أدب الحوار

أدب الحوار

يعقوب احمد الشراح

 

يختلف الناس على طريقتهم في الحوار وتوصيل ما لديهم من أفكار للآخرين، فهناك من يلجأ إلى حوار مشحون بالانفعالات وبعيد عن العقلانية، خصوصا إذا كان الموضوع المطروح يمس في جوانبه مصالح خاصة وامورا شخصانية ولا يفيد الناس بشيء. إن توصيل القضايا للناس لا يتطلب انفعالا أو اندفاعا نحو المساس بالطرف الآخر. فالفرق بين الحديث عن الأشخاص مختلف تماما عن الحديث في الموضوع عند المستمع. والناس عادة تتقبل الطرح الموضوعي وتعزف عن الطرح الشخصاني غير المحايد.

 

أدب الحوار ظاهرة أصبحت تدرس في المدارس والجامعات، وتدخل في حيز علم اللغات والاستماع والنقاش وتبادل الرأي واحترام الآراء المختلفة رغم اختلاف الناس عليها، فهذا الحوار النافع لا يأتي نفعه من فراغ، وإنما من قواعد ومعايير متعارف عليها عند أهل العلم والأخلاق والتواصل اللغوي والفكري، فهو حوار فكري يتصف عادة بعناصر مهمة مثل وضوح الألفاظ، حسن اختيار الكلمات، عقلانية الطرح الفكري، احترام الرأي الآخر، حسن الاستماع والإنصات، حرية التعبير، الهدوء وعدم التشنج في الطرح، عدم الصراخ وعلو الصوت وعدم التعالي وغيرها.

 

الكثير منا، مع الأسف، لا يتقيد بأصول الحوار البناء والموضوعي، فنجد البعض يعلو صوته بالصراخ، والبعض الآخر يرفع وتيرة كلامه المحمول بالطعن في الذمم، والتطاول والمساس... غالبية أحاديثنا تطغى عليها العاطفة والتشنج بعيدة عن العقلانية أو التفاهم من اجل الاتفاق أو الوصول إلى نتائج ايجابية. صور شتى من حوارات سخيفة تشاهدها يوميا إما بالنشر وإما بالتصريح وإما المواجهة الكلامية بين الأطراف المتناحرة مثل تلك الحوارات التي نشاهدها في مجلس الأمة أحيانا أو السجالات الاعلامية في المنتديات الفكرية والصحافة والتلفزيون.

 

نتمنى أن يدرس أدب الحوار لشبابنا في المدارس والجامعات، فتدريس التفكير أو كيف نفكر أصبح اليوم علما يقبل عليه الطلبة في الجامعات، بل إن الناس بمستوياتهم الفكرية والعلمية وقدراتهم اللغوية أصبحوا في هذا الزمن المليء بالخلافات والتناحر أكثر ميلا إلى الحوار الهادئ البناء، لأن في ذلك مساحة اكبر للتفاهم والتواصل ومعالجة المشكلات.

 

إن أدب الحوار منهجية عقلانية وأخلاقية يرفع من شأن الفرد، ويحقق التواصل والتعاون والتسامح، واحترام الرأي الآخر، وإذا كانت حرية الرأي مكفولة دستوريا فإن ذلك لا يعني الانفلات وفوضى السلوك والإساءة، وإنما يعني حرية الرأي في إطار القانون.

 المصدر: صحيفة الراي الكويتية

 

أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك