العفو وأثره في الدعوة إلى الله

العفو وأثره في الدعوة إلى الله

بقلم: د. حمزة بن سليمان بن راشد الطيار *

 

 إن من سماحة الأخلاق في الإسلام أن يعفو الإنسان عن الآخرين ويسامحهم ويتجاوز عنهم، قال الكفوي: “العفو: كف الضرر مع القدرة عليه وكل من استحق عقوبة فتركها فهذا الترك عفو، والعفو عن الذنب يصح رجوعه إلى ترك ما يستحقه المذنب من العقوبة، وإلى محو الذنب وإلى الإعراض عن المؤاخذة كما يعرض المرء عما يسهل على النفس بذله”.
وقال الراغب: “والعفو: القصد لتناول الشيء، والعفو هو التجافي عن الذنب، وتعاطي العفو عن الناس”
وقال ابن الأثير: “العفو من أسماء الله تعالى وهو فعول من العفو وهو التجاوز عن الذنب وترك العقاب عليه وأصله المحو والطمس، وهو من أبنية المبالغة”
وقال الطيبي – رحمه الله -: “العفو يمحو السيئات، ويتجاوز عن المعاصي، وهو أبلغ من الغفور لأن الغفران ينبئ عن الستر، والعفو ينبئ عن المحو وأصل العفو: القصد لتناول الشيء، سمي به المحو؛ لأنه قصد لإزالة الممحو وحفظ العبد منه ظاهر، قال الشيخ أبو القاسم: من عرف أنه تعالى عفو، طلب عفوه، ومن طلب عفوه تجاوز عن خلقه فإن الله تعالى بذلك أدبهم وإليه ندبهم وإن الكريم إذا عفا حفظ قلب المسيء عن الاستيحاش بتذكيره سوء فعله، بل يزيل عنه تلك الخجلة بما يسبل عليه من ثوب العفو، ويفيض عليه من ذيول الصفح، وعفو الله تعالى عن العباد ليس مما يستقصي بالعبارات كنه معانيه”
وقد أخبر القرآن الكريم أن العفو من أسماء الله الحسنى وصفاته العلا، قال تعالى: {فَأُوْلَـئِكَ عَسَى اللّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللّهُ عَفُوّاً غَفُوراً } [النساء: 99]. وقال سبحانه: {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنكُم مِّن نِّسَائِهِم مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَراً مِّنَ الْقَوْلِ وَزُوراً وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ } [المجادلة: 2]. وجعل الله العفو من صفات المتقين قال تعالى: {وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ } [آل عمران: 133 - 134].
قال السعدي – رحمه الله -: “ومن أوصاف المتقين أنهم إذا حصل لهم من غيرهم أذية توجب غيظهم فإنهم لا يعملون بمقتضى الطباع البشرية بل يكظمون ما في القلوب من الغيظ ويصرون عن مقابلة المسيء إليهم، ويدخل في العفو عن الناس، العفو عن كل من أساء إليك بقول أو فعل، والعفو أبلغ من الكظم، لأن العفو ترك المؤاخذة مع السماحة عن المسيء وهذا إنما يكون ممن تحلى بالأخلاق الجميلة، وتخلى عن الأخلاق الرذيلة، وممن تاجر مع الله، وعفا عن عباد الله رحمة بهم، وإحساناً إليهم وكراهة لحصول الشر عليهم، وليعفو الله عنه ويكون أجره على ربه الكريم لا على العبد الفقير”
وقد أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بالصفح والعفو، قال تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ } [آل عمران: 159]. وقال جلَّ شأنه: {فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُواْ حَظّاً مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىَ خَآئِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمُ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ } [المائدة: 13]. وقال سبحانه: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ } [الأعراف: 199]. وقال جلَّ شأنه: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ } [الحجر: 85]. وبيَّن الله سبحانه عاقبة العفو والصفح فقال جلَّ شأنه: {وَلَا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } [النور: 22]. وبيَّن الله تعالى أن ثواب وأجر الذي يعفو على الله فقال عزَّ من قائل: {وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ } [الشورى: 40]. وقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوّاً لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } [التغابن: 14]. وقال: {وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إَلاَّ أَن يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } [البقرة: 237]. ولقد كان من دعاء المؤمنين طلب العفو من الله، قال سبحانه: {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ } [البقرة: 286].
وهذه النصوص جميعها تدل على التأكيد على خلق العفو والذي يدل بدوره على سماحة الأخلاق في الإسلام وكذلك أيضاً قد حثت السنَّة النبوية على العفو والمسامحة فعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن الربيع – وهي ابنة النضر – كسرت ثنية جارية، فطلبوا الأرش وطلبوا العفو، فأبوا فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فأمرهم بالقصاص، فقال أنس بن النضر: أنكسر ثنية الربيع يا رسول الله؟ لا والذي بعثك بالحق لا تكسر ثنيتها، فقال: “يا أنس كتاب الله القصاص، فرضي القوم وعفوا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره”
ومن سماحة الأخلاق العفو عن المسيء فعن اسامة بن زيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم: ركب حماراً عليه إكاف تحته قطيفة فدَكية، وأردف وراءه أسامة بن زيد وهو يعود سعد بن عبادة في بني الحارث من الخزرج، – وذلك قبل وقعة بدر – حتى مر في مجلس فيه أخلاط من المسلمين والمشركين عبدة الأوثان، واليهود، وفيهم عبدالله بن أبي بن سلول، وفي المجلس عبدالله بن رواحة فلما غشيت المجلس عجاجة الدابة خمر عبدالله بن أبي أنفه بردائه، ثم قال: لا تغبروا علينا. فسلم عليهم النبي صلى الله عليه وسلم ثم وقف فنزل فدعاهم إلى الله، وقرأ عليهم القرآن، فقال عبدالله بن أبي بن سلول: أيها المرء لا أحسن من هذا إن كان ما تقول حقاً، فلا تؤذنا في مجالسنا، وارجع إلى رحلك فمن جاءك منا فاقصص عليه، فقال ابن رواحة: اغشنا في مجالسنا فإنا نحب ذلك، فاسْتب المسلمون والمشركون واليهود حتى هموا أن يتواثبوا، فلم يزل النبي صلى الله عليه وسلم يخفضهم، ثم ركب دابته حتى دخل على سعد بن عبادة فقال: أي سعد، ألم تسمع ما قال أبو حُباب – يريد عبدالله بن أبي – قال كذا وكذا قال: اعف عنه يا رسول الله واصفح، فوالله لقد اعطاك الله الذي اعطاك، ولقد اصطلح أهل هذه البحيرة على أن يتوجوه فيعصبونه بالعصابة، فلما رد الله ذلك بالحق الذي أعطاك شرق بذلك، فذلك فعل به ما رأيت فعفا عنه النبي صلى الله عليه وسلم.
وفي الحث على العفو جاء عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إن الأنصار كرشي وعيبتي، وأن الناس سيكثرون ويقلون، فأقبلوا من محسنهم واعفوا عن مسيئهم”
وفي مسامحة الخادم والعفو جاء عن عبدالله بن عمر رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله كم نعفو عن الخادم؟ فصمت، ثم أعاد إليه الكلام، فصمت فلما كان في الثالثة قال: “اعفوا عنه في كل يوم سبعين مرة”
وحث رسول الله صلى الله عليه وسلم على السماحة والعفو، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبداً يعفو إلا عزاً، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله”
وعلم النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه فضل سماحة الخلق والعفو والغفران، فعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: كنت جالساً عند النبي صلى الله عليه وسلم، إذ أقبل أبوبكر آخذاً بطرف ثوبه حتى أبدى عن ركبته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “أما صاحبكم فقد غامر، فسلم وقال: يا رسول الله، إني كان بيني وبين ابن الخطاب شيء، فأسرعت إليه ثم ندمت، فسألته أن يغفر لي فأبى علي، فأقبلت إليك فقال: يغفر الله لك يا أبا بكر (ثلاثاً) ثم إن عمر رضي الله عنه ندم، فأتى منزل أبي بكر فسأل: أثم أبوبكر؟ فقالوا: لا فأتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم فجعل وجه النبي صلى الله عليه وسلم يتمعر، حتى أشفق أبوبكر فجثا على ركبتيه فقال: يا رسول الله، والله أنا كنت أظلم (مرتين) فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “إن الله بعثني إليكم فقلتم: كذبت، وقال أبوبكر: صدق، وواساني بنفسه وماله، فهل أنتم تاركو لي صاحبي؟ (مرتين). فما أوذي بعدها”
وعن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال وهو على المنبر: “ارحموا ترحموا، واغفروا يغفر لكم، ويل لأقماع القول، ويل للمصرين الذين يصرون على ما فعلوا وهم يعلمون”
ولقد كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم السماحة والعفو عمن يسيء إليه، فعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: “كأني أنظر إلى رسول الله يحكي نبياً من الأنبياء ضربه قومه، وهو يمسح الدم عن وجهه ويقول: “رب اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون”
ومن سماحة خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم ما جاء عن عائشة رضي الله عنها: قالت: “ما ضرب رسول الله شيئاً قط بيده، ولا امرأة ولا خادماً إلا أن يجاهد في سبيل الله وما نيل منه شيء قط فينتقم من صاحبه، إلا أن ينتهك شيء من محارم الله، فينتقم لله عزَّ وجلَّ”
ومن نماذج توجيه النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه رضي الله عنهم إلى السماحة والعفو ما جاء عن أبي مسعود البدري رضي الله عنه قال: كنت أضرب غلاماً لي، فسمعت من خلفي صوتاً: “اعلم، أبا مسعود! الله أقدر عليك منك عليه” فالتفت فإذا هو رسول الله، فقلت: يا رسول الله هو حر لوجه الله، فقال: “أما لو لم تفعل، للفحتك النار، أو لمستك النار”
ولخلق العفو أثر فاعل في الدعوة إلى الله تعالى فإن السماحة والصفح والعفو تحبب المدعوين، وتقربهم من الداعية، “لأن من فوائد سماحة النفس والعفو أن الإنسان من خلالها يستطيع أن يظفر بأكبر قسط من محبة الناس له، وثقة الناس به، لأنه يعاملهم بالسماحة والبشر ولين الجانب والتغاضي عن السيئات والنقائص فإذا دعاه الواجب إلى تقديم النصح كان في نصحه رفيقاً ليناً، سمحاً هيناً يسر بالنصيحة ولا يريد الفضيحة يسد الثغرات، ولا ينشر الزلات والعثرات، ويعامل الناس بالعفو والسماحة في الأمور المادية، ويجلب سمح النفس الهين لنفسه الخير الدنيوي بتسامحه، وذلك لأن الناس يحبون المتسامح الهين اللين، فيميلون إلى التعامل معه، فيكثر عليه الخير بكثرة محبيه والواثقين به ويجلب سمح النفس الهين اللين لنفسه رضا الله تعالى والخير الأخروي العظيم ما ابتغى بسماحته رضوان الله عزَّ وجلَّ”
قال الماوردي: “وأما العفو والمسامحة في الأحوال فهي إطراح المنازعة في الرتب، وترك المنافسة في التقدم، فإن مشاحة النفوس فيها أعظم، والعناد عليها أكثر، فإن سامح فيها ولم ينافس كان مع أخذه بأفضل الأخلاق، واستعماله لأحسن الآداب أوقع في النفوس من إفضاله برغائب الأموال ثم هو أزيد في رتبته، وأبلغ في تقدمه وإن شاح فيها ونازع كان مع ارتكابه لأخشن الأخلاق، واستعماله لأهجن الآداب، أنكى في النفوس من حد السيف وطعن السنان، ثم هو أخفض للمرتبة وأمنع من التقدم”
وعن أثر العفو وبيان ذلك يقول الشيخ السيد سابق: “وفي التعويض الذي أعده الله للعافين عن الناس شفاء للنفس وتفريغ للغيظ وإن ذلك أجدى على الإنسان وأحسن عاقبة ولا تستوي الحسنة ولا السيئة في ميزان الحق، إذ السيئة سيئة في قدر الله وفي عرف الناس، والحسنة حسنة في قدر الله وعند الناس كذلك، وإن لكل منهما نتائجه في واقع الحياة وإذا كان ذلك كذلك فلا معدي عما هو من شأنه أن يجمع القلوب ويربط الصلات وليست ثمة أبلغ من حسنة تقدم إلى المسيء فهي تذكره بالإنسانية التي مجدها من جانب، وتعيده إلى مودة أخيه من جانب آخر فطالما استعيد الإنسان إحسان وهذا معنى لا يظفر به إلا الذين زكت نفوسهم، وسمت أرواحهم فكانوا حكماء يعرفون للخير مواضعه، وللشر مواضعه كذلك.
ومن خلال ما سبق تتضح أهمية خلق العفو في الدعوة إلى الله، إذ يقطع دابر الشحناء بين الداعية والمدعو وفيما بين الناس فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: “قدم عُيينة بن حصن بن حذيفة فنزل على ابن أخيه الحر بن قيس، وكان من النفر الذين يُدنيهم عمر، وكان القراء أصحاب مجالس عمر ومشاورته كهؤلاء كانوا أو شباناً فقال عُيينة لابن أخيه: يا ابن أخي لك وجه عند هذا الأمير، فاستأذن لي عليه، قال: سأستأذن لك عليه. قال ابن عباس فأستأذن الحر لعيينة، فأذن له عمر، فلما دخل عليه قال: هي يا ابن الخطاب، فوالله ما تُعطينا الجزل، ولا تحكم بيننا بالعدل. فغضب عمر حتى هم به، فقال له الحر: يا أمير المؤمنين، إن الله تعالى قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: “{خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ } [الأعراف: 199]. وإن هذا من الجاهلين. والله ما جاوزها عمر حين تلاها عليه، وكان وقافاً عند كتاب الله”

* الأستاذ المشارك في قسم الدعوة والاحتساب بكلية الدعوة والإعلام في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية

المصدر: http://www.aldaawah.com/?p=4847

الحوار الداخلي: 
الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك