ثقافة التقریب بین المذاهب ؛ تحلیل و تأصیل

ثقافة التقریب بین المذاهب ؛ تحلیل و تأصیل

عزمي طه السيد أحمد

ستقوم هذه الورقة بتحليل المصطلحات الواردة في عنوانها، لتصل من ذلك الى تأسيس و تأصيل لمفهوم ثقافة التقريب بين المذاهب الاسلامية. ومعالجتنا في هذه الورقة، وان تعرضت لثقافة التقريب بين المذاهب بعامة، الا ان مقصودها وتركيزها سيكون على المذاهب في واقع الامة العربية والاسلامية.

نبدأ بحثنا بتوضيح المقصود بلفظ المذاهب، ومع انه لفظ مألوف وشائع في التداول بين المتعلمين والمثقفين، الا ان ذلك لا يمنع من القيام بتحديد المعنى المقصود به، لتحقيق شرط علمي رئيس هو شرط الوضوح، هذا فضلا عن كون المعالجة سترتكز في جانب رئيس منها الى هذا التحديد، فنقول:

المذهب مجموعة من النظريات أو الآراء النظرية والعلمية، في مجال من مجالات الفكر او الحياة، تكون في الغالب مترابطة متسقة فيما بينها، ولهذه النظريات أو الآراء (أي المذاهب) ممثلون يقولون بصوابها، ويعملون على نشرها بين الآخرين والدفاع عنها، وقد يتجاوز الامر - في ضوء ما هو ممارس في الواقع - الى التعصب لصواب هذه النظريات أو الآراء فيعدونها وحدها الحق، وما عداها الباطل أو الخطأ المنحرف عن جادة الصواب.

في ضوء هذا التحديد للمذهب يلاحظ المرء بسهولة أن هناك عنصرين رئيسين فيه، هما: وجود نظريات وأراء في مجال ما؛ ووجود ممثلين

(أو اصحاب) للمذهب يصدقون بصوابها، ويعملون على نشرها ويدافعون عنها.

والمجالات التي تختص بها النظريات او الاراء في مذهب ما قد تكون في واحد من مجالات الفكر النظري، أي تكون غاية الاراء (النظرية) في هذا المجال بيان حقيقة جانب من جوانب من الوجود العديدة؛ فهناك مذاهب في بيان حقيقة الوجود بعامة، أو التربية أو السياسة أو الاقتصاد، الى آخر ما هنالك من مجالات للفكر النظري. وقد تكون النظريات أو الاراء في مذاهب أخرى ذات طبيعة عملية متصلة بالحياة، واعني بالحياة تعامل الانسان مع جوانب الوجود المختلفة، بعضها او كلها؛ وتكون غايتها هي العمل والتطبيق والفعل والسلوك بعامة، وقد تجمع بين الغايتين النظرية والعملية، فطبيعة الامور ان المذاهب (العملية) في الحياة لا تكون في العادة منفصلة عن المذاهب (النظرية) في الفكر، فالمذاهب العملية تكون مبنية على فكر نظري، ومرتبطة بمذاهب فكرية.

ولضبط حدود المعالجة هنا، سنقوم بتصنيف المذاهب في الفكر والحياة الى ثلاثة أقسام: مذاهب فكرية عقدية (ايديولوجية)؛ ومذاهب فقهية شرعية؛ ومذاهب سياسية. وبالنظر في الطبيعة الاساسية الغالبة لكل قسم يمكن للناظر ملاحظة أن:

- المذاهب الفكرية العقدية (الايديولوجية) ذات طبيعة نظرية غالبة؛ و

- المذاهب الفقهية الشرعية ذات طبيعة عملية غالبة؛ و

- المذاهب السياسية تجمع بين الطبيعتين النظرية والعلمية.

وأود أن أؤكد هنا أن هذا التصنيف لطبائع المذاهب هو تحليل يقصد منه الوصول الى فهم الموضوع المطروح للمعالجة والبحث بالدرجة الاولى، وأن المذاهب جميعا - في واقع الحال - تمتزج فيها الغايتان والطبيعتان النظرية والعملية.

أنتقل الان الى توضيح المقصود بلفظ التقريب، الوارد في عنوان هذا الموضوع، مجتهداً في بيانه بطريقة اجرائية، فأقول:

التقريب في المعنى اللغوي أن تدنو أشياء متباعدة كل واحد منها من الاشياء الاخرى بفعل ارادي مقصود، فليس التقريب عملا طبيعياً آليا يتم دون تدخل فاعل له مريد.

والتقريب بين المذاهب يعني أن تدنو هذه المذاهب ويقترب كل واحد منها من المذاهب الاخرى؛ وهذا الدنو أو الاقتراب - وهو المعنى المراد بيانه - يتم من قبل فاعلين يقومون بفعل التقريب هذا بارادة وعن قصد واضح الاهداف والغايات. ويكون هذا الدنو أو الاقتراب في واحد أو اكثر من الامور الآتية:

- في النظريات والآراء المؤسسة للمذهب؛

- في الاهداف والغايات التي يسعى المذهب لتحقيقها؛

- في الوسائل والاجراءات التي يتوسل بها المذهب لتحقيق أهدافه وغاياته؛ - في الحالة الوجدانية (العواطف والانفعالات) لأصحاب المذاهب المصاحبة لعملية الاقتناع بصواب النظريات أو الآراء، أو لعملية نشرها وتطبيقها والدفاع عنها؛ وهذه الحالة لها جانبان: داخلي موجه نحو المذهب وخارجي موجه نحو المذاهب الاخرى.

أما اللفظ الاخير الوارد في عنوان الموضوع ويحتاج الى بيان المقصود منه - اذ يشكل بيانه في سياقه هنا مقصد البحث - فهو لفظ ثقافة.

ولفظ ثقافة من اكثر الالفاظ في الكتابات المعاصرة تداولا وشيوعا، وكل يدعي اليه نسبا وولاية، ويتعامل الكتاب والمتعلمون بعامة مع لفظ الثقافة وكأنه مصطلح معروف لكل احد، و ان الحديث في بيان دلالته فضول من القول، ومع هذا، فان مصطلح الثقافة - كما وصفناه منذ اكثر من عقد من الزمان - مصطلح جذاب و مضلل، جذاب لشيوعه ودلالاته الايجابية في أذهان الناس، ومضلل لكثرة مايطرح له من مفاهيم ودلالات، تؤدي كثرتها الى عدم الدقة في البحث، ويصل الامر الى تضليل الباحث عن الحقيقة في بحثه لقضايا الثقافة من الوصول اليها.

لهذا نرى أنه لابد لنا من تحديد المقصود بالثقافة بعامة لنصل منه الى تحديد المقصود بثقافة التقريب بين المذاهب، موضوع بحثنا، فنقول:

الثقافة (العامة) معرفة عملية مكتسبة تنطوي على جانب معياري وتتجلى في سلوك الافراد الواعي في تعاملهم في الحياة الاجتماعية مع الوجود في أجزائه المختلفة (أي التعامل مع الله خالق كل شيء، ومع الذات، ومع الاخر، ومع الكون الطبيعي، ومع الافكار، ومع الوسائل والادوات، ومع الزمن، ومع الغيب).

أما اذا كانت المعرفة (بالاوصاف المشار اليها آنفاً) تتعلق بالتعامل مع جانب محدد من الوجود، فنحن أمام ثقافة خاصة.

سأكتفي بهذا التوضيح لمفهوم الثقافة لا نتقل الى توضيح الثقافة الخاصة بموضوع بحثنا وتحديدها، أعني الثقافة المتعلقة بالتقريب بين المذاهب فأقول: ثقافة التقريب بين المذاهب هي معرفة عملية مكتسبة تنطوي على جانب معياري، وتتجلى في السلوك الواعي لاصحاب المذاهب واتباعها في تعاملهم مع المذاهب الاخرى.

وفي شرح هذا التحديد، وتقديم المزيد من البيان حول حقيقة هذه الثقافة، نقول:

- هذه الثقافة معرفة عملية، أي ان هذه الثقافة التي نبحث فيها وعنها هي معلومات أو قضايا غاياتها العمل والفعل والسلوك والتطبيق، وهي ليست مجرد معلومات نظرية غاياتها بيان حقائق الامور فحسب، دون الالتفات الى العمل والتطبيق.

وهي مكتسبة، اي ان الانسان يحصل عليها بعد أن كانت غير موجودة لديه، وهو يكتسبها ويتعلمها بطرق الاكتساب والتعلم المختلفة المعروفة: من البيئة والقدوة والاساتذة والكتب وعن طريق الحوار وغير ذلك من طرق الاكتساب والتعلم.

- وتنطوي هذه المعرفة على جانب معياري، يبين ما ينبغي أن تكون عليه هذه الثقافة الخاصة، «وما ينبغي أن يكون» يمثل من جهة الصورة الامثل والاكمل التي نسعى للوصول اليها في تعاملنا مع المذاهب الاخرىواصحابها، ويمثل من جهة اخرى المعيار الذي نحتكم اليه ونقيس في ضوئه سلوكنا الفعلي قربا منه أو بعدا، وكما يمثل دافعاً وحافزاً داخلياً يحركنا أيضاً لتحقيقه. ومن هنا كانت معرفة هذا الجانب المعياري الامثل، أمراً رئيسياً وفي غاية الاهمية لاكتساب هذه الثقافة الخاصة وتجسيدها في سلوكنا.

- وهذه المعرفة المتقدم وصفها، تمامها في العمل بها، كما قال القدماء: «العلم مبدأ العمل والعمل تمام العلم»، فاذا لم تظهر هذه المعرفة واضحة في سلوكنا، فانه لا يمكننا القول ان لدينا ثقافة خاصة بالتقريب بين المذاهب.

- ولابد أن يكون عملنا وسلوكنا - المتعلق بالتقريب بين المذاهب - عملا واعياً، اي نقوم به، ونحن نعرف الغاية المقصودة من فعله، ونعرف الطريق والمنهج الموصل لهذه الغاية، ونعرف الوسائل والادوات التي بمعونتها نصل الى هذه الغاية، بل ونعرف ايضا ما يمكن أن يعترض طريقنا من صعوبات وعقبات ومدى قدرتناعلى تجاوزها والتغلب عليها.

وبالنظر في تحديدنا لـثقافة التقريب بين المذاهب، والتوضيح الذي تلاه آنفا، نجد ان هذه الثقافةالخاصة تندرج تحت اربعة من مجالات الثقافة المشاراليها في تعريف الثقافة المتقدم ذكره، وهي:

- مجال التعامل مع الافكار، (أي النظريات والاراء التي تشكل القاعدة النظرية للمذاهب).

- مجال التعامل مع الآخر (اي الاشخاص الذين يمثلون المذاهب الاخرى غير مذهبنا).

- مجال التعامل مع الوسائل والادوات (اي تلك الامور والاشياء، المادية وغير المادية التي يستعان بها في فعل التقريب بين المذاهب).

- مجال التعامل مع الله سبحانه وتعالى (وذلك لأن تعاملنا مع أي جانب من جوانب الوجود المخلوق ينبغي أن يكون وفقا لمراد الله ولما يحبه ويرضاه سبحانه وتعالى).

اذا انتقلنا خطوة اخرى لبيان هذه المعرفة التي تشكل ثقافة التقريب بين المذاهب، نجد المدخل لبيان ذلك فيما سبق قوله، وهو أن هذه الثقافة تستمد من الثقافة الخاصة بالمجالات الاربعة الأنفة الذكر (التعامع مع الافكار، والاخر، والوسائل والادوات والله سبحانه وتعالى) وذلك لتحقيق هذا التقريب في الامور الرئيسية (التي سبق ذكرها عند تحديدنا لمعنى التقريب بين المذاهب)، (أعني: النظريات والاراء، والاهداف والغايات، والوسائل والاجراءات، والحالة الوجدانية).

فاذا كانت ثقافة التقريب بين المذاهب تستمد من هذه المجالات الاربعة، وكانت المذاهب - كما حددناها في هذه الورقة - انواعا ثلاثة(فكرية عقدية، وفقهية شرعية وسياسية)، فان هذه الثقافة التي نبحث فيها وعنها سيكون فيها مبادىء عملية مشتركة ترجع الى هذه المجالات الاربعة، ومبادىء اخرى تخص كل نوع من انواع هذه المذاهب وتختلف فيما بينها بحسب اختلاف طبيعة المذهب.

وعليه، نرى أن توضيح ثقافة التقريب بين المذاهب يستلزم بيان هذه المبادىء المشتركة أولا، ثم تلك التي تخص كل واحد من انواع هذه المذاهب.

نبدأ بالحديث عن ثقافة التقريب بين المذاهب المشتركة لكل انواع المذاهب، فنبدأ بـ:

 

 

اولاً: ثقافة التقريب بين المذاهب فيما يتعلق بالنظريات والافكار

 

النظريات والافكار التي تؤسس للمذاهب على اختلاف انواعها، اما ان تكون مباشرة من النصوص المحكمة من الوحي الصادق (نحن هنا نتحدث عن الاسلام)؛ او مستمدة من الوحي الصادق بصورة غير مباشرة، أي بطريق الفهم والاستنباط؛ او تكون من الاجتهاد العقلي لمؤسسي المذهب واصحابه.

 

وفعل التقريب بين النظريات والآراء التي هذه مصادر استمدادها، سيكون امرا ميسورا اذا ما عرفت طبيعة كل نوع منها؛

 

فالافكار أو النظريات المستمدة بصورة مباشرة من الوحي الصادق المحكم(الآيات المحكمة والاحاديث المتواترة) لا ينبغي أن تكون محل اختلاف بين مذاهب المسلمين، ولو حدث خلاف حولها فان التذكير بالنص المحكم يزيل الخلاف على الفور و يؤدي مهمة التقريب، ومن يصر على مخالفة فكرة أو نظرية عبر عنها نص محكم بصورة مباشرة لا تأويل فيها، فهو معاند يطلب دليلاً على طلوع الشمس في رابعة النهار، بل ان هذه النظريات او الافكار ينبغي جعلها مرجعاً ومعياراً وضابطاً للنظريات والآراء الاخرى؛

 

والنظريات أو الافكار المستمدة من الوحي الصادق بطريق الفهم والاستنباط، فهذه لابد واقع فيها الاختلاف لاسباب عديدة، معروفة لدارسي الفقه وأصوله، بعضها يرجع الى طبيعة النصوص، والبعض الاخر يرجع الى الانسان الذي حاول الفهم وقام بالاستنباط، وقدرات الناس في هذين الامرين متفاوتة، والتقريب في النظريات والاراء من هذا النوع له فيما نرى مستويان:

 

الاول تقريب يحققه ضبط مناهج الفهم والاستنباط ومحاولة الاتفاق عليها من قبل أصحاب المذاهب المختلفة، لان الاتفاق على مناهج سليمة في الاستنباط ييسر الوصول الى النتائج نفسها أو الى نتائج متقاربة؛

 

والثاني تقريب يحققه فهم طبيعةالنظريات والاراء المستنبطة من النصوص، وهي أنها نظريات وآراء لاينظر اليها من الزاوية المنهجية على أنها تمثل الحقيقة التامة او اليقين القطعي، وانما هي حقيقة نسبية أو ظن راجح، هذا الفهم بطبيعة هذا النوع من الافكار يترتب عليه أن لا يكون تمسك أصحاب المذهب بنظرياتهم وآرائهم التي تندرج تحته على أنها الحق المطلق الوحيد، وأن ينظر فيها وان تقدر وأن يجري التحاور معها للتشارك في الوصول الى الاصوب من الاراء.

 

اماالنظريات أو الافكار التي تأتي نتيجة الاجتهاد العقلي (غير المتأثر بنصوص الوحي)، من قبل أصحاب المذهب، فهذه ايضا يقع فيها الاختلاف، فالاجتهادات العقلية تختلف باختلاف مسلمات أصحابها ومقدماتهم من جهة، ودقة مناهجهم واستدلالاتهم من جهة اخرى، والتقريب بين المذاهب في هذا النوع من الافكار له ايضا مستويان:

 

الاول تقريب يرجع الى ضبط مناهج الاستدلال على هذه الافكار، وهو أمر يتم بضبط المسلمات والمقدمات وبضبط خطوات الاستدلال وشروطه.

 

والثاني تقريب يحققه الوعي بطبيعة هذا النوع من الآراء، التي يقر المفكرون وعلماء المناهج عموما في هذا العصر بأن الصدق والحق فيها نسبي، وذلك في ضوء المتاح لنا من المعلومات المستخدمة مقدمات للاستدلال وبالنسبة له.

 

هذا الفهم لطبيعة هذا النوع من النظريات والافكار يترتب عليه أيضا ان نتمسك في وضع افكارنا بمنهج الاستدلال السليم الذي يؤدي الى تقليل الخلاف والى التقريب، كما يؤدي ايضا الى عدم تمسك اصحاب المذهب بنظرياتهم وأفكارهم باعتبارها الحق المطلق، الامر الذي ينبغي أن يلزم عنه من الناحية العملية النظر في أفكار المذاهب الاخرى على أنها محتملة للحق والصواب مثلما أفكار مذهبنا، وعدم وصفها بالباطل دون برهان مبين.

 

 

ثانياً: ثقافة التقريب بين المذاهب فيما يتعلق بأصحابها واتباعها

 

أصحاب المذاهب واتباعها هم مسلمون، وهم أخوة في الاسلام، لذلك ينبغي ان يكون تعاملهم فيما بينهم وفقا لتوجيهات الاسلام في تعامل المسلمين فيما بينهم، وهذه التوجيهات لا بد ان تثمر تقريبا بينهم كأشخاص وبالتالي بين المذاهب التي ينتسبون إليها.

 

فصاحب المذهب حين يتعامل ملتزماً بآداب وثقافة الاخوة الاسلامية مع اصحاب المذاهب الاخرى، توضيحا لمذهبه، أو ردا على مذاهب غيره، أو محاورا لهم، فان مثل هذا التعامل الملتزم سيمنع أي تباعد وتشاحن، وقي المقابل يقرب اصحاب المذاهب من بعضهم.

 

ان صاحب المذهب حين ينظر الى أخيه صاحب المذهب الآخر في ضوء توجيهات الاسلام، من مثل قوله عليه الصلاة والسلام: «المسلم أخو المسلم لا يسلمه ولايظلمه.. الخ»، وقولة: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده»؛ وحتى يلتزم بعدم ايذاء اخيه المسلم من خلال كيل التهم له كالكفر والزندقة والفسق والتحقير وما شابه ذلك، التزاما منه بهدي الرسول عليه الصلاة والسلام في مثل قوله: «من كفر مسلماً فقد كفر»، وقوله: «بحسب امرىء من الشر أن يحقر أخاه المسلم»، فانه في الحقيقه يقوم تلقائيا بالتقريب بينه وبين نظيره، وبالتالي بين مذهبه والمذاهب الاخرى.

 

وخلاصة هذه الثقافة في هذا العنصر (التعامل مع أصحاب المذاهب) هو أن التقريب بين المذاهب يحصل بصورة عادية وتلقائية، اذا كان أصحاب المذاهب ملتزمين بثقافة الاخوة في الاسلام.

 

 

ثالثاً: ثقافة التقريب بين المذاهب فيما يتعلق بالوسائل والادوات

 

الوسيلة هي كل ما نستعين به للوصول الى هدف ما أو غاية معينة، فالوسائل مرتبطة في الاستخدام بالأهداف والغايات؛ أما الاداة فهي كل ما نستعين به على انجاز عمل ما، فالاداة مرتبطة في الاستخدام بعمل ما. والوسائل والادوات قد تكون مادية وغير مادية كما أنهما يتداخلان في الاستعمال اللغوي اذ كلاهما يستعان به، لكن هذا التداخل لا ينفي تباين مفهوم كل منهما. ونظرا لما بينهما من تشابه وتداخل رأينا الحديث عنهما تحت عنوان واحد.

 

تتخذ المذاهب - في العادة - وسائل أو أدوات لتحقيق اهدافهاوانجازها اعمال معينة، مثل: تعليم المذهب، أو نشره، او الدفاع عنه ضد منتقديه، او غير ذلك من الاهداف او الاعمال، وقد نصنف هذه الوسائل أصنافاً، فنقول على سبيل المثال: وسائل مشروعة وغير مشروعة أو قانونية وغير قانونية أو اخلاقية أو سلمية وغيرسليمة أو غير ذلك من التصنيفات.

 

والمبدأ العام في الثقافة الاسلامية أن تكون الوسيلة أو الأداة مشروعة، كما هي الغاية أيضاً.

 

ان استخدام وسائل وأدوات مشروعة ليس فيها حرمة شرعية هو فعل يساهم في التقريب بين المذاهب، لانها وسائل يقبل بها كل مسلم و لا يعاندها، ولأنها في طبيعتها الشرعية الاسلامية ستكون سمحة، مقربة لا منفرة أو مباعدة.

 

ان اللغة وسيلة وأداة في التعبير عن افكارنا ووجدا نياتنا وتواصلنا، والتقريب بين المذاهب يستلزم أن نقدم لغة وخطاباً واضحاً لا غامضاً مبهما، موحدا لا مفرقاً، سمحاً حسناً ] وقولوا للناس حسنا [(البقرة /83) لا فظاً أو قبيحاً.

 

قد يستخدم المذهب وسائل الاعلام المختلفة في نشر المذهب أو الدفاع عنه أو غير ذلك، لكن الاسلام يطالب أصحاب هذا المذهب أن يكون استخدامهم لهذه الوسائل، من صحافة مقروءة أو مسموعة أو مرئية او الانترنت أو غيرها، استخداما منضبطاً بضوابط الاسلام الاخلاقية الشرعية، وحين يكون الامر على هذا النحو فان التقريب هو الذي سيحل مكان التنافر والتباعد.

 

وقد تستخدم بعض المذاهب وسائل العنف وأدواته، فكيف يكون تقارب بين مذاهب تتوسل بالعنف لنشر مذهبها أو اظهار صوابه؟ ان ثقافة السماحة والاحسان والكلمة الطيبة هي التي تقرب بين المذاهب.

 

وعلى العموم، ينبغي اعلى أصحاب المذاهب أن يقدروا الوسائل قدرها في أنها وسائل فحسب، يستعان بها لتحقيق غايات معينة؛ فالمال وسيلة ضرورية في حياة الناس، وقد يستخدمه أصحاب المذاهب، لكن حين يصبح المال غاية في ذاته، فان الامور ستفسد لا محالة، وعندئذ قد تتخذ (المذاهب) من الوسائل والادوات لتحقيق هذه الغاية (أعني المال) ما يترتب عليه من التنافر والتباعد والفرقة الشيء الكثير، كالرشوة وشراء الاقلام والذمم وغير ذلك من مفاسد.

 

 

رابعاً: ثقافة التقريب بين المذاهب فيما يتعلق بالله سبحانه وتعالى

 

الله سبحانه وتعالى خالق كل شيء، وهذا يلزم عنه خضوع كل شيء وطاعته لله خالقه، وذلك هوالعبادة، ومعلوم أن الغاية التي خلق من أجلها الانسان هي عبادة الله وحده، ] وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون [

(الذاريات /56) ]وقضى ربك الا تعبدوا الا اياه[ (الاسراء /23)، وهذا يعني أن كل سلوك من قول أو فعل ظاهر أو باطن ينبغي أن تكون غايته عبادة الله، ويكون ذلك كذلك اذا كان تنفيذاً لفعل أمر الله به أو امتناعا عن فعل نهى الله عنه، أي فعلاً لكل ما يحبه الله و يرضاه، وأن يكون ذلك الفعل خالصاً لوجه الله لا يشرك المرء فيه مع الله احداً أو غرضاً.

 

هذا المعنى العام ينطبق على أصحاب المذاهب في كل جوانب نشاطهم المذهبي: انشاء المذهب وتعليمه ونشره والدفاع عنه وغير ذلك من المناشط. ان اصحاب المذاهب حين يلتزمون بتطبيق المفاهيم الاسلامية في تعاملهم مع المذاهب الاخرى واصحابها - وهي مبادىء معروفة لعامة المسلمين المتعلمين - فان النتيجة الضرورية اللازمة عن مثل هذا السلوك هو التقارب فيما بينها الى أقصى الدرجات بدلا من التباعد والتنافر والتناحر. ان مفاهيم مثل: الاخلاص لله وتوحيده، وتقوى الله وخشيته، ومفاهيم الايمان والاحسان وغيرها من المفاهيم الايمانية، حين يجري الالتزام بها، سيكون لها نتائج ايجابية تثير تعجب العقل العادي على مستوى التقريب بين المذاهب، وبل وعلى مستوى حياة الناس و تعاملاتهم فيما بينهم بعامة.

 

ان الله سبحانه وتعالى حين يكون الغايةالقصوى من سعينا في هذه الحياة، وحين يكون التقرب اليه بطاعته فيما أمر به ونهى عنه هو مطلبناوهدفنا، فان الخلافات المذهبية ستقل الى أدنى درجاتها لان اغراض المذاهب واهدافها ستكون أغراضاً واهدافاً دنيا أو جزئية بالنسبة للغاية الكبرى التي يقتضيها التعامل مع الله سبحانه وتعالى، أي تحقيق العبودية له، وقد يتنازل صاحب المذهب عن بعض أهداف مذهبه أو يعدلها، اذا تبين له - وهو المخلص لله في عبوديته - أن هذه الاهداف والاغراض تتعارض مع هذه الغاية الكبرى، وتكون النتيجة ان تتقارب المذاهب في اهدافها، فيزداد ما بينها من تقارب.

 

والذي نراه هو أن تطبيق أصحاب المذاهب وأتباعها لثقافة التعامل مع الله هو من أهم الامور التي ينبغي ان تتضمنها ثقافة التقريب بين المذاهب وترسخها من خلال الممارسة لدى اتباعها.

 

أنتقل بعد هذا الى توضيح أبرز جوانب ثقافةالتقريب بين المذاهب التي تخص كل نوع من انواع المذاهب (الفكرية العقدية، والفقهية الشرعية، والسياسية).

 

 

أولاً: ثقافة التقريب بين المذاهب التي تخص المذاهب الفكرية العقدية

 

المذهب الفكري أو العقدي هو ذلك الذي يؤمن أصحابه وأتباعه بصواب مجموعة من الافكار و المبادىء أو الرؤى تتعلق بحقيقة الانسان والحياة والوجود أو حقيقة بعض الجوانب منها، ويرون أن هذه الافكار والمبادئ والرؤى هي التي ينبغي أن توجه سلوكهم في الحياة ليتحقق لهم الخير والسعادة، وأنها لذلك تستحق أن يضحي الانسان من أجلها. ولذلك قيل في الاعتقادات بعامة انها «عقدة على القلب». وتكون المذاهب الفكرية العقدية في الغالب أميل الى الثبات وعدم التغير في أفكارها وما تؤمن به، ومع ذلك فانه غالبا ما يجري على المذاهب التعديل أو التطوير.

 

والباحثون في المذاهب الفكرية العقدية (الايديولوجيات) يربطون هذه الافكار التي يعتقدها مذهب ما بفئة معينة من فئات المجتمع (طبقة، عرق، جيل، زمرة ذات خصائص اجتماعية أو ثقافية خاصة … الخ) لها حاجاتها أو مصالحها أو طموحاتها، وتكون أفكارهم ونظرياتهم ملبية لها.

 

اذا ركزنا على بعد الافكار والعقائد في هذا النوع من المذاهب بحثاً عن التقريب بينها في هذا الجانب، نجد أن أحد المبادئ الرئيسية لثقافة التقريب هنا هوأن يسعى أصحاب كل مذهب الى البحث عن الافكار الاساسية المشتركة بين مذهبهم والمذاهب الاخرى، وأن يحاولوا ابرازها والرجوع اليها فيما يمكن أن يكون بينهم من حوارحول الافكار المختلف فيها، فاذا أمن تقليل مواضيع الخلاف وتكثير مواضيع الاتفاق، أدى ذلك الى التقريب المنشود ثم انه لابد في الحوار بين المذاهب، من أن تكون غايته التشارك بين المتحاورين من أجل الوصول الى أصوب الافكار او الاقتراب من ذلك ما أمكن، فان لم يحدث ذلك وبقيت أفكار مختلف فيها، فعلى أصحاب المذاهب أن يعذروا بعضهم فيما اختلفوا فيه، ويحترم كل منهم اجتهاد نظرائه الفكري، ولايجلعوا هذا مدخلا للطعن والتباعد.

 

هذه الثقافة يمكن تطبيقها على المذاهب الاعتقادية الاسلامية المعروفة باسم الفرق الاعتقادية، فهي مذاهب متفقة في أصول الاعتقاد الكبرى وتختلف في اجتهاداتها في قضايا اعتقادية فرعية كلها أو بعضها، وهنا يمكن لاصحاب هذه المذاهب ان ارادوا التقريب فيما بينهم، أن يتمسكوا ويركزوا على ما عليه اتفاق بينهم، ويتحاوروا حول ما هم فيه مختلفون.

 

اما جانب المصالح والحاجات والطموحات لاصحاب المذهب التي أشرنا الى ارتباطها بافكار المذاهب ونظرياته، فلعلها هي العقبة الكبرى أمام التقريب بين المذاهب، وذلك حين يتمسك اصحاب كل مذهب بالافكار او النظريات التي تحقق حاجاتهم ومصالحهم. ولانرى مخرجا من هذه العقبة الا بالالتزام بالثقافة الاسلامية المتعلقة بالتعاون بين الناس على البر والتقوى ومايرضي الله، ويحقق المصلحة للأمة في الدرجة الاولى، والاعتصام بحبل الله الذي هو دينه، فتقدم مصلحة الامة على مصلحة المذهب ومصلحة الفئة التي يمثلها. ومعلوم ان التعاون بين الناس وبين المذاهب لا ينجح الا اذا تنازل الافراد أو اصحاب المذهب عن بعض مصالحهم الخاصة من أجل المصلحة العامة ايماناً منهم أن مثل هذا الفعل فيه مرضاة الله، وفيه أيضاً الحفاظ على مصالحهم الخاصة من خلال الحفاظ على المصلحة العامة. بهذه الثقافة يصبح التقريب بين المذاهب الفكرية والاعتقادية أمراً ممكناً ميسوراً.

 

 

ثانياً: ثقافة التقريب بين المذاهب التي تخص المذاهب الفقهية الشرعية

 

المذاهب الفقهية الشرعية - كما هو معلوم - تهتم بالاحكام العملية الشرعية لكل ما يقع من أمور في حياة الناس، واختلاف المذاهب له أسباب، أهمها اختلاف القواعد الاصولية التي اعتمدها كل مذهب في استنباط الاحكام الشرعية. ومعلوم أن هذه المذاهب الفقهية لم تختلف فيما بينها حول أمور فيها نصوص قطعية محكمة (قطعية الثبوت والدلالة)، وانما في امور جرى استنباط الاحكام الشرعية بصددها من المصادر الاصلية، فهذه المذاهب اختلفت في اجتهاداتها الفقهية.

 

والتقريب بين هذه المذاهب أمر ميسور وممكن الى درجة كبيرة، وذلك اذا وعى اصحاب المذاهب واتباعه ثقافة التقريب الخاصة بالمذاهب الفقهية وجسدوها في سلوكهم العلمي والعملي تجاه المذاهب الاخرى. وثقافة التقريب هذه تبدأ من الوعي بحقيقة الاجتهاد الفقهي، الذي هو مطلب مستمر للأمة الاسلامية بسبب ما يستجد من وقائع واحداث وأمور - كما هو معلوم - والذي هو أداة الاسلام العلمية الاولى ليظل الاسلام صالحاً لكل زمان ومكان.

 

انه من باب تذكير اهل العلم، ان نقول: ان طبيعة الاحكام الاجتهادية ظنية وليست قطعية، اذ ان المجتهد يستفرغ وسعه وجهده في بيان مراد الله في الواقعة أو الامر الذي يجتهد فيه، وما دام الله سبحانه وتعالى لم يعلمنا بمراده في هذه الواقعة بصراحة، فان المجتهد مهما بلغ من دقة الاجتهاد، الا ان الاحكام الاجتهادية التي يصل اليها تظل ظنية، أي هي - في نظر صاحبها وفي نظر غيره أيضاً - ظن راجح يحتمل قدرا يعتمد عليه من احتمال الصواب.

 

اذا وعى اصحاب المذاهب الفقهية هذه الحقيقة وعياً تاماً، أصبحت الطريق بعد ذلك ممهدة للتقريب و التقارب فيما بينها، وقل التعصب للمذهب الى حده الادنى، ان لم نقل تلاشى تماماً، ان وعي مفهوم الظن الراجح، انه يحتمل الخطأ بنسبة أو بأخرى، لكن ميل النفس الى الصواب ودرجة احتماله اكبر، لا يجعل من المرء متعصباً لمذهبه، يرى فيه وحده الحق والصواب، ويجعله ينظر الى الاحكام الاجتهادية في المذاهب الاخرى نظرة احترام وتقدير.

 

هناك أمر آخر نرى انه يلزم عن حقيقة ظنية الاحكام الاجتهادية، وهي أن المقلد ليس ملزماً بالضرورة أن يتبع اجتهادات مذهب فقهي بعينه، وله أن يختار من بين اجتهادات المذاهب ما يراه أنسب، ما دام أصحاب هذه الاجتهادات مجتهدون عدول تحققت فيهم شروط الاجتهاد.

 

ومع هذا يرى بعض أصحاب المذاهب ضرورة ان يلتزم المقلد مذهبا بعينه، حتى لا يتبع الايسر من الاجتهادات في كل مذهب ولسنا نرى هذا الرأي بهذه الصرامة، أعني الألزام، إذا كانت الاجتهادات - كما أشرنا آنفاً - صادرة عن علماء تحققت فيهم شروط الاجتهاد. ان الدين يسر، والله يريد بعباده اليسر ولايريد بهم العسر؛ ثم ان التزام المقلد باتباع مذهب فقهي بعينه يرسخ فكرة تمايز المذاهب واختلافها، الامر الذي يعمل ضد فكرة التقريب بين المذاهب الفقهية لا معها.

 

وهكذا نرى أن ثقافة التقريب بين المذاهب الفقهية يجب ان تستثمر حقيقة ظنية الاحكام الاجتهادية، وتتخلى عن فكرة التزام المقلد باتباع اجتهادات مذهب بعينه. وما نحسب المجامع الفقهية التي تصدر اجتهاداتها الجماعية الا وسيلة من وسائل التقريب بين المذاهب الفقهية في هذا العصر.

 

ثالثاً: ثقافة التقريب بين المذاهب التي تخص المذاهب السياسية

 

المذاهب السياسية هي مذاهب لها أفكارها ونظرياتها، لكنها تتميز عن المذاهب الاخرى (أعني الفكرية العقدية، والفقهية الشرعية) باعلانها غايتها السياسية، أي الوصول الى الحكم وادارة شؤون المجتمع وسياسته، وهي تضع لذلك - بجانب الافكار والنظريات - الخطط والبرامج العملية التي نرى انها يمكن أن توصلها الى هذه الغاية ويرافق المذاهب السياسية وماتطرحه من أفكار أو برامج عمل، دعوى انهم يعملون ما يعملون من أجل المصلحة العامة للامة وتحقيق خيرها وعزتها. والتسمية الشائعة في هذا العصر للمذاهب السياسية هو اسم: الاحزاب السياسية.

 

ان التقارب بين المذاهب السياسية يكون عسيرا ان لم يكن مستحيلا، حين يتحكم حزب بعينه في امور الحكم والسياسة ولا يتيح للمذاهب الاخرى أي شكل من أشكال المشاركة، ولو كان ذلك من خلال المعارضة بالقول والرأي، لكن التقارب بين هذه المذاهب السياسية سيكون ممكنا اذا وجدت أدوات ووسائل تفرز من بين هذه المذاهب (الاحزاب) من هو اقدر على ادارة شؤون حكم المجتمع وسياسته، وكان يدعمه أكبر قدر من افراد هذا المجتمع. والذي يصله أمر التقارب اكثر أن تكون المصلحة العامة للمجتمع هي الموجّه لسلوك كل مذهب من هذه المذاهب، ويخضع أصحاب المذهب لضروراتها.

 

هناك جانب آخر يساهم في التقريب بين المذاهب السياسية، وهو جانب الافكار والنظريات التي يتبناها المذهب، والخطط التي يضعها للوصول الى غايته في الحكم، وهذا الجانب يغلب عليه الطابع النظري، ولذلك كانت الثقافة التي تقرب بين المذاهب (الاحزاب) هو الاتفاق على الافكار المشتركة بينها من جهة، وعلى ما يسمى ثوابت الامة من جهة اخرى، والتمسك بها واتخاذها مرجعاً ومعياراً عند الاختلاف بحيث يكون الهدف من الحوار التشارك في الوصول الى أصوب الآراء وأفضل الخطط لتحقيق مصلحة الامة.

 

ان هذه المبادىء التي أشرنا اليها آنفاً تشكل منطلقاً لبناء ثقافة تقرب بين المذاهب السياسية يعيها اصحاب هذه المذاهب واتباعهم، ويجسدونها في سلوكهم المذهبي السياسي.

 

 

خاتمة

 

ما قدمناه في هذه الورقة محاولة لتأصيل وتأسيس ثقافة التقريب بين المذاهب، استخدمنا فيها منهج التحليل الى حد كبير، أملين أن تكون الافكار التي قدمت فيها، منطلقا لتفصيل أوفى لهذه الثقافة ، بحيث تصبح معرفة ميسورة لاصحاب المذاهب واتباعهم، يسهل اكتسابها وتجسيدها في سلوكهم بوعي بنتائجها الايجابية العديدة، على الامة وعلى المذاهب نفسها.

 

لقد قلنا ما قلناه في هذه الورقة، دون ان نؤكد على أمر في غاية الاهمية، وهو أمر معنوي، وترتيبه في اجراءات التقارب والتقريب بين المذاهب يأتي أولا، ذلك الامر هو وجود نية التقارب لدى المذهب وأتباعه، بينهم وبين المذاهب الاخرى واتباعها، ذلك انه مع غياب هذه النية لن تصل المذاهب الى شيء يعتد به في امر التقريب والتقارب.

 

ولعل القارىء الكريم قد لاحظ ان ثقافة التقريب بين المذاهب هي ثقافة جزئية خاصة من الثقافة الاسلامية، وأن التزام المذاهب وأتباعها بالثقافة الاسلامية يؤدي بصورة تلقائية الى حصول التقارب المرغوب والمنشود

وفق الله المذاهب الى التقارب فيما بينها

المصدر: http://www.taqrib.info/arabic/index.php?option=com_content&view=article&...

الأكثر مشاركة في الفيس بوك