أمـتنا وكـرة الـقدم؟!

أمـتنا وكـرة الـقدم؟!

صلاح فضل توقة

 

تحتل كرة القدم مكانة كبيرةُ، ومنزلة رفيعة لدي الكثير من دول العالم، يستوي في هذا غنيها وفقيرها، حتى صارت اللعبة الشعبية الأولي، ومعشوقة الجماهير التي استولت علي قلوب وعقول مشجعيها، ولا تستطيع أي رياضة أخري أن تزحزحها عن هذه المكانة، أو تنافسها عليها.

 وأصبح المشجعون بمثابة الجنود، والحماة المخلصين لفرقهم الرياضة يفدونها بأرواحهم، ومن أجلها يجودون بأموالهم وأوقاتهم.

وتشجيع كرة القدم تحول إلي طقوس، ورموز، وألون، وتمائم  يتعلق بها اللاعبين والمشاهدين، ترتبط بها أفراحهم وأحزانهم، وعليها تنعقد الآمال في التقدم والنهضة والرقي بين الأمم.

والمشهد في عالمنا الإسلامي لايختلف عما هو عليه في دول العالم بل قد يزيد 

ولكن ما تختلف فيه أمتنا الإسلامية عن الأمم الأخرى هو: أننا أمة ذات رسالة تسعي من أجل تحقيقها وإنجازها من خلال منهج رباني تنتهجه وتسير عليه.

قال تعالي: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) (آل عمران: من الآية110)  ومن أجل هذه الرسالة، يُسخر الإنسان نفسه وعمره وأهله وماله وكل ما حباه الله من إمكانات ونعم.

والسؤال هنا : وكرة القدم حالها في الأمة كما نري ونسمع كل يوم، فما هي تأثيراتها علي حاضر الأمة ومستقبلها ؟

والإجابة علي هذا السؤال تقودنا إلي الحديث عن واقع مؤلم مرير تمر به الأمة مهما حاولنا من تجميله، أو تجاوزه لايغيير منه شيء، ولهذا لا بد لنا وقفة تحليلية لنري ما أحدثته هذه اللعبة في حياة أمتنا الإسلامية

التأثير السلبي في عقيدة الولاء والبراء

إن جنون تشجيع كرة القدم الذي أصاب الناس، وحمية الجاهلية التي تنتابهم أضعفت في قلوبهم عقيدة الولاء والبراء، وفي أحيان قد تزلزلها من صدورهم.

(إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ) (المائدة:55)  (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (التوبة:71)  وعقيدة الولاء والبراء فريضة ربانية، وسياج يحمي هوية الأمة وتميزها عقائديا واجتماعيا وثقافيا، ومع هذه الأهمية تضيع في ساحات اللعب ومدرجات التشجيع، وفي الشوارع، والمنازل، والملتقيات...........

 ومن ملامح ضياع عقيدة الولاء والبراء بسبب تشجيع كرة القدم:.

ولاء النصرة والتأييد للكافرين من مدربين، ولاعبين كفار لايدينيون بدين الإسلام ومحبتهم،وتفضيلهم علي أخوة الدين بل وبغضهم وعدواتهم.

ومن هذه المظاهر رفع أعلام الفرق،وارتداء قمصانهم التي تحتوي علي صلبان وتمائم يحرمها الإسلام.

يقول أبو الوفاء بن عقيل الحنبلي: "إذا أردت أن تعلم محل الإسلام من أهل الزمان، فلا تنظر إلى زحامهم في أبواب الجوامع، ولا ضجيجهم في الموقف بلبيك، وإنما انظر إلى مواطأتهم أعداء الشريعة، عاش ابن الراوندي والمعري - عليهما لعائن الله - ينظمون وينثرون كفراً.. وعاشوا سنين، وعظمت قبورهم، واشتريت تصانيفهم، وهذا يدل على برودة الدين في القلب "

الاستهانة بالعبادات والشعائر الإسلامية

غالباً ما تقام مباريات كرة القدم في أثناء أوقات الصلاة، وللأسف الشديد فإن كثيراً ممن يواظبون علي أداء الصلاة في المسجد يتخلفون عنها يوم المبارة هذا إذا كانوا في المنزل،إما إن كانوا يشاهدون المباريات في الملاعب، فإنهم يذهبون منذ الصباح لحجز أماكن لهم، وهذا يضيع عليهم صلوات اليوم والليلة !

كماأن هناك من عشاق الكرة،من يفضل السفر لحضور فعاليات المسابقات الكروية في الخارج علي أن يؤدي فريضة الحج !

وهناك من يأتي بالمصحف من اللاعبين، أو المدربين ويرفعه أمام الجماهير،وكأن المصحف تحول إلي تميمة، أو حجاب يتبرك به من أجل الفوز بالمبارة !

هناك أيضاً من يقوم بالذبح في الملاعب لا لأجل شيء إلا لفك النحس وعودة انتصاراتهم كما يدعون ! ولا شك في أن في مثل هذه الأفعال ما يشبه أفعال الجاهلية التي حرمها الإسلام مثل اتخاذ التمائم،والذبح لغير الله.

والعجيب أيضا أنه في مضمار اللعب هناك من يقوم بالسجود شكراً لله علي إحراز هدف، فهل يقبل هذا السجود علي هذه الهيئة؟! وفي ظروف أقل ما يمكن قوله دون جدال أن عورة الرجل المغلظة مجسمة، وساقه مكشوفة من فخذيه إلي قدميه !.

تغييب الشباب عن واقع أمتهم وقتل طموحهم

لقد تسببت كرة القدم في تغييب قطاع كبير من شباب المسلمين عن واقع أمتهم والاهتمام بقضاياها والإنفعال مع مشكلاتها، حيث أصبحوا غارقين في تشجيع أنديتهم وفرقهم الرياضية، وتحولت إلي طموح، وهدف يصبون إلي تحقيقة، فقتلت فيهم الطموح الحقيقي نحو التفوق والريادة، واتخذوا من اللاعبين قدوة ومُثل عليا، فصارت أسمي أمانيهم أن يكونوا لاعبين إلي جوارهم،وإن ضعفت بهم الأمنيات والآمال صارت أسماها أن يحصلوا علي توقيعاتهم أوصورهم للذكري والفخر بين أقرانهم.

فأين هؤلاء من الإقتداء برسول الله صلي الله ؟!

(لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً) (الأحزاب:21)  أين هم من الإقتداء بالصحب الكرام رضي الله عنهم،والقادة العظام؟!

لقد تسببت كرة القدم في ضعف الأداء الدراسي لدي الكثيرين من هؤلاء الشباب وفي أحيان كثيرة كانت مدعاة للفشل، وتبريره بحجة أن مستقبله في لعبة كرة القدم وليس في دراسة وتحصيل العلم، يستوي في هذا العلم الشرعي والعلم الدنيوي.

إن الأمة التي تفقد شبابها علي هذا النحو تكون فقدت حاضرها ومستقبلها، فكيف بأمة جل من صنع مجدها وتاريخها كانوا شبابا؟!

 إعاقة مسار الأمة نحو الرقي والتقدم.

حيث تختزل كل أمجاد الأمة في كرة القدم، فيكون نصرها انتصارا للأمة،وهزيمتها هزيمةً للأمة ! وهكذا وبعيداً عن أى تفكير أو منطق، جعلوا من الكرة  مقياساً للرقي والتحضر، والتقدم، والتخلف.

فسلطت عليها الأضواء، وأشتهر لاعبيها بين أبناء الأمة، وصاروا مادة للإعلام بشتى وسائله، وأضحوا نجوما للمجتمع يشار إليهم بالبنان يتحدثون في كل شيء حتى في الأمور الشرعية ولا حرج عليهم! يوجهون الأمة فُيسمع لهم، وللأسف الشديد منهم الجهلة وأنصاف المتعلمين،ومن لا يفقهون في أمر دينهم. وهذا ما أخبرنا به النبي في الحديث الذي يروى ابن ماجة في سننه عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (سيأتي على الناس سنوات خداعة يُصَّدق فيها الكاذب، ويُكذَّب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن ويخون فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة)، قيل: وما الرويبضة؟ قال: (الرجل التافه يتكلم في أمور العامة)

وأصبح العقل الجمعي للأمة يعتز، ويزهو بانتصارات كرة القدم وينكسر للهزيمة، فأصبح حال الكثيرين من المسلمين، لايفكر فيما فيه الأمة من ضعف وهوان وتخلف وضياع بسب ذلك!، ومن هنا صارت كرة القدم كأفيون للأمة تُغيب به عن الوعي، وتُبعد به عن رسالتها لتظل في سبات عميق وأوهام مرضية، ولتبقي أسيرة في المجد المتوهم والنصر المزعوم لكرة القدم.

وفي المقابل تم تهميش المجالات الأخرى شرعية،وعلمية وصناعية وتقنية وزراعية وتجارية،...الخ، وإقصاء أربابها من العلماء والأساتذة، والفنيين وغيرهم وهم الصفوة الحقيقة للمجتمع، مما أصاب هذه المجالات بالجمود والتخلف، نتيجة الإهمال المتعمد من قبل المسؤلين عن مقدرات الأمة،وهجرة الكثير من العقول الفائقة إلي الغرب بسبب هذا التجاهل، مما أدي إلي تخلف الأمة علمياً، وسياسياً، واقتصادياً، فقبعت في ذيل الأمم تابعة ذليلةً، عاجزة عن إستثمارثرواتها،وصناعة نهضة حقيقة ترتقى بها إلي مصاف الأمم المتقدمة.

تضيع أموال الأمة

تُخصص حكوماتنا الإسلامية في ميزانياتها،المبالغ الطائلة للإنفاق علي لعبة كرة القدم، وما يتعلق بها من متطلبات، وتقتطع هذه المخصصات المالية من موارد للدولة علي حساب القطاعات الحيوية، والخدمية التي تحتاج إليها المجتمعات كالتموين والتعليم والصحة، وغيرها من القطاعات والمرافق العامة والخدمية. مما يجعلها عاجزة عن تلبية حاجات أفراد المجتمع، وهو ما نشاهده في ضعف أداء هذه المرافق ممثلة في المجمعات الاستهلاكية والمدارس والجامعات، والمراكز البحثية، والمستشفيات.

وعلي مستوي الأفراد، هناك من ينفقون ببذخ شديد علي اللاعبين والأندية ويدعمونهم بمليارات الدولارات،هذا في الوقت الذي تتزايد فيه أعداد الفقراء والجوعي، والمرضي، والأيتام، وغيرهم من المستضعفين، وذوي الحاجات  الذين لا يجدون من يدعمهم أو ينفق عليهم.

وكل هؤلاء في حاجة إلي من يساعدهم، ويمد لهم يد العون ليواصلوا الحياة، ولا شك في أن مثل هذه الأموال الطائلة لو وظفت لصالح هذه الفئات المستضعفة لتغير حالها إلي الأفضل والأحسن، مما يعود علي الأمة في مجموعها بالرقي والتقدم.   

القطيعة بين المسلمين وإحياء النزاعات بينهم

من أسوء ما يفضي إليه تشجيع كرة القدم من نتائج: القطيعة بين المسلمين،وإثارة النعرات القومية والوطنية فيما بينهم، وإذا كان أعداء الأمة قد نجحوا قديماً في سلخها عن أخوة الإيمان، التي أرساها الإسلام في قول الله تعالي : "إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ "  (الحجرات:10) فصار الناس يعلون من روابط القومية والعرقية علي إخوة الدين والإيمان، فمضي الخلاف بين الأمة علي مستوي الأوطان،والأعراق والطوائف،والقوميات،وظن القوم أن الحال ستبقي علي ذلك حتي انتشرت كرة القدم وصارت كما بينا آنفا، فأزكت صراع العصبيات بين المسلمين، وأشتعلت الفتن بين الدول الإسلامية، وعمت الكراهية بين شعوبها، مثلما حدث بين مصر والجزائر بسبب: مبارياتهما معا في تصفيات كأس العالم 2010، حتي وقعت القطيعة بين الدولتين وصارت بينها حربا إعلامية وسياسية واقتصادية، لم تنتهي إلا بعد زوال نظام مبارك، هذا علي مستوي الدول.

وعلي المستوي المحلي الداخلي، كادت أن تتقطع أواصر الوطن الواحد بسبب تعصب كل إقليم أو محافظة لفرقها الرياضية، وأنتشرت بين أبناء الوطن مشاعر الحقد والكراهية،والنبذ والعنصرية والعداء، وأقرب مثال علي هذا ماوقع في محافظة بورسعيد المصرية بسبب مبارة كرة قدم ! بين فريقي المصري البورسعيدي، والأهلي القاهري،والتي راح ضحيتها مئات القتلى والمصابين، وأدي ذلك لحصار محافظة بورسعيد بأكملها ومنع دخول الدواء،أو الغذاء، أو أي شئ آخر !

ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل أكثر من ذلك، ان الكراهية والقطعية وصلت إلي داخل البيت المسلم، بين الزوج وزوجه، وبينهم وبين الأبناء، فكان من نتيجته وقوع الطلاق وتفكك الأسرة، والجفوة والعقوق بين الآباء والأبناء.

هذا علاوة علي ما يرتبط بتشجيع كرة القدم من إختلاط ومجون في المدرجات،وتدني مستوي الأخلاقيات، مع إنتشار الفواحش والسلوكيات الخاطئة في كل مكان يتجمع فيه مثل هذه النوعيات من مجانين كرة القدم.

إن حال أمتنا مع كرة القدم يحتاج إلي توصيف وتشخيص يفضي إلي علاج ووضع حلول جذرية لهذه الفتنة التي تهوي بالأمة في مهاوي الجاهلية والتخلف وهذا يحتاج إلي تضافر الجهود بين علماء الفقه والشريعة والتربية والاقتصاد وعلم النفس والاجتماع والخدمة الاجتماعية، لوضع تصور وخطط للقضاء علي الآثار الناجمة عن تشجيع كرة القدم.

والأمر الذي نحتاجه سريعا هو رأي فقهائنا في حكم الحاصل في كرة القدم، وما الأموال المتحصلة منها لكل من له صلة بها من لاعبين ومدربين وإداريين...إلخ، وذلك بناء علي التوصيف السابق.     

المصدر: http://www.awda-dawa.com/Pages/Articles/Default.aspx?id=8909

أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك