مفاهيم هامة في التقريب ؛التعــاون في المتفـق عـليــه

مفاهيم هامة في التقريب ؛التعــاون في المتفـق عـليــه

يوسف القرضاوي

بعض الفصائل التي تنتسب إلى الصحوة الإسلامية، أو العمل الإسلامي، مهتمة أكبر الاهتمام بالمسائل الخلافية، فهو شغلها بالنهار، وحملها بالليل.

 

حولها يتركز البحث، ولها تقام الدروس، وفيها يدور الجدل، ومن أجلها تحمى معارك الكلام والخصام.

 

وأنا لا أكره أن يبحث الناس في المسائل الخلافية، بحثًا علميًا مقارنًا يرجح أحد الرأيين أو الآراء، إذا قام بذلك أهل الاختصاص، من العلماء القادرين المؤهلين لمثل هذا العمل العلمي الرصين، الجامع بين الفقه والورع والاعتدال.

 

ولكن الذي أكرهه : أن يصبح البحث في المسائل الخلافية أكبر همنا، ومبلغ علمنا، وأن نضخمها حتى تأكل أوقاتنا وجهودنا وطاقاتنا، التي يجب أن نوجهها لبناء ما تداعى أو تهدم من بنياننا الديني والثقافي والحضاري.

 

وأن يكون هذا الاهتمام والاشتغال على حساب القضايا التي لاخلاف عليها.

 

إنني أود لو أن رجال المسلمين جميعًا حرصوا على إطلاق لحاهم، فأحيوا هذه السنة من سنن الفطرة، وخرجوا من خلاف مَنْ أوجبها من الأئمة، وتميزوا عن غيرهم من الأمم، وفوّتوا الفرصة على رجال المباحث الذين يعتبرون اللحية دليل اتهام.

 

ومع هذا لا أودّ أن نشغل الناس بهذا، وأن نفسّق من لا يعفيها، فهذا أمر عمّت به البلوى، ولهذا أسفت حقًا حين ذكر لي بعض الثقاة من الشباب أن أحد المولعين بالخلافيات ألقى تسع محاضرات في وجوب إعفاء اللحية، وتحريم أخذ شيء منها. كما أسفت لأن أحدهم ألف رسالة سماها "نهي الصحبة عن النزول على الركبة" وهو أمر يتعلق بهيئة الصلاة، وفيه أخذ ورد، وأن آخر كتب رسالة أيضًا بعنوان : "الواحة في جلسة الاستراحة" إلى غير ذلك من الرسائل، والمقالات والمحاضرات التي تدور حول هذه الأمور، التي اختلف فيها الأئمة، بين مثبت وناف، وسيظل الناس يختلفون فيها إلى ما شاء الله.

 وسر أسفي هنا هو : التركيز على الأمور الخلافية والشدة على المخالفين، فيما يجوز التساهل فيه، على خلاف ما كان عليه سلف الأمة.

 إن أي مراقب لأوضاع الأمة الإسلامية اليوم، يوقن تمام اليقين أن مشكلتها ليست في ترجيح أحد الرأيين، أو الآراء في القضايا المختلف فيها، بناء على اجتهاد أو تقليد. فالواقع أن الخطأ في هذه القضايا يدور بين الأجر والأجرين، لمن تحرى واجتهد، كما هو معلوم ومبسوط في مواضعه.

 ولكن مشكلة الأمة حقًا في تضييع الأمور المتفق عليها من جميع مذاهبها ومدارسها.

 مشكلة المسلمين ليست في الذي يؤوّل آيات الصفات وأحاديثها ـ وإن كان مذهب السلف أسلم وأرجح ـ بل في الذي ينكر الذات والصفات جميعًا، من عبيد الفكر المستورد من الغرب أو الشرق.

 مشكلة المسلمين ليست فيمن يقول : استوى على العرش بمعنى استولى كناية عن عظمة سلطانه تعالى، بل فيمن يجحد العرش ورب العرش معًا.

 مشكلة المسلمين ليست فيمن يجهر بالبسملة أو يخفضها أو لا يقرؤها في الصلاة، ولا فيمن يرسل يديه في الصلاة أو يقبضهما، ومن يرفع يديه عند الركوع أو الرفع منه أو لا يرفعهما، إلى آخر هذه المسائل الخلافية الكثيرة المعروفة. إنما مشكلة المسلمين فيمن لا ينحني يومًا لله راكعًا، ولايخفض جبهته لله ساجدًا، ولايعرف المسجد ولا يعرفه.

 مشكلة المسلمين ليست فيمن يأخذ بأحد المذاهب المعتبرة في إثبات هلال رمضان أو شوال، بل فيمن يمر عليه رمضان كما مرّ عليه شعبان، وكما يمرّ عليه شوال، لا يعرف صيامًا ولا قيامًا، بل يفطر عمدًا جهارًا نهارًا، بلا خشية ولا حياء.

 

مشكلة المسلمين ليست في عدم تغطية الوجه بالنقاب، واليدين بالقفازين، كما هو رأي البعض، بل في تعرية الرؤوس والنحور، والظهور ولبس القصير الفاضح، والشفاف الوصاف.. إلى آخر ما نعرف مما يندى له الجبين.

 

إن المشكلة حقًا هي وهن العقيدة، وتعطيل الشريعة، وانهيار الأخلاق، وإضاعة الصلوات، ومنع الزكوات، واتباع الشهوات، وشيوع الفاحشة، وانتشار الرشوة، وخراب الذمم، وسوء الإدارة وترك الفرائض الأصلية وارتكاب الحرمات القطعية، وموالاة أعداء الله ورسوله والمؤمنين.

 

مشكلة المسلمين، إنما تتمثل في إلغاء العقل، وتجميد الفكر وتخدير الإرادة وقتل الحرية، وإهانة الحقوق، ونسيان الواجبات وفشو الأنانية، وإهمال سنن الله في الكون والمجتمع، وإعلاء الحكام على الشعوب، والقوة على الحق، والمنفعة على الواجب.

 

مشكلة الأمة المسلمة الحقيقية نراها واضحة كالشمس في إضاعة أركان الإسلام ودعائم الإيمان وقواعد الإحسان، وهي الثلاثة التي سأل عنها جبريل رسول الله (ص) في الحديث الصحيح المشهور.

 

وفي آخر الحديث قال لهم النبي : «هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم». وهو لم يكن منه إلا السؤال. لكن السؤال الحسن لون من التعليم، وهنا أسئلة ثلاثة شملت أسس الدين كله : عقيدة وعملاً، ظاهرًا وباطنًا.

 

ومن هنا كان الواجب على دعاة الإسلام الواعين أن ينبهوا على التركيز على مواطن الاتفاق قبل كل شيء، وأن يرفعوا شعار "التعاون فيما نتفق عليه" فإن هذا التعاون فريضة وضرورة، فريضة يوجبها الدين، وضرورة يحتمها الواقع.

 

وأعتقد أن ما نتفق عليه ليس بالشيء الهين ولا القليل،

إنه يحتاج منا إلى جهود لا تتوقف، وعمل لايكل، وإرادة لاتعرف الوهن، يحتاج منا إلى عقول ذكية، وعزائم قوية، وأنفس أبية، وطاقات بناءة.

 

ألسنا متفقين على أن القرآن كلام الله، وأن محمدًا رسول الله؟

 

ألسنا متفقين على الإيمان بالله الواحد الأحد، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤًا أحد؟

 

ألسنا متفقين على أنه تعالى متصف بكل كمال، منزه عن كل نقص؟ ألسنا متفقين على كل ما وصف به القرآن الرب الأعلى جل جلاله من الأسماء الحسنى؟.

 

فلنتعاون على غرس معاني الإيمان القرآني في أنفس الناشئة والشباب، بعيدًا عما أدخله الجدل الفلسفي والكلامي في علم العقائد، وما أورثه الاختلاط بالملل والنحل الأخرى من خلافات فرقت الأمة شيعًا .

 

ألسنا متفقين على أن الإلحاد أعظم خطر يهدد البشرية، في أعزّ مقدساتها ؟ فلنتعاون على تحصين الشباب من وباء الإلحاد، ومقدماته من الشكوك والشبهات التي تزعزع العقيدة، وتلوث الفكر ولنضيء شموع الإيمان بأعظم حقائق الوجود وأجلاها، وهي: وجود الرب الأعلى، الذي خلق فسوّى، والذي قدّر فهدى… مستفيدين من بحوث العلم الحديث، الذي يكاد يجعلك ترى الله جهرة في إبداع خلقه.

 

ألسنا متفقين على أن الإيمان بالدار الآخرة، وعدالة الجزاء فيها، وقيام الجنة والنار، ركن في كل دين، وخصوصًا في الإسلام؟

 

فهو - مع الإيمان بالله تعالى - ينشئ في الإنسان الوازع الذاتي الداخلي الذي يحفّز على كل خير، ويردع عن كل شر، ويقوّي الإرادة في مواطن الضعف، ويمنح الأمل عند هجوم اليأس.

 

فلنتعاون - إذن - على تقويه الإيمان بالآخرة، واليقين بالجزاء، ولنطارد الشبهات التي تحاول أن تشك في هذه العقيدة العظيمة، أو الشهوات التي تشغل الناس عنها بمتاع قليل.

 

ألسنا متفقين على أركان الإسلام العملية الخمسة، فلماذا لا نتعاون على حسن تعليمها للمسلمين، واتخاذ أحسن الأساليب لدعوتهم إليها وترغيبهم فيها، وتذكيرهم بها، مستفيدين من الوسائل السمعية والبصرية المعاصرة؟

 

أولسنا متفقين على دعائم الإيمان الست : من الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، والقدر خيره وشره، فلماذا لا نتعاون على تجليتها وتثبيتها، وإيصالها إلى عقول المسلمين وقلوبهم بلغة سهلة، تلائم يسر الإسلام، ووضوح القرآن، وتقدم العصر في وسائل البيان والإيضاح، دون أن ندخل في معارك الجدل والخلاف التي أثارها القدماء، أو يثيرها المحدثون وحسبنا أن نثبت ما أثبته القرآن، وننفي ما نفاه القرآن.

 

ألسنا متفقين على مكارم الأخلاق التي بعث الرسول ليتممها، والتي كانت سيرته(ص) تجسيمًا حيًا لها، سواء أكانت أخلاقًا ربانية، كالتوكل على الله، وشكر نعمائه، والصبر على بلائه، والرضا بقضائه، والرجاء في رحمته، والخشية من عذابه، والإخلاص له، والشوق إليه، والمحبة له والأنس بذكره.. الخ أم أخلاقًا إنسانية كالصدق والأمانة وإنجاز الوعد والوفاء بالعهد والشجاعة، والسخاء والحياء والتواضع والنظام والتعاون... الخ.

 

فلنتعاون -إذن -على إشاعة هذه الفضائل، وترسيخ هذه القيم، حتى يشب عليها الصغير، ويهرم عليها الكبير، ولنطارد الرذائل المضادة لها، المدمرة للفرد، والمحطمة لكيان الجماعة، التي سماها الإمام الغزالي "المهلكات " وهو تعبير اقتبسه من الحديث النبوي؟!

 

ألسنا متفقين على مجموعة طيبة من الأحكام الشرعية القطعية الثابتة بمحكم القرآن والسنة، والتي أجمعت عليه الأمة، فغدت تجسد وحدتها الفكرية والشعورية والسلوكية؟

 

فلنتعاون على رعايتها والعمل على حسن تطبيقها، وحمايتها من عبث الذين يريدون أن يحولوا القطعيات إلى ظنيات، والمحكمات إلى متشابهات، وأن يجعلوا الدين كله عجينة طرية في أيدي المتلاعبين، يشكلونها كما تشاء لهم أهواؤهم المتسلطة، أو عقولهم القاصرة، أو كما تملي عليهم نزوات السلاطين، أو نزغات الشياطين.

 

ألسنا متفقين على أن الصهيونية اليوم خطر داهم : خطر ديني وخطر عسكري وخطر اقتصادي وخطر سياسي، وخطر اجتماعي، وخطر أخلاقي وثقافي وحضاري، وأنها تريد هدم الأقصى، وبناء هيكلهم عليه، وأنها تطمع في المدينة وخيبر، وأنها تخطط وتعمل، وتصل في النهاية إلى ما تريد، وأنها حققت أحلامًا كان يعتبرها المغرق في الخيال مستحيلات... فاغتصبت الأرض وشردت أهلها، ولا تزال مستمرة في عدوانها... وأنها تحاربنا من منطلق ديني، تستثير به إيمان اليهود بتوراتهم وتلمودهم، ونبوءات أنبيائهم؟

 

فلماذا لا نتعاون على أن نحاربهم بمثل ما يحاربونا به : نحارب يهوديتهم المنسوخة بإسلامنا الخالد، ونحارب توراتهم المحرفة بقرآننا المحفوظ، ونحارب تلمودهم المحشو بالأباطيل بمواريثنا من السنة، الحافلة بالحقائق؟

 

لماذا لا نتعاون على أن نقف في وجه اليهودية الماكرة الزاحفة على إفريقيا وآسيا، ومنها بلاد إسلامية أو ذات أغلبية إسلامية، بألوان من الكيد ـ يجب أن نتنبه لها، ونجتهد في إبطال سحرها وأثرها؟

 

ألسنا متفقين على أن الغرب لم يتحرر حتى اليوم من روح الحروب الصليبية وأن هذه الروح لا تزال تحكم كثيرًا من تصرفاته، كما يظهر ذلك بين الحين والحين، في وقائع شتى؟ لقد برز ذلك في موقف دول الغرب من قضية المرتد الماجن سلمان رشدي، ومن قضية حجاب الطالبات المسلمات في فرنسا، ومن التشكيك والتحريض ضد الصحوة الإسلامية، أو ما يسمونه "الأصولية الإسلامية" وهو ما صرحت به أجهزتهم الإعلامية، وامتلأت به تقاريرهم السرية؟

 

فلنتعاون -إذن -على التصدي لهذه الحرب الصليبية الجديدة، بأسلحتها الجديدة، وإمكاناتها الهائلة.

 

ألسنا متفقين على أن التنصير يغزو عالمنا الإسلامي بما يملك من وسائل متطورة، وطاقات جبارة، ويغزو كذلك الأقليات الإسلامية المتناثرة في العالم، ويستغل حالات الفقر والجهل والمرض والجوع المنتشرة -للأسف -بين أبناء أمتنا في إفريقيا وآسيا، ويرصد لذلك مئات الملايين، بل آلافها، لينزع عن الأمة لباسها، بل ليسلخها من جلدها، ويحولها عن عقيدتها. وهو ما نجح فيه في كثير من الأقطار. وإن كان يعلن غير ذلك، استدرارًا للمزيد من المدد المادي والبشري، وتخديرًا للفريسة، حتى لا تفكر في مقاومة جادة؟

 

فلنتعاون كلنا على الوقوف في وجه هذا الغزو الديني الموجه إلى دين هذه الأمة وصميم عقيدتها، ولنبذل لنصرة حقنا، كما يبذلون لنصرة باطلهم، بل يكفي أن نبذل بعض ما يبذلونه.

 

ألسنا متفقين على أن "الاستعمار الثقافي" ما يزال يعمل عمله في عقول أجيالنا الصاعدة، من أبنائنا وبناتنا، رغم رحيل الاستعمار "العسكري ". ولم تبرح آثاره قائمة في مؤسساتنا الثقافية والتربوية، وما يزال "الغزو الفكري" يخرّب العقول بالمفاهيم المغلوطة، والتصورات الفاسدة، والمعلومات الناقصة والمشوشة، وخصوصًا في كل ما يتعلق بالإسلام وشريعته وحضارته وأمته وصحوته يستوي في ذلك الفكر الليبرالي الرأسمالي، والفكر الماركسي الاشتراكي.

 

فلنتعاون جميعًا على أن نقاوم هذا الاستعمار، وهذا الغزو المدمّر، ولنعمل على حماية أجيالنا من هذا الداء الذي يمثل خطرًا على كياننا ووجودنا الاعتقادي والأخلاقي والأدبي.

 

ألسنا متفقين على أن مئات الملايين من المسلمين في أنحاء العالم يجهلون أوليات الإسلام المتفق على فرضيتها وضروريتها، ولا يكادون يعرفون من الإسلام إلا اسمه، ولا من القرآن إلا رسمه، وهذا الجهل أو الفراغ هو الذي أطمع الغزو التنصيري، والغزو الفكري كليهما، أن ينشرا ظلاليهما بين هذه الشعوب المحسوبة على أمة الإسلام؟

 

فلنتعاون على تعليم هذه الشعوب ألف باء الإسلام، والأركان الأساسية لهذا الدين من العقاثد والعبادات والأخلاق والآداب، التي لا تختلف فيها المذاهب، ولا تتعدد الأقوال، وهذا يستغرق منا جهودًا لا حدود لها، تنسينا ما نتجادل فيه من مسائل هيهات أن ينتهي فيها الخلاف في يوم من الأيام.

 

ألسنا متفقين على أن المليارات الأربعة من سكان هذه الكرة لا يعرف أكثرهم عن الإسلام شيئًا يذكر، وإذا عرف بعضهم عنه،، عن طريق القراءة أو السماع، فإنما يعرف صورة مبتورة أو مشوهة عن حقيقة هذا الدين، لا تحفّز على النظر فيه، ولا تشوّق إلى استكمال المعرفة به. فهؤلاء لم تبلغهم الدعوة بلوغًا حقيقيًا .

 

ونحن مسؤولون عن إيصال صورة الدعوات الإسلامية إلى قارات الدنيا الست، وأن نخاطب كل قوم بلسانهم لنبيّن لهم، ونقيم الحجة عليهم، ونزيح التعللات والأعذار عنهم، بدفع الشبهات، ورد المفتريات، وبيان حقائق الإسلام، وكشف أباطيل خصومه.

 

فلماذا لانتعاون على هذا العمل الكبير، ونجند له من الرجال والأموال ما هو جدير به، وما يعادل أهميته؟ إذا كان اليهود يعملون متعاونين لدينهم حتى أقاموا له دولة في قلب ديارنا العربية والإسلامية، والنصارى يعملون متعاونين لتنصير العالم، بدءًا بالعالم الإسلامي ذاته، فلماذا لا نعمل متعاونين لنشر الإسلام وتعريف العالم به تعريفًا على مستوى الإسلام، ومستوى العصر، ومستوى ما يصنعه الآخرون.

 

ألسنا متفقين على أن القوى العلمانية تبذل جهودًا مستميتة ـ يتعـاون في ذلك يمينها و يسارها لإيقاف تطبيق الشريعة الإسلامية، وتعويق الدعوة إليها، وتشويه صورتها في المجتمعات الإسلامية، التي تتعالى صيحاتها يومًا بعد يوم للمطالبة بها، وضرورة الاحتكام إليها كما فرض الله تعالى، وأصبح ذلك مطلبًا شعبيًا عامًا اجتمعت عليه الجماهير العريضة في عدد كبير من الأقطار المسلمة؟

 

فلماذا لا يتعاون الإسلاميون بمختلف مدارسهم وفصائلهم للوقوف صفًا واحدًا أمام هذا التكتل العلماني المؤيد من كل القوى المعادية للإسلام غربية ، وشرقية؟

 

و أخيرًا :

 

لماذا لا يتناسى الإسلاميون خلافاتهم الجزئية في المسائل الاجتهادية والأمور الفرعية، لتتضامن جهودهم، وتلتئم صفوفهم، وتتوحد جبهتهم، في مواجهة القوى الضخمة المعادية لهم، والمتربصة بهم، والكائدة لهم والتي تختلف فيما بينها وتتفق عليهم؟

 

إن المتفق عليه ليس بهين ولا قليل، وهو يحتاج من الجبهة الإسلامية العريضة إلى جهود وجهود، تشغل كل تفكيرهم، وكل أوقاتهم وكل إمكاناتهم، ومع هذا لا تكفي لملء الفراغ، وتحقيق الآمال، وإصابة الهدف المنشود.

 

حرام على الجبهة الإسلامية أن تعترك فيما بينها على اللحية والثوب، والنقاب والحجاب، والسدل والقبض، والتأويل والتفويض، وتحريك الإصبع في التشهد، وتدع تلك الثغرات الهائلة دون أن تسدها بكتائب المؤمنين الصادقين.

 

ـ التسامح في المختلـف فيـه

 

وإذا كان التعاون في المتفق عليه واجبًا، فأوجب منه هو التسامح في المختلف فيه.

 

وبهذا تكتمل القاعدة الذهبية بشقيها، وهي القاعدة التي صاغها العلامة المجدد السيد محمد رشيد رضا صاحب "مجلة المنار" و "تفسير المنار" : نتعاون فيما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضًا فيما اختلفنا فيه.

 

وكان الإمام الشهيد حسن البنا متمسكًا بهذه القاعدة وحريصًا على الالتزام بها فكرًا، وعملاً، حتى حسب كثير من تلامذته وأتباعه أنه واضعها.

http://www.taqrib.info/arabic/index.php?option=com_content&view=article&...

الأكثر مشاركة في الفيس بوك