يا شباب الدعوة

يا شباب الدعوة

 

الرأي قبل شجاعة الشجعان هو أول وهي المحل الثانـي
الحمد لله ولي الصالحين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وأزواجه الطاهرين الطيبين المباركين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
الشباب هم رجال المستقبل، وعدة الأمة ، وزخرها بعد الله عز وجل، وهم الذين نصروا الإسلام وأعزوا دين الله، فكان منهم العلماء البارون، معاذ بن جبل وزيد بن ثابت وابن عباس واضرابهم، والقادة الأبطال المجاهدون أسامة بن زيد، وطارق بن زياد، وغيرهما كثير، والقادة المحنكون المجددون عمر بن عبد العزيز وهلم جراً.
كان الشباب في سلف الأمة من ذوي الهمم العالية، والطموحات الرفيعة، والعزائم الصادقة، ولذلك تركوا هذه البصمات الواضحة، والآثار الخالدة، والسير والتراجم العطرة.
ما كان لشباب الأمة أن يقوموا بما قاموا به، وأن يحققوا ما حققوه من أعمال كبار، وانتصارات باهرة، إلا بصدق النوايا وعلو الهمة، وارتباطهم والتفافهم حول علمائهم وصدورهم عن توجيهاتهم وآرائهم.
فقد كان القراء ـ أي العلماء ـ كهولاً وشباباً مستشاري عمر وكان من أبرزهم ابن عباس رضي الله عنه وهو في حدود الرابعة عشر من عمره رضي الله عنه. وعندما كان عمر بن عبد العزيز أميراً على المدينة وكان دون العشرين كان مستشاروه فقهاء المدينة السبعة وغيرهم، وعندما ولي الخلافة ما كان يقطع رأياً إلا بعد استشارة العلماء الأجلاء أمثال رجاء بن حيوة ومحمد بن شهاب الزهري رحمهما الله، وكان له وزيرا صدق شابين ابنه عبد الملك، توفي ولم يتجاوز الثامنة عشر ومولاه مزاحم، وقد ماتا في عام واحد فحزن عليهما عمر بن عبد العزيز حزناً شديداً، وحق له أن يحزن عليهما.
فلا صلاح لهذه الأمة ولا نجاح، إلا بما صلح به أَولها كما قال مالك الإمام رحمه الله. وإنَّ الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.

فإذا تمرد الحكام على علماء الآخرة الأخيار، واستبدوا واستبدلوا الذي هو أدنى ـ الوزراء والمستشارون العلمانييون وعلماء السوء الدنيويون ـ بالذي هو خير ـ العلماء والمصلحون، فيجب على شباب الدعوة خاصة، المسارعة والحرص على الارتباط والالتفاف والاقتراب من أهل الحل والعقد، والقادة الحقيقيين لهذه الأمة، وهم العلماء الشرعيون سيما ذوي الأسنان والعقول الراجحة والآراء السديدة، والخبرة المديدة، والتجارب المفيدة، فيلجأوون إليهم عند النوازل ويصدرون عن آرائهم إذا التبست الأمور وحارت العقول.
فإذا اجتمعت شجاعة الشباب، وتلاقحت مع رجاحة عقول وآراء وتجارب الأخيار من العلماء ذوي الأسنان، انصلحت الأمور، وتجنب المحذور، وتحقق المأمول.
الرأي قبل شجاعة الشجعان هو أول وهي المحل الثانـي
وصدق رسولنا القائل: "إن من البيان لسحراً، وإن من الشعر حُكْماً".
قال ابو داود: قال صعصعة بن صوحان: صدق نبي الله: (... وأما قوله "إن من الشعر حُكْماً": فهي هذه المواعظ والأمثال التي يتعظ بها الناس).
أما بعد...
فهذه أدلة على أهمية المشورة، والرجوع إلى اهل العقول الراجحة والتجارب والخبرة وذوي الأسنان، من العلماء والعقلاء والحازمين الفضلاء في الأمور المهمة والحوادث المدلهمة.
كتبتها نصحاً لشباب الدعوة، تذكيراً لمن علمها وتعليماً لمن جهلها، والله من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل.
أهمية المشورة
لقد أمر الله عز وجل رسوله المؤيد بالوحي، الكامل العقل والتدبير، أن يستشير ذوي الدين والعقل من صحابته الكرام فقال: "وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ" ولو كان لأحد أن يستغني عن المشورة كان أولى الناس بذلك وأحقهم به رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكذلك هذه الأمة المرحومة جعل الله من خصائصها البارزة الشورى، حيث قرر ذلك ربنا سبحانه وتعالى قائلاً: "وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ" وجاء في الأثر: "لا خاب من استخار ولا ندم من استشار".
لهذا كان صلى الله عليه وسلم كثيراً ما يقول: "أشيروا عليَّ أيها الناس".
قيل تطييباً لخاطر أصحابه، وقيل تعليماً للأمة بعدهم، وقيل ليعرفهم بركة الشورى.
قال الحسن رحمه الله: (إن الله لم يأمر نبيه بمشاورة أصحابه حاجة منهم إلى رأيهم، ولكنه أراد أن يعرفهم ما في المشورة من البركة).
الرأي السديد والشورى الصادقة المخلصة، لا فائدة منهما إلا إذا صحبتا بالطاعة والالتزام، التجارب على ذلك كثيرة والأدلة وفيرة، فعلي رضي الله عنه، على الرغم من رجاحة عقله، وبعد نظره، وسعة استشارته، وأن الحق كان معه. إلا أن هذه العوامل كلها لم تثمر بسبب ما ابتلاه الله به، شر جند في العالمين؛ الرافضة المخذولون الجبناء والخوارج الضالون المعاندون. بينما كان أهل الشام أطوع لمعاوية رضي الله عنه من بنانه.
أورد الحافظ ابن عبد البر رحمه الله عدداً من الآثار تؤيد ما ذهبنا إليه نذكر طرفاً منه:
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (شاور في أمرك من يخاف الله عز وجل).
وقال علي: (رأي الشيخ خير من مشهد الغلام).
وقيل لرجل من بني عبس: ما أكثر صوابكم؟! قال: نحن ألف وفينا حازم واحد، ونحن نشاوره ونطيعه، فصرنا ألف حازم.
وقال بعض الحكماء: (لا نتيجة لرأي إلا عن طاعة ونصيحة، ولا نتيجة لمشورة إلا عن محبة ومودة).
الأصل الأخذ بالعزائم وعدم الترخص
لا شك أن الأصل في هذا الدين الأخذ بالعزائم، والثبات على المبادئ والمسلمات مهما كانت النتائج، لأن حفظ هذا الدين قائم على دعامتين أساسيتين هما:
1. حفظ الأصلين، الوحيين، القرآن والسنة وقد تكفل الله عز وجل بحفظهما قائلاً: "إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ" والذكر شامل للقرآن والسنة.
2. الحفظ العملي، وهو ثبات الرسل وأتباعهم إلى يوم القيامة على هذا الأمر بأخذهم بالعزائم، ولولا ذلك لنقضت عرى الإسلام عروة عروة، ولزال الدين من الوجود.
والأمثلة على ذلك كثيرة في الأمم السابقة وفي هذه الأمة.
جاء في سبب نزول قوله تعالى: "إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا" عن ابن عباس كما قال الحافظ بن كثير في تاويله: (أنها نزلت في عمار بن ياسر حين عذبه المشركون حتى يكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم، فوافقهم على ذلك مكرهاً وجاء معتذراً إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله هذه الآية.
ثم روي عن ابن جرير قال: أخذ المشركون عمار بن ياسر فعذبوه حتى قاربهم في بعض ما أرادوا، فشكا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله: ما تُرِكْتُ حتى سببتك وذكرت آلهتهم بخير. فقال: "كيف تجد قلبك؟" قال: مطمئناً بالإيمان. قال: "إن عادوا فعد".
ثم قال ابن كثير: ولهذا اتفق العلماء على أن المكره على الكفر يجوز له أن يوالي إبقاء لمهجته، ويجوز له أن يأبى كما كان بلال رضي الله عنه يأبى عليهم ذلك وهم يفعلون به الأفاعيل، حتى إنهم ليضعون الصخرة العظيمة على صدره في شدة الحر، ويأمرونه بالشرك بالله فيأبى عليهم، وهو يقول: أحد، أحد، ويقول: والله لو اعلم كلمة هي أغيظ لكم منها لقلتها، رضي الله عنه وأرضاه. وكذلك حبيب بن زيد الأنصاري لما قال له مسيلمة الكذاب: أتشهد أن محمداً رسول الله؟ فيقول: نعم. فيقول: أتشهد أني رسول الله؟ فيقول: لا أسمع، فلم يزل يقطعه إرباً إرباً، وهو ثابت على ذلك.
إلى ان قال: والأفضل والأولى ان يثبت المسلم لى دينه ولو أفضى إلى قتله، كما ذكر الحافظ بن عساكر في ترجمة عبد الله بن حذافة السهمي، أحد الصحابة أنه اسرته الروم، فجاءوا به إلى ملكهم فقال له: تنصر وأنا أشركك في ملكي وأزوجك ابنتي. فقال له: لو أعطيتني جميع ما تملك، وجميع ما تملكه العرب على أن أرجع عن دين محمد صلى الله عليه وسلم طرفة عين ما فعلت، فقال: إذاً أقتلك، فقال: أنت وذاك، قال: فأمر به فصلب، وأمر الرماة فرموه قريباً من يديه ورجليه، وهو يعرض عليه دين النصرانية فيأبى. ثم أمر به فأنزل، ثم أمر بقدر، وفي رواية ببقرة من نحاس فأحميت، وجاء بأسير من المسلمين فألقاه وهو ينظر، فإذا هو عظام تلوح، وعرض عليه فأبى، فأمر به أن يلقى فيها فرفع في البكرة ليلقى فيها، فبكى، فطمع فيه ودعاه فقال: إني إنما بكيت لأن نفسي إنما هي نفس واحدة تلقى في هذه القدر الساعة في الله، إني أحببت أن يكون لي بعدد كل شعرة في جسدي نفس تعذب هذا العذاب في الله.
وفي بعض الروايات أنه سجنه ومنع منه الطعام والشراب أياماً، ثم أرسل إليه بخمر ولحم خنزير فلم يقربه، ثم استدعاه فقال: ما منعك أن تأكل؟ فقال: أما إنه قد حل لي، ولكن لم أكن لأشمتك بي. فقال له الملك: فقبل رأسي وأنا أطلقك، فقال: وتطلق معي جميع أسارى المسلمين؟ قال: نعم. فقبل رأسه فأطلقه، وأطلق معه جميع أسارى المسلمين عنده، فلما رجع. قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: حق على كل مسلم أن يقبل رأس عبد الله بن حذافة، وأنا أبدأ، فقام فقبل رأسه رضي الله عنهما).
متى تحل المشورة والأخذ بآراء العقلاء وذي التجارب الفضلاء؟
إذا أحل الله عز وجل التلفظ بكلمة الكفر، والنيل من الرسل الكرام عند الإكراه، إذا كان القلب مطمئناً بالإيمان، كما جاء في قصة أسامة بن زيد رضي الله عنهما، فمن باب أولى جواز الترخص فيما دون ذلك فالضرورات تبيح المحظورات.
من ذلك:
أولاً: إن لم يكن في المسألة نص صريح صحيح
من المواطن التي تجوز فيها مشاورة العلماء الأتقياء، وأهل الرأي والحزم والحكمة من ذوي الأسنان العقلاء.
إن نزلت بالمسلمين نازلة لم يكن فيها حكم من صاحب الشرع، ولهذا قال أعلم هذه الأمة بالحلال والحرام معاذ بن جبل رضي الله عنه، عندما بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن، وقال له في حديث معناه: كيف تقضي إن لم يكن ثمة دليل من كتاب ولا سنة؟ قال: أجتهد رأيي ولا ألو. فأقره رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك وأثنى على فهمه قائلاً: "الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله إلى ما يحبه الله ورسوله" أو كما قال.
من أمثلة ذلك ما يلي:
1. استشارة الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه في أسارى بدر
عن أنس رضي الله عنه، قال: (استشار النبي صلى الله عليه وسلم الناس في الأسارى يوم بدر، فقال: "إن الله قد أمكنكم منهم" فقام عمر بن الخطاب، فقال: يا رسول الله اضرب أعناقهم، فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم. ثم عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "أيها الناس إن الله قد أمكنكم منهم، وإنما هم إخوانكم بالأمس" فقام عمر بن الخطاب، فقال: يا رسول الله اضرب أعناقهم، فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم. ثم عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال للناس مثل ذلك، فقام أبو بكر الصديق رضي الله عنه، فقال: يا رسول الله نرى أن تعفو عنهم، وأن تقبل منهم الفداء. قال: فذهب عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان فيه من الغم، فعفا عنهم، وقبل منهم الفداء. وقال: وأنزل الله عز وجل: "لَّوْلاَ كِتَابٌ مِّنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ").
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: (لما كان يوم بدر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما تقولون في هؤلاء الأسارى؟" فقال أبو بكر: يا رسول الله قومك وأهلك استبقهم واستتبهم لعل الله أن يتوب عليهم، وقال عمر: يا رسول الله، كذبوك وأخرجوك فقدمهم فاضرب أعناقهم. وقال عبد الله بن رواحة: يا رسول الله، أنت في واد كثير الحطب، فأضرم الوادي عليهم ناراً، ثم ألقهم فيه، قال: فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يرد عليهم شيئاً، ثم قام فدخل. فقال ناس يأخذ بقول أبي بكر، وقال ناس يأخذ بقول عمر، وقال ناس: يأخذ بقول عبد الله بن رواحة).
فهوى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكر وأخذ منهم الفداء فنزل القرآن موافقاً لما قال عمر.
2. استشارة عمر رضي الله عنه لمسلمة الفتح لما وقع الطاعون بعمواس 18هـ وأخذ برأيهم
من النماذج الطيبة والأمثلة الحسنة لاستشارة أهل الرأي والخبرة والأخذ بقولهم، استشارة عمر رضي الله عنه مسلمة الفتح، بعد ان اختلف عليه في ذلك المهاجرون والأنصار، هل يدخل في الطاعون، أو يرجع بمن معه؟ حيث لم يخالف منهم أحد بل الجميع أشاروا عليه بعدم الدخول فقال: إني صابح على ظهر.
وعندما جاء عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه وقال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا سمعتم به بأرض، فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها، فلا تخرجوا فراراً منه".
يعني الطاعون.
فحمد الله عمر على موافقة اجتهاده واستشارته للسنة.
الشاهد في ذلك أن عمر رضي الله عنه أخذ بمشورة مسلمة الفتح، مع قلة علمهم وتأخر إسلامهم، لجبرتهم وسداد رأيهم، ولكثرة تجاربهم لطول أعمارهم.
ثانياً: قاعدة ارتكاب أخف الضررين واجتناب شر الشرين
إذا جاز للمسلم عند الضرورة القصوى التفوه بكلمة الكفر للإبقاء على نفسه، إن كان قلبه مطمئناً بالإيمان.
فلا يحل الأخذ بهذه القاعدة العظيمة للبقاء على وجود الإسلام، والحفاظ على المسلمين، وحماية أعراضهم وممتلكاتهم وديارهم؟
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (والنجاشي ما كان يمكنه أن يحكم بحكم القرآن، فإن قومه لا يقرونه على ذلك، وكثيراً ما يتولى الرجل بين المسلمين والتتار قاضياً، بل وإماماً، وفي نفسه أمور من العدل يريد أن يعمل بها فلا يمكنه ذلك، بل هناك ما يمنعه ذلك، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها، وعمر بن عبد العزيز عودي وأوذي على بعض ما أقامه من العدل، وقيل إنه سم على ذلك، فالنجاشي وأمثاله سعداء في الجنة، وإن كانوا لم يلتزموا من شرائع الإسلام ما لا يقدرون على التزامه، بل كانوا يحكمون بالأحكام التي يمكنهم الحكم بها).
من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين
الغلول من الغنيمة من كبائر الذنوب، وسبب من أسباب دخول النار، لكن من يستشير الفقهاء وذوي الرأي قد يجعل له مخرجاً.
قال الحافظ ابن كثير: (روى ابن عساكر في تاريخه في ترجمة عبد الله بن الشاعر السكسكي الدمشقي وأصله حمصي، وكان أحد الفقهاء، روى عن معاوية وغيره، وحكى عنه حوشب بن سيف السكسكي الحمصي قال: غزا الناس في زمان معاوية رضي الله عنه وعليهم عبد الرحمن بن خالد بن الوليد، فغل رجل من المسلمين مائة دينار رومية. فلما قفل الجيش ندم، واتى الأمير فأبى أن يقبلها منه، وقال: قد تفرق الناس ولن أقبلها منك حتى تأتي بها يوم القيامة، فجعل الرجل يستقري الصحابة ففيقولون له مثل ذلك. فلما قدم دمشق ذهب إلى معاوية ليقبلها منه فأبى عليه. فخرج من عنده وهو يبكي ويسترجع، فمر بعبد الله بن الشاعر السكسكي فقال له: ما يبكيك؟ فذكر له أمره، فقال له: أو مطيعي أنت؟ فقال: نعم. فقال له: اذهب إلى معاوية، فقل له: اقبل مني خُمْسَك، فادفع إليه عشرين ديناراً، وانظر إلى الثمانين الباقية فتصدق بها عن ذلك الجيش، فإن الله يقبل التوبة عن عباده وهو أعلم لأسمائهم، ومكانهم، ففعل الرجل، فقال معاوية رضي الله عنه: لأن أكون أفتيته بها أحب إليَّ من كل شيء أملكه، أحسن الرجل).
اللهم فقهنا في الدين، وارزقنا الفهم السليم، والنظر المستقيم، وعلمنا الحكمة والتأويل ونعوذ بك اللهم من الاستبداد بالرأي، وصلى الله وسلم على البشير النذير الهادي إلى صراطك المستقيم وعلى آله وصحبه والتابعين.

 

المصدر: http://www.meshkat.net/node/13665

 

أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك