المصلحون يصنعون الفرص

المصلحون يصنعون الفرص

د محمد عبدالله الدويش

 

من مسئولية الإنسان في الحياة أن يأخذ بأسباب النجاح ، ويتعرف على سنن الله في خلقه ، ويسعى للأخذ بها ، والمصلحون المتقون من أولى الناس بمعرفة سنن الخالق تبارك وتعالى ؛ فهم أعلم الناس به ، وهم الذين يدلونهم على طريقه .

إن ضخامة متطلبات التغيير لن تواجه ببذل المزيد من الجهد البدني فحسب ، ولا بزيادة رصيدها ممن يتحدثون ويخطبون ؛ وإنما تواجه بعقول تعيش تحديات عصرها ؛ فلن ينجح في زحمة هذا العصر ومتغيراته إلا من يملك الروح الإيجابية المنتجة ، والقطار لن ينتظر الذين يسيرون ببطء ، ويتطلعون أن يفتح لهم الطريق . وبقدر ما تتصارع المتغيرات وتتعقد عناصر الحياة تزداد الفرص ؛ فالحياة أوسع من أن يتحكم بها حفنة من البشر ، والميدان لم يعد ذلك الذي يسيطر عليه فئة دون أخرى ، ولن يكون بمقدور كائن من البشر أن يرسم الخطوط والحدود للناس فيما يأتون ويذرون .

فالمصلح الإيجابي هو من يسعى لاغتنام الفرص حين تتاح أمامه ، وله أسوة بإمام المصلحين صلى الله عليه وسلم ، فقد كان هذا شأنه وديدنه . فحين جاءت امرأة من السبي تحتضن صبيها ذكر صلى الله عليه وسلم أصحابه برحمة الله لعباده . وحين يكون مع أحد أصحابه يعلمه ويوصيه ، وحين يكون الموقف مؤثرا يعظ أصحابه كما في حديث البراء بن عازب المشهور . إن الذين يثمنون الفرص لا يقف الأمر لديهم عند مجرد اغتنامها حين تتاح ، بل هم يبادرون ، لأنهم يدركون أنها لا تدوم . وقد أوصى صلى الله عليه وسلم أمته بذلك فقال : «اغتنم خمسا قبل خمس :

حياتك قبل موتك ، وصحتك قبل سقمك ، وفراغك قبل شغلك ، وشبابك قبل هرمك ، وغناك قبل فقرك » . وها هو يوسف - عليه السلام - حين عبر رؤيا السلطان وأخبر أنهم أمام سبع سنين من الرخاء ، وسبع سنين من الشدة أمرهم أن يغتنموا فرصة الرخاء ليدخروا لسني الجفاف . والمصلح الإيجابي يتجاوز مجرد اغتنام الفرص التي تتاح له ليبحث عنها ويفتش ، وها هو صلى الله عليه وسلم في سيرته يغتنم فرص اجتماع قومه ليدعوهم ، ويبحث عن فرص أخرى ليدعو غيرهم ، فقد كان يوافي الموسم كل عام يتبع الحاج في منازلهم وفي المواسم بعكاظ و مجنة و ذي المجاز يدعوهم إلى أن يمنعوه حتى يبلغ رسالات ربه ولهم الجنة . وحين لا يجد المصلح فرصة سانحة أمامه ، ويفتش يمنه ويسره ؛ فإنه يسعى لأن يوجد الفرصة ؛ فالحاجة أم الاختراع ، ولن تعجز عقول المصلحين عن أن تهيئ الفرصة وتوجدها ؛ فها هم صناع السلاح والمتاجرون به حين تكسد سوقه يفتعلون المعارك والحروب ويؤججون نارها ليروجوا بضاعتهم ، وها هم أصحاب رؤوس الأموال يغرقون الناس بالدعاية لمنتجاتهم حتى يوجدوا فرص تسويقها . وقديما كان الصياد حين لا تتاح له فرصة اجتماع الطير يلقي له طعما حتى يجتمع فيصيده . والمصلحون الإيجابيون لا يقف جهدهم عند ذلك فحسب ، بل هم يبحثون في المواقف السيئة ، ومن بين الصور المظلمة يبحثون عن النور والضياء ، إنهم حين تحل المحن والنكبات ، وحين يتشاءم الناس مما أمامهم يتلمسون الصور المشرقة ، ويبحثون عن الثغرات ليستثمروا الواقع الجديد. حين يقع الابن في معصية أو مصيبة ؛ يستثمرها والده العاقل لتكون منطلقا لنصحه وإصلاحه . ومهما كانت الأحوال سيئة ومظلمة ؛ فالأوضاع الجديدة تحمل في طياتها العديد من الفرص التي يمكن أن يستثمرها العقلاء .

________________________
(1) المستدرك للحاكم ، رقم 7846 .

المصدر: http://www.meshkat.net/node/13865

 

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك