بين الدولة والقبيلة!!

بين الدولة والقبيلة!!

  • أ. أحمد إسماعيل
  • صحفي و كاتب سوداني
  • من ينزع فتيل اللهب من أبيي؟!!..الجرحى يملؤن المستشفيات، وأعداد الأرامل والأيتام والثكالى تزداد يوماًً بعد يوما..وهذا ما جنته اتفاقية السلام!!.
    حين تجد قبيلة تمتهن الرعي نفسها مضطرة للقيام بواجب الدولة في مواجهة دولة- وأقول دولة وأنا أعني ما أقول- تريد أن تنتزع أرضها، فإن ذلك بغير شكل انقلاب في الموازين..المسيرية عرب رعاة لا تنقصهم الشجاعة ولا يعوزهم البأس..وقد عاون فرسانهم وشاركت خيولهم الحكومة في قهر التمرد – الذي صار الآن دولة- كثيراً أيام الحرب..
    في زمان الحرب كانوا يحتفظون بأرضهم بلا نزاع، ساهموا في الدفاع عن بقية أرض السودان..ثم عقدت الحكومة صفقتها..وقالت جاءت السلام..فإذا بالمسيرية يجدون أنفسهم يقفون على أرض تنتقص من تحت أقدامهم..وإذا بعدو الأمس يزحف يريد أن يجر بساطاً من تحت أرجلهم افترشوه لقرون متطاولة، قبل أن يعرفه الآخرون!!.
    والدولة اكتفت بالجدل في أروقة اللجان المشتركة..بينما لم تكتف الحركة الشعبية بذلك، بل تحركت على الأرض لتفرض أمراً واقعاً، ووضعت جيشها وعساكرها في أرض المسيرية التي هي جزء من الشمال، ثم نصبت شخصاً لا علاقة له بالمكان حاكماً على ما أسمته بمقاطعة (أبيي)!!..هكذا إمعاناً في مخالفة السائد الشمالي!!..والدولة لم تتحرك..لم تقل شيئاً ذا قيمة.
    وهكذا صار على المسيرية أن يقوموا بواجب الدولة..على القبيلة أن تقوم بواجب الدولة في رد الأمر إلى نصابه!!..وبطريقتها التي لا تعرف في الظروف الشائكة أنجع منها، اندفعت الخيول بالفرسان لتواجه آلة حرب فتاكة..وتساقط الرجال صرعى من صهوات الخيول التي تندفع..ولم تتوقف إلا في قلب المعسكر المدجج بالسلاح، وحولته إلى مهرجان متفجرات!!.
    ولكن إلى متى يستمر الحال على هذا النحو؟!..إلى متى تستمر الخيول تندفع، والرجال يتساقطون بالراجمات..والنساء يتحولن إلى أرامل، والأطفال إلى أيتام، والنساء إلى ثكالى؟!..إلى متى تستمر القبيلة في دفع ثمن خطأ ارتكبته الدولة ومفاوضيها حين قبلوا بمجاملة كينيا، فأقحموا مقترحاتها الماكرة (حول المناطق المهمشة) على أوراق كانت قد فرغ الكلام فيها أصلاً، واتفق الناس على حدود 1956م؟!.
    وتلك هي مشكلة السودان التي فجرت أرضه في غربها وشرقها..حين تركت الدولة واجبها وحملته للقبيلة!!..
    وإذا قلَّبت صفحات ماحدث في دارفور، وجدت أن تلك هي المشكلة..انسحبت الدولة عن تحمل مسؤولياتها في معالجة نزاعات يومية بين القبائل تحدث منذ مئات السنين، فتحول الأمر إلى تمرد..وواصلت الدولة في إسناد مسؤولياتها إلى القبيلة في حسم التمرد، فحدث الانفجار.. وتدافعت أمم الأرض الطامعة لتنفخ في ناره..تفتش تحت لظاها عن مكان تحفر فيها بحثاً كنوز وثروات، ونفوذ..وميزان للقوى يريد أن ينتصب في ظهر ذلك الإقليم المكلوم!!.
    وأبيي مشروع لانفجار جديد..مدخل لصيادي ثروات الشعوب..هكذا سوف يصبح إذا استمرت الدولة في إلقاء المسؤولية على عاتق القبيلة..ولست أدري لماذا يصمت المؤتمر الوطني في يده على أفعال الشريك، وفي يده ملزمات واضحة..في يده اتفاق السلام الذي تلزم بنوده الحركة الشعبية بالانسحاب جنوب حدود 1956م، وتترك معالجة وضع أبيي لآليات الاتفاقية..في يدها مقررات مجلس الدفاع المشترك – بينها وبين الحركة- التي أقرت الانسحاب جنوب حدود 1956م..
    فيا حكامنا..إن الناس يدخلون في عهد الدولة وعقدها، ليجدوا في حماها المنعة والشوكة، وإقامة القسط ورد الحقوق، والزود عن الحمي والحياض..فإن كانوا يقومون بكل ذلك بأنفسهم..فلا شك أن تلك الأنفس ستحدثهم عن ((مدى جدوى ذلك العقد والعهد الذي بينهم وبين الدولة))..احسموا الأمر وأنتم قادرون على ذلك..قبل يتسع الخرق على الراتق.
  • المصدر: http://www.meshkat.net/node/12945
الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك