إيجابيـــــة الخطاب السياسي.. ثقافـــة يجب أن تســـود

إيجابيـــــة الخطاب السياسي.. ثقافـــة يجب أن تســـود

 

نصف الكأس المملوء هي اللغة التي نحتاجها في خطابنا مع الاخر، والتي بامكانها ان تجسر العلاقات فيما بيننا نحن العراقيين، الذين اتعبنا السجال الحاد وليس الجاد، وقد أتسمت حواراتنا غالبا بالسلبية في كل جدل سواء على صعيد الاسرة أو الاعلام او في دنيا السياسة، وكأن قدرنا ان نختلف في كل شيء عبر تركيز رؤيتنا للأشياء على لغة نصف الكأس الفارغ، متناسين ان انسانية الانسان تتجسد في انسه بالاخر باعتبار الكائن البشري مخلوقا اجتماعيا لايهنأ بعيش دون بني جنسه، والعلاقات الانسانية في كل زمان ومكان مفتاحها اللغة التي هي أداة للتواصل والتعبير عن الافكار، وبقدر ماتكون هذه الاداة مرنة وعذبة وجميلة وايجابية فأن بأمكانها ان تفتح القلوب والدروب للوصول الى ضمير الاخر ووجدانه وتؤسس لعملية تواصل ايجابي بناء وارتباط صميمي حميم بين المتخاطبين، ولذلك فبقدر ماتكون لغة الخطاب هادئة ومرنة سوف تختصر الجهد للوصول الى قلب المتلقي وتوثيق العلاقة معه.

 

مثل هذه العلاقة مطلوبة على كل صعيد، ولكنها تتضاعف على الصعيد السياسي في المشهد العراقي الذي أدرك صناع القرار فيه ان آفة الخلاف التي انشبت اظفارها في جسد العملية السياسية لايمكن ان تنتج شيئا مفيدا للبلاء ولا للعب ولا للمختلفين من ارباب السياسة انفسهم، وانما تكرس حالة التشظي التي تهدد النسيج الاجتماعي برمته، وتضع العصي في دواليب الحركة السياسية وتشل الحكومة عن القيام بمسؤولياتها والتي بعضها خدمة الناس واعادة بناء الوطن المدمّر، وهو ماينعكس سلبا على مجمل الحياة اليومية، ويضع السياسيين جميعاً في موضع النقد ودائرة المساءلة، ومن هنا فلا خيار للساسة الا اعادة النظر فيما هم عليه من رؤى ومواقف تتسم في عمومها بالسلبية المعطلة، وهم يدركون جيدا بعد هذه الفترة التي امتدرت سنوات ان لا أحد فيهم رابح من هذه المساجلات والمماحكات المنفّرة، وبالتالي فلا خيار الا التقريب بين المسافات المختلف عليها وبداية الحل تكمن برسائل ايجابية تقدمها كافة الاطراف لبعضها البعض، وادوات تلك الرسائل وآلياتها خطاب ايجابي مفعم بروح المسؤولية التضامنية ومطعّم بلغة الود والاحترام المتبادل وتجنب حالات الاستفزاز التي تصنعها كملة من هنا واخرى في خطاب من هناك، وأحس ان الشعب العراقي يدرك جيدا اين السلب واين الايجاب ومن هو الذي يبحث عن حل للازمات الراهنة ومن هم الذين يتحملون اوزار اثارتها وتغذيتها وتبنيها ويقينا ان هذا الشعب هو الذي يدفع ضرائب تلك السلبيات وفواتير هذه الخلافات ويكتوي بنيران تداعياتها والذي سوف لن يظل متفرجا على الكل وانما يرصد هذه الحالة الخطيرة وسيقول كلمته في موقف مسؤول يعاقب فيه من لايهتم بشؤونه وشجونه ولايعمل على تذليل الصعاب والاتعاب التي تواجهه ويعالجها من ويلاتها.

 

الذي نعتقده ان قدرا كافيا من تلك المساجلات قد اخذ مداه الكافي وزيادة وان وقفة مسؤولة من لدن كل الاطراف قد حانت والوقت قد حل لتلافي مثل هذه الهنات غير الهيّنات.

 

واذا كانت اللقاءات بين الساسة بحد ذاتها مفيدة نافعة فأن تكرارها دون نتائج تذكر سوف يفقدها معناها ومبرراتها وبالتالي قد يتحول عقدها الى مثلبة لا نتمناها لساستنا المحترمين وأحسب ان سقوفا زمنية محددة يجب ان تكون محترمة من قبل المتحاورين لكي نطمئن الشارع أن صناع القرار بحجم مسؤولياتهم وعلى قدر كبير من الوعي لمخاطر الازمات العاصفة بواقعنا المأزوم اساسا وانهم جادون على تخطي اعتاب الخلافات والدخول الى ساحة العمل المشترك المنتج الذي تنتظره الجماهير المتعطشة لحلول ناجحة ناجعة لكل القضايا العالقة والتي تقف حائلا دون التنمية والاستقرار والازدهار علما بان كل عناصر التقدم وموادها الخام متوفرة وموجودة وليس أمام أهل الحل والعقد سوى المبادرة لصناعة المعالجات وتفعيلها وادخالها حيّز التنفيذ وفي ذلك قوة لهم ولكياناتهم ومشاريعهم وان مجسات الرصد الشعبي تراقب السياسيين وتتمنى عليهم ان يكونوا عند حسن ظن من أوصلهم لمواقعهم الحالية وبدونها فللشارع رأيه بمن لم يكن أهلا لتلك الثقة والمسؤولية.

 

ولا بد من التأكيد هنا على:

أن لغة الخطاب الايجابي لم تنحصر آثارها باقامة جسور المودة بين السياسيين أنفسهم فقط، وأنما هي ثقافة عامة يفترض بها ان تسود وأن يسوّقها السياسيون لجماهيرهم وعموم شعبهم، وبذلك نجنب الشعب كل آثار وأخطار الخطاب المتشنج واللغة الحادة والنبرة المستفزة وبالتالي يسهم الساسة في توثيق عرى الآخاء والتعاون والاحترام بين ابناء الشعب حتى يعيشون هذه الثقافة ويجسدونها سلوكاً يومياً يتعاطونه منهجاً بينهم كقادة وصناع رأي ورجال دولة وفرسان بلاد هي اليوم أحوج ما تكون لمحطات استراحة واسترخاء ورخاء.

د.خضير الخزاعي

المصدر: http://www.vpo.iq/PageViewer.aspx?id=3

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك