ترْك الخلاف لتأليف القلوب

ترْك الخلاف لتأليف القلوب

عبد السلام ياسين

 

من أهم أسباب الاختلاف الهدّامِ تمسكُ البعض باجتهادات فرعيَّةٍ خلافيةٍ، أو تشدُّدُهم في مستحباتٍ يجعلونها بمثابة الواجب. فكلُّ من خالفهم في ذلك اعتبروه ساقطا من الاعتبار، بل عادَوْهُ وثَلَبُوهُ. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "قد يكون تركُ المستحباتِ لمعارِضٍ راجحٍ أفضلَ من فعلها. بل الواجباتُ كذلك (أيْ ترك واجبٍ أقلَّ خطرا إن تعارضَ فعلُه مع واجبٍ أعظمَ خَطراً). ومعلوم أنَّ ائتلافَ قلوب الأمة أعظمُ في الدين من بعض هذه المستحبات. فلو تركها المرءُ لائتلاف القلوب كان ذلك حسنا.(...) وقد أخرجا في الصحيحين عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: "لولا أنَّ قوْمَكِ حديثو عهد بجاهلية، لنَقَضْتُ الكعبةَ، ولألْصقتُها بالأرض، ولَجَعَلْتُ لها بابا يَدْخُلُ الناسُ منه، وبابا يخرجون منه". وقد احتج بهذا الحديث البخاري وغيرُه على أنَّ الإمام قد يترك بعضَ الأمور المختارةِ لأجل تأليف القلوب ودفْع نَفْرَتِها. ولهذا نص الإمامُ أحمد على أنه يُجْهَرُ بالبسملة عند المعارض الراجح".[1]

 

وهنا أصل عظيم نحتفظ به للأيام البيض، أيام الخلافة الثانية على منهاج النبوة إن شاء الله تعالى، حين يتعين أن يعود الدين يُسرا كما كان، ويجتهد الإمام ليسَوِّيَ أسبابَ الخلاف. وإنَّ من الرَّزِيَّة أن يَشْتَغِلَ المسلمون بالنـزاع في الفروع والمستحبات ويضيعوا الواجبَ الأعظم، وهو تآلُف القلوب، ووحدة الصف، وإقامةُ الصرح المهدوم من الدين. كيف يتقاتل بعضُهم على عدد دَرَجِ المنبر وبيتُ المقدس تلعب فيه بذِمتنا وأعراضنا صِبْيَةُ اليهود؟

 

إن التعاملَ مع المتنطّعين في مراحل إعداد القومة ينبغي أن يَتَّسِمَ بكثير من الرفق حفاظا على جهودنا أن تتبعثر في الجَدلِ العقيم. وإنَّ الجهاتِ المستفيدةَ من خلاف المسلمين تدعَمُ الفئات المتطرفةَ بالمال والتدريب لتُرْجِعَهم إلى أوطان المسلمين يمثلون بيننا مصالح الشيطان، يُخَرِّبُونَ ويُدمرون. نهجرهم هجرا جميلا قبل قيام دولة الإسلام. لكن بعد استتبات الأمر إلينا لا نُضِيعُ وقتا في تحمُّلِ صبيانيات العامة المنتصبين للفتيا وتكفـير المسلمين، بل يُمْسَكُ بأيديهم كما يُمسَكُ بيد الصبي لكيلا يُهلِكَ نفسه والناس أجمعين.

 

----

[1] رسالة "خلافة الأمة"، الرسالة المنيرية ج2 ص124.

 

المصدر: مقتطفات من كتاب: (إمامة الامة) لعبد السلام ياسين

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك