ولو أرادوا الإصلاح لأعدوا له عدته

ولو أرادوا الإصلاح لأعدوا له عدته

 أ. بسام ناصر*

 

في البلاد التي لم تقم فيها ثورات، واجتاحتها حركات شعبية تطالب بالإصلاح، استطاعت كثير من الأنظمة التحايل والالتفاف على كل ألوان الحراك الشعبي، فرفعت تلك الحكومات شعار الإصلاح، وأخذت تدندن ليل نهار في خطابها الإعلامي المراوغ، على أنها هي من يسعى لتحقيق الإصلاح وإنجاز أجنداته، وأنها تسعى للإصلاحات الدستورية والسياسية والاقتصادية، وأنها جادة في تحسين أحوال المواطنين الحياتية، ورفع مستويات معيشتهم، نجحت تلك الأنظمة والحكومات في ركوب الموجة، وتدثرت بعباءة المطالبين بالإصلاح والداعين إليه، وأقنعت بذلك قطاعات من الشعب بأنها مع الإصلاح ومطالبه ولكن برؤى متدرجة ومرحلية.

 

تمضي عجلة الزمن مسرعة الخطى، وتتابع مسيرة الحياة بهمومها ومشاكلها ثقيلة الوقع، وتدور رحى المواجهة بين دعاة الإصلاح وخصومه، فالمرحلة الراهنة ليست كسابقاتها، إنها زمن الثورات العربية التي وسعت دوائر فسحة الأمل أمام المصلحين، وجعلت أصوات المطالبين بالحقوق والحريات والعدالة الاجتماعية تدوي عالية في أجواء عالمنا العربي، وتزيد من إلحاحهم على محاربة الفساد ومحاسبة الفاسدين، غير أن المنتفعين من بقاء الأوضاع على ما هي عليه، وهم أصحاب الشأن من علية القوم، يراهنون على مضي الزمن، لتعود بعدها الحياة إلى ما كانت عليه، ولتكون النتيجة إجهاض كل الحراك الشعبي الطامح إلى التغيير والإصلاح.

 

ثمة من يخطط بدهاء لمواجهة الحراك الشعبي المطالب بالتغيير والإصلاح واحتوائه وإجهاضه، ففي البلاد التي نجحت فيها الثورات الشعبية بإسقاط النظام كما في مصر وتونس، تتجمع قوى وجماعات النظام في خفاء، حاشدة جميع طاقاتها ومستنفرة كل رجالاتها، لإفساد الحياة في سائر مناحيها، اقتصاديا وسياسيا وأمنيا واجتماعيا، بنشر الفوضى والجريمة، وإشعال فتيل الصراعات الطائفية والمذهبية بين المواطنين، وإغراق الناس في حالة بائسة تحملهم على تمني عودة الأمور على ما كانت عليه قبل الثورات.

 

سألت صديقا مصريا عن أحوال الناس بعد الثورة، فأجاب بكلمة واحدة البلد تنهار، وأحوال الناس المعيشية تزداد سوءا، ولا يوجد أي حل لمشاكلهم اليومية المتكاثرة، الفوضى هي العنوان الأبرز للحياة بعد الثورة، والناس باتوا يفقدون الأمن والأمان، ظروفهم الحياتية تزداد تعقيدا، وثمة مشاكل من لون جديد لم تكن معهودة من قبل، تمس أمن الناس واستقرارهم، صور ومشاهد كئيبة وحزينة ينقلها المواطنون لمصر ما بعد الثورة.

 

في البلاد التي لم تقم فيها ثورات، واجتاحتها حركات شعبية تطالب بالإصلاح، استطاعت كثير من الأنظمة التحايل والالتفاف على كل ألوان الحراك الشعبي، فرفعت تلك الحكومات شعار الإصلاح، وأخذت تدندن ليل نهار في خطابها الإعلامي المراوغ، على أنها هي من يسعى لتحقيق الإصلاح وإنجاز أجنداته، وأنها تسعى للإصلاحات الدستورية والسياسية والاقتصادية، وأنها جادة في تحسين أحوال المواطنين الحياتية، ورفع مستويات معيشتهم، نجحت تلك الأنظمة والحكومات في ركوب الموجة، وتدثرت بعباءة المطالبين بالإصلاح والداعين إليه، وأقنعت بذلك قطاعات من الشعب بأنها مع الإصلاح ومطالبه ولكن برؤى متدرجة ومرحلية.

 

المراهنة على عامل الزمن، هو العنصر الأساسي في خطة الأنظمة للاحتيال والالتفاف على المطالب الشعبية، لأنها تريد أن تتقي شر هذه الموجة الشعبية العارمة، وتخرج منها بأقل الخسائر، فليس ثمة ما يمنع من توسيع هوامش الحرية على غير المعتاد، بإفساح المجال أمام الشعوب لتعبر عن نفسها، ولترفع صوتها مطالبة بحقوقها، وفي الوقت نفسه تكثر الحكومات من وعودها بالاستجابة لمطالب الإصلاح، لكنها في النهاية لن تخرج عن دائرة الوعود.

 

استمرار الثورات العربية بأحداثها المتتابعة، في ليبيا واليمن وسورية، أفسد حسابات كل المراهنين على عامل الزمن، فدفع الحراك الشعبي ما زال قويا، وحركة العمل الجماهيري الاحتجاجية ما زالت متواصلة، وكل المؤشرات والمعطيات تدفع باتجاه تصاعد الحراك الشعبي وتناميه، فليس ثمة مجال للتراجع إلى الخلف، أو القبول بما كانت عليه الأحوال من قبل.

 

أحداث الثورة السورية، بمشاهدها وصورها المتعددة الألوان، تشي بثبات الثائرين وتصميمهم على مواصلة طريق الحرية، مهما كانت التضحيات، وارتفعت التكاليف، الحراك الشعبي آخذ بالتوسع والازدياد، والنظام السوري لم يعد بمقدوره أن يفعل أكثر مما فعل، فقد مارس كل ألوان التضليل والتزوير وفبركة الوقائع والأحداث، وأقدم على القتل والبطش والتنكيل، حاصر المدن وأنزل الجيش بدباباته ومدرعاته، وارتكب فظائع بشعة في حق مواطنيه، فما الذي سيقدم عليه بعد ذلك؟ هل سيبيد مدن وقرى بأكملها حتى يستريح من عناء ذلك الحراك الشعبي العارم؟

 

لعبة الحكومات المراوغة عبر وعودها الالتفافية، باتت مكشوفة لأن عامل الزمن الذي راهنت عليه، لم يكن في صالحها، فجذوة المطالبات الشعبية لم تخمد، وحماسة الثائرين ما زالت تشتعل في نفوسهم، وثمة ثورات ما زالت نيرانها متأججة لم تضع أوزارها بعد، كما هو حال الثورة الليبية، واليمنية والسورية، الزمن لم يعد خادما لتلك الأنظمة والحكومات، فالثورات متصاعدة، والحراك الشعبي في تزايد وتوسع، وقطاعات واسعة من تلك الجماهير عازمة ومصممة على المضي قدما في طريقها نحو المطالبة بالحريات والحقوق. ثبات الشعوب على مطالبها، واستعدادها لتقديم التضحيات تلو التضحيات، عرّى دعاوى الحكومات بأنها تريد الإصلاح وتسعى إليه، وقدم أدلة وشواهد على أن القوم لو أرادوا الإصلاح حقا لأعدوا له عدته.

 

 

المصدر: صحيفة السبيل الأردنية.

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك