أخلاق الحروب ومعاملة الأسرى الإنسانية في الإسلام
أخلاق الحروب ومعاملة الأسرى الإنسانية في الإسلام
وهل هناك أعظم من هذا العرض... الهدف الأسمى فيه هو الإسلام والإيمان بالله تعالى وبكل تعاليمه الصالحة للإنسان والكون كله. فلم يكن هدفه السلب والنهب، ولم يكن يسعى لسلطان أو جاه، ومطالبه ليست مستحيلة ولا تحمل الظلم للعباد والبلاد. فهل توجد الآن حرب لها مثل هذه المطالب السامية ؟
قبل قرون من ذكرها في حقوق الإنسان في المادة الخامسة والتاسعة
رغم أنّ أصحاب الرسول الأوائل تعرضوا للتعذيب كثيراً عندما آمنوا بالدين الإسلامي وبرسالة محمد (صلى الله عليه وسلم) إلا أن محمداً (صلى الله عليه وسلم) لم يرد على الكافرين والمشركين بهذا الأسلوب والمعاملة بالمثل عندما أنعم الله عليه بالنصر وفتح مكة والقرى بعدها. بل على العكس من ذلك كان يتوعد بعذاب الله والنار في الآخرة لمن يعذب الناس أي لا يعذبهم إلاّ خالقهم يوم الحساب.
(( عن عروة بن الزبير, عن هشام بن حكيم بن حزام قال: مر بالشام على أناس وقد أقيموا في الشمس, وصب على رؤوسهم الزيت, فقال: ما هذا ؟ قيل: يعذبون في الخراج. فقال: أما إني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول: إن الله يعذب الذين يعذبون الناس في الدنيا ))
(( عن أبي هريرة قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس , ونساء كاسيات عاريات , مميلات مائلات , رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة , لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها , وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا ))
حتى الأسارى حث رسول الله صلى الله عليه وسلم على إطلاق سراحهم إن لم يكن هذا يضر المسلمين وقوتهم في الحرب كما حدث مع ثمامة بن أثال سيد أهل اليمامة عندما أمهله رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قرابة ثلاثة أيام يستمع إلى أقواله متبيناً نيته واطمأنّ لعدم أذاه للمسلمين.
(( عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم خيلاً قبل نجد فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له ثمامة بن أثال، فربطوه بسارية من سواري المسجد فخرج إليه النبي (صلى الله عليه وسلم) فقال: ماذا عندك يا ثمامة ؟ فقال عندي خير يا محمد، إن تقتلني تقتل ذا دم، وإن تنعم تنعم على شاكر، وإن كنت تريد المال فسل منه ما شئت، فترك حتى كان الغد، ثمّ قال له: ما عندك يا ثمامة ؟. قال: ما قلت لك، إن تنعم تنعم على شاكر، فتركه حتى كان بعد الغد فقال ما عندك يا ثمامة؟ فقال: عندي ما قلت لك، فقال: أطلقوا ثمامة، فانطلق إلى نجل قريب من المسجد فاغتسل ثمّ دخل المسجدفقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنّ محمداً رسول الله، يا محمد ! والله ما كان على الأرض وجه أبغض إليّ من وجهك، فقد أصبح وجهك أحبّ الوجوه إلي، والله ما كان من دين أبغض إلي من دينك فأصبح دينك أحبّ الدين إلي، والله ما كان من بلد أبغض إليّ من بلدك فأصبح بلدك أحبّ البلاد إليّ، وإن خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة، فماذا ترى ؟ فبشره النبي صلى الله عليه وسلم وأمره أن يعتمر، فلمّا قدم مكة قال له قائل: صبوت ؟ قال: لا والله ولكن أسلمت مع محمد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ولا والله لا يأتيكم من اليمامة حبّة حنطة حتى يأذن فيها النبي (صلى الله عليه وسلم).))
وكما حدث أيضاً مع ابنة حاتم أخت عدي النصرانية التي أسرت مع سبايا من طيئ
(( عن عدي بن حاتم عن أخته قال: فجعلت بنت حاتم في حظيرة بباب المسجد , كانت السبايا يحبسن فيها , فمر بها رسول الله (صلى الله عليه وسلم) , فقامت إليـه , وكانت امرأة جزلة, فقالت: يا رسول الله , هلك الوالد , وغاب الوافد , فامنن علي منّ الله عليك. قال: ومن وافدك ؟ قالـت عدي بن حاتـم. قال: الفار من الله ورسوله ؟ قالت: ثم مضى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وتركني , حتى إذا كان من الغد مر بي , فقلت لـه مثل ذلك , وقال لي مثل ما قاله بالأمس. قالت: حتى إذا كان بعد الغد مر بي وقد يئست منه , فأشار إلي رجل من خلفه أن قومي فكلميه , قالت: فقمت إليه , فقلت يا رسول الله هلك الوالد , وغاب الوافد ,فامنن علي منّ الله عليك , فقال (صلى الله عليه وسلم): قد فعلت , فلا تعجلي بخروج حتى تجدي من قومك من يكون لـك ثقة , حتى يبلغك إلى بلادك , ثم آذنيني. فسألت عن الرجل الذي أشار إلي أن أكلمه , فقيل: علي بن أبي طالب , وأقمت حتى قدم ركب من بلىّ أو قضاعة , قالت: وإنما أريد أن آتي أخي بالشام. قالت: فجئت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقلت: يا رسول الله , قد قدم رهط من قومي , لي فيهم ثقة وبلاغ. قالت: فكساني رسول الله (صلى الله عليه وسلم) , وحملني , وأعطاني نفقة , فخرجت معهم حتى قدمت الشام ))
إنها أسيرة حرب عوملت بالحسنى من قبل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) والمسلمين رغم أن أخاها عدي كان شديد الكراهية لرسول الله (صلى الله عليه وسلم), ولكنها كانت تلح على رسول الله بكرمه وكرم الله أن يطلق سراحها ففعل بعد أن لمس منها خيراً, وكان شديد الحرص عليها وكريماً معها حتى تبلغ أهلها من عظيم صفاته ورفعة أخلاقه, وفعلاً كان لهذا العمل الأثر الكبير عند هذه المرأة وأخيها الذي قدم على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وأسلم على يديه. وكل أحاديث الحثّ على العتق لنيل الحرية تصب في مجرى معاملة الأسرى بالحسنى. حتى السّبايا الذين حللهم العرف السائد يومئذ نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إتيان الحبالى منهم رأفةً ورحمةً بهم وبوليدهم يوم خيبر وهذا ما لم يعرفه العالم حينئذ ويتجاهله أعداؤنا اليوم.
(( عن عبد الله بن أبي نجيح, عن مكحول: أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) نهاهم يومئذ عن أربع: عن إتيان الحبالى من السبايا, وعن أكل الحمار الأهلي, وعن أكل كل ذي ناب من السباع, وعن بيع المغانم حتى تقسم ))
أمّا عند الحروب في سبيل الله فقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء والولدان والعبيد وهي فئة المستضعفين في الأرض حيث لم يكن أحداً يحسب حساباً أو رحمة لهذه الفئة ومازال حتى يومنا هذا لذلك الظلم والبغي عليها.
(( عن ابن اسحق عن بعض أصحابه: أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) مر يومئذ بامرأة وقد قتلها خالد بن الوليد, والناس متقصفون عليها فقال: ما هذا ؟ فقالوا: امرأة قتلها خالد بن الوليد, فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لبعض من معه: أدرك خالداً فقل له: إن رسول الله ينهاك أن تقتل وليداً أو امرأة أو عسيفاً ))
متقصفون: مزدحمون منقصمون. عسيفاً: الأجير والعبد المستعان به. وكذلك نهى رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم عن قطع الأشجار في كتابه لثقيف:
(( عن ابن اسحق وكان كتاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الذي كتب لثقيف: بسم الله الرحمن الرحيم: من محمد النبي, رسول الله, إلى المؤمنين: إن عضاه وجّ وصيده لا يعضد, من وجد يفعل شيئاً من ذلك, فإنه يجلد وتنزع ثيابه, فإن تعدى ذلك فإنه يؤخذ فيبلغ به إلى النبي محمد, وإن هذا أمر النبي محمد رسول الله ))
العضاه: شجر له شوك وهو أنواع واحدته عضة.وج: موضع بالطائف لا يعضد: لا يقطع وكذلك قصة الأمان الذي منحه رسول الله صلى الله عليه وسلم لصفوان بن أميّة وقصة نكران الخطأ الذي وقع فيه خالد مع بني جذيمة بن عامر المذكورتان في حق الحرية _ حق العقيدة _ سابقاً في مقالة منفصلة بعنوان: حق الحرية في السنة النبوية الشريفة قبل الإعلان العالمي بقرون , وهي تعبران عن أخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم في الحروب.حتى التمثيل بجثث القتلى الذي كان سائداً وعانى منه رسول الله في غزوة أحد حيث مثل الكافرون بجثة عمه الحبيب حمزة سيد الشهداء لم يقرّه الرسول عندما انتصر بل على العكس نراه ينهى عن المثلة.
(( عن سمرة بن جندب , قال: ما قام رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في مقام قط ففارقه , حتى يأمرنا بالصدقة , وينهانا عن المثلة ))
وذلك بعد نزول سورة النحل:" وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خيرٌ للصابرين "النحل: 126 وحتى الكافرين الذين أمره الله بقتالهم في الحالات التي ذكرت سابقاً في حرية العقيدة فإنّه صلى الله عليه وسلم كان يمهلهم قبل القتال ويعطيهم الأمان ليتسنى لهم الدخول في الإسلام طواعيةً.
(( بسم الله الرحمن الرحيم , هذا كتاب من محمد رسول الله , لرفاعة بن زيد. إني بعثته إلى قومه عامةً , ومن دخل فيهم , يدعوهم إلى الله وإلى رسوله , فمن أقبل منهم ففي حزب الله وحزب رسوله , ومن أدبر فله أمان شهرين ))
وكتابه الشهير أيضاً إلى هرقل عظيم الروم.
(( بسم الله الرحمن الرحيم , من محمد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إلى هرقل عظيم الروم , سلام على من اتبع الهدى. أما بعد: فإني أدعوك بدعاية الإسلام , أسلم تسلم , وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين , وإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين, و: يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون ))
وهل هناك أعظم من هذا العرض... الهدف الأسمى فيه هو الإسلام والإيمان بالله تعالى وبكل تعاليمه الصالحة للإنسان والكون كله. فلم يكن هدفه السلب والنهب، ولم يكن يسعى لسلطان أو جاه، ومطالبه ليست مستحيلة ولا تحمل الظلم للعباد والبلاد. فهل توجد الآن حرب لها مثل هذه المطالب السامية ؟
!المصادر بالإضافة للقرآن الكريم:
[1] صحيح مسلم
[2] صحيح البخاري
[3] السيرة النبوية لأبن هشام
المصدر: طبيب الوب.