ـ أمام الخليفة، وأحس علي ببعض الضيق فخاطبه في ذلك عمر ظانا أنه كره أن يقف إلى جانب خصم يهودي، فأجاب علي معرباً أن غضبه راجع إلى كون عمر خاطب اليهودي باسمه وخاطبه هو بكنيته (أبي الحسن)، وكان من مظاهر تعظيم الرجل وإكرامه أن يخاطب بكنيته وليس باسمه.

 

إن السبب في جعل الإسلام الحرية مقننة كامن في الحاجة إلى ضبطها حتى لا تنقلب إلى فوضى، والحاجة كذلك إلى نعيمها بعدل ومساواة ـ كما مر ـ وكامن كذلك في الأمانة التي يحملها الإنسان. ولا يمكن لهذا الحمل إلا أن يكون منضبطاً ومقنناً، طالما أن الكون الذي يتحمل الإنسان هذه الأمانة في نطاقه محكوم ومسخر بقوانين دقيقة تحفظ له توازنه، يقول تعالى : { والسماء رفعها ووضع الميزان ألا تطغوا في الميزان. وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان }(58).

 

ج) قد يأتي معترض ويقول : إذا كان الإسلام أعطى هذه الحريات فلماذا يسمح بالرق ؟ والجواب أن هذا غير صحيح، لأن الإسلام لم يسمح بالرق، بل إنه لم يذكر أمره إلا مقروناً بالتحرير، في تشجيع على هذا التحرير وإغراء به وبفتح شتى المجالات له، وفي مقدمتها الكفارات. ويكفي للدلالة على أهمية تحرير الرقبة قوله عز وجل: { فلا اقتحم العقبة. وما أدراك ما العقبة. فك رقبة }(59). فقد جعل الإسلام منح الحرية للعبد أو للأسير سبيلاً لتجاوز العقبة الكأداء التي استعير التعبير بها للدلالة على ما يشق عمله على النفس.

 

وهذا منحى سام لا يمكن إدراكه إلا إذا عرف أنه حين ظهر الإسلام كان الرق يشكل ظاهرة اجتماعية منتشرة، بل كان مظهراً اقتصادياً رائجاً، فأغلق الإسلام جمـيع أبوابه ولم يـبق مـنها إلا باب الأسـر الـذي يكـون في الحرب، وفيه يقول تعالى : { فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منّاً بعد وإما فداء حـتى تضـع الحـرب أوزارهـا، ذلك ولو يشاء اللـه لانتصر منـهم ولكـن ليـبلو بعضـكم ببعض }(60)، وهما آيتان تتحدثان عن الأسرى وتثيران حالتين إحداهما مقدمة للأخرى :

 

الأولى : إطلاق سراح الأسرى مَنّاً بلا فداء أي بغير تعويض.

 

والثانية : إطلاق سراحهم بفداء.

 

واستمر الأمر في الدولة الإسلامية على هذا النحو، إلى أن انمحى الرق من الإسلام، في وقت ما زال العالم المتقدم يمارسه بشتى الوسائل والأساليب فردياً وجماعياً، وما التمييز العنصري إلا أحد المظاهر الصارخة لذلك.

 

ثالثاً : إن حقوق الإنسان مقترنة بالواجبات، إن لم نقل إنها تتحول إلى واجبات، مما يجعلها جميعاً ـ أي الحقوق والواجبات ـ خاضعة لما يضمن المحافظة عليها في تنظيم للحياة يقوم على علاقات متوازنة، بها تتحقق المصالح وتحمى من كل خرق أو عبث، سواء أكانت تلك الحقوق سياسية أم مدنية، خاصة أم عامة، مادية أم معنوية، مؤقتة أم دائمة.

 

ولتأكيد هذه الخصوصية نمثل بحقوق أربعة.

 

1. الحرية:

 

لقد جعل الإسلام حرية الفرد شرطاً لكل تكليف، بدونها لا يكون مطالباً بأدائه مهما تكن أوجه حرمانه منها، لا سيما في حال الإكراه.

 

هذا في الوقت الذي حمله مسؤولية التعبير وأدان سكوته عن الحق، يقول تعالى: { ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون }(61).

 

وإن حرية التعبير هاته لتقود في المجتمع الإسلامي إلى مظهرين يبدوان متضادين ولكنهما في الحقيقة متكاملان : أولهما : المشاركة في تسيير شؤون الأمة بالشورى، إذ يقول الحق سبحانه حاثاً رسوله الكريم عليها : { فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين }(62).

 

وثانيهما : الإعلان عن المعارضة في الرأي بشأن هذا التسيير.

 

على أن أكثر ما يتجلى فيه الإعراب عن الرأي هو مجال التوجيه والانتقاد في حدود النصيحة التي جعلها رسول الله صلى أساس الدين ومظهراً له في كماله حين قال: "إن الدين النصيحة إن الدين النصيحة قالوا : لمن يا رسول الله ؟ قال : لله ولكتابه ورسوله وأئمة المسلمين وعامتهم"(63).

 

وليست تخفى في هذا السياق أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: وقد ركـز علـيها القرآن الكريم والحديث النبوي الشريـف، على نحــو قولــه عــز وجل: {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون}(64)، وقول رسول الله "ص": "من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان"(65).

 

في ضوء هذه التوجيهات قال رجل لعمر بن الخطاب (ض) : "اتق الله يا أمير المؤمنين" فاعترضه بعض من كان في المجلس وقال له: "كيف تقول لأمير المؤمنين: اتق الله؟" ورد عمر: "دعه فليقلها فإنه لا خير فيكم إذا لم تقولوها، ولا خير فينا إذا لم نقبلها منكم".

 

وفي هذا المجال لا تستغرب الدعوة إلى أن يكون للفرد رأي خاص ومستقل، وأن تكون له القدرة على إبدائه، ولقد نهى الرسول "ص"عن أن يكون الإنسان مجرد تابع ومقلد وإمعة، حاثاً على أن تكون له شخصيته وذاتيته وحريته في التفكير والتعبير، إذ قال : "لا تكونوا إمعة تقولون إن أحسن الناس أحسنا، وإن ظلموا ظلمنا، ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا، وإن أساءوا فلا تظلموا"(66).

 

2. العلم:

 

إن الحق في اكتساب العلم واجب، كما بين رسول الله "ص"في حديث : "طلب العلم فريضة على كل مسلم"(67). وهو مطلب يسعى المسلم إليه ولو بشد الرحلة المشاق، على حد قوله "ص": "اطلبوا العلم ولو بالصين"(68)، مع الحث على ذلك في كل مرحلة من مراحل العمر، إذ يقول صلوات الله وسلامه عليه : "من جاء أجله وهو يطلب علما ليحيي به الإسلام لم تفضله النبيون إلا بدرجة"(69).

 

والسبب في هذا الوجوب راجع إلى أمرين:

 

أولهما : أن العلم مرتبط بالإيمان، يقول تعـالى : { يرفـع الله الـذين آمنـوا منكم والذين أوتوا العلم درجات }(70)، ويقول رسول الله "ص": "فأما طبقتي وطبقة أصحابي فأهل علم وإيمان"(71). ولا يتم هذا الإيمان عن طريق التقليد ولكن بواسطة النظر والتأمل، إذ يقول الحق سبحانه: { قل انظروا ماذا في السماوات والأرض }(72). ويقول: { ألم يروا إلى الطير مسخرات في جو السماء ما يمسكهن إلا الله إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون }(73). ويقول: { أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت، وإلى السماء كيف رفعت، وإلى الجبال كيف نصبت، وإلى الأرض كيف سطحت }(74).

 

ثانيهما : أن الله لا يعبد بجهل، وأن الإسلام قائم على العلم، يقول رسول الله "ص": "إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم"(75).

 

ومن ثم فالإنسان يحاسب يوم القيامة على علمه، وفق ما أخبر الرسول "ص" حين قال: "لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيم أفناه وعن علمه فيم فعل فيه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن جسمه فيم أبلاه"(76).

 

وهي محاسبة تقترن بالثواب العظيم الذي خصه الله لطلبة العلم الصادقين الجادين في اكتسابه، يقول رسول الله "ص": "من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة"(77)، ويقول: "من خرج في طلب العلم كان في سبيل الله حتى يرجع"(78).

 

ولا عجب بعـد هـذا أن يكبر الإسلام شأن العلماء ويعظمهم، يقـول عـز وجل: { قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون }(79)، ويقول: { شهد الله أنه لا إلـه إلا هو والملائكة وأولوا العلم }(80)، ويقول رسول الله "ص": "العلماء ورثـة الأنبياء"(81)، ويقول : "فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم"(82)، ويقـول : "يشفع يوم القيامة ثلاثة : الأنبياء ثم العلماء ثم الشهداء"(83).

 

3. العمل:

 

إن العمل في الرؤية الإسلامية يتجاوز كونه حقاً ليصبح واجباً بحكم دعوة الإسلام إلى السعي والكسب، يقول تعالى: { هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه }(84) أي سهلها لكم ويسرها وطوعها لتسيروا فيها وتبحثوا عن الرزق، لأن العمل في هذه الرؤية عبادة، وهو يدخل في نطاق أمانة الاستخلاف التي حملها الإنسان، وفي نطاق المحافظة على مقومات الحياة التي بها يستمر الكائن ويقوم المجتمع. فبه تتحقـق العدالـة، وبـه يكون الصلاح، وبــه توجـد السعادة، وبه في النهاية يحارب الظلم والفساد ويكون الجزاء، أي أنه ـ العمل ـ هو الغاية من الوجود. يقول عز وجل : { إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا }(85). ويقول : { تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير، الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور }(86).

 

إن العمل مقرون في الإسلام إلى القول لإدراك درجة الإيمان الصحيح الذي يفضي إلى اليقين، يقول سبحانه : { يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون، كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون }(87).

 

والسـبب أن الإيـمان ليـس بالتـمني ولا بتـزيين القـــول كـما يقـول رسـول اللـه "ص": "ليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي ولكن هـو مـا وقـر في القلـب وصدقه العمل"(88)، ويقول تعالى : { ليس بأمانيّكم ولا أماني أهل الكتاب، من يعمل سوءاً يُجزَ به ولا يجد له من دون الله ولياًّ ولا نصيراً، ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا }(89).

 

وتبدو هنا ركيزتان أساسيتان في الإسلام هما : الإيمان والعمل الصالح، وقد قرنهما القرآن الكريم في آيات كثيرة لعلها تتجاوز الخمسين. ومن ثم حث الرسول "ص"على العمل ودعا إلى عدم الاتكال على حسب أو نسب، كما في قوله "ص" لأم سلمة هند زوجته : "اعملي ولا تتكلي"(90)، وقوله "ص": "من أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه"(91).

 

وإن هذا الموقف الإسلامي من العمل هو الذي جعل الرسول "ص" يبرز قيمة الكسب باليد وينوه بإتقان العمل، ويدين التواكل والتسول، مما لا حاجة إلى الإطالــة به. على أن سيـاق وجـوب العمل فـي مدلــولــه الــواسع يقتضي المحاسبــة عليــه، يقول تعالى : { يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضراً وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمداً بعيداً }(92)، ويقول : { من عمل صالحاً فلنفسه ومن أساء فعليها }(93).

 

ويكفي التذكير بأن الإنسان لا ينجو، من خسران الدنيا والآخرة إلا بالعمل المقترن بالإيمان، إذ يقول عز وجل : { والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر }(94).

 

4. الأمن :

 

إذا كان الإنسان يسعى إلى أن يعيش في أمن، سواء باعتباره فرداً أم باعتباره منضماً إلى جماعة، فلأن الأمن هو قوام الحياة.

 

والأمن حالة نفسية تتجلى في الرضا والاطمئنان والهدوء والسكون والثبات والثقة والراحة، نتيجة وقوع خير أو شيء جميل، أو نتيجة توقع حدوث ذلك. وعكسه الخوف الذي يترتب عن معايشة الشر أو توقعه، بدءاً من القلق والاضطراب إلى الخشية والحذر فالهلع والذعر.

 

وهو يتجلى في مظاهر متعددة أبرزها الأمن النفسي والغذائي، وكان مطلب الأنبياء منذ إبراهيم عليه السلام : { وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلداً آمناً وارزق أهله من الثمرات }(95).

 

وقـد جـعل الإســلام هـذا الأمــن أســاساً بــل شـرطـاً لعبـادته إذ يـقول تعالى : { فليعبدوا رب هذا البيت. الذي أطعمهم من جوع، وآمنهم من خوف }(96).

 

ولا غرابة في هذا الربط، طالما أن الإسلام دين الأمن، وما يوفر الأمن وينتج عنه من رحمة وألفة ونصر. يقول تعالى : { وما أرسلناك إلا رحمــة للعالمين }(97).

 

ويقـول : { واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا }(98). ويقول : { واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض تخافون أن يتخطفكم الناس فآواكم وأيدكم بنصره ورزقكم من الطيبات لعلكم تشكرون }(99).

 

لهذا كله، كان رسول الله "ص" كثيراً ما يسأل الله الأمن إلى جانب الإيمان، على حد قوله يوم أُحُد ضمن دعاء : "اللهم إني أسألك الأمن يوم الخوف"(100)، وقوله حين يرى الهلال : "اللهم أهله علينا باليمن والإيمان والسلامة والسلام" وفي رواية : "الأمن والإيمان"(101).

 

ويشمل الأمن من هذا البعد الإسلامي أمن الدنيا والآخرة، يقول تعالى : { إن المتقين في جنات وعيون، ادخلوها بسلام آمنين، ونزعنا ما في صدورهم من غل، إخواناً على سرر متقابلين، لا يمسهم فيها نصَب وما هم عنها بمخرجين }(102) ويقول: { إن المتقين في مقام أمين }(103).

 

هذه بعض الخصوصيات التي تميز حقوق الإنسان في الإسلام وتحدد إطارها وتوضح فلسفتها، انطلاقاً من منظور شمولي ومتكامل ومتفتح.

 

وقد حاول البحث إجمال عرضها وتحليلها بغض النظر عن أمرين :

 

الأول: ما تجتازه هذه الحقوق في كثير من البلاد النامية ـ ومنها الإسلامية ـ من ظروف قاسية تفضي بها إلى الخرق والانتهاك، مما يقتضي التوعية بها وبالمبادئ والقيم المؤسسة لها، وكذا نشر ثقافة جديدة في هذا الاتجاه تكون قادرة ليس فقط على حماية الحقوق من العبث والضياع،ولكن كذلك على التحسيس بضرورة إقرارها في التعامل موازاة مع الواجبات، بما يحقق الصالح العام في النهاية.

 

الثاني : ما قد يكون من توافق أو تباين بين المنظور الإسلامي لهذه الحقوق والمنظور الغربي لها، سواء من حيث صيغتها المعلنة، أو من حيث الدعائم التي أقيمت عليها ؛ مما لا ينبغي أن يثير أي تناقض بين ما هو خصوصي وما هو عالمي، وأضع (عالمي) بين قوسين، من غير أن ننسى البعد الشمولي للإسلام في هذا الموضوع وســواه، ومن غير أن ننسى كذلك المنطلق الفطري الذي انبعث منه في نطاق ما وهب الله للإنسان من طبيعة سوية وعقل سليم. وهو ما جعل الإسلام ويجعله قادراً على احتواء كل الخصوصيات وامتصاص جميع الاختلافات. ولعله كان في ظن الغرب ـ منذ المراحل الأولى للنهضة ـ أنه باعتماده الطبيعة أساساً لحقوق الإنسان يستطيع أن يمتلك الآخرين ويخضعهم، باعتبار الطبيعة معياراً سلوكياً متأصلاً في النفس البشرية، ونظاماً محكماً قائماً على الفطرة. وهذا هو التوجه الذي أكدته حركة التنوير في أوروبا ـ ولا سيما انجلترا وفرنسا ـ عبر الاهتمام بالدرس الاجتماعي والنظر إلى الإنسان ضمن منظومة الطبيعة، مع التدرج بفهم وجوده وحقوقه من الفردية إلى الجماعية، بما تتطلبه هذه الجماعية من انسلاك في عقد منظم تحكمه قواعد وقوانين في نطاقها يتمتع الفرد بحقوقه.

 

وبعيداً عن هذا التوجه وربما تحفزاً منه، لا يخفى وجود واقع يرمي إلى عالمية تعتمد النفوذ العسكري والاقتصادي للغرب، بل تتجاوز هذا النفوذ إلى الرغبة في هيمنة ثقافته، بما فيها من مفاهيم ومنطلقات، ومن بينها متعلقات حقوق الإنسان.

 

إن في طليعة الحقوق التي يجب على الغرب أن يعترف بها حقاً أساسياً هو الحق في الاختلاف معه، أعني حق الشعوب الأخرى، ولا سيما المستضعفة سياسياً وعسكرياً واقتصادياً وثقافياً ـ أي المتخلفة عن ركب آلته المتقدمة ـ في أن تكون لها عقيدتها ولغتها وثقافتها ومختلف مقومات هويتها الذاتية والكيانية. يأتي بعد ذلك حقّها في التقدم الذي بلغه العصر في شتى المجالات، والذي يضع الغرب عراقيل حتى لا تدرك هذه الشعوب شأواً مناسباً منه، وحتى تبقى رهينة تبعية مقيتة تتحكم في صيرورتها، وتجردها من أدنى الحقوق وأبسطها، معاشاً وتعليماً وعلاجاً وأمناً. وهي حقوق أولية وأساسية بدونها لا مدلول لوجود شعب أو دولة، فضلاً عن أن يقرن هذا الوجود بالسيادة.

 

ولو أن المسلمين انطلقوا من ذاتهم ومن مفاهيم ثقافتهم ودينهم وما فيه من منظور للحقوق، لسهل عليهم هضم هذه الحقوق والتفاعل معها والعمل بها واحترامها، حتى في صيغتها الغربية. وهو ما يعسر تحقيقه والوصول إليه عند مجرد النقل والاقتباس من الغير، لا سيما وأن هذا الغير يقدم أسوة سيئة ويعطي صورة مشوهة، إذ يحترم حقوقه هو، ويستهين بحقوق الآخرين ويخرقها.

 

وإن من أوليات هذه الانطلاقة أن يقفوا على ما يتميز به المنظور الإسلامي لحقوق الإنسان، وما يرتبط بها من مبادئ وقيم، ليدركوا الحاجة الماسة إلى إعادة النظر في المنظومة الحالية، وينبهوا غيرهم إلى ضرورة هذه الإعادة حتى تتناسق هذه الحقوق وتتكامل وتستحق الوصف بالعالمية.

 

وإن للمسلمين في ذلك دوراً يقتضي منهم تطبيق ما جاء به الدين الحنيف في هذا المجال، والسعي بهذا التطبيق إلى ريادة تكون خير رد على أي اتهام لهم بخرق تلك الحقوق، وتكون أفضل وسيلة للإقناع بها وفق منظور الإسلام.

 

 

 

الهوامش:

 

(1) انظر "جمهرة خطب العرب في العصور العربية الزاهرة"، لأحمد زكي صفوت، ج 1، ص 59-57، والمصادر المذكورة (ط. الأولى، مصر 1352هـ ـ 1933م).

(2) سورة الحجرات، الآية 13.

(3) سورة الروم، الآيـة 29.

(4) سورة الإسراء، الآية 23.

(5) سورة البقرة، الآية 111.

(6) سورة الحديد، الآية 4.

(7) سورة إبراهيم، الآية 40.

(8) سورة غافر، الآية 19.

(9) أخرجه مسلم عن عمر بن الخطاب.

(10) رواه الطبراني في الكبير وأبو نعيم في الحلية.

(11) أخرجه البخاري ومسلم، وسنعود إليه.

(12) سورة النساء، الآية 134.

(13) رواه مسلم وابن حنبل عن سعيد بن عبد العزيز عن ربيعة بن يزيد عن أبي إدريس الخولاني عن أبي ذر جندب بن جُنادة.

(14) أخرجه أحمد وغيره عن ابن عمر.

(15) سورة آل عمران، الآية 159.

(16) رواه الترمذي عن أبي هريرة، وتتمته "وخياركم خياركم لنسائهم".

(17) سورة البقرة، الآية 203.

(18) سورة النساء، الآيتان 58-57.

(19) انظر "المسؤولية في الإسلام" لصاحب هذا العرض، ص 21-20، منشورات النادي الجراري، رقم 10، ط. الأولى 1996-1417.

(20) سورة آل عمران، الآية 139.

(21) أخرجه الطبراني في الكبير عن الحسين بن علي.

(22) سورة البقرة، الآية 194.

(23) سورة النساء، الآيتان 30-29.

(24) أخرجه البخاري عن أبي هريرة.

(25) أخرجه البخاري كذلك عن أبي هريرة.

(26) سورة ص، الآيتان 71-70.

(27) سورة الأنعام، الآية 152.

(28) سورة الإسراء، الآية 31.

(29) سورة الحجرات، الآية 13.

(30) سورة النجم، الآية 31.

(31) رواه الترمذي وغيره عن الحسن بن علي بن أبي طالب.

(32) سورة التوبة، الآية 95.

(33) سورة التوبة، الآية 106.

(34) سورة النور، الآية 24.

(35) سورة الإسراء، الآية 70.

(36) سورة التين، الآية 4.

(37) سورة البقرة، الآية 28.

(38) سورة إبراهيم، الآية 36.

(39) سورة لقمان، الآية 19.

(40) سورة البقرة، الآيات 32-29.

(41) سورة الأحزاب، الآية 72.

(42) سورة البقرة، الآية 33.

(43) سورة الملك، الآية 15.

(44) سورة الحجرات، الآية 12.

(45) سورة النور، الآية 27.

(46) سورة الرحمن، الآية 1.

(47) سورة يونس، الآية 101.

(48) سورة غافر، الآية 29.

(49) سورة غافر، الآية 28.

(50) انظر "مفهوم التعايش في الإسلام" لصاحب هذا العرض، منشورات الإيسيسكو، الرباط، 1417هـ/1996م.

(51) سورة البقرة، الآية 255.

(52) سورة يونس، الآية 99.

(53) سورة البقرة، الآية 215.

(54) أخرجه البخاري وابن حنبل عن ابن عباس.

(55) أخرجه البخاري ومسلم عن أم سلمة.

(56) انظر جمهرة الخطب، ج 1، ص 67، والمصادر المذكورة.

(57) انظرها في كتاب الأحكام السلطانية لأبي الحسن علي بن محمد الماوردي، ص 58، ط. الأولى، مصر 1327هـ/1909م.

(58) سورة الرحمن، الآيات 7-5.

(59) سورة البلد، الآيات 13-11.

(60) سورة محمد، الآية 4.

(61) سورة البقرة، الآية 41.

(62) سورة آل عمران، الآية 159.

(63) أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما والترمذي في جامعه والنسائي في مجتباه عن أبي رقية تميم بن أوس الداري، انظر شرحه وبعض متعلقاته في "المسؤولية في الإسلام" ابتداء من ص 35.

(64) سورة آل عمران، الآية 104.

(65) أخرجه مسلم عن أبي سعيد الخدري، كما رواه ابن ماجة والنسائي وأبو داود.

(66) رواه الترمذي عن حذيفة.

(67) رواه ابن ماجة عن أنس بن مالك.

(68) أخرجه البيهقي والخطيب وابن عبد البر عن أنس.

(69) رواه ابن عبد البر عن عبد الله بن عباس.

(70) سورة المجادلة، الآية 11.

(71) من حديث رواه ابن ماجة عن أنس بن مالك.

(72) سورة يونس، الآية 101.

(73) سورة النحل، الآية 79.

(74) سورة الغاشية، الآيات 20-17.

(75) رواه مسلم عن ابن سيرين.

(76) أخرجه الترمذي عن أبي بُرزه نُضلة بن عبيد الأسلمي.

(77) رواه مسلم وأحمد وأبو داود والترمذي عن أبي هريرة.

(78) أخرجه الترمذي عن أنس بن مالك.

(79) سورة الزمر، الآية 10.

(80) سورة آل عمران، الآية 18.

(81) من حديث أخرجه الترمذي عن أبي الدرداء.

(82) رواه الترمذي عن أبي أمامة الباهلي.

(83) أخرجه ابن ماجة عن عثمان بن عفان.

(84) سورة الملك، الآية 15.

(85) سورة الكهف، الآية 7.

(86) أول سورة الملك.

(87) سورة الصف، الآيتان 3-2.

(88) رواه الترمذي عن أنس.

(89) سورة النساء، الآيتان 123-122.

(90) رواه عبد الله بن عدي في كتاب (الكامل) عن أم سلمة.

(91) أخرجه مسلم عن أبي هريرة.

(92) سورة آل عمران، الآية 30.

(93) سورة فصلت، الآية 45.

(94) سورة العصر.

(95) سورة البقرة، الآية 125.

(96) سورة قريش، الآيات 5-4-3.

(97) سورة الأنبياء، الآية 106.

(98) سورة آل عمران، الآية 103.

(99) سورة الأنفال، الآية 26.

(100) رواه ابن حنبل، عن ابن رفاعة.

(101) أخرجه الترمذي عن طلحة بن عبيد الله.

(102) سورة الحجر، الآيات 48-45.

(103) سورة الدخان، الآية 48.

 

 

* ورقة مقدمة إلى ندوة "حقوق الإنسان في الإسلام بين الخصوصية والعالمية" التي أقامتها رابطة العالم الإسلامي في الرباط عام 1997.

المصدر: رابطة العالم الإسلامي.

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك