الأشجار تموت واقفة

الأشجار تموت واقفة

 

هي أشجار يحسبها الناظر تنبض بالحياة ولكنها منخورة من داخلها ، هي ماتزال واقفة ولكنها ستقع مرة واحدة ، ولن تعود إليها الحياة ،هكذا هي الأنظمة الإستبدادية الفردية الطاغية المتكبرة على شعوبها ، هي مارد من حيث الظاهر ، مخيفة ،هكذا يراها الناس من بعيد بينما هي في الواقع تتضائل وتهزل حتى تصبح قزما من حيث القوة الداخلية الإنسانية ، هي منخورة بالرشوة والفساد ونهب المال العام ،منخورة بصراع القوى والأجنحة في داخلها يتآمر بعضها على بعض ، فالكل يريد أن ينهب وكل جناح يضع العراقيل للآخرين .

عندما يكون النظام فارغا فإنه يلجأ إلى المظاهر التي تخدع الأبصار ، مثل كثرة الإحتفالات وكثرة المؤتمرات والأعراس الخطابية الإعلامية التي ليس من ورائها طائل .

 

عندما يكون النظام فارغا فإنه يكثر من دور اللهو والمسارح والمراقص كي يشغل الناس بهذه التوافه ويبعدهم عن التفكير في الحرية والكرامة ، ويبعدهم عن الكتاب والقراءة والثقافة حتى لايستقيم فيهم التفكير

حين يكون النظام فارغا فإنه ماينفك يثير المشاكل بين الناس ويشغلهم بالتنازع ،قال تعالى : ( إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا ...) كما يشغلهم بالبيرقراطية القاتلة ،فالفرد المسكين يذهب لإتمام أوراقه ومطالبه من دائرة إلى دائرة أياما وشهورا، والقضية الواحدة في المحاكم تتدحرج من محكمة إلى محكمة ومن قاض إلى قاض وتمر السنوات دون حل ، وتحل مشكلات دولية ولاتحل مشكلة هذا المواطن ، وهكذا تذهب الأموال والأوقات والجهود .

 

عندما يكون النظام فارغا فإنه يخاف من كل حركة ومن كل كلمة ، ولوعارضه رجل واحد في أقصى الأرض فإنه يحسب له ألف حساب وحاول إسكاته ،وقد ينشط هذا النظام في محاربة شخص لاحول له ولاقوة ولايبذل معشار ذلك في تتبع المجرمين وقطاع الطرق الذين يفسدون في الأرض ولايصلحون .

 

النظام الفاسد يكثر من الإشاعات التي تخدر الناس الذين لايدركون مآرب النظام وأساليبه الملتوية لإطالة عمره ، فهو يشيع أنه سيفرج عن سجناء الرأي ويعيش الناس بالآمال فترة ولايتحقق شيئ ، وأما الإعلام المدجن فإنه يمتلئ بالإشاعات عن المشاريع الوهمية الزراعية والصناعية واستيعاب العاطلين عن العمل ، والمجتمعات المريضة تتسلى بالإشاعة وتلتمس منها العزاء والأمل .

في دولة الإستبداد يتكاثر المستبدون الصغار من معاوني وأصدقاء المستبد الكبير ، ويصبح كل واحد منهم مستبد في ناحيته وعندئذ تقع الطامة الكبرى على الشعب ويخيم الفقر على المجتمع .

 

تتحايل الدولة الإستبدادية على الديمقراطية وتحولها إلى مسخ مشوه ، هناك برلمان وهناك انتخابات مزورة وهناك إقلية معارضة هي ( ديكور ) لإتمام المشهد أمام إعين الناس .

 

إن دولة الطغاة كالشرارة التي يستفحل نارها كلما وجدت حطبا ، ولكنها ستخبو لو أن الناس رجعوا عن طاعتها وأمسكوا عن خدمتها وأنكروا ماتقوم به من إفساد للإنسان والأوطان ، عندئذ ستصبح هذه الدولة الإستبدادية كالشجرة اليابسة لاتصلح إلا وقودا للنار . وإنها لقيامة كبرى أن يبقى الإنسان فريسة الإنسان كما يقول شاعرنا إقبال .

 

 

نقلا عن موقع المسلم 

 

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك