أساتذة الإرهاب

أساتذة الإرهاب

جمال سلطان

 

كنت أنظر في وجوه المتحدثين باسم جيش العدوان الإسرائيلي على شاشات الفضائيات وهم يدافعون بصلافة عن عمليتهم المشينة ضد مدنيين أبرياء جاءوا من أنحاء العالم لتقديم المساعدات الإنسانية إلى ضحايا "الإرهاب النازي الصهيوني" في غزة.
وأنا أستحضر صور قطاع الطرق والإرهابيين الأوائل الذين كانت تحكي عنهم كتب التاريخ، نسخة مكررة، أحدهم كان يتحدث عن "اضطرار" الجنود الصهاينة إلى الدفاع عن أنفسهم لأن "قوات" العدو في السفن كان معهم سكاكين وعصي، وبالتالي كان ضروريا أن تذهب قوات البحرية وزوارقها السريعة إلى هناك مع مئات الجنود المدججين بأحدث أنواع الأسلحة من أجل ردع "السكاكين" فتم قتل عشرة وإصابة العشرات بالرصاص الحي، وبدون شك فإنها إحدى حكايات ألف ليلة وليلة تلك التي يتحدى فيها مدنيون بالسكاكين جيشا به أحدث أنواع الأسلحة وأدوات التدمير الشامل.
وأتصور أن نفس الطريقة يمكن أن يتحدث بها أي شخص يقوم بعمل "إرهابي" ضد مدنيين ثم يتحدث بكل برود أنه تعرض للاعتداء فاضطر للدفاع عن نفسه فقتل عدة أشخاص وأصاب عشرات غيرهم، الأخطر من ذلك أن ردود الفعل الأمريكية والبريطانية تحديدا بدا وكأنها تعطي مظلة من الشرعية لهذا الإرهاب الصريح، لأن الحديث الناعم عن الاستياء والشعور بالألم والصدمة، يشعرك أنهم يتحدثون عن حادث تصادم تعرضت له حافلة ركاب في منتجعات تايلاند مثلا، وليس عن حملة تهديد إرهابية صريحة على مدار ثلاثة أسابيع بمعاقبة قافلة الحرية التي أتت عبر البحر المتوسط لتقديم الغذاء والكساء والدواء لفقراء غزة، ثم التنفيذ الإجرامي والوحشي لتلك التهديدات وارتكاب مذبحة حقيقية لم تصب فيها طلقة بطريق الخطأ أحد الضحايا، بل مذبحة قتل فيها عشرة على الأقل وأصيب العشرات، فالقتل كان مقصودا، والإرهاب كان مقصودا.
وبالتالي فعندما يتحدث الأمريكيون والبريطانيون بهذا الكلام الناعم، فهو في الحقيقة مجرد "تغطية" على الإرهاب، ومنحه المشروعية والحماية، وهو ما يمثل هدية مجانية وصريحة إلى كل من يستخدم "الإرهاب" في طول العالم وعرضه من أجل تحقيق إرادته أو فرضها على الآخرين وعلى العالم، دون أدنى احترام أو اعتبار لقانون أو قيمة أو مبدأ، لأن السلوك الإسرائيلي لا يمكن أن يصدر عن دولة في العالم تعرف شيئا اسمه القانون، أو تحترم أي مواثيق دولية أو تعير انتباها، مجرد انتباه، لحسابات دولية أو معايير حقوقية أو غضب دولي.
دولة اعتادت البلطجة، واعتادت أن تجد من يتسترون على "بلطجتها" في المحافل الدولية ومجلس الأمن، وبالتالي فممن تخاف، هي لن تخاف، ولكنها الآن فرضت الخوف على العالم كله، لأن الدم عندما يصبح رخيصا فسوف يكون رخيصا عند الجميع، وعندما تصبح استباحته مجانية فستكون مجانية على الجميع أيضا، ومن الصعب أن تقنع أحدا بانتقاد أي سلوك إرهابي إذا عجزت أن تعطيه أي وجه لمصداقية المجتمع الدولي في منع "الإرهاب" الأصلي الذي ولد كل إرهاب في العالم اليوم، أو إذا فشلت في إثبات أن الإرهابي يعاقب أيا كان جنسه أو هويته أو ديانته، ولذلك فإن الموقف الأمريكي والبريطاني المتخاذل حتى الآن أمام الإرهاب الذي ارتكبه الجنود الصهاينة ضد الأبرياء والسفن المسالمة، سيفتح الباب واسعا أمام بوابات من الجحيم لا يعلم إلا الله مداه، ومن أين تخرج وكيف ومتى، ومن الصعب عندها أن تجد أي حجة أو منطق أخلاقي لإدانة هذا الفعل أو ذاك، لأن "كبار العالم" أعطوا الرسالة واضحة للجميع، وكأنهم يقولون : نحن الآن في غابة، وعلى من أراد أن يوجد لنفسه مساحة في هذا العالم أن ينتزعها بالطريقة التي يراها هو مناسبة، وستكون أخلاقية في النهاية، أيا كانت طريقتها، هل هذه هي الرسالة التي تريد أمريكا وبريطانيا إيصالها إلى الآخرين.

المصدر: http://www.meshkat.net/node/13681

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك