أولويات الإصلاح..إصلاح القلب

أولويات الإصلاح..إصلاح القلب
 

محمد أحمد الزهراني

 

لا يخفى على القريب من كلام الله وسنة المرسلين وسيرهم مع أقوامهم أن أهم مطلوب مني ومنك هو تحقيق العبودية لله ظاهراً وباطناً, والانقياد لسلطان الله رب العالمين بشهادة الوحدانية التي تستلزم كلية التوجه إليه في الرّغب والرّهَب والمنشط والمكره والحياة والممات والبراءة من كل ما يشين هذه الوحدة والتوحيد, وكل ما سوى هذا –مهما علا شأنه في النفوس_ فهو مفضول تابع .

لا يكفي المقام لحشد الآيات البينات والأحاديث الشريفة في تقرير هذا المعنى ولكن حسبنا أن نستحضر هنا سورة الإخلاص التي تعدل في معناها ثلث القرآن مع أنها لا تساوي في عدد حروفها إلا 0.008% من حروف القرآن الكريم, وما ذاك إلا لأنها نفذت إلى أصل الأصول وغاية وجود الإنسان في هذه الدنيا الفانية, فهي لا تقرر إلا حقيقة واحدة, ألا وهي  معرفة الله تعالى (الله أحد) وما يستلزم هذه المعرفة من طلبه والخضوع له وحده لأنه (الله الصمد) والبراءة من كل ما يقدح في كماله سبحانه أو استحقاقه وحده للعبادة لأنه (لم يلد ولم يولد, ولم يكن له كفوا أحد).

قد يقول القارئ الكريم : وما الجديد في هذا؟ كل المسلمون قد علموا هذا وتلقنوه وهم صغار بل ورضعوه مع حليب أمهاتهم, فما فائدة هذا التنظير؟

حسناً, ليس في هذا من جديد- على الأقل من الناحية النظرية- ولكن هلموا بنا في محاولة لرصد أنشطة كثير من المشتغلين بالدعوة (إلى الله) ولاحظ معي رعاك الله أننا نتحدث عن الدعاة إلى أي شيء؟ إلى الله عز وجل.

ترى ما هو حجم دعوة التوحيد ومعاني سورة الإخلاص في محاضراتهم وبرامجهم وحواراتهم؟

لقد كانت المرتبة الأولى في الدعوة في الكتاب والسنة هي التركيز على جانب التوحيد , فأي مرتبة تحتلها هذه الدعوة في أجندة كثير من الدعاة اليوم؟

هل صحيح أن المسلمين قد عبروا هذه القنطرة وباتوا محصنين من أدواء الإيمان العاصفة بجذوره من شغاف القلب, فلا  يكون حينئذ قيمة للحديث عن هذا الشأن بين المسلمين؟ حسناً, فما شأن أولئك الذين يشتغلون بخطاب الآخر , ما بالهم لا يتحدثون إلا عن المشتركات والتركيز عليها والمجافاة عن أسباب الفرقة حتى لو كانت هذه الأسباب هي التوحيد ولوازمه الثابتة؟

إنه ليحزننا أن كثيراً من المشتغلين بالدعوة اليوم لم يرفعوا بهذه الدعوة رأساً ولم يضعوها نصب أعينهم مع أن الداعية إلى (الله) لا يملك إلا اتباع سبيل أعظم الدعاة إلى الله تعالى وفي مقدمهم  أعظم داعية , نبينا محمد عليه وعلى آله أفضل الصلاة والسلام (قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين).   

استميحكم عذراً في ذكر بعض الظروف التي دعتني إلى حديثي هذا. كنت أجادل رجلاً يحفظ كتاب الله بشكل مدهش حتى أنه يستظهر أرقام الآيات والسور. هذا الرجل يعد نفسه من الخطباء والدعاة في أحدى الأقليات المسلمة في الغرب. حضرت له خطبة جمعة يوماً من الأيام, وكانت خطبته مليئة بالكلمات البراقة التي بحسبها الظمآن ماءً حتى أن بعض المصلين ليؤخذون بكلامه فيبتدرونه بالسلام والتقبيل فور الفراغ من الصلاة.

كان حديثه (كشكولاً) من الأفكار حول الأخلاقيات والآداب قام بنثرها بين يدي الخطبة و في آخرها ليضع الوجبة الرئيسية في وسط الخطبة , وبهذه الآلية تتسلل الفكرة إلى عقول الناس وقلوبهم من حيث لا ينتبهون.

كانت وجبته الرئيسية هي تقرير إيمان اليهود والنصارى وأن إكفارهم غلواً وتنطعاً ما أنزل الله به من سلطان! وأن هذه المسألة لم يفهمها المسلمون على وجهها في القرون الأولى ليأتي هو ويرمي بسهمه في كبد الحقيقة!

لا أخفيكم أن مشاعر الذهول والفزع قد تملكتني حينها, ولكني قلت لعلى لم أفهم مراد الرجل فلا أقل من مناقشته في أسرع وقت, وليكن بعد الصلاة.

الخلاصة أن النقاش الذي امتد مع هذا (الحافظ للقرآن) إلى أكثر من جلسة أدى بي إلى التوقف عن الصلاة خلفه لأنه لم يعد له حظٌ في الإسلام فقد استوت في قلبه أنوار (لا إله إلا الله) وظلمات (الله ثالث ثلاثة).

وهنا يحضر بقوة قول الحق تبارك وتعالى ( واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فاتبعه الشيطان فكان من الغاوين. ولوشئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الارض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث , ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا فاقصص القصص لعلهم يتفكرون) وحديث  النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم الثابت في الصحيح أن أول من تسعر بهم النار يوم القيامة ثلاثة, وذكر منهم رجلا تعلم العلم والقرآن لا لشيء إلا ليقال عنه عالم وقارئ... وقد قيل .

ولكن العجيب في الموضوع هو تعاطي العامة مع ما يطرح, والذي يُنبئُ عن جهل عميق وكارثي لأولويات الدين.  يحدثني بعض الإخوة المتذمرين من هذا الخطيب وأضرابه الكثر في مجتمعات الأقليات أنه في إحدى خطبه تحدث مقرراً إباحة الفوائد البنكية الربوية , وهذا مالم يحتمله المصلون, حيث قام بعضهم والخطيب على منبره وعلت أصواتهم ونكيرهم عليه وكثر اللغط وكاد الأمر أن يصل إلى الاشتباك بالأيدي. لم يظهر هذا الخطيب بعد هذه الحادثة شهوراً عدة قبل أن يعود ولكن دون أن يطرق موضوع الفوائد هذا.

ما يحرص هذا الخطيب عليه مراراً هو مسألة تقرير إيمان اليهود والنصارى في خضوع تام لكتابه الذي استبدله بكتاب الله, اسمه كتاب (راند).

هؤلاء  الناس أنفسهم بعد خطبة تدمر أصل الإيمان كهذه يحتفون بالخطيب ويشكرونه على هذه المبادئ التي يقررها لهم..

ألم أقل لكم أن كل واحد منا بلا استثناء يحتاج أن يجدد إيمانه ويتعهده.

(وكأين من آية في السماوات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون . وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون)

سبحانك يا رب وتعالى شأنك وجلت قدرتك , ما قدرناك حق قدرك ,لا إله إلا أنت, نسألك أن تتوفانا مسلمين وأن تلحقنا بالصالحين.

المصدر: http://www.awda-dawa.com/Pages/Articles/Default.aspx?id=2976

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك