محتوى الفكر السياسى الإسلامي المعاصر

محتوى الفكر السياسى الإسلامي المعاصر

شهد العالم الإسلامي المعاصر في خلال قرنين ونصف من الزمان، ظهور عدد من المصلحين والمفكرين، ممن بذلوا جهودا لإحياء المسلمين وبعثهم في نهضة جديدة، تعيد لهم مكانتهم المفقودة. ولقد كانت السياسة من أبرز الميادين التي عملوا فيها، سواء كان ذلك فكرا وبحثا أو جهادا ونضالا عمليا.
ومما لا شك فيه أنهم تأثروا بالظروف التي عاشوا فيها كما أنهم أثروا فيها، ويظهر هذا واضحا في القضايا التي شغلت تفكيرهم، والتي حاولوا أن يجتهدوا في تمحيصها وبيان وجهة نظر الإسلام فيها. ومن مجموع هذه القضايا وكتاباتهم فيها نشأ وتطور ما يعرف بالفكر الإسلامي السياسي المعاصر. ولعله من المفيد أن تلقى نظرة شاملة على هذه القضايا الفكرية السياسية التي شغلت المسلمين في هذا العصر، لتتبين بذلك عدة أمور، أولها: محتوى هذا الفكر والموضوعات التي طرقها والتي أثارت اهتمامه، وثانيها: أوجه القوة والضعف، والصواب والقصور فيه، ليتسنى للناس نقده وتقويمه والحكم له أو عليه، وثالثها: الفجوات التي تركها والثغرات التي لم يسدها حتى تتضافر الجهود على النظر فيها وتقديم الحلول لها. وفيما يلي محاولة أولية لتقديم قائمة لمحتوى هذا الفكر.
عوامل النشأة
نشأ الفكر الإسلامي السياسي المعاصر في ظروف خاصة تركت بصماتها على الموضوعات التي كانت مدار بحثه وتفكيره. فقد ولد هذا الفكر في مواجهة الفكر الغربي الذي غزا المسلمين في عقر دارهم، وقد كان فكرا فتيا شابا حين بدأ المسلمون يحتكون به، خدمته عقول كبار ومفكرون مبدعون. وفي مواجهة ذلك كان العقل المسلم في حضيض ضعفه وانحطاطه، خامدا جامدا، أثرت على طرق تفكيره قيود مصطنعة من التقليد والعصبية والسلبية. وقد تكللت جهود الغرب بالنجاح حين استطاعوا عن طريق صنائعهم وأياديهم في حزب تركيا الفتاة من إضعاف الدولة العثمانية الإسلامية، وتفتيتها ثم الإجهاض عليها كلية، والقضاء على الخلافة الإسلامية في عام 1924. وبإلغاء الخلافة الإسلامية ضاعت وحدة المسلمين، وانفتحت ثغرة كبيرة لم يستطع المسلمون حتى يومنا هذا من ردمها وسدها. وسبق ذلك وصاحبه وتبعه، تبديل الشريعة الإسلامية بالقوانين الغربية العلمانية، وتحول الدين الإسلامي رويد رويدا إلى وضع الدين النصراني، لا مكانة له في الحياة العامة، إنما انكمش في دوائر الحياة الخاصة وفي المساجد ودور العبادة والذكر، وأصبح العلماء لا يعدو دورهم تسخير الدين لخدمة الحكام وإصدار الفتاوى التي تزين للناس هواهم.
الطور الأول
انشغلت الدولة العثمانية في أطوارها الأخيرة بمحاولات الإصلاح بالاقتباس من النمط الغربي، وقد كان الفكر السياسي مرآة لذلك. والمفكرون الأتراك مجهولون عند كثير من الناس، ولكن قراءة في فكرهم تظهر أنهم قد وضعوا البذور للفكر السياسي الإسلامي المعاصر وصاغوا كثيرا من مصطلحاته ورسموا كثيرا من ملامحه. كانت القضية الرئيسية في هذا الطور هي قضية الاستبداد والسعي لتقييد سلطات السلطان. ونجد صدى ذلك واضحا في فكر نامق كمال (1880-1840)، الذي كان أول من تحدث عن سلطة الأمة، وحاكميتها المقيدة بالشريعة، واقترح دستورا أوربيا وبرلمانا مكونا من ثلاث مجالس. ونجده يستعمل مصطلحات دخلت القاموس السياسي الإسلامي مثل الأمة بمعنى الشعب، وحاكمية وسلطة الأمة ودستور وحرية وغيرها. وفي المقابل ذهب معاصره علي سواوي إلى أن الحاكمية ليست للأمة ولكن الحاكم هو الله. أما خير الدين باشا التونسي (1890-1822) فقد استعرض في كتابه "أقوم المسالك" النظم السياسية الغربية، ونادى بمبدأ العدالة والحرية ولكنه لم يحبذ النظام الجمهوري بل أبقى على نظام السلطنة بقيود على سلطتها المطلقة. أما الأمير سعيد حليم باشا (1921-1863) فقد كتب بوضوح وعبارات ناصعة بينة عن أن الشريعة هي صاحبة الحاكمية. ولم يكن لجمال الدين الأفغاني (1839-97) فكر متكامل ولكنه همه الأكبر كان الوحدة فيما عرف بالجامعة الإسلامية، وظل طيلة حياته يبحث عن سلطان مسلم يجمع المسلمين، ولو شكليا أن استعصت الوحدة الحقيقية. واستعرض عبد الرحمن الكواكبي (1903-1849) شرور الاستبداد في كتابه "طبائع الاستبداد"، ولكن حله العملي الذي قدمه كان نظام خلافة روحية أشبه بالبابوية الكنسيية، مركزها مكة باعتبار أن العرب أحق بذلك، وتتبعها الأقطار الإسلامية الأخرى. وكان إسهام محمد عبده ( 1905-1849) الوحيد في المجال السياسي فكرة "إنما يصلح الشرق بمستبد عادل".
وهكذا يتضح أن معظم الموضوعات التي تناولها المفكرون في هذا الطور تتشابه كثيرا مع موضوعات الأطوار الأخرى، مثل قضية الحاكمية وسلطة الأمة والشورى والحرية والدستور البرلمان والوحدة الإسلامية.
الطور الثاني
انهارت الخلاقة الإسلامية، فأضحت مسألة الخلافة بسبب ذلك محورا أساسيا للفكر في هذا الطور. ومن أول من طرق هذا المجال رشيد رضا، حيث قدم دراسة متكاملة لتصوره للخلافة وأرسى فيها فكرة سلطة الأمة وممارستها لها عن طريق الشورى، وأناط مهمة الشورى بأهل الحل والعقد الذين رأى اختيارهم في العصر الحاضر عن طريق نظام الانتخاب الغربي. وبدأ ت فكرة أن السياسة جزء لا يتجزأ من الدين تتأصل أكثر حين نفى علي عبد الرازق صلة الدين بالسياسة، وممن هاجموا العلمانية بشدة في هذه الفترة شيخ الإسلام في تركيا مصطفي صبري وأرسى فكرة تطبيق الشريعة وعدم الأخذ بالقوانين العلمانية. أما مؤسس الإخوان المسلمين حسن البنا فقد كان شارحا لفكر رضا ومقترحا للبرامج العملية لتطبيقها، وأشاع في كتاباته فكرة أن للإسلام نظاما سياسيا محددا. وأسهم المودودي في توسيع هذه الفكرة وتوضيح أسس هذا النظام، وتحدث أيضا عن مبادئ الدستور الإسلامي وعن قضية حاكمية الله، وقارن بين الإسلام والديمقراطية والثيوقراطية (الحكومة الكنسية) وانتهى إلى أن الإسلام ثيوديقراطي. وجعل سيد قطب فكرة حاكمية الله محورا أساسيا للفكر الإسلامي السياسي إذ لا تزال أسيرة له، وهي رد فعل واضح لإزاحة الشريعة عن الحياة العامة.
الطور الثالث
يتميز هذا الدور بالمحاولات العملية لتطبيق الأفكار النظرية التي تأصلت في الأطوار السابقة، وقد نتجت عن هذا التطبيق مشكلات جديدة. وقد شهد هذا الطور ظاهرتين في هذا المجال أولاهما مشاركة الإسلاميين في السلطة سواء كأعضاء في البرلمان أو وزراء في الحكومة، وثانيتهما وصول الإسلاميين للسلطة في إيران والسودان وأفغانستان. ومن أكثر القضايا التي أثارتها الثورة الإيرانية كانت قضية ولاية الفقيه التي حمل لواءها الخميني، وهو لم يكن سباقا إليها بل إن ولاية العلماء أمر معروف عند أهل السنة، وقد نقلها عنهم الشيعة، لكن الخميني طبق الفكرة عند الشيعة عمليا. واشتغل المفكرون الإسلاميون ببعض القضايا التي ولدتها محاولات التطبيق، منها قضية المشاركة في السلطة وقضية العنف السياسي وقضية مساهمة المرأة في العمل السياسي. ولا توجد غير كتابات متناثرة في هذا المجال. ومما لاشك فيه أن هذا الطور لا يزال في بدايته ولهذا فمن السابق لأوانه التأريخ له.

المصدر: http://www.meshkat.net/node/13645

 

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك