ما هو المشروع المطلوب: الإصلاح أم التغيير؟

ما هو المشروع المطلوب: الإصلاح أم التغيير؟

 

أنور بن قاسم الخضري*

 

يشغل بال الكثيرين من أبناء الحركة الإسلامية بكافة تياراتها اليوم سؤال كبير، ظل مستمرا معها منذ ظهورها على المشهد العام الاجتماعي والسياسي عقب سقوط الخلافة العثمانية وتفكك جسد الأمة إلى دويلات مختلفة وتراجع هيمنة الدِّين الإسلامي كمنهج للأمة إلى أضيق السبل؛ ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل تجاوزه إلى حالة من الانهيارات المتوالية في مجموع القيم والمفاهيم والمبادئ التي تمتلكها الأمة إلى حدٍ أصبح معه واقع المسلمين سيئا ومتهاويا.

 

هذا السؤال الكبير ينبني عليه العمل على المستوى الإستراتيجي للأمة ككل وللحركة الإسلامية بشكل أخص.

 

والسؤال هو: ما هو المشروع المطلوب من المجددين ورواد البعث الإسلامي الإصلاح أم التغيير؟[1]

 

سؤال يبدو في الوهلة الأولى بدهيا محضا، غير أن الإجابة عليه ستختلف بصورة جذرية عند اختلاف تقييمنا للواقع ومعرفتنا بأصل مهمتنا الشرعية التي أناطها الله بنا كمجددين ونخبة قيادية للأمة.

 

أما من جهة الشرع فالإسلام يوضح بأن مهمة الأنبياء والرسل –عليهم الصلاة والسلام- جميعا ابتداء هي (الإصلاح).. "إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت"؛ وذلك لعدة أسباب:

 

-            أن الأصل في البشرية هو الفطرة السليمة والخير، وأن الانحراف عنهما طارئ عليها؛ ومن ثمَّ فإن السعي لإصلاح النفس البشرية والمجتمع الإنساني هو الأولى بهذه الحقيقة.

 

-            أن الإصلاح هو التكليف الذي أمر به الأنبياء والرسل على مستوى الحكام أو المجتمعات.. "فقولا له قولا لينا لعله يذكر أو يخشى"!.. "وأنذر عشيرتك الأقربين"! وهو المقصود الإلهي الأول من إرسال الرسل وإنزال الكتب.

 

-            أن الطبيعي مع سنن الكون أن يكون الإصلاح هو الخطوة الأولى والعلاج المقدم لكونه الأقل كلفة والأسرع أثرا والأحوط نتيجة؛ أما التغيير والاستبدال فهو الخطوة الأخيرة والعلاج النهائي.

 

-            أن طبيعة النفس تتميز بالعناد والمكابرة والهروب من التكاليف والجهل في كثير من الأحوال وهذه الحقيقة تفرض في معالجتها طول النفس والصبر واستفراغ صور التبليغ والتأثير الممكنة لإصلاحها.

 

وهذه الخطوة الأولى في مراحل الدعوة والبعث الديني –الإصلاح- لها أحكامها الخاصة بها؛ فهي مرحلة يكون موقع قادة الإصلاح ومريديه فيها داخل الكيان الاجتماعي وسلطته وليسوا مستقلين أو منفصلين عنه. فيكون التعايش هنا ضروريا، والحوار مهما، والتواصل مطلبا، وتحمل تبعات هذا التكليف من العناء والأذى واجبا. لأن الإصلاح ينبثق من الداخل -كما هو حال الجسد الإنساني عند مرضه- ولصيقا بالذات نفسها؛ لذا فإن الأطباء يسعون في مرحلة المرض الأولى إلى تقوية البنية السليمة في الجسم وتزويده بالغذاء والعلاج وأسباب المناعة. وهذا ما يشرح كون جميع الأنبياء والمرسلين كانوا بشرا ومن بين أقوامهم، وكون بعثهم يأتي عَقِبَ لُبْثِهِم عُمُرا بين أظهرهم.. فهذه جميعا عوامل تساعد الأنبياء والرسل على فهم طبيعة واقع مجتمعاتهم بشكل دقيق وواضح، ومواقع الخلل والضعف ومواقع القوة والتماسك، بحيث يستطيعون الحركة والعمل من خلال قدرات وإمكانيات المجتمع ذاته؛ وعلى معرفة مراكز التأثير فيه وقنوات التواصل معه والمصالح الخاصة به؛ كما أن المجتمع ذاته ومن خلال ملامسته لهؤلاء المصلحين يستطيع الحكم على حقيقة شعاراتهم المعلنة وتمسكهم بهذه الشعارات وبذلهم في سبيلها وتحملهم تكاليف إحالتها إلى واقع حي وتضحيتهم لأجلها ليكونوا بمثابة القدوة الحية والقيادة الرائدة.

 

لذا نجد أن المولى سبحانه وتعالى يأمر رسله وأتباعهم في هذه المرحلة بالتحلي بالحكمة والصبر والاهتمام بتربية الذات ونقل القناعات والتصورات الصحيحة للآخرين من خلال الحوار والمجادلة بالحسنى واللغة الأمثل؛ كما أنه لم يكلفهم بالانسحاب السلبي من الحياة العامة للناس أو الاعتزال عنهم أو مفاصلتهم؛ بل أبقى لهم روابط النسب والصحبة والقربى لتكون جسرا يعبرون من خلاله إلى قلوب وعقول قومهم.. فقد جاء عن أصحاب محمد –صلى الله عليه وسلم- فيما تعلموه منه في مكة أمرُهُم بالعدل والإحسان وصلة الرحم وإغاثة الملهوف ونصرة المظلوم وإكرام الضيف وحسن الجوار والوفاء بالعهد وصدق الحديث وأداء الأمانة.. وهي جميعا أخلاق وقيم تؤكد نصح هذه الفئة المؤمنة صاحبة المشروع لقومها وانتمائها إليهم شعورا وسلوكا وحرصها على سلامتهم وأمنهم ولحمتهم ولكن برؤية عقدية مغايرة!

 

إذن يجب الانطلاق في المشروع الإسلامي من الإصلاح الداخلي الذي يحرص على تمديد الجسور وزرع ثقة المجتمع بحملة راية الإصلاح وشعاراتهم التي يعلنون عنها ومبادئهم التي يدعون إليها.

 

 فالمشروع الإسلامي في أي زمان هو مشروع غير صدامي ولا يرغب في خلق صراعات طاحنة في المجتمعات رغم رغبته في تشكيل عقيدة المجتمع ووعيه وسلوكه وفقا لمنهجه الرباني، لأن مُنزِلَ هذا المنهج هو الأعلم بطبيعة العلاج الذي يجب أن يخضع له خلقُه والمدى الزمني الذي يحتاجه ليؤتي ثماره قبل إحداث التغيير الجذري، لذا يقول تعالى: "وما كان ربك مهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون"![2] كيف وهو يخبر عن تكوين الإنسان الظلوم الجهول الكفور الأكثر جدلا رفضه للحق والهدى على مدار التاريخ الإنساني.

 

لقد ظل سؤال طبيعة المشروع المطلوب إزاء أي انحراف قائمة عند المهتمين بهذا الشأن، لأن تحديد المشروع المطلوب يحدد الأهداف والمهام والوسائل ولغة الخطاب والتواصل والأولويات. فالإسلام يزرع في نفوس أتباعه الإيجابية الفاعلة الهادفة، فإذا لم يكن الإصلاح ممكنا كان التغيير ضروريا، وفي حالة نادرة جدا يكون الانسحاب السلبي في زمن محدود وأفراد محدودين، لكنه ليس طبيعة للدِّين والمنهج الإسلامي للحياة.

وهنا نضع سؤالين مهمين لبيان ما الذي ينبغي علينا فعله في عصرنا القائم اليوم، هما:

 

·           ماذا نقصد بالإصلاح؟

 

نقصد بالإصلاح الجهد المبذول سلميا داخل الكيان الاجتماعي بغية إقناع الناس بالدِّين وتمكينه في حياتهم.

وهو مشروع يفترض ما يلي:

 

-            أن الوضع ليس سيئا بشكل لا يفيد معه سوى الهدم والبناء مجددا.

 

-            وجود أرضية من التعايش والقبول المجتمعي والتي تسمح بالعمل خلاله لصالح الإصلاح والعلاج.

 

 

-            أن الإمكانات المتاحة قد لا توازي متطلبات التغيير نظرا لطبيعة المرحلة أو الزمن، فالأول كما هو حال الأنبياء في مطلع بعثتهم وقلة التابع لهم، والثاني كما هو حال نوح وأتباعه مع قومه وموسى وقومه مع فرعون وعيسى وأتباعه آخر الزمان مع يأجوج ومأجوج.

 

-            أن التغيير رغم القدرة عليه مكلف نتيجة أسباب أخرى خارجة عن إرادة الطرف المغير، لذا فقد اتفق العقلاء على أن إنكار المنكر بمنكر أكبر يعد جريمة وفسادا. وقد استقر مذهب أهل السنة والجماعة على عدم الخروج على أئمة الظلم والفسق نظرا لما خلفه ذلك من نكبات ونكسات على مستوى الأمة والدولة والدِّين.

 

ومن ثمَّ فهو يعتمد على:

 

-            البناء الذاتي والقيام بالممكن من الواجبات والتكاليف، والاقتصار في الشعائر على المتاح من سلطة المجتمع.

 

-            التعايش مع المجتمع والبيئة بحيث تظل الروابط الطبيعية قائمة بدون إظهار عداء عملي أو صدام مع أفراده؛ فليس هناك مفاصلة اجتماعية مع المخالفين أو فك للارتباط معهم.

 

-            نبذ العنف كوسيلة والصدام كمبدأ، وإنما الدعوة والتحاور والتأثير بالإحسان والقدوة والسلوك.

 

-            اعتبار طول الزمن كعامل أساس في سير المشروع، والتفرغ للشئون الخاصة أي الأتباع ومصالحهم في سبيل الحفاظ عليهم إزاء أي تهديد لهم.

 

-            التدافع والتغالب وليس الصراع والحسم: لأن من الطبيعي في أي مجتمع أن يكون هناك تدافع وتغالب بين مكوناته الداخلية، أما الدخول في صراع مسلح بغية الحسم فيعني تهديد وحدة الكيان القائم وتأثر أمنه واستقراره ما يعني دخول كثير من الأطراف في ميدان النزال لدوافع يفرضها قيام هذا الصراع.

 

-            تمايز المشروع الإسلامي عن غيره رغم بقائه في دائرة التصورات والقيم والمبادئ والأفكار في الغالب الأعم منه.

 

-            بناء القناعات النفسية والعقلية في الأتباع باعتبارها الوسيلة المتاحة لتمكين الدِّين في حياة الناس عند غياب سلطانه.

 

-            الحفاظ على واقع الكيان المجتمعي برغم علاته من أي تهديد قد يأتي عليه بالهلاك، من منطلق أن لا مصلحة من الهلاك المطلق؛ هذا فضلا عن أن يتسبب أصحاب المشروع الإصلاحي في خلق مثل هذه التهديدات.

 

-            النظر إلى بيئة أكثر تلاؤما للانتقال إليها في حال تهديد هذا الكيان المجتمعي للمكون الصالح: دينه أو وجوده أو مصالحه التي لا غنى له عنها؛ حيث تصبح الهجرة والتحول أمرا مفروضا.

 

وقياس التحول إلى المشروع الإسلامي في هذه الصورة يكون وفقا لثلاثة أسس:

 

أ‌.           الإعلان بالقبول به والإيمان بمبادئه والتزامه في الحياة.

 

ب‌.       الدعوة إليه والتعامل مع الآخرين على ضوئه.

 

ت‌.       الالتزام بتوجيهات المرجعية الإسلامية.

 

وقد مثل جهد مصعب بن عمير في المدينة المنورة أنموذجا لهذا النوع من الأداء الذي أنتج مجتمعا حاضنا للدعوة وبيئة آمنة لنموها وأداء رسالتها وتحقيق أهدافها.

 

·           ماذا نقصد بالتغيير؟

 

التغيير هو جهد يبذل في سبيل الانقلاب على الوضع أو الإغارة عليه من خارجه بالقوة لفرض هيمنة الدِّين وإقامة دولته.

 

فالتغيير مشروع يفترض ما يلي:

 

-            أن الوضع سيئ بشكل لا يفيد معه سوى الهدم والبناء مجددا.

 

-            غياب أرضية التعايش والقبول من المجتمع الحاضن، بحيث لا يسمح بالإصلاح داخليا ولا يسمح ببقاء المصلحين فيه بأمان وحرية.

 

-            أن الإمكانات المتاحة توازي أو تفوق متطلبات التغيير، بحيث يضمن المشروع تحقيق التغيير على الوجه المراد أو قريبا منه.

 

-            أن التغيير أقل كلفة في نتائجه من الرضى بالوضع القائم والتعايش في ظله.

 

ومن ثمَّ فهو يعتمد على:

 

-            توسيع البناء والتأثير داخل المجتمع وخارجه للبحث عن أتباع وأنصار ومساندين ومدد.

 

-            فك حالة الارتباط والمصالح مع المجتمع الحاضن وإقامة روابط جديدة للكيان المناهض تحل محل هذه الروابط وتعمل على الاستغناء عنها. وهنا تتم المفاصلة وإعلان العداء الفعلي للمجتمع الحاضن؛ وهذا لا يكون سوى من بيئة خارجة عن سلطته وأرض وإمكانيات لا تخضع لهيمنته وتأثيره وإنما لها الاستقلال التام في مواردها البشرية والطبيعية.

 

-            اعتماد الصراع كمبدأ والقوة كوسيلة لخلق حالة من التوازن في ظل ترجيح الكفة الأخرى المادية، مع تشجيع الأتباع على خوض مواجهات غير متكافئة ظاهرا من خلال الإيمان بالقضية والمصير.

 

-            اعتبار اغتنام الفرص وعامل المفاجأة كعامل أساس في سير المشروع، والتفرغ للشئون العامة على حساب الخاصة.

 

-            إدخال المشروع الإسلامي في حيز التطبيق عبر قوة السلطان في مجتمعه لضبط حركة هذا المجتمع متناغمة مع مبادئه وقيمه ورسالته؛ وهنا يمارس الإسلام كأي معتقد وفكر الأساليب المعتبرة والطبيعية للحفاظ على كينونته طالما أنها تحقق سيادته كدين وقوة أتباعه كمظهر لهذه السيادة.

 

-            اتخاذ كافة أسباب القوة المادية والتضييق على القوى المناوئة في سبيل إضعافها والسيطرة عليها، واعتماد سياسة التوسع.

-            الاعتراف بتوزع المجتمع الإسلامي على فئات منهم السابق بالخيرات والمقتصد والظالم لنفسه والمنافق، وما قد يقع من أخطاء وضعف وخلل، باعتبارها أمرا طبيعيا لا يمكن إيقاف المشروع التغييري وتعطيله لأجله. (وهذا لا يعني تشريعها أو إهمالها، ولكن استيعابها ومعالجتها).

 

وقياس التحول إلى المشروع الإسلامي في هذه الصورة يكون وفقا لثلاثة أسس:

 

ث‌.       الانتقال إلى بيئته ومجتمعه.

 

ج‌.        الرضى بسيادة الشريعة الإسلامية فيه والخضوع لسلطانها.

 

ح‌.        عدم مصادمة مصالح هذا الكيان الإسلامي الدينية والدنيوية.

 

ومن الأمثلة التي يمكن الاستشهاد بها كمثال على هذا المعنى تهديد عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- لكفار قريش بقوله: فأحلف بالله أن لو كنا ثلاثمائة رجل لقد تركناها لكم أو تركتموها لنا! فمقتضى قول عمر أن امتلاك أهل الدعوة للقوة التي تمكنهم من فرض مشروعهم الإصلاحي مع تحقق المصلحة يجعل تخلفهم عن القيام بالتغيير خطأ إستراتيجي!

 

وهنا يمكن تحديد خمس جوانب يمكن على ضوئها تحديد طبيعة المجتمع الحاضن للمشروع الإسلامي ومدى موقعه من (الإصلاح) أو (التغيير):

 

1-       الإسلام: فإسلامية المجتمع وإسلامية النظام الحاكم فيه ظلت محل اهتمام الرسل والمجددين على مدار التاريخ، ورغم ارتباط كل من الأمرين بالآخر إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة أن كل منهما لازم بوجود الآخر؛ فربما وجد المجتمع الإسلامي دون النظام الإسلامي الحاكم، وربما وجد النظام الإسلامي دون وجود المجتمع الإسلامي[3].

 

2-       العدل: وهو حاجة بشرية وضرورة اجتماعية؛ يتحقق في أعظم صوره بسيادة الشريعة الإسلامية، وربما تحقق بغيابها لأنه مطلب ملح في حياة الناس. وللعدل صور مختلفة لكنها جميعا تعني رفع الظلم ورد المظالم ونيل الحقوق والإنصاف في الحكم. وربما وصف مجتمع ما أو نظام حاكم –إسلاميا كان أو غير إسلامي- بأنه عادل.

 

3-       الشورى: وهي أسلوب متعارف به بين العقلاء في إدارة شئونهم وتحقيق مصالحهم، أكان ذلك في إطار توافق متعدد الأطراف أو بالخضوع إلى سلطة ذات قرار. وقد عزز الإسلام من ضرورة هذا المبدأ السلوكي في إدارة الأمة لشئونها وحل قضاياها. لكنه يظل مبدأ مشتركا لدى بقية المجتمعات والأنظمة –كما هو الحال مع ملكة سبأ.

 

4-       الرشد: وهو مستوى من التفكير يترفع فيه الناس إلى مستوى النفع والمصلحة بعيدا عن العبثية والإهمال واللذة المجردة. فهي حالة من الوعي يعمل الإنسان بموجبها وفقا لما تقتضيه الحكمة ومنطق العقل، كما هو الحال مع ملك مصر عند إسناده إدارة البلاد إلى يوسف عليه السلام لما تميز به من علم وأمانة واقتدار.

 

5-       الطهارة: وهي حالة روحية ونفسية وسلوكية يتمتع فيها المجتمع بقدر من النقاء والطهر في مظاهره العامة وعلاقاته الاجتماعية وأحاديثه وسلوكه اليومي. ومن مظاهر هذا الأمر الصدق والوفاء والعفاف والغيرة والإباء والبعد عن السفاسف والدنايا والقاذورات المستقبحة. وكلما كان المجتمع أو النظام واقعا في مثل هذه الأمور فإنه في مقابل نظرائه يمارس النفاق والتقية أو التدليس واللبس.

 

فإذا عرفنا ذلك وتقرر في وعينا وشعورنا استلهمنا الحال التي يمكن أن يتمثل فيها أي مجتمع. وهي بحسب ما سبق صور متعددة، قد تجمع في بعضها أكثر من صفة أو قد تقتصر على صفة واحدة أو ربما كانت خالية من هذه الصفات جميعا بشكل ملحوظ.

 

وفي الحالة الأخيرة حيث لا يمتلك المجتمع الحاضن أي من الصفات السابقة يكون المشروع الإسلامي مشروعا تغييرا يحتاج إلى بيئة جديدة للانطلاق منها والاستناد إليها. وهذا أوضح من أن يقرر. حتى وإن ظل الحكم على المجتمع أو نظامه القائم بأنه مسلم؛ لأنه والحالة هذه يظل الوصف رسما لا حقيقة وراءه. وإن من سنن الله تعالى (إهلاك الدولة الظالمة وإن كانت مسلمة) لأن هدف العدل غير متحقق بها. كما أنه إذا غلب على أمة الإسلام وصف (الخبث) تحقق هلاكها لأنه لم يعد في بقائها نفع.. "أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم إذا كثر الخبث".

 

الشيء ذاته يقال عند غلبة غياب الكثير من هذه الصفات وبشكل ملحوظ؛ كون هذه الحالة أقرب إلى سابقتها.

 

أما في حالة وجود هذه الصفات جميعا مع ضعف فيها أو خلل؛ أو في حال وجد أغلبها وكانت الأظهر؛ كان المشروع الإسلامي مشروعا إصلاحيا يقوم على أساس الحفاظ على الموجود ومعالجته والنهوض به إلى مستوى أفضل. وهذا ما أكدته أغلب أحاديث الرسول الكريم وهي تتحدث عن السمع والطاعة في ظل التغير الطارئ على الحكام والولاة والمجتمع، مع التوصية بالإنكار والنصح والتغيير السلمي والصبر.

 

وتبقى الحالة التي يقوم فيها بعض الصفات ويغيب بعضها الآخر هي محل الاجتهاد وفقا للمصالح والمفاسد التي يقدرها أهل كل زمان ومكان؛ فتتراوح فيها المشاريع بين الإصلاح وبين التغيير؛ كما حدث لدى نماذج عريضة من سلف هذه الأمة.

 

فقد يكون وجود العدل في زمن ما أمرا ملحا أكثر من غيره من الصفات، حتى مع ضياع مبدأ سيادة الشريعة، نظرا لما قد يترتب عليه من الأمن والاستقرار وصيانة الأنفس والأعراض والأموال؛ مع تقدير عدم القدرة على فرض سيادة الشريعة لاعتبار القدرة والحال. كما كان الحال في زمن التتار.

 

فإذا علمنا أنه من المقرر تحقيق المصالح ودرء المفاسد وكانت مصلحة تطبيق الشريعة غير مقدور عليها فإن درء الظلم بإقامة العدل كان هو الأولى إذا قُدر عليه؛ خاصة في مثل زماننا هذا، حيث يختلف زماننا عن حال الرسول –صلى الله عليه وسلم- وأصحابه في الجوانب التالية:

 

1-       أن الدول التي كانت سائدة زمن الرسول –صلى الله عليه وسلم- وما بعده كانت دولا تعتمد على إطار ضيق في فرض سلطتها حيث هناك مساحة كبيرة في أراضيها غير خاضعة على الإشراف والرقابة، كما أنها لم تكن دولا أمنية وعسكرية ومتوغلة في المجتمع ومناشطه كما هو حاصل الآن. ولا يجوز قياس دول اليوم والحركات الإسلامية على واقع الدول بالأمس وحركات التجديد والتغيير فيها.

 

2-       أن الدول القديمة لم تكن تخضع لنظام دولي واتفاقيات عالمية وترتيبات شاملة فيما بينها، كما لم تكن تترابط بمصالحها فيما بينها كما هو حاصل الآن؛ ومن ثمَّ كانت تملك حيزا كبيرا من الاستقلال والحياد والاختلاف. وهذا ما أعطى السابقين مجالا للمناورة والكر والفر في ظل بيئة متعددة الأقطاب. أما اليوم فإن هناك مواثيق دولية واتفاقيات عالمية ونظاما كونيا تخضع لها غالبية الدول والأمم بإرادتها التوافقية أو تحت نير الضغوط المختلفة.

 

 

3-       أنه كان يوجد متسع من الأرض لا يخضع لسيادة أو ملكية دولة أو قبيلة أو جماعة، ما يسمح للأفراد أو الجماعات باللجوء إليها عند الحاجة والانطلاق منها. وهذا الأمر غير متوفر اليوم، حيث تفرض جميع الدول سيطرتها الكاملة على أراضيها، وتتقاسم الجغرافيا البرية والبحرية -والجوية- الدول والحكومات.

 

4-       أن وسائل القتال وأساليب الصراع اليوم أصبحت أكثر تعقيدا بحيث أن إدارة الصراع اليوم تحتاج إلى إلمام بهذه الأساليب والوسائل لمقابلة المثل بالمثل ومواجهة الأسباب بالأسباب؛ وواقع المسلمين يشهد بتخلفنا في وسائل وأدوات القتال تصنيعا وامتلاكا واستخداما وتطويرا؛ بل يشهد تخلفنا في تقنية المعلومات والعمل الاستخباري والأمني والخدمات اللوجستية على مستوى الجيوش والأجهزة الأمنية؛ وأخيرا تخلفنا على مستوى التخطيط الإستراتيجي وفنون إدارة الحرب والعمليات.

 

5-       أن حجم التكاليف والأعباء التي سيتحملها أي تجمع إسلامي يرغب في إقامة وإدارة دولة إسلامية في ظل التكالب الدولي الراهن[4] والمقدمات السابقة، مع ما سيحتاجه من موارد ومقدرات لنجاح مشروع كهذا، ليست مستطاعة في المنظور الحالي والقريب؛ وليس هذا بمعيب في حق حركة البعث الإسلامي طالما أن هذه هي معطيات الظرف، كما هو شأن نبي الله عيسى –عليه الصلاة والسلام- الذي سيتصدر لفتنة الدجال مع أتباعه وسيعجز عن فتنة يأجوج ومأجوج حتى أن الله تعالى سيوحي إليه بأن يحرز المؤمنين إلى الطور لعدم قدرتهم على مقاتلة هذا الخلق من البشر. وقد نص علماء الإسلام على أن الواجبات جميعا بما فيها الجهاد والقتال مُناطةٌ بالقدرة وتحقيق المصلحة المتوخاة منها، فإذا عادت على الدِّين أو أهله بالبطلان أو الفناء كان تركها هو الأوجب.

 

6-       هذا إضافة إلى واقع الخلاف على كثير من الثوابت وفساد شريحة عريضة من المنتسبين للدين واختلاط الأمر على الناس وانفتاح باب التأويل في الدين والقول فيه بغير علم وانتشار البدع والمنتسبين إليها، مع تفرق أهل الحق واختلافهم فيما بينهم وتقصيرهم في الأخذ بأسباب القوة والتمكين الروحية والمعنوية والمادية.

 

إذن فإذا كان حال اليوم غير الأمس وثبت عجز الأمة عن قيامها بإحداث تغيير جذري لأسباب موضوعية في كيانها الداخلي وأسباب خارجية؛ كما ثبت فشل قدرة أي تجمع إسلامي على تحقيق أمر كهذا في حدود ضيقة للأسباب ذاتها مع وجود تعاون دولي لإسقاط أي مشروع بهذا المعنى؛ كان المنطقي –والله أعلم- التوجه نحو مشروع إصلاحي وليس تغييري؛ وعدم التحول عنه إلا في ظل تحول ملحوظ ويقيني في معطيات الواقع العام للأمة وللحركات الإسلامية خصوصا وللأوضاع الدولية بصفة عامة. لأن المشروع الإصلاحي وفقا لهذا الاعتبار هو المقدور عليه واقعا والمتبع في سنن الأنبياء والمصلحين والمخاطب به شرعا.

 

وهذا الذي نشير إليه يتوافق مع تنوع التكليف الذي تضمنته الأحاديث المتعلقة بالفتن والجهاد والإنكار والسلطان بحسب ما تشير إليه من ظروف ووقائع يجب اعتبارها، فالقاعدة فيها عموما هو: العمل بالمقدور شرعا والأصلح نتيجة والأغلب ظنا، وإعطاء كل حالة ما يناسبها. فتارة يؤمر المرء بالقتال، وتارة بالإنكار المعلن والتغيير باليد، وتارة بالإنكار باللسان، وتارة بالصبر مع الخلطة، وأخرى بالانعزال، وثالثة باتباع أهل الحل والعقد والسواد الأعظم أو الجماعة والإمام!

 

وقد يسأل سائل هنا:

 

·           هل يلزم من ذلك التخلي عن (المشروع التغييري)؟!

 

السؤال فيه عموم وإطلاق، فالتخلي نهائيا عن المشروع التغييري هو تخل عن أهداف الإسلام الكبرى، وبقاؤه على صعيد الفكر والممارسة يوجد ازدواجية في المقاييس والمعايير! وهنا يأتي التفصيل ضروريا لحل المشكل التاريخي والمعضلة العصرية.

 

فـ(المشروع التغييري) يتضمن أمرين:

 

-            أدبيات فكرية وتصورية هي في الحقيقة تستند إلى آيات وأحاديث وأثار فقهية لا يجوز بحال إنكارها وجحدها أو إخفاؤها وطمسها. لأنها دين ندين الله تعالى به. لكنها في المقابل تظل أمرا نظريا لا ينبغي تطبيقه في واقع الحال استنادا إلى مقاصد الشرع وخطاب التكليف المبني على القدرة.

 

-            وسائل وخطط وآليات عمل، وهي جهد بشري وثمرة حراك ونشاط مجتمعي، فهذا هو الذي ينبغي التخلي عنه باعتباره لا يمثل دينا في حدِّ ذاته.

 

ووفقا لهذا التصنيف نستطيع إدراك سلوكيات السلف الصالح مع الدول الظالمة والمستبدة والفاسقة والمبتدعة التي تمكنت في زمانهم مع فساد الناس واختلافهم حتى أصبح من العبث الخروج عليها بالسيف؛ فتوجه كثير من العلماء والمجددين إلى مفهوم (المشروع الإصلاحي) مع ترك وسائل وآليات (المشروع التغييري)، فلم يؤثر عنهم جمع الأتباع وامتلاك السلاح ووضع الخطط وحشد الناس.. وهي أسباب ووسائل لمن أراد (مشروعا تغييريا)، وإنما اقتصروا على تقرير المسائل وتقليب النظر وتدوين الآيات والأحاديث والآراء وتفسيرها في الكتب والمؤلفات دون أن ينعكس ذلك على واقع عملهم التطبيقي.

 

وهذا لا يعني إنكارنا لمحاولات هدفت إلى القيام بمشروع تغييري سواء نجحت أو فشلت؛ لكن هذا الخط خفت مع مرور الزمن وتغير الأحوال وتبدل الظروف، حيث أصبح أصحاب المشروع التغييري قلة، هذا إذا سلمنا بتوحد رؤيتهم للصورة الغائية من مشروعهم.. خاصة ونحن نرى الصراع يدب بين المنتمين للداعين لهذا المشروع مع بداية بوارق الأمل بالوصول إلى التمكين! ربما يكون ذلك بكيد خارجي –وهذا طبيعي- غير أن الأكيد أن واقع هؤلاء المنتمين للحراك الإسلامي يشير إلى وجود بواعث الصراع الكامنة أساسا فيما بينهم وأن الكيد الخارجي ليس إلا عاملا مساعدا لإثارته!

 

·           مراحل المشروع الإسلامي الكبير:

 

لا يختلف كل من له معرفة حقة بالدِّين الإسلامي على أن إقامة الدولة الإسلامية الرشيدة العادلة الشورية النقية تكليف شرعي وغاية دينية واحتياج طبيعي للمنتسبين لهذا الدين بل هو حلمهم المنشود.

 

غير أن الكثير من أبناء الإسلام –ولأسباب عدة- أصبح يتراجع عن تحقيق هذا الحلم والقيام بتكاليفه الشرعية، مستسلما للعقبات أو يائسا من الوعد الإلهي أو منتظرا لتغييرات مفاجئة تصنعها مشيئة الله؛ وقليل منهم ذهب مجتهدا لاتخاذ خطوات بدائية لا تلائم العصر ولا تحقق المراد ظنا منه أنه بذلك يؤدي التكليف ويسقط (الفرض)! دون اعتبار بالنتائج وإدراك وإلمام بواقع المسلمين بل والعالم أجمع.

 

وهنا يجب التنبيه أن سنن الله في نشوء الدول واحدة وإن اختلفت مضامينها وأشكالها. فلابد لكل دولة أن تمر بمراحل نمو وتطور مثلها في ذلك مثل الإنسان تماما.. كما أشار ابن خلدون في مقدمته إلى هذا المعنى. وهذه المراحل هي: الفكرة ثمَّ الحركة ثمَّ الثورة ثمَّ الدولة ثمَّ الإمبراطورية. ولكل مرحلة من هذه المراحل خصائص وشروط ومهام وأدوار ومدة زمنية، إذا التُزِمَ بها وتحققت أدت لما بعدها، وإذا ضُيِّعَت أو طال أمدها عن مدتها فسدت وفسد ما بعدها. ورغم أن كل واحدة تؤدي إلى ما بعدها إلا أنَّ مضمونها يظل مستمرا وإن تقلص وتراجع في حدود المرحلة التالية.

 

فمرحلة الفكرة يُقصد بها فترة بيان الفكرة وتحديد ملامحها للأتباع (الجماعة الأولى)، وفق رؤية عقدية ومنظومة تشريعية وأخلاقية متميزة عن غيرها، بحيث يؤمن الأتباع بنفعها لهم وصلاحيتها للآخرين وضرورة سيادتها على البشر.

 

ومرحلة الحركة يُقصد بها مرحلة بناء (الجماعة الأولى) على هذه الفكرة، بترجمتها إلى سلوك حياتي عام، ونشاط مستمر، ورابطة تصبغ كافة العلاقات، وخطة عمل تكسب ثقة الآخرين وتزيد من دائرة الأتباع أو المتعاطفين.

 

ومرحلة الثورة يُقصد بها مرحلة (التدافع) في (المشروع الإصلاحي) و(الصدام) في (المشروع التغييري)، وهي تهدف إلى استلاب السيادة أو انتزاعها من الآخر نتيجة تحول ميزان القوى: الاجتماعية أو المادية. يقول عمر بن الخطاب –عقب دخوله في الإسلام وقتال كفار قريش له: افعلوا ما شئتم والله لو كنا ثلاثمائة لتركتموها لنا أو تركناها لكم! –أي مكة. فهو يرى أنه لو تحقق للإسلام أن ينتشر في مكة بقدر انضمام (ثلاثمائة) فارس منهم إليه لكان من الضروري تعديل المعادلة والكفة لصالح الإسلام. وقريبا من هذا الرقم نفسه كان تعداد المسلمين في معركة بدر التي مثلت منعطفا تاريخيا حتى سميت في القرآن الكريم بمعركة الفرقان!

 

ومؤدى (التدافع) داخليا أو (الصدام) خارجيا إذا كان وفق رؤية مدروسة تستند إلى الإمكانات والظروف والمعطيات والتوقعات هو قيام (الدولة) كاملة السيادة والسلطة. حيث تتحول الجماعة إلى أمة والرابطة إلى ولاء والحق إلى قوة والمبدأ إلى سلطان..

 

وتصبح (الدولة) الناشئة فردا في المجموع الدولي، لذا فمن الطبيعي أن يواجه تحديات داخلية وخارجية جديدة فإذا لم يحافظ على مكاسب المراحل السابقة ويضيف إليها بعدا جديدا وإلا فإن الدولة سوف تتراجع وتتآكل داخليا. وهذا ما وقع لكل الدول التي توقفت عن التوسع المستطاع في فترات غناها وقوتها. أما إذا توسعت مع سقوط الفكرة والحركة والثورة -داخلها- فإنها صوف تصبح هيكلا كبيرا وهشا سرعان ما يسقط ويتهشم أمام (دولة) أخرى أو (ثورة) داخلية!

 

وهنا سوف أضرب لهذه المراحل خمسة أمثلة تاريخية:

 

الأولى: دولة بني العباس، التي أوجدت فكرة لتجمع الناس عليها، ألا وهي (إعادة الخلافة لآل البيت)؛ ثمَّ سعت في الحركة في فارس بعيدا عن مركز الخلافة وفي وسط الأعاجم وبيئة منيعة؛ فلما استوى سوقها أعلنت عن ثورتها المسلحة على حكم بني أمية، واهتبلت الفرصة في ذلك؛ فقامت لهم الدولة؛ ثمَّ لم يزل دأبهم القتال حتى وسعوا من رقعة سلطانهم ودولتهم.

 

الثانية: دولة الاتحاد السوفييتي الذي قام على أفكار الشيوعية الاشتراكية التي كان منشؤها في أوروبا، لكن روسيا كانت البيئة الأنسب لانطلاقتها كحركة؛ حتى أصبحت ثورة عمالية عارمة؛ فلما تأسست الدولة استحالت إلى إمبراطورية عظمى خلال سنين معدودة.

 

الثالثة: جمهورية إيران الإسلامية، التي أسسها الخميني ببعث فكرة (ولاية الفقيه) كتحول في الفكر والوعي السياسي الشيعي؛ متبعا هذه الفكرة بحراك نشط في أوساط شيعة إيران والعراق ولبنان؛ وما هي إلا سنوات حتى انطلقت الثورة الشيعية وأعلنت عن قيام دولة إيران! واليوم وعقب قرون من غيبوبة الشيعة سياسيا تطمع إيران للتحول إلى كيان إمبراطوري لعلمها أن بقائها دولة سوف يهيؤها للتآكل والانهيار.

 

الرابعة: إسرائيل، الكيان المغتصب من الأمة الإسلامية، والتي تبنتها الصهيونية العالمية كحلم قومي لليهود؛ وتحول بفضل جهود هذه الحركة الصهيونية مدعومة بقوى صليبية إلى حراك نشط في العالم يدعو اليهود إلى الهجرة إلى أرض الميعاد؛ فلما غلبوا المسلمين بحركتهم من أجل مشروعهم أعلنوا (ثورتهم) بإقامة كيان مغتصب لهم تحت وصف (دولة إسرائيل)؛ ولكي تبقى إسرائيل دولة رسمت حدودها السياسية خارج حدودها الجغرافية من الفرات إلى النيل كإمبراطورية تستنهض حلم اليهود للعمل والبذل!

 

الخامسة: دولة الإمام محمد بن سعود، وهي دولة كان انطلاقها من دعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب الذي حمل راية البعث الإسلامي في عصره وصاغ منه (فكرة) محورية يتحرك لها هو وأتباعه؛ وشيئا فشيئا بحث الإمام محمد بن عبدالوهاب عن منطلق للثورة في أرض الجزيرة، حيث تحالف مع محمد بن سعود وأعلنا معا عن ثورتهم الإصلاحية؛ ورغم كل ما اعترى هذه المحاولة من عقبات إلا أنها استطاعت أن تتحول بفعل حيويتها إلى دولة.. غير أن الدولة ولظرف ما بقت في هذه المرحلة.. وهي اليوم تشهد تهديدا داخليا وخارجيا قد يعصف بها إذا ظلت على حالها الراهن اليوم!

 

وقد أشار القرآن الكريم إلى قصة مباشرة تلخص هذه المراحل تماما، وهي قصة بني إسرائيل مع طالوت.. حيث عانى بنو إسرائيل من غياب دولة لهم ومن تشردهم في الأرض فظهرت فكرة: "ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله"! وأصبحت فكرة مسيطرة عليهم وحاضرة في وجدانهم حتى انعكست مطلبا لنبي لهم، وشهد واقعهم تحركا مندفعا نحو تحقيق هذه الفكرة، فنزل التشريع بذلك و"كتب عليهم القتال"، وجرى اختيار ملك لهم "إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا"، فقام بالإعداد للمواجهة وتحرك بجيشه عقب تدريبه وتنظيمه واختباره باتجاه عدوهم.. وهنا بدأت الثورة، وخلال معركة واحدة حسم الصراع لصالح بني إسرائيل و"قتل داوود جالوت"، وبدأ تأسيس دولة بني إسرائيل حتى أصبحت في زمن داوود –عليه الصلاة والسلام- مملكة على أرض فلسطين، وتولى الحكم من بعده سليمان –عليه الصلاة والسلام- والذي عمل على توسيع هذه المملكة إلى أقصى ما تساعده إمكاناته.

 

·           المدد الزمنية لمراحل المشروع الإسلامي:

 

يخلط البعض بين العبر من التاريخ وإسقاطه على زماننا، ففي المعنى الأول نحن نستفيد من التاريخ الفكرة والتصور والأسباب والنتائج والتفاعلات التي أدت إلى أحداث ومواقف تمثل انعطافا في سير التاريخ، وفي المعنى الثاني نحن نتعسف في تطبيق مجريات التاريخ الماضية على واقع تختلف وسائله وأساليبه وبيئته وظروفه!

 

فما كان ممكنا في فترة تاريخية ما قد يصبح مستحيلا في فترة لاحقة مهما تماثلت الإمكانات، لأن فاعلية هذه الإمكانات لم تعُد هي الفيصل في الحاضر كما كانت سابقا.

 

وهذا الخلط يقع فيه البعض عندما يغلو في اعتبار الزمن وأثره في مسيرة التغيير، في مقابل قوم آخرين لا يولون الزمن أي أهمية في أدائهم وتعاطيهم مع الأحداث والمجريات، فتكون عاقبة أمرهم إضاعة الفرص وتفويت المكاسب لصالح غيرهم!

 

والمقصود هو التأكيد على أن الزمن عامل من بين العوامل المؤثرة في الانتقال بالمشروع (الإصلاحي) أو (التغييري) من مرحلة إلى أخرى. وقد سبق أن أشرنا إلى أن الوقوف في مرحلة ما أكثر مما ينبغي لها زمانا يعني تراجع المشروع أو اضمحلاله أو فساده. لأن من الطبيعي أن تتقدم الأمور مع الوقت نحو الأمام لا أن تظل واقفة في مكانها.. وهذا تماما ما يعنيه القرآن الكريم بقوله: "لمن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر"، فهو يثبت أنه لا يوجد قياسا للوقت وحركة الوجود توقف وإنما هو تقدم أو تأخر.

 

لذا فإن من الطبيعي أن يكون مؤدى نشاطنا في مشروعنا الإسلامي هو التحول من مرحلة لأخرى في فترات زمنية تتلائم مع الإمكانات والظروف والفرص.

 

وهنا أشير حسب ظني إلى تقديرات مقاربة للطبيعي من الوقت لهذه المراحل وذلك عقب تجليتها في مشروع الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم.

 

المشروع الإسلامي الأول:

 

-            مرحلة الفكرة: وهي تتمثل في مرحلة الدعوة السرية (3 سنوات)، وإن ظلت مستمرة طيلة العهد المكي والمدني.

 

-            مرحلة الحركة: وهي تتمثل في بقية سنوات المرحلة المكية (10 سنوات).

 

-            مرحلة الثورة: وهي تبدأ منذ الهجرة وحتى غزوة بدر الكبرى وتستمر إلى فتح مكة (8 سنوات).

 

-            مرحلة الدولة: وهي وإن ولدت نواتها مع الهجرة إلا أنها تحققت بفتح مكة حيث أصبح المشروع آمنا في داخله، ما جعل الرسول الكريم يتوجه بخطابه إلى القوى الخارجية. وقد استمر توطيد الدولة حتى عهد أبي بكر –رضي الله عنه.

 

-            مرحلة الإمبراطورية: وقد ابتدأها رسول الله بإشارات زمن الخندق ومارسها عمليا بغزوة تبوك ومؤتة؛ لكنها تجلت في زمن الخلفاء الراشدين من بعده.

 

وهكذا نجد أن الفترة الزمنية التي استغرقتها هذه المراحل جميعا تصل إلى نصف قرن، تنقص أو تزيد قليلا! وهذا نظرا لما تهيأ لها من الأسباب والإمكانات والظروف والفرص، ومن غير الممكن القياس بها على غيرها خاصة في مثل زماننا اليوم.. ولكن، يجب ملاحظة ما يلي:

 

أولا: أنه يجب عدم التحول من مرحلة إلى أخرى قبل أن تؤدي كل مرحلة غايتها وأهدافها وأن توفر أسباب وشروط القيام بالمرحلة الثانية، فإذا تمَّ ذلك وجب الانتقال إلى المرحلة التالية.

 

ثانيا: يجب عدم القفز على المراحل بل الواجب التسلسل فيها، إلا في حالات استثنائية نادرة تكون فيها الشروط والأسباب والظروف مهيئة أساسا بشكل طبيعي.

 

ثالثا: أن الأفكار تندثر مع عامل الوقت وأن الناس إذا لم يلامسوا التغير في واقعهم تزعزع إيمانهم بها، لذا فقد تحققت للصحابة أمور وعدهم الرسول الكريم بها أفرادا وجماعات –ولهذا شواهد متعددة. لذا كان من فضل الله تعالى وسنته في عباده أن يبعث لهم المجددين على رأس مائة عام نظرا لطول العهد.

 

رابعا: أن هذا التغير الذي يتم والتحول من الفكرة إلى الدولة يجب أن يتم مع وجود الجيل الأول حامل الفكرة ومطلق الحراك ومشعل الثورة، لأن قيامها مع غياب هذا الرعيل يعني فقدانها للوضوح وللجانب المرشد منها ألا وهم حملتها وواضعوها! لذا يجب ألا يطول الأمد بين عهد الفكرة والدولة في حال توافرت الشروط والأسباب وتهيأت الظروف والفرص، لأن طبيعة الناس النسيان والتراجع والانسحاب كلما طالت الطريق وخبت النتائج[5]. وفي تصوري أن هذا هو الطابع الأكمل والذي اختاره الله لرسوله حيث استغرق مشروعه الإسلامي 23 عاما.

 

خامسا: التحديد السابق للفترة الضرورية للانتقال من الفكرة إلى الدولة تعتمد على شروط موضوعية عدة، وأسباب بشرية ومادية ومعنوية كثيرة، وتهيؤ مناسب للفرص، وأداء حيوي وفاعل وقوي لحملة المشروع أنفسهم.

 

سادسا: إن التحول من مرحلة إلى مرحلة لا يتم غالبا في لحظة زمنية واحدة بل من خلال فترة انتقالية قد تطول وقد تقصر، فليس هناك توقيت فاصل بين مرحلة وأخرى وإنما فترة رابطة.

 

سابعا: يجب التنبيه أساسا على أن الفكرة التي لا تقبل التنفيذ أو التي لا تحضى بالقبول تمثل بداية فاشلة للمشروع؛ كما أن الاهتمام بها على حساب النقلة بها إلى حيز التنفيذ العالمي يعني غياب المشروع أصلا!

 

·           إخبار ووعي:

 

أشارت أحاديث الرسول الكريم –صلى الله عليه وسلم- إلى التحولات الحتمية التي سوف تقع بالأمة نتيجة ابتعادها عن عهد النبوة وسريان (داء الأمم) السابقة إليها، في شئون الدين والحكم وافتراق الناس وفساد أخلاقهم؛ ورسمت ملمحا بيِّناً لهذه التغيرات لعدة أمور:

 

أولا: حتى يعلم أتباع هذا الدِّين أن سنن التحول والتغير سارية عليهم كما كانت سارية على من قبلهم؛ وأن عليهم إذا أرادوا تفاديها أن يمنعوا أسبابها قدر المستطاع أخذا بسنن التدافع.

 

ثانيا: حتى لا يظن الناس أن قيام الإسلام في عهد الرسول الكريم وصحابته هو نهاية المطاف؛ وأن من الضروري معرفة الجولات القادمة لتستعد لها الأجيال القادمة بصورة طبيعية لا يخترقها اليأس ولا يصيبها العجز ولا تجرفها الدهشة.

 

ثالثا: أن يرسم الرسول منهجا إلهيا في التعامل مع هذه السنن يُقرُّ بالتكليف ويستجيب للتغير ويعمل حسب القدرة والطاقة ويحافظ على استمرارية البقاء والتدافع.

 

وفي الأحاديث التي نسردها تباعا نجد أنه كان من منهج الصحابة –رضي الله عنهم- السؤال حول الموقف العملي والإيجابي من هذه التحولات القادمة بأكثر من صيغة؛ وأن إجابة الرسول الكريم كانت تقر بأن هذه التحولات ستُوجِدُ واقعا جديدا يفرض أسلوبا جديدا في التعاطي معها مراعاة للمصلحة والمقدور واختلاف الزمان.

 

فعن عبدالله بن مسعود –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنكم سترون بعدي أثرة وأموراً تنكرونها)، قالوا: فبماذا تأمرنا يا رسول الله؟! قال: (أدوا الحق الذي عليكم، واسألوا الله الذي لكم)!

 

وعن حذيفة بن اليمان –رضي الله عنه- قال: كان الناس يسألون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني؛ فقلت: يا رسول الله إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟! قال: (نعم). قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير؟! قال: (نعم، وفيه دخن). قلت: وما دخنه؟! قال: (قوم يهدون بغير هديي تعرف منهم وتنكر). قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟! قال: (نعم دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها). قلت: يا رسول الله صفهم لنا! قال: (هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا). قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟! قال: (تلزم جماعة المسلمين وإمامهم). قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟! قال: (فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك).

 

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: (كيف بك يا عبدالله بن عمرو إذا بقيت في حثالة من الناس قد مرجت عهودهم وأماناتهم واختلفوا فصاروا هكذا)، وشبك بين أصابعه. قال: فما تأمرني؟ قال: (عليك بخاصتك، ودع عنك عوامهم). وفي رواية: (تأخذ بما تعرف وتدع ما تنكر، وتقبل على خاصتك وتدع عوامهم).

 

وعن أبي ذر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: (يا أبا ذر)! قلت: لبيك يا رسول الله وسعديك. قال: (كيف أنت إذا أصاب الناس جوع.. تأتي مسجدك فلا تستطيع أن ترجع إلى فراشك وتأتي فراشك فلا تستطيع أن تنهض إلى مسجدك؟). قلت: الله ورسوله أعلم. قال: (عليك بالعفة)؛ ثم قال: (يا أبا ذر)! قلت: لبيك يا رسول الله وسعديك. قال: (كيف أنت إذا رأيت أحجار الزيت قد غرقت بالدم؟). قلت: الله ورسوله أعلم. قال: (تلحق بمن أنت منه -أو قال: عليك بمن أنت منه). قلت: أفلا آخذ سيفي فأضعه على عاتقي. قال: (شاركت إذاً)! قلت: فما تأمرني يا رسول الله؟ قال: (الزم بيتك)! قلت: أرأيت إن دخل عليَّ بيتي؟ قال: (فإن خشيت أن يبهرك شعاع السيف فألق رداءك على وجهك يبوء بإثمه وإثمك). رواه الحاكم في المستدرك.

 

وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم: (إنها ستكون فتنة يكون المضطجع فيها خيراً من الجالس، والجالس خيراً من القائم، والقائم خيراً من الماشي، والماشي خيراً من الساعي). قال: يا رسول الله ما تأمرني؟ قال: (من كانت له إبلٌ فليلحق بإبله، ومن كانت له غنمٌ فليلحق بغنمه، ومن كانت له أرضٌ فليلحق بأرضه). قال: فمن لم يكن له شيء من ذلك؟ قال: (فليعمد إلى سيفه فليضرب بجدِّه على حرَّة، ثم لينجو ما استطاع النجاء). أخرجه مسلم.

 

وعن عوف بن مالك -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (خِيَارُ أَئِمَّتِكُمْ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ وَيُحِبُّونَكُمْ، وَيُصَلُّونَ عَلَيْكُمْ وَتُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ، وَشِرَارُ أَئِمَّتِكُمْ الَّذِينَ تُبْغِضُونَهُمْ وَيُبْغِضُونَكُمْ، وَتَلْعَنُونَهُمْ وَيَلْعَنُونَكُمْ). قيل: يا رسول الله أفلا ننابذهم بالسيف؟ فقال: (لَا مَا أَقَامُوا فِيكُمْ الصَّلَاةَ). رواه مسلم.

 

وعن أم سلمة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: (سيكون بعدي أمراء فتعرفون وتنكرون فمن أنكر فقد برئ ومن كره فقد سلم، ولكن من رضي وتابع)، قالوا: أفلا ننابذهم بالسيف؟ قال: (لا ما أقاموا فيكم الصلاة)، رواه مسلم.

 

وعن أبي ذر قال: أتاني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأنا نائم في المسجد، فقال: (ماذا تفعل إذا أخرجت منه؟)، فقلت: أذهب إلى الشام. فقال: (كيف تفعل إذا أخرجت منها؟). فقلت: أضرب بسيفي يا رسول الله. فقال: (ألا أدلك على خير من ذلك وأقرب رشدا؟ تسمع وتطيع وتساق كيف ساقوك). رواه أحمد وابن أبي عاصم والدرامي وابن حبان وصححه الألباني.

 

وعن أبي ذر –أيضا- قال: قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم: (يا أبا ذر كيف أنت إذا كنت في حثالة وشبك بين أصابعه؟). قلت: يا رسول الله ما تأمرني؟ قال: (اصبر، اصبر، اصبر، خالقوا الناس بأخلاقهم وخالفوهم في أعمالهم). أخرجه البيهقي في الزهد.

 

وعن سلمة بن يزيد الجعفي -رضي الله عنه- أنه سأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا نبي الله، أرأيت إن قامت علينا أمراء يسألونا حقهم ويمنعونا حقنا، فما تأمرنا؟ فأعرض عنه؛ ثم سأله فأعرض عنه؛ ثم سأله في الثانية أو في الثالثة فجذبه الأشعث بن قيس؛ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: (اسمعوا وأطيعوا، فإنما عليهم ما حملوا، وعليكم ما حملتم). رواه مسلم.

 

وعن حذيفة بن اليمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يكون بعدي أئمة، لا يهتدون بهديي ولا يستنون بسنتي، وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس) قلت: كيف أصنع إن أدركت ذلك؟ قال: (تسمع وتطيع للأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك). رواه مسلم.

 

وعن ابن مسعود قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم: (سيلي أموركم بعدي رجال يطفئون السنّة، ويعملون بالبدعة، ويؤخّرون الصلاة عن مواقيتها). فقلت: يا رسول الله إن أدركتهم كيف أفعل؟ قال: (تسألني يا ابن أمّ عبد ماذا تفعل؟ لا طاعة لمن عصى الله). رواه أحمد.

 

وعنه –أيضا- أنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (ما من نبىّ بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له من أمّته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره، ثم إنّها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل). رواه مسلم.

 

·          رئيس مركز الجزيرة العربية للدراسات والبحوث.

[1]  للإسلام مع الجاهلية ثلاث حالات: أن يكون هو المتغلب عليها والمهيمن على أوضاع الناس لتنزوي الجاهلية، وهذا هو الأصل؛ أو أن يكون مستقلا عنها وندا لها، فيعيش معها في حالة صراع؛ أو أن تسود الجاهلية في الناس ويعيش أتباع الإسلام في ظلها -وهو الاستثناء- لاعتبارات مختلفة. وحديثنا يتصل بالعلاقة الجدلية بين هذه الحالات والمشروع الإسلامي إزاءها.

[2]  أي أن الله تعالى يؤخر عذابه عن عباده مع وجود محاولات الإصلاح حية ومؤثرة مهما استغرق الأمر من وقت.

[3]  مثال ذلك إيمان أصمحة (النجاشي) وهو أعلى هرم السلطة في مملكته مع بقاء شعبه نصرانيا.

[4]  والذي وصفه عليه الصلاة والسلام بـ"تداعي الأمم" ووصف حال المسلمين فيه بـ"الغثاء" لإصابتهم بـ"الوهن،... حب الدنيا وكراهية الموت".

[5]  انظر مثلا فكرة تحرير فلسطين التي طال عهدها حتى خف بريقها عند كثير من قطاعات الأمة، بل يأس البعض من تحققها.

المصدر: http://arabicenter.net/ar/news.php?action=view&id=802

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك