تمكين الاسرة لاتمكين المرأة

تمكين الاسرة لاتمكين المرأة

 

((ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور)).

كلمة "تمكين" ليست غربية بحتة، بل لقد تكرَّر ذكرها في القرآن الكريم في أكثر من مكان، فهي ليست كلمة وافدة أو جديدة على اللغة العربية، ولا معناها بغريب عن مفاهيم حقوق الإنسان التي أنزلت الشريعة الإسلامية لحفظها.
فإذا نظرنا إلى هذا المصطلح لغويًّا لوجدناه في المعجم الوسيط مصدر تمكن فيقال أن فلانًا تمكن عند الناس أي: علا شأنه، وتمكن من الشيء أي: قدر عليه أو ظفِر به، والمكنة أي: القدرة والاستطاعة والنصرة والشدة وهذا ما يفهم من قوله تعالى: {إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأَرْضِ} ، ومكن مكانه فهو مكين أي: ثبت واستقر فهو مستقر قال تعالى: {قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ} ، وقوله: {ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ} .
كما أنَّ هناك تعدد استخداماته في تخصصات مختلفة فمثلاً في مجال الرعاية الاجتماعية يقال تمكين المسنين والمعاقين، وفي مجال التنمية المستدامة وبرامج مكافحة الفقر يقال: تمكين الفقراء، وتمكين المرأة وتمكين الطفل.
ظهر المصطلح الجديد (التمكين) في منتصف الثمانينيات، في أثناء عقد الثمانينات ظهرت انتقادات الحركات النسوية للاستراتيجيات التنموية التي فشلت في تحقيق أي تقدم ملحوظ في تحسين مكانة النساء، ولهذا تأصَّلت الفكرة عمليًّا عام 1985م من خلال لقاء مجموعة DAWN وهى الاسم المختصر لـ (التنمية البديلة بمشاركة المرأة من أجل عهد جديد) :
Development Alternatives With Women For New Era
وحددوا لهم أربعة أهداف رئيسية هي:
- تحليل تبعية النساء.
- محو جميع الأشكال البنائية للتمييز على المرأة.
- تحقيق المساواة السياسية وحرية الاختيار.
- اتخاذ التدابير والإجراءات لمنع عنف الرجال على النساء.
"واتخذت مجموعة من الإجراءات القانونية الدولية للضغط على الدول التي يرون فيها زيادة سيطرة الرجال على النساء ومن بينها بلا شك دول العالم الإسلامي، وذلك لسوء فهمهم لعلاقة الرجل بالمرآة في الإسلام".
امتد مفهوم التمكين كمصطلح للتعبير عن عملية فردية يأخذ فيها الفرد المسؤولية والسيطرة على حياته ووضعه، ويعتبر التمكين كعملية سياسية لمنح المجموعات المهشمة حقوقهم وتوفير العدالة الاجتماعية لهم.
أما مفهوم التمكين، وبحسب ما خرج به مؤتمر المرأة في بكين العام 1995 ومؤتمر الأمم المتحدة العالمي للسكان والتنمية بالقاهرة العام ,1994 يعني ''استخدام القوة الذاتية للقيام بنشاطات مشتركة مع الآخرين لإحداث التغيير، علما أن هذا التمكين يشمل القدرة على اتخاذ القرارات واكتساب مهارات الوصول إلى الهدف''.وهو مستمد من ثقافة ( الجندر) الذي تدور حوله معظم مصطلحات الأمم المتحدة حيث ظهر هذا المصطلح (الجندر ) 233 مرة في وثيقة مؤتمر بكين للمرأة 1995م ، وهو مصطلح (مراوغ) لم يتم تعريفه بشكل دقيق يعبر عن حقيقة مضمونه وتطبيقاته حالياً في قضايا المرأة وقضايا الشواذ .
ومن فكر الجندر هذا تولد مصطلح " تمكين المرأة "
Women Empowerment
وللتوضيح فإن الترجمة لكلمة (تمكين ) تعبر عن هدف جيد للأخذ به، يمكن المرأة من أخذ فرصها في التنمية، ولكن المعني الإنجليزي الوارد في وثائق الجندر لا يحمل المعنى هذا، بل إن كلمة تمكين في اللغة العربية ترجمتها في اللغة الإنجليزية هو Enabling ، أما كلمة Empowerment المذكورة في النصوص والوثائق للأمم المتحدة فهي تعني وفق مفهومهم (التقوية والتسلط والتسويد أو السيادة).
تعريف مصطلح " تمكين المرأة :"
وقد تم استخدام مفهوم التمكين من قبل المؤسسات الدولية والمانحين والبنك الدولي في لغتهم وخطاباتهم، وتعالت الأصوات المنادية بضرورة تمكين المرأة في جميع مناحي الحياة للنهوض بالمجتمع وتنميته. وهو جزء هام من برامج الامم المتحدة للصحة الانجابية. وأهم ما فيه إعطاء المرأة حق السيطرة والتحكم في حياتها الاقتصادية والسياسي والاجتماعية والجنسية وحقها في اتخاذ القرارات المتعلقة بالإنجاب خاصة في سن المراهقة، والوقاية من الأمراض الجنسية أو الممارسات الجنسية غير المأمونة. وإتاحة كافة الفرص لحصولها على المشورة والمعلومات والخدمات . واذا دققنا النظر فى الهدف بعيد المدى نجده ابعاد المرأة تماماً عن بيتها وواجباتها الاساسية فى الاسرة وإدماجها كلياً فى العمل العام والتنمية مما يؤدى الى خفض كبير فى خصوبتها وعدد اطفالها وبالتالى الحد من نسلها مما يؤدى الى تقليل عدد السكان فى العالم وهذا بيت القصيد.
من أجل ذلك فإن تمكين المرأة وفق أجندة ( الجندر ) واتفاقيات الأمم المتحدة لا يتم من خلال إعطائها الكفاءة اللازمة وتوفير الفرص الحقيقية؛ لتحقيق ما تطمح له من تقدم علمي ومهني يخدم دورها الأسري والاجتماعي ، ولكن نجده يتم هنا من خلال تطبيق (الحصص النسبي) تحت شعار النصف بالنصف 50/50 أي نصف للرجل ونصف للمرأة في جميع مجلات العمل، وبهذا يكون العد الإحصائي هو الهم الشاغل لهم، ويبدؤون في محاسبة وانتقاد كل مجتمع ومن هذه النسب التي لا تراعي ما هو الأهم؟ وهو مدى تحقيقها الفائدة والأمن التنموي للمرأة في سياق الأسرة والمجتمع.
مستويات التمكين :
من خلال التعريفات السابقة نجد أن هناك ثلاث مستويات للتمكين:
1- المستوى الفردي، يعبر عن قدرة النساء على السيطرة على حياتهن, إدراكهن وإحساسهن بقيمتهن وقدراتهن وقدرة المرأة على تحديد هدفها والعمل على تحقيقه.
2- المستوى الجماعي يعكس قدرة النساء على تنظيم أنفسهن والعمل الجماعي وإحساسهن بقوتهن في تجمعهن.
3- المستوى الثالث يشير للمناخ السياسي والاجتماعي والقواعد الاجتماعية والحوار العام حول ما يمكن أو لا يمكن للمرأة القيام به.
وضع تقرير التنمية البشرية الصادرة عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي عدة مؤشرات لتؤكد أن هناك تمكينًا للمرأة من عدمه في المجتمعات، فمن أهمها:
1- مدى مشاركة المرأة في اللجان العامة وغير لجان النساء.
2- مشاركة النساء في المواقع القيادية.
3- مشاركة النساء في اتخاذ القرارات.
4- إتاحة فرص التدريب غير التقليدية للنساء.
5- تغيير مفاهيم النساء حول إمكانية مشاركتهن الفعالة في الأعمال خارج المنزل.
6- ثقة النساء في إمكان مشاركتهن للرجال في الأعمال العامة.
7- تغيير مفاهيم الرجال حول مقدرة النساء في تقلد المناصب العامة.
8- تقلد النساء لمناصب ومواقع ليست خاصة بمشاريع نسائية.
9- نسبة الإناث في الوظائف الإدارية والمهنية.
10- نسبة النساء في البرلمان.
11- نسبة النساء في الوزارة والوظائف العليا ومراكز صنع القرار.
12- نسبة النساء في ملكية الأعمال.
13- نسبة الإناث في عدد المتخرجين من مؤسسات التعليم العالي.
14- عدد النساء اللواتي يملكن حساب مصرفي.
15- شعور المرأة باستقلاليتها الاقتصادية عن الرجل.
16- نسبة مشاركة النساء في سوق العمل ممن هن في سن العمل.

الخلاصة :
فالهدف الأساسي للمفاهيم الجندرية وهو تمكين المرأة، والذي يعني تمكين المرأة في صراعها مع الرجل، ولا يعني إصلاح وضع المرأة، وهي دعوة للتمرد على الأدوار الطبيعية لكل من الرجل والمرأة داخل الأسرة الطبيعية, والمصطلح يتمحور حول المرأة الشابة الفرد، وليست المرأة التي هي نواة الأسرة، لذا فإن المرأة العاملة هي المرأة المعتبرة، أما ربة الأسرة؛ فينظر إليها على اعتبارها متخلفة، وخارج السياق الدولي الجديد؛ لأنها لا تمارس عملاً مدفوع الأجر، ولأنها ربطت نفسها بالزوج والأولاد والأسرة.
وفرض هذا المصطلح في جميع المجتمعات لا يتأتى إلا بانتشار مفهوم مساواة الجندر في العالم بأسره، وتجاوز كل من الدين والقيم والمعتقدات التي تتحكم في حياة الملايين من الرجال والنساء .
وقد رصدت الأمم المتحدة في تقاريرها أن المانع الرئيسي من التطبيق الكامل لمفهوم تمكين المرأة، هو تمسك الشعوب بالدين، فاعتبرته عائقًا. وللتغلب على هذا العائق، صدرت التوصية في مؤتمر بكين+10 الذي عقد في مارس 2005، بالوصول إلى الشعوب عن طريق المنظمات الإسلامية، وأن يكون الخطاب في المرحلة القادمة خطابًا إسلاميًا. بمعنى أن تكون المنظمات الإسلامية هي الواجهة التي يتم من خلالها تقديم كل المضامين التي حوتها المواثيق الدولية، ولكن في إطار إسلامي حتى لا تلقى المعارضة من الشعوب المتدينة.
وهنا نقطة هامة لابد من توضيحهاعلى عكس النظرة الغربية التي تجعل "الأنا" وتحقيق الذات هي الأساس في تمكين المرأة لتعتمد على نفسها بعيدًا عن الرجل، وإزاحته من طريقها إذا كان يمثل عائقًا لها، بل تغيير مفاهيم دينية وثقافية تراها الحركات النسوية عائقًا أمام تمكين المرأة وهو أن تمكين المرأة بمفهومه الإيجابي البنَّاء يجب أن يكونُ مُتَاحًا أكثر للجميع كل حسب امكانياته المتاحه له فكلَّما كانت المرأة متعلمة وذات مهارات إنتاجية ولديها رأس مال وثقة في نفسها، فهي تستطيع أن تتقدَّم على أساس من المهارات والإمكانيات والقدرات لديها، لذا فهي تنهَضُ بِنَفْسها وأسرتها ومجتمعها وهذا ايضا يجب أن يتاح للشباب الذكور وهم اليوم ينادون فى كل العالم بحقوقهم التى ضعفت بجانب تقوية حقوق المرأة واصبح التعليم للذكور وايجاد فرص العمل لهم ليس ذا اولوية طالما ان الفتيات ايضا اصبحن ينافسن فى نفس فرص العمل وينحرم الشباب الذكور منها فيصبح موقفهم أضعف وهمتهم منخفضة واقبالهم على الزواج وتكوين الاسر منعدم , ويلجأ الجميع إلى تكوين العلاقات غير الشرعية وانواع الزيجات الباطلة والاكتفاء بها وتكثر المشاكل الاجتماعية المحزنه من إزدياد عدد اللقطاء ومشاكلهم.

إذا نظرنا إلى جوانب التكريم التي كفلها الإسلام للمرأة المسلمة سنجدها كثيرة جدًا وواجبنا تطبيقُها في حياتنا وأن نبتعد عن بعض التقاليد البالية والعصبية المقيتة التي تنظر للمرأة على أنها إنسان من الدرجة الثانية أو تظلمها باسم الإسلام عن طريق الفهم الخاطئ لبعض النصوص الدينية.
الإسلام أعطى المرأة حقوقاً لم تحصل عليها في أي دين أو تشريع آخر منذ 14 قرناً من الزمان ، فالإسلام حفظ للمرأة حقها في الشورى والاختيار عند الزواج، كما أعطاها حق التعليم والملكية، وحفظ لها جميع حقوقها كزوجة، ونظم العلاقة بينها وبين زوجها وجعل منها شريكاً للرجل في قيادة الأسرة وتربية الأبناء، وأباح الإسلام للمرأة أن تعمل لتكسب عيشها وألا يأخذ زوجها شيئا من مالها إلا برضاها، كما أباح لها أن تشارك في الحياة الاجتماعية، وأن تقوم بواجب الدعوة والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، لقد أعطى الإسلام المرأة حقوقا أسرية كثيرة بالإضافة مشاركتها في صنع القرار والرأي السياسي ومحاورة الحاكم وأن تعتز برأيها إذا كان صحيحاً, فهى التى تصنع صناع القرار.
ونحن من جانبنا نطالب بمراجعة وعدم تعميم المفهوم الغربي لتمكين المرأة؛ لأن فيه ظلمًا لها وللرجال وللأسرة والمجتمع في نفس الوقت؛ لأنه يريد اقتلاعها من جذورها الدينية، ومن عضويتها الفعالة في الأسرة والمجتمع، عن طريق مطالبتها برفض أي سلطة للرجال عليه(( إلقاء القوامة )) ، أو حتى أي تعامل بناء معه، وهو ما يطلقون عليه في الغرب: تحدي الأيديولوجية الذكورية في كل مراحلها، والمطالبة بالمساواة التامَّة في كل شيء حتى وإن تعارض ذلك مع التشريعات الدينية وهذا ما نعتبره كارثة على الأمة كلها لأنه سيحول العلاقة بين الجنسين إلى صراع بدلاً من التكامل والتعاون .
وللعلم فإنَّ الإسلامَ هو الدين الوحيد الذي تتعمَّد وسائل الإعلام الغربية نسبة سلوكيات أتباعه إليه، حتى وإن كانت مرفوضة منه؛ ولهذا أحذر المسلمين رجالاً ونساء من الانخداع بالمفاهيم الغربية البراقة، مثل الصحة الانجابية ,الجندر , تمكين المرأة، وإنَّما علينا أن نضع مفهوم ذلك من خلال ديننا وثقافتنا، حتى وإن غيَّرنا مصطلح التمكين الذي يفهم منه أنه يتطلب إزاحة الرجل، واقتلاع المرأة من دينها وأسرتها والعمل على استقلالها، حتى في السلوكيات الشاذة المرفوضة شرعًا مثل: حريتها في ممارسة الجنس الآمن، وتناوُل وسائل منعِ الحمل، والإجهاض الآمن – إذا لزم الأمر - وإقامة علاقات جنسية مع من تشاء دون الرجوع إلى أسرتها، التي عليها تلبية احتياجات المرأة حتى ولو وصل الأمر إلى الشذوذ والزواج المثلي باسم حقوق المرأة وحريتها في تسيير أمور حياتها، وتوضع خطَّة لوضع هذه الرؤية الغربية في قوانين ومواثيق واتفاقيات دولية وفرضها بكل السبل على المجتمعات الإسلامية وفرض عقوبات إذا تطلَّب الأمر. أي أن يطبق المفهوم الغربي للتمكين سواء بالترغيب أو الترهيب.
إذا كان هناك مفهوم إيجابي للتمكين فيجب أن يشمل الجنسين، دون أدنى تمييز؛ لأن مشكلات الرجل الفقير هي نفس مشكلات المرأة الفقيرة، وقد طالب بعض مفكري الغرب بالعقلانية في الدعوة لتمكين الرجل ايضاً حتى لا تتحول القضية إلى صراع ورغبة في إذلال الرجل وإزاحته لصالح المرأة وهو الأمر الذي يدفعه إلى الانتقام منها بكل الوسائل.
ولهذا فإن نشر التعليم والوعي بكل صوره هو الصورة المثالية الأفضل للتمكين ليس للمرأة ولا للرجل ولا للطفل,(( فهم ينادون ايضا بما يسمى بتمكين الطفل ونزعه من اى رقابه اسرية وتشجيعه على الاتصال بشرطة حماية الطفل – الخط الساخن - فى حالة حصول أى نزاع تربوى مع والديه كما هو حاصل فى الغرب)),بل يجب أن ندعو للتمكين للأسرة الشرعية المعترف بها فى كل الاديان السماوية(الاسرة النمطية ) والتى هى دعامة المجتمع الصالح ولبنته يأسيسه الأولى, تحت مظلة شرعنا الحنيف وسنه رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم .
و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

 

المصدر: http://www.meshkat.net/node/13721

 

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك