أصول منهج التربية الاقتصادية في الإسلام

أصول منهج التربية الاقتصادية في الإسلام

د. حسين شحاته*

لقد اهتم الإسلام بالإنسان عقيدة وأخلاقاً, وسلوكاً ومنهجاً, وفكراً وتطبيقاً, ووضع علماؤه مناهج تربوية لتكوين الشخصية الإسلامية التي تستطيع حمل الرسالة, وأداء الأمانة, وتقديم النموذج التطبيقي للإسلام في كافة نواحي الحياة.

ولقد هتم الرسول صلى الله عليه وسلم أولاً بتربية الصحابة على القيم الإيمانية والأخلاقية والسلوكية, ثم بعد ذلك بنى لهم سوقاً للمعاملات, وَسنّ (وضع) لهم الدستور الاقتصادي الإسلامي, ومن النماذج العملية لذلك التجار المسلمين الذين حملوا معهم رسالة الإسلام في تجارتهم في كثير من دول شرق آسيا وأفريقيا, فكانوا سبيلاً لدخول الكثير من الناس في دين الإسلام أفواجا, ويستنبط من ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: اهتم بالتربية الروحية والأخلاقية والنفسية والاجتماعية والبدنية, وكذلك بالتربية الاقتصادية, وكان من ثمار ذلك تكوين الشخصية الإسلامية ذات السلوك القويم.

وعندما انحرف المسلمون عن السلوك الاقتصادي الإسلامي القويم في معاملاتهم ظهرت العديد من المخالفات الشرعية , والخلافات الشخصية, والمشكلات الاقتصادية, ومُحقت البركات, وعلاج هذا كله الرجوع إلى أصول المعاملات الاقتصادية كما وردت في مصادر الشريعة الإسلامية وتربية المسلمين عليها.

وتختص هذه الدراسة ببيان: المقصود بالتربية الاقتصادية في الإسلام, ووجوبها وخصائصها وأسسها وعناصرها وآلياتها ومقومات تفعيلها, وذلك في ضوء ما ورد بشأنها في مصادر الشريعة الإسلامية.

وتعتبر هذه الدراسة بمثابة المدخل التأصيلي لمنهج التربية الاقتصادية في الإسلام, وسوف تتلوها دراسات تتعلق بالجوانب التطبيقية لهذا المنهج على مستوى الفرد والبيت والوحدات الاقتصادية والمدنية والخيرية ثم على مستوى الدولة.

 

معنى التربية في الإسلام

هناك معاني مختلفة لمدلول التربية , وبصفه عامة هي تشكيل الإنسان إيمانياً وخلقياً ونفسياً وسلوكياً في إطار منظومة من المعارف والخبرات ليكون صالحاً لأداء عمل نافع منتج لتحقيق مقاصد وغايات معينة.

أما معنى التربية في الإسلام كما يعرفها علماء التربية الإسلامية, هي تشكيل شخصية المسلم إيمانياً وخلقياً وفكرياً ونفسياً ووجدانياً وجسدياً, وتزويده بالمعارف والثقافات الإسلامية, وبالخبرات العلمية اللازمة لتنميته تنمية متوازنة وسليمة طبقاً لمقاصد الشريعة الإسلامية الغراء, ولينجم عن ذلك الفرد المستقيم سلوكياً , ليكون لبنه صالحة في بناء المجتمع المسلم, ولتحقيق رسالة الإسلام في شتى مجالات الحياة .

ويتضمن هذا المعنى المعالم الأساسية للتربية الإسلامية وهى:

1) التركيز على الإنسان فهو مناط التربية, فإذا صلح الفرد صلحت الأسرة والمجتمع والدولة والأمة,  ويُصبح قوة فعالة قائدة ورائدة ومقدامة في كافة جوانب الحياة.

2) شمولية التربية لتغطى كافة جوانب تكوين الشخصية الإسلامية, عقائدياً وخلقياً ونفسياً وفكرياً واجتماعياً وسياسياً واقتصادياً...... ونحو ذلك.
3) ارتباط عملية التربية بمقاصد وأحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية لتحقيق الغايات من خلق الإنسان وهى عبادة الله وتطبيق شريعته في هذه الحياة الدنيا .
4) المعاصرة في استخدام سبل ووسائل وأدوات التربية متى كانت لا تتعارض مع أحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية.
5) غاية التربية: تكوين السلوك المستقيم للإنسان وفق شرع الله, أي إصلاح الفرد والبيت والمجتمع والدولة.

 

معنى التربية الاقتصادية في الإسلام

في ضوء ما سبق يمكن بيان معنى التربية الاقتصادية في الإسلام بأنها:

تشكيل السلوك الاقتصادي للمسلم المنبثق من تكوينه الشخصي: إيمانياً وخلقياً ونفسياً وثقافياً, وفنياً ومن خلال تزويده بالثقافة الفكرية وبالخبرات العملية الاقتصادية وبما يتفق مع مقاصد الشريعة الإسلامية, لتحقيق الحياة الرغدة الكريمة لتعينه على عمارة الأرض وعبادة الله عز وجل.

ويتضمن هذا المعنى المعالم الأساسية للتربية الاقتصادية في الإسلام والتي تتمثل في الآتي:

* وجود الشخصية التي تربت تربية إسلامية شاملة وفعالة: إيمانياً وخلقياً ونفسياً وفكرياً وفنياً وما في حكم ذلك (فقه التربية الشاملة)
* تزويد هذه الشخصية بالثقافة الاقتصادية الإسلامية (فقه الاقتصاد الإسلامي).
* تنمية كفاءة هذه الشخصية بالخبرات العملية في ممارسة المعاملات الاقتصادية باستخدام السبل والأساليب والأدوات الاقتصادية المعاصرة المشروعة (الجوانب العملية للمعاملات الاقتصادية).
* من ثمرات التربية الاقتصادية الإسلامية وجود السلوك الاقتصادي السليم المنضبط بأحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية (السلوك الاقتصادي الإسلامي) .
* من غايات السلوك الاقتصادي الإسلامي تعمير الأرض وعبادة الله سبحانه وتعالى وفقاً لمقاصد الشريعة الإسلامية (غاية التربية الاقتصادية الإسلامية).

 

الربط بين التربية الإسلامية والتربية الاقتصادية

تعتبر التربية الاقتصادية جزءاً من منظومة التربية الإسلامية لا ينفصم عنها طبقاً للفهم الصحيح للإسلام الذي يشمل كل نواحي الحياة (شمولية الإسلام) , وهذا عكس الفهم العلماني الذي يفصل الدين عن الاقتصاد.

فالتربية الشاملة للمسلم تبدأ من تكوين شخصيته الإسلامية عقيدة وشريعة, ومشاعر وشرائع, ووجدان, وموضوعية , ويتخذ من الدين سنداً له في كافة معاملاته ومنها الاقتصادية , وينجم عن هذا السلوك الاقتصادي السليم المنضبط بأحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية .

فإذا استقر الإيمان في القلب فإنه يقود الإنسان إلى الالتزام بالحلال الطيب وتفاعلت النفس معه , وكان من ثمرة ذلك انقياد الجوارح لتسلك السلوك السليم الرشيد لتحقيق ما اطمأن إليه القلب , فالتربية موجه أولا  إلى القلوب والنفوس والأفئدة ثم إلى الجوارح, ومن حصادها السلوك الاقتصادي الإسلامي.

وتأسيساً على ما سبق لا يمكن الفصل بين التربية الإسلامية والتربية الاقتصادية والسلوك الاقتصادي السليم الرشيد.

 

وجوب التربية الاقتصادية الإسلامية

يعتبر الالتزام بالقواعد الفقهية والضوابط الشرعية في المعاملات الاقتصادية ضرورة شرعية وواجب ديني لتحقيق سلوك اقتصادي رشيد لتوظيف عوامل الإنتاج المختلفة توظيفاً رشيداً ونافعاً, وفى هذا خير وبركة, ونماء واطمئنان, ودعوة إلى الله سبحانه وتعالى , ولا يتحقق ذلك إلا إذا اكتملت جوانب التربية عند المسلم لتشمل فيما تشمل  ولذلك فهي واجب, ومن ثمارها الطيبة ما يلي:

أ‌- الاستشعار الإيماني بزينة الالتزام بشرع الله عز وجل وهذا من مسائل الإيمانيات التي فيها تحقيق رضا الله عز وجل.
ب‌- إن معرفة المعاملات الاقتصادية المشروعة والالتزام بها يحقق البركة والنماء في المال والكسب في الربح.
ت‌- إن تجنب المعاملات الاقتصادية المنهي عنها شرعاً وقاية من المحق والحياة الضنك, لأن الوقوع في الذنوب والمعاصي فيه حرمان للمسلم من الرزق الذي كان قد هيئ له.
ث‌- حماية المعاملات الاقتصادية بين المسلم وأخيه, وبين المسلم وغير المسلم, من الشك والريبة والخلافات التي تسبب خللاً في المعاملات.
ج‌- تساعد التربية الاقتصادية كذلك في الدعوة الإسلامية على بصيرة وعلم, والربط بين المفاهيم والأفعال, والمبادئ والأعمال.
ح‌- كما تمكن التربية الاقتصادية من تقديم النموذج السلوكي الاقتصادي الإسلامي للناس (غير المسلمين) والذي يؤكد على أن الإسلام دين شامل, ومنهج حياه, وليس دين رهبانية, عبادات وطقوس فقط, بل دين ودولة عبادات ومعاملات .

والتربية الاقتصادية الإسلامية واجبة في كل مراحل الحياة منذ الطفولة وحتى الشيخوخة وتتزامن مع محاور التربية الأخرى وفق مقررات معينة تناسب كل مرحلة على النحو الذي سوف نفصله فيما بعد.

كما يجب على رجال التربية والتعليم والتدريب والتطوير أن يأخذوا البعد الاقتصادي في المناهج والمقررات التي تقدم للإنسان في مراحل تربية تعليمه المختلفة.

 

خصائص التربية في الاقتصادية في الإسلام

تتسم التربية الاقتصادية الإسلامية بمجموعة من الخصائص المميزة والتي تبرز معالمها الأساسية, كما توضح الفروق بينها وبين التربية الاقتصادية التقليدية الوضعية والعلمانية.

فهي جزء من التربية الشاملة للمسلم من الجوانب الروحية والأخلاقية والسلوكية والاجتماعية والثقافية..., ونحو ذلك, فكل جانب يتفاعل مع الجوانب الأخرى كمثل الجسد الواحد والنظام الواحد الذي  يتكون من عدة نظم فرعية بينها تفاعل وتكامل .

تُستقى مرجعية هذه التربية من مصادر الشريعة الإسلامية المتعارف عليها في كتب أصول الفقه الإسلامي, (القرآن والسنة, الإجماع والقياس والمصالح المرسلة وعرف من سبقنا), وكذلك من تراكم الثقافات والحضارات متى كانت لا تتنافى مع أحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية .

وسوف نعرض في هذا البند أهم هذه الخصائص بشيء من الإيجاز والاختصار بأسلوب مبسط, ونوصى من يريد المعرفة الرجوع إلى المراجع المذكورة في نهاية الدراسة.

وتتمثل هذه الخصائص في الآتي:

أولاً : البعد الإيماني للتربية الاقتصادية

تقوم التربية الاقتصادية في الإسلام على قيم إيمانية من أهمها ما يلي:-

• الإيمان أن المال الذي نتعامل به ملك لله ، لأنه سبحانه وتعالى هو الذي رزقنا إياه ، لذلك يجب أن تلتزم بشرع صاحب هذا المال, أي تطبيق تعاليمه المتمثلة في أحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية .
• الإيمان بأن هناك ملائكة تراقب تصرفاتنا ومنها الاقتصادية والمالية ، ولذلك يجب أن نتجنب أن تسجل الملائكة في سجلاتنا شيء لا يرضاه الله عز وجل .
• الإيمان باليوم الآخر حيث نقف فيه أمام الله سبحانه وتعالى ليحاسبنا عن هذا المال من أين اكتسب وفيم أنفق ؟

هذه المفاهيم الإيمانية الاقتصادية تنمى عند المسلم منذ الصغر : الرقابة الذاتية ، والخشية من الله والخوف من المساءلة في الآخرة, والالتزام بالحلال والبعد عن الحرام, فإذا شَبَّ الولد على هذه القيم وطبقها في جوانب حياته كان فرداً مستقيماً منضبطاً بشرع الله في كل معاملاته ومنها الاقتصادية ويعتمد عليه فيما بعد لإدارة اقتصاد بيته واقتصاد بلده على أسس إيمانية .

ثانياً: البعد الأخلاقي للتربية الاقتصادية

يجب أن ينمو عند المسلم منذ الصغر وطوال حياته الأخلاق الفاضلة ،وتوضح له آثارها الاقتصادية على سلوكه ، ومن هذه القيم : الصدق والأمانة ، والاعتدال والقناعة ، والوفاء وحسن المعاملة ، والسماحة والبشاشة وطلاقه الوجه ، كما يجب تحذيره من السلوكيات المنهي عنها شرعاً ومنها : الإسراف والتبذير ، والإنفاق الترفي والبذخي، وتقليد الغير فيما نهى الله عنه ، والغش والتدليس ، وكل صور الاعتداء على أموال الناس .

كما يجب أن نشرح لأولادنا وشبابنا ورجالنا وشيوخنا, الذكر منهم والأنثى  أن الالتزام بهذه القيم جزءاً من الدين ، وعبادة لله سبحانه وتعالى وطاعة له تبارك وتعالى، وأن من يلتزم بالأوامر ويتجنب النواهي يكون له ثواب ، ومن لم يلتزم بها فعلية ذنب.

كما يجب أن يفهم المسلم بأن الالتزام بالأخلاق الفاضلة له أثر مباشر في تحقيق البركة في الأرزاق  وتحقيق الأمن النفسي ، والرضاء الذاتي ، بالإضافة إلى الثواب العظيم المدخر له يوم القيامة  ، كما يجب أن يؤمن إيماناً راسخاً أنه لا يمكن الفصل بين الأخلاق والاقتصاد فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "الدين المعاملة " .

ثالثاً:  البعد السلوكي للتربية الاقتصادية

سوف ينجم عن التربية الإيمانية والأخلاقية سلوكيات اقتصادية سليمة تحقق البركة والرضا والإشباع المادي والمعنوي وزيادة الأرزاق، وتتلخص أهم هذه السلوكيات على سبيل المثال في الآتي:

• الرضا التام والقناعة الصادقة بما قسمه الله له من رزق.
• إتقان الأخذ بالأسباب والتوكل على الله .
• الإنفاق حسب السعة والمقدرة .
• الاعتدال والقصد في الإنفاق حسب الأولويات الإسلامية .
• التوازن بين الكسب والإنفاق .
• تجنب التقتير خشية الفقر.
• الادخار ليوم الفقر والحاجة.
• المحافظة على حقوق الأجيال القادمة .
• المحافظة على حقوق المجتمع.

ولنا عودة لمناقشة هذه السلوكيات الاقتصادية الإسلامية بشيء من التفصيل فيما بعد.

رابعاً: البعد الفقهي للتربية الاقتصادية

يجب أن يفهم المسلم أساسيات بنود الدستور الاقتصادي الإسلامي التي تمثل المرجعية الفقهية الشرعية لكافة معاملاته بالقدر الذي يمكنه من معرفة الحلال فيتبعه والحرام فيجتنبه, والمشتبهات فيتقيها, وهذا فرض عين, وفى هذا المقام يقول الإمام ابن القيم: "إنه فرض عين على كل مسلم أن يعرف فقه المعاشرة وفقه المعاملة", أما التخصص الدقيق في فقه المعاملات الاقتصادية فيدخل في نطاق فرض الكفاية الذي يتولاه علماء الفقه .

ولقد استطاع الفقهاء استنباط القواعد الفقهية والضوابط الشرعية للمعاملات الاقتصادية بأسلوب معاصر بسيط يستطيع غير الفقهاء فهمه وتطبيقه, من أهمها ما يلي:

* الأصل في المعاملات الحل ما لم يرد بشأنه نص صريح من القرآن والسنة والإجماع.
* أكل المال بالباطل حرام.
* وجوب التراضي التام بين المتعاملين.
* المؤمنين عند شروطهم إلا شرطاً أحل حراماً أو حرم حلالاً.
* الغرر والجهالة تفسد العقود.
* المعروف عرفاً كالمشروط شرطاً في لم يرد به نص من القرآن والسنة والإجماع.
* الأصل في العقود اللزوم.
* النظر في العقود والمعاملات إلى المقاصد والمعاني, لا إلى الألفاظ والمباني.
* مشروعية المقاصد ومشروعية الوسائل لتحقيقها.
* اليسير معفو عنه.
* حرمة وبطلان المعاملات التي تفتح الباب إلى المفاسد .
* درء المفاسد مقدم على جلب المصالح.
* لا تحايل على شرع الله والعبرة بالمقاصد وليس بالسبل والوسائل.
* الالتزام بشرع الله عبادة توجب إخلاص النية, فالأعمال بالنيات.
* لا ضرر ولا ضرار والأصل في المضار الحظر والتحريم.
* الضرر يدفع بقدر الإمكان, ودفع ضرر أكبر بضرر أقل.
* يُتحمل الضرر الخاص لتجنب الضرر العام.
* الضرورات تبيح المحظورات, والضرورة تقاس بقدرها.
* الحاجة تنزل منزلة الضرورة.
* الأصل براءة الذمة.
* تضدي الديون بأمثالها.
* المشقة توجب التيسير.
* يأخذ اليسير (القليل) حكم الكثير.
* وجوب تخليص الأموال من المال الحرام.
* التوثيق والإشهار لحفظ النفوس والأموال والمعاملات.
* الأعمال بالنيات والأمور بالمقاصد.

خامساً: البعد الفني للتربية الاقتصادية: الإتقان والمعاصرة
تقوم المعاملات الاقتصادية أيضاً على جوانب فنية عن ما تفتقت عنه عقول وتجارب البشر خلال الأزمنة ولا تتعارض مع أحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية, يجب على المسلم معرفتها وفهمها وإتقان استخدامها, فالحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها فهو أحق الناس بها.

ومن ناحية أخرى يجب أن يكون المسلم مبدعاً ومبتكرا لنظم وطرق وأساليب وأدوات وإجراءات اقتصادية تتفق مع تطورات العصر, وهذا في إطار  عدم مخالفتها لأحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية, فالأصل في المعاملات (الأشياء) الحل (الإباحة) إلاّ ما حُرم بنص من الكتاب والسنة .

ولقد أكد فقهاء الإسلام على أن الشريعة الإسلامية بصفة عامة تجمع بين الأصالة والمعاصرة, وبين الثبات والمرونة, وبين المحلية والعالمية, وتسمح بالإجهاد فيما ليس فيه نص بضوابط شرعية, وفى إطار ذلك ينطلق أهل الحل والعقد والمشورة والخبرة من علماء المسلمين للوفاء باحتياجات الأمكنة والأزمنة بما يسير على الناس ومعاملاتهم الاقتصادية .

ومن المعالم الأساسية لرفع كفاءة أداء المعاملات الاقتصادية الإسلامية على سبيل المثال ما يلي:

* المعاصرة في استخدام الأساليب والطرق والسبل المتوافقة مع أحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية .
* الإبداع والابتكار في البحث عن أساليب جديدة أكثر نفعاً تكون موافقة للشرع.
* الإتقان في مباشرة المعاملات الاقتصادية .
* تطوير جودة مباشرة المعاملات الاقتصادية.
* الرشد في اتخاذ القرارات الاقتصادية .

 

موضوعات وجوانب منهج التربية الاقتصادية في الإسلام

يقصد بها الموضوعات الواجب أن يتضمنها منهج التربية الاقتصادية حتى ينشئ المسلم نشأة اقتصادية إسلامية سليمة تقود إلى سلوك اقتصادي رشيد في المعاملات الاقتصادية ليحقق الغاية من وجوده وهى عمارة الأرض وعبادة الله سبحانه وتعالى.

إن تحديد موضوعات منهج التربية الاقتصادية الإسلامية يحتاج إلى تزاوج أساليب التربية والمعرفة والتدريب من خبراء متخصصين في الجوانب الآتية:

1. خبراء متخصصون في التربية الإسلامية .
2. خبراء متخصصون في الثقافة الإسلامية .
3. خبراء متخصصون في فقه المعاملات .
4. خبراء متخصصون في الاقتصاد الإسلامي.
5. خبراء متخصصون في علم النفس في الإسلام.
6. خبراء متخصصون في الدعوة الإسلامية .

وتتدرج موضوعات المنهج حسب المستويات الآتية:

1. مستوى البيت والحضانات ومكاتب تحفيظ القرآن .
2. مستوى المدارس والمعاهد والجامعات ومراكز البحوث والدراسات .
3. مستوى المجتمع بوحداته الاقتصادية والمدنية .
4. مستوى الدولة بوحداتها المختلفة .
5. مستوى الأمة الإسلامية بدولها العربية والإسلامية .

 

ثقافة التربية الاقتصادية في الإسلام

عند وضع مقررات وموضوعات منهج التربية الاقتصادية في الإسلام يجب أن ينظر إلى هذه القضية من عدة محاور, ولكل محور مصادر معرفة خاصة به, وتتكامل هذه المعارف لتكوين ثقافة المسلم الاقتصادية والتي تنعكس على سلوكه ومعاملاته لتكون وفقاً لأحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية.

 

مقومات تطبيق منهج التربية الاقتصادية في الإسلام

حتى يتمكن تحويل مفاهيم ومبادئ ومقررات ومنهج التربية الاقتصادية في الإسلام إلى أفعال بطريقة سليمة تحقق الغاية المنشودة والتي تتمثل في سلوك اقتصادي قويم, يجب توافر مجموعة من المقومات الأساسية من أهمها ما يلي:-

1. وجود منهج متكامل للتربية الاقتصادية في الإسلام محللاً حسب مراحل السن المختلفة, موضحاً به الموضوعات ومصادر معرفتها.
2. التدرج في مقررات هذا المنهج وفق مراحل التربية والتعليم المختلفة من مستوي البيت والحضانات حتى المستوى القومي حسب ما يناسب كل مرحلة, بمعنى أن تتضمن المناهج التربوية والتعليمية في المراحل المختلفة موضوعات اقتصادية لإسلامية.
3. إعداد الأمهات والمربيات بالحضانات ومن في حكمهن بأساسيات منهج التربية الاقتصادي في الإسلام من خلال الدورات التثقيفية والتدريبية العملية حتى يستطعن تربية النشء تربية شاملة تتضمن السلوك الاقتصادي الإسلامي.
4. إعداد المعلمين والمدرسين والأساتذة ومن في حكمهم علمياً وعملياً بمقررات وموضوعات التربية الاقتصادية في الإسلام من خلال دورات تثقيفية وعملية.
5. إصدار القوانين والتعليمات والتعميمات من الجهات الحكومية المعنية بالتربية والتعليم بإقرار مناهج ومقررات التربية الاقتصادية في الإسلام, حتى نأخذ الصفة الإلزامية.
6. تهيئة المجتمع من خلال وسائل وسبل الإعلام المختلفة نحو التربية الاقتصادية في الإسلام, وأن تتضمن تلك الوسائل والسبل والرسائل الهادفة الفعالة, وبيان المردود الإيجابي لها على البيت والمجتمع والدولة.
7. إنشاء مجلس أعلى للتربية الاقتصادية في الإسلام يتبع وزارتي التربية والتعليم والأوقاف والشئون الإسلامية ومشيخة الأزهر لرعاية هذا المنهج فكراً ونظاماً وتطبيقاً.

 

الخلاصة

لا تقل التربية الاقتصادية الإسلامية للمسلم عن جوانب التربية الأخرى حتى تكون سلوكاً في المعاملات متفقه مع الإسلام كدين شامل ومنهج حياة.

ولكن تبين من الواقع المعاصر أن هناك ظاهرة عامة هي وجود مخالفات وانحرافات في سلوكيات بعض المسلمين من المنظور الاقتصادي, ويرجع ذلك إلى أسباب عدة, منها انخفاض الحس والوعي والفهم الاقتصادي الإسلامي عند, حيث لا يهتم به في مراحل المسلم المختلفة منذ الطفولة في البيت وحتى ممارسته للمعاملات الاقتصادية في حلبة الحياة .

وعلاجاً لهذه الظاهرة يجب الاهتمام بالتربية الاقتصادية الإسلامية منهجاً ونظاماً وتطبيقاً في مراحل التربية والتعليم المختلفة وفق مقررات وموضوعات مختارة تناسب كل مرحلة, ومن مقومات ذلك:

• إعداد الأمهات في البيوت.
• إعداد المربيات في الحضانات.
• إعداد المعلمين والمعلمات في المدارس.
• إعداد أساتذة المعاهد والجامعات.
• إعداد رجال الدعوة الإسلامية.

كما يجب أن تقوم الدولة بأجهزتها المختلفة بدور فعال في هذا الصدد, وكذلك الاستعانة بوسائل الإعلام المختلفة لتهيئة الفرد والبيت والمجتمع نحو الاهتمام بالتربية الاقتصادية الإسلامية, وإبراز دورها الايجابي والنافع على المجتمع .

إن تحقيق هذه المقاصد يحتاج إلى مجموعة من الإستراتيجيات من أهمها:

1. وضع سياسات استراتيجية للتربية الاقتصادية الإسلامية.
2. تخطيط استراتيجية للتربية الاقتصادية الإسلامية.
3. برامج استراتيجية للتربية الاقتصادية الإسلامية.
4. استراتيجية أخرى.

وهذا يحتاج إلى فريق عمل متكامل ومن مسؤولية المؤسسات

المصدر: معهد الأبحاث والتنمية الحضارية

أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك