الربيع العربي في حوار مع رولان ميرك

الربيع العربي في حوار مع رولان ميرك

 

عبد الحفيظ العبدلي - لا يمثل كتاب "ثورات الربيع العربي" الذي صدر بداية 2012 باللغة الألمانية بالإشتراك بين الفيلسوف والكاتب السويسري رولان ميرك، ومجموعة من الأدباء والمفكرين العرب إضافة جديدة للأدبيات المبشرة بصراع الحضارات..

بل كان سعيا جادا لفهم الدلالات العميقة لإنتفاضات الشعوب العربية في بداية هذا العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين.
وبالنسبة لرولان ميرك، محرر هذا الكتاب ومؤلف مقدمته، والذي كان شاهد عيان لأحداث الثورتيْن، التونسية والمصرية: "لم تكن هذه الثورات مجرد حركة تمرّد على الإستبداد والدكتاتورية في بلدانها، بل كانت كذلك ثورة على الأفكار المُسبقة التي حملها الغرب طويلا على الثقافة العربية وعلى الدين الإسلامي".
ولفهم الإطار العام الذي يتنزل فيه هذا العمل الفكري والادبي، حاورت هذا الكاتب السويسري، الذي تتميّز أعماله بطابع نقدي عميق، وهذا نص الحوار:
 

ـ أنت كاتب وفيلسوف وعالم اجتماع سويسري، كيف تفسّر هذا الاهتمام الذي توليه إلى العالم العربي وإلى الثقافة العربية؟
رولان ميرك: تربطني بهذا العالم علاقة جوار فكري وثقافي، أوّلا لأن عائلتي عاشت في القاهرة في نهاية الخمسينات، وشقيقتي كذلك عاشت سنوات عمرها الأولى في مصر، لكنها عادت إلى سويسرا لأسباب مهنية. لازلت أتذكّر وأنا صغير كيف كان والدايّ ينعمان بالسعادة لما كانا بمصر، وكنت أجد في كل ما كان يرويانه إلينا نحن الأطفال الصغار بعدا سياسيا وحضاريا عميقا. وبعد سنوات وعندما كبرت، أردت ان اكتشف هذا العالم من جديد، فزرت شمال إفريقيا ومنطقة الشرق الأوسط، بما في ذلك بلدان الخليج العربي، هذا بالنسبة للرابط البيوغرافي.
اما على المستوى الفكري، فيتنزّل اهتمامي بالعالم العربي ضمن الرغبة في فهم ما يجري في العالم عامة، وفي إطار الانفتاح على الآخر، والتعلّم من كل التجارب الإنسانية. انا لا أتفق مع الرأي السائد لدى شريحة واسعة من الغربيين، والذين يعتقدون بأنهم يعيشون في أكثر البلدان حضارة وتقدما وأن ما يجري من حولهم، لا يعنيهم في شيء.
على العكس تماما، أعتقد أننا في زمن العولمة، لا يمكن أن نتقدّم إلا سويا، والبلدان العربية تمتلك إمكانات هائلة وهامة، يمكن ان تساعد البشرية على رسم بديل آخر للعولمة. اما النظر إلى العالم إلا من وجهة غربية موحدة، فلا يؤدي إلا إلى الرتابة.
 

ـ لكن متى تحوّل الشرق من مقصد سياحي إلى موضوع للتفكير والدراسة؟
رولان ميرك: حدث هذا عبر سلسلة من المحطات المهمة: في البداية، من خلال مشاهدة أفلام "سوبر 8" لوالديّ في حالة إستجمام على شواطئ الإسكندرية أو في احياء القاهرة المترامية، كما ان من الذكريات الراسخة والتي لا تغادر مخيلتي، الزيارات التي كنا نؤديها إلى منزل أحد اصدقاء والدي، وهو من أصل سوري، والذي كان يدعونا لمشاركته الطعام في فرنسا، خاصة أيام عيد الأضحى.
هذا الإهتمام سوف يتعزّز أكثر فأكثر، عندما انتقلت لدراسة الفلسفة الألمانية ببرلين، حيث تعرّفت على لاجئ فلسطيني قادم من نابلس ورأيت كيف كانت ساقيه مثقوبتيْن بالرصاص. وكنت أدرس في برلين تاريخ الفلسفة، وأوليت اهتماما خاصا لمحنة اليهود في ألمانيا وأوروبا عامة، بما في ذلك، المحرقة.
في نفس الوقت، أطلعني زميلي الفلسطيني على نكبة الشعب الفلسطيني في عام 1948. هذه المأساة التاريخية المشتركة، رغم تباين مفرداتها، أثّرت كثيرا على اهتماماتي اللاحقة، ووجدت نفسي منذ ذلك الحين في قلب مشكلة ظلت متواصلة إلى اليوم، وهي قضية مركزية، ليس للشعب الفلسطيني فقط، بل بالنسبة للعالم العربي ككل.
 

ـ ألا تعتقد أن انفتاحك هذا على الثقافة العربية مرده كونك في الأصل مترجما، وكونك قد عملت محررا ومراجعا لدار لسان للنشر التي يوجد مقرها ببازل؟
رولان ميرك: لا، ليس الأمر كذلك، بل العكس هو الصحيح: ممارستي للترجمة وعملي في دار لسان، كان نتيجة لما سبق أن أوضحته. فمجلّة "لسان للأدب العربي"، هي النّشرية الوحيدة باللغة الألمانية التي تشرح للقراء، خاصة الألمان، الأدب العربي الحديث، ونحرص في كل عدد منها على معالجة قضايا تخص المجتمعات الإنسانية، ولكن بلغة ونهج أدبي، من أجل محاربة الافكار المسبقة السلبية تجاه العالم العربي.
ونقدّم لقراء لسان كذلك، كتابا ومؤلفين لا يحتكمون إلى الإثارة أو الذوق الهجين أو الرؤية الإستشراقية المنتشرة بشكل واسع في البلدان الغربية او الذين يعملون من داخل الأفكار المسبقة، بغية بيع أكثر ما يمكن من مؤلفاتهم، بل مؤلفين قادرين على التناول العميق للقضايا الإنسانية بلغة وأسلوب فني يرقى إلى العالمية.
وبالتأكيد، سنحاول في الأعداد القادمة من مجلة لسان، التركيز أكثر على الشعارات التي رفعتها ثورات الربيع العربي وتعبيراتها الفنية والادبية، مع الطموح دائما إلى إرساء حوار جاد ومتواصل بين الأدباء وكبار المفكّرين من العرب والغربيين، من أجل شرح كل طرف لمواقفه، لأنه من الضروري جدا الآن بناء جسور التواصل وتهيئة الوضع لما يسميه غوت "الأدب العالمي"، والذي يعكس باستمرار ما يمكن أن نسميه "الفكر الإنساني"، والذي يحتكم لمنطق ومقولات تأخذ في الاعتبار عنصر العولمة.
 

ـ هل يمكن ان تذكر لنا بعض من أعمالكم الأدبية والفنية التي تهتم بقضايا على علاقة بالعالم العربي؟
رولان ميرك: أنجزت العديد من الأعمال، كان الغرض منها في الأساس، إطلاق حوار بين الكتاب والمفكرين في الثقافة الالمانية ونظرائهم في العالم العربي، حول قضايا كونية، لا تخص طرفا دون آخر.
هي قضايا تتعلق بوعينا باللحظة التي نعيش فيها أو بالأحداث التاريخية، التي ما تنفكّ تؤثّر في حاضرنا وتوجّه مستقبلنا. ومن هذه القضايا الكبرى "نكبة 1948"، التي ما زال الشعب الفلسطيني يتجرّع مرارتها حتى الآن، رغم مرور ما يزيد عن ستة عقود.
لقد لاحظت أن الأدباء والمؤرخين الناطقين بالألمانية في سويسرا، لا يعرفون ما حدث أو بالأحرى لا يريدون أن يعرفوا ما حدث، لأسباب يطول شرحها.
ووعيا مني بأهمية تلك المحطة المهمة في التاريخ العربي الحديث، انجزت عملا مسرحيا، هو عبارة عن عمل وثائقي يعرض شهادات فلسطينيين أطردوا من ديارهم في عام 1948، كما كتبت مقالات أوضّح فيها أسباب صمت الكتاب الألمان عن النكبة الفلسطينية وبيّنت بأن المؤرخين الألمان يتجنّبون هذه القضية لحساسيتها، ولشعور الذنب الذي ما زال يلازمهم مما ارتكبه النظام النازي بحق اليهود.
وفي هذا المستوى، اجد أن السويسريين الناطقين بالألمانية، هم مؤهلين اكثر من غيرهم للقيام بهذا العمل، ولي بحث حول هذه المسألة بعنوان "الكتابة بعد النكبة". أما آخر ما صدر لي، فهو كتاب "ثورات الربيع العربي"، عمل شارك فيه كتاب من مصر وتونس والمغرب وفلسطين وإسرائيل، وهي إسهامات توثّق بصيغ أدبية وإبداعية أحداث العام الماضي بطريقة فردية وشخصية، لأنه من الصعب الحديث حاليا عن كتابة موضوعية لتلك الأحداث، لأنها لم تكتمل بعد.
كذلك أقوم حاليا بالإشتراك مع ستيفان هوسل بإعداد كتاب حول حركة كفاية "Indignez vous" وعلاقتها بما حدث في مصر وتونس، فضلا عن العديد من المحاولات النقدية، خاصة في المجال السينمائي وتحديدا حول اعمال المخرج اللبناني "أكرم زعتري".
 

ـ إلى أي حد استطاع كتاب "ثورات الربيع العربي" الإمساك بجوهر مطالب وشعارات الإنتفاضات العربية الأخيرة؟
رولان ميرك: من الشعارات الأساسية للربيع العربي، الإنفتاح على مجموعة قيم مثل "الكرامة" و"العدالة" و"المساواة"، وهي نفسها القيم التي نادى بها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
وفي حالتنا هذه، ترجمنا قيمة الكرامة من خلال تحقيق التوازن في العلاقة بين الشرق والغرب، من خلال التمسك بمبادئ المساواة والإحترام والإنفتاح والتفاهم، والحوار إجمالا. وسوف تظل أهمّ صورة يجب فهمها وتفكيك ألغازها، صورة الشاب البوعزيزي وهو يحترق.
وأوّل رسالة يمكن قراءتها من خلال تلك الصورة، "دعوني أثبت لكم مَـن أنا وامنحوني فرصة العيش بكرامة، قبل أن تخنقوا انفاسي بأفكاركم المسبقة ومصالحكم الخاصة"، وهي رسالة مضادة تماما لما كان يرّوج له إبن لادن وأنصاره، سواء من خلال الدور الذي اختار لعبه في الواقع او من خلال الصورة التي روّجها الغرب عنه في علاقة بنموذجه وبمصالحه.
ولقد عانت الشعوب العربية في السنوات الأخيرة من هذه الصورة التي ألصقت بهم، ونظر إليهم من خلالها. الغرض الرئيسي من خلال هذا النص، هو إطلاق حوار بين النخب الناطقة بالألمانية والنخب العربية بعد عقود من المونولوغ الغربي حول الشرق، ومن أبرز ملامحه، تجنب الدخول في حوار مباشر مع المفكرين والأدباء العرب، اكثر الناس معرفة بواقعهم وتشابكاته.
 

ـ هل بالإمكان القول بأنه بقدر ما كانت هذه الثورات تمردا على الاستبداد والدكتاتورية، كانت تمردا أيضا على هيمنة الغرب وأفكاره المسبقة تجاه العالم العربي والدين الإسلامي؟
رولان ميرك: لقد وجدت دائما أنه بقدر ما كانت هذه الثورات، وهذا منطقي، موجهة ضد الأنظمة المستبدة في العالم العربي، كانت أيضا ضد سياسات الهيمنة الغربية على المستويين، السياسي والإقتصادي.
ولعله من المفيد التذكير هنا بأن سياسات الإفقار التي نفذها نظاما بن علي وحسني مبارك، كانت بمباركة الأنظمة الغربية، وتنفيذا لسياسات البنك الدولي.
كذلك وجّهت الأحداث التي شهدتها تونس وميدان التحرير بمصر، وما تميّزت بها من تسامح بين الطوائف الدينية (مسيحيين ومسلمين) وتلاحم بين المجموعات السياسية (الليبرالية والإسلامية واليسارية،..) ومن طابع سلمي (شعارات وتضامن وتقاسم للأدوار..)، رسائل إلى الداخل وأيضا إلى الخارج، تفيد: "أنظروا ها نحن نصنع ملحمتنا بعيدا عن الأفكار السلبية التي تعشش في رؤوسكم عنا"، وهي ملحمة أبرزت للغربيين الصور التي لا تخطر باذهانهم أو لم يتعوّدوا رؤيتها.
كذلك، من الحقائق المهمة، هو التأكيد على وحدة القضية بين محتجي وثوار ميدان التحرير وناشطي حركة وول ستريت، وقد جاء في رسالة من ميدان التحرير إلى وول ستريت "أنظروا لقد كنا نحن الضحايا الأوائل لشروط البنك الدولي وسياساته الظالمة، وها أنتم الآن التحقتم بنا"، وليس صدفة كذلك أنه مباشرة بعد ثورات الربيع العربي، نشطت الحركة الإحتجاجية في كل من أمريكا الشمالية وإسبانيا وبلجيكا واليونان.

http://www.e-kutub.com/index.php?option=com_content&view=article&id=487:2012-03-26-12-47-41&catid=43:2010-12-01-14-37-15&Itemid=59

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك