الأمسُ يلُوم اليومَ

الأمسُ يلُوم اليومَ

أبو يوسف محمد زايد

الحمد لله رب العالمين ، ذي القوة المتين ، الملك الحق المبين ، والصلاة والسلام على سيد ولد آدم أجمعين ، محمد النبي الأمين ، خاتم الرسل المكرمين ، وعلى آله الأصفياء ، وصحابته الأوفياء ، وتابعيهم الأتقياء ، إلى يوم الدين ...

أما بعد ،

*** فقد روى الشيخان ، واللفظ للبخاري في كتاب (فرض الخمس ) باب (من لم يخمس الأسلاب ومن قتل قتيلا فله سلبه من غير أن يخمس وحكم الإمام فيه ) قال : حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ الْمَاجِشُونِ عَنْ صَالِحِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ :بَيْنَا أَنَا وَاقِفٌ فِي الصَّفِّ يَوْمَ بَدْرٍ فَنَظَرْتُ عَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي فَإِذَا أَنَا بِغُلَامَيْنِ مِنْ الْأَنْصَارِ حَدِيثَةٍ أَسْنَانُهُمَا تَمَنَّيْتُ أَنْ أَكُونَ بَيْنَ أَضْلَعَ مِنْهُمَا ، فَغَمَزَنِي أَحَدُهُمَا فَقَالَ : يَا عَمِّ هَلْ تَعْرِفُ أَبَا جَهْلٍ ؟ قُلْتُ: نَعَمْ ..مَا حَاجَتُكَ إِلَيْهِ يَا ابْنَ أَخِي؟ قَال :َ أُخْبِرْتُ أَنَّهُ يَسُبُّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَئِنْ رَأَيْتُهُ لَا يُفَارِقُ سَوَادِي سَوَادَهُ حَتَّى يَمُوتَ الْأَعْجَلُ مِنَّا ... فَتَعَجَّبْتُ لِذَلِكَ ؛ فَغَمَزَنِي الْآخَرُ فَقَالَ لِي مِثْلَهَا... فَلَمْ أَنْشَبْ أَنْ نَظَرْتُ إِلَى أَبِي جَهْلٍ يَجُولُ فِي النَّاسِ، قُلْتُ: أَلَا إِنَّ هَذَا صَاحِبُكُمَا الَّذِي سَأَلْتُمَانِي... فَابْتَدَرَاهُ بِسَيْفَيْهِمَا فَضَرَبَاهُ حَتَّى قَتَلَاهُ ، ثُمَّ انْصَرَفَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَاهُ ...فَقَالَ: أَيُّكُمَا قَتَلَهُ ؟ قَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا : أَنَا قَتَلْتُهُ... فَقَالَ: هَلْ مَسَحْتُمَا سَيْفَيْكُمَا ؟ قَالَا: لَا ... فَنَظَرَ فِي السَّيْفَيْنِ، فَقَالَ: كِلَاكُمَا قَتَلَهُ ...سَلَبُهُ لِمُعَاذِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ ... وَكَانَا مُعَاذَ بْنَ عَفْرَاءَ وَمُعَاذَ بْنَ عَمْرِو بْنِ الجَمُوحِ..قَالَ مُحَمَّدٌ سَمِعَ يُوسُفُ صَالِحًا وَإِبْرَاهِيمَ أَبَاهُ ...

+ وفي كتاب ( المغازي ) باب ( فضل من شهد بدرا ) ،قال:

- حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ : إِنِّي لَفِي الصَّفِّ يَوْمَ بَدْرٍ إِذْ الْتَفَتُّ فَإِذَا عَنْ يَمِينِي وَعَنْ يَسَارِي فَتَيَانِ حَدِيثَا السِّنِّ فَكَأَنِّي لَمْ آمَنْ بِمَكَانِهِمَا ، إِذْ قَالَ لِي أَحَدُهُمَا سِرًّا مِنْ صَاحِبِهِ : يَا عَمِّ ، أَرِنِي أَبَا جَهْلٍ ...َقُلْتُ: يَا ابْنَ أَخِي، وَمَا تَصْنَعُ بِه ؟ِ قَالَ: عَاهَدْتُ اللَّهَ إِنْ رَأَيْتُهُ أَنْ أَقْتُلَهُ أَوْ أَمُوتَ دُونَهُ ...فَقَالَ لِي الْآخَرُ سِرًّا مِنْ صَاحِبِهِ مِثْلَهُ... قَالَ : فَمَا سَرَّنِي أَنِّي بَيْنَ رَجُلَيْنِ مَكَانَهُمَا ... فَأَشَرْتُ لَهُمَا إِلَيْهِ فَشَدَّا عَلَيْهِ مِثْلَ الصَّقْرَيْنِ حَتَّى ضَرَبَاهُ... ( الحديث )

 

- قال : الإمام النووي رحمه الله في " شرح صحيح مسلم" :... وَفِي هَذَا الْحَدِيث مِنْ الْفَوَائِد : الْمُبَادَرَة إِلَى الْخَيْرَات ، وَالِاشْتِيَاق إِلَى الْفَضَائِل ...وَفِيهِ : الْغَضَب لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

 

 

قلت = فأين أهل هذا الزمان من غضب الأمس ؟ يُسبّ رب العالمين ، حتى في بلاد " المسلمين " ؛ يُدنَّس المصحف الشريف شرقا وغربا ، يُسخَر من الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم في كل وسائل العصر مكتوبها ومسموعها ومرئيها ؛ يُتخَذ الدين هُزواً ، مساجد تهدَّم فوق رؤوس المصلين ، وأخرى يُمنع المستضعفون من الوصول إليها ...إنه ثوب أبي جهل لبسه العدا الذين سخَّروا الأقلام بالمكر للنيل من دين الحق ، وبسطوا الألسنة بالسوء للطعن في الذي جاء بالصدق ... وافتقدت الأمة عفراءَها وابنَ جموحها في غمرة الإنسلاخ من الهوية الإسلامية لتتَّبع في معظم نظمها الوضعية غرباً يقوده ، بشهادة الله قبل شهادة التاريخ ، أشدُّ الناس عداوةً لها ، لتغرق في أوحاله جرياً وراء سراب يدعو إلى بريقه الغرار دعاةُ التغريب المنضوون تحت راية كل جبار عنيد يكن الولاء للشيطان المريد ...

إنا لا ننتظر من المتبرجات المائلات المميلات الناشرات مفاتنهن في الأسواق أن تلدن معاذا ، كذلك الصقر الأنصاري رضي الله عنه الذي لم يكن يعرف " فرعون هذه الأمة " لكنه لما بلغه أن عدو الله كان يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم أقسم لَئِنْ رَآه لَا يُفَارِقُ سَوَادُه سَوَادَه حَتَّى يَمُوتَ الأقرب منهما أجلا... كما لا ننتظر من شباب تركوا الصلوات واتبعوا الشهوات أن يُنجَب لهم معاذ ، كذلك الصقر الثاني رضي الله عنه الذي عاهد الله لئن أبصرت عينُه الطاغيةَ المتكبِّر أن يقتله أو يموت دونه ... فهل نحن في زمان الوهن : حب الدنيا وكراهة الموت ؟

فإن قلت : لا تزال في الأمة طائفة قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك ، كما أخبر الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم ؛ قلت : حقا ...لن تنقطع هذه الطائفة ما دامت السماوات والأرض ، ولكن السواد الأعظم الذي عليه أن يساندها ويكثِّر عددها انساق وراء الأهواء لما دُفنت ثقافته النقية في قفار " حضارة "الغرب المزيَّفة المتدفقة عليه من كل فج سحيق ، وأقبِر تاريخُه في فيافي الصراعات المادية المعاصرة التي جرت على العالم الإسلامي من الويلات والشرور منذ قرون ما أنساه أمسَه ، ولوّث يومَه ، وأظلم غدَه ...

فهل من معاذ لهؤلاء الذين اتخذوا أبا جهل قدوة لهم ؟ هل من مبادر إلى الخيرات ؟ هل من مشتاق إلى الفضائل ؟

 

- وقال علي محمد الصلابي نفع الله به في كتابه " السيرة النبوية " : كان الدافع من حرص الأنصارييْن الشابيْن على قتل أبي جهل ما سمعاه من أنه كان يسب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهكذا تبلغ محبة شباب الأنصار لرسول الله صلى الله عليه وسلم بذل النفس في سبيل الانتقام ممن تعرض له بالأذى.

 

= قلت : إنها المحبة الحقيقية التي ملأت القلب ، أمير البدن ، فحركت كل أعضائه لتحقيق الهدف المنشود ، ألا وهو الدفاع عن النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم ونصرته ،مهما كلّف ذلك من نفس ونفيس ، وذلك بالتصدي لكل معتد أثيم ، لقطع دابره وجعله عبرة لمن تسوِّل له نفسُه الخبيثة من بعده إيذاء سيد ولد آدم صلى الله عليه وسلم ...إنها المحبة التي جعلت اليمنى تسل الصارم البتار واليسرى تتلف الغمد حتى لا يعود إليه ما دام لأبي جهل ذيل على ظهر الأرض...فهل من محبة كهذه اليوم ترى أن القليب لا يزال مفتوحا يسأل المزيد ؟ وهل من محب صادق وعى قول نبي الملاحم صلى الله عليه وسلم : لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ...( رواه الشيخان ) وقوله : لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ عِنْدَهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ نَفْسِهِ ..(رواه أحمد ) ؟ هل من محب يحبه صلى الله عليه وسلم كما أحبه المعاذان رضي الله عنهما ...؟

- إن الأمس ليلوم اليوم ... يقول : أيَــا غثاء السيل ، إلى متى تتركون قصعتكم تداعى عليها الأمم ؟ نُزِعت المهابة من صدور أعدائكم حتى أصبحتم تنظرون إلى خيراتكم تُسلَب، وثرواتكم تُنهَب ، دماء ودموع ، حقول من خراب ، صمت وخضوع ، موت وعذاب...إلى متى تذرون عبدة الصليب يجثمون على رقابكم ، عارضين رجسهم فوق ترابكم ؟ فهل كبَّرتم على الكرامة أربعـــا ؟ بالله عليكم ، أروني قبرها أزرها ... إنها أمي.

- إن الأمس ليلوم اليوم ... يقول : يـــا قوم ، لقد علمتم أن الله تعالى بالإسلام أعزكم ، وأنكم متى ابتغيتم العزة بغيره أذلكم ... فلمَ تلتمسون العزة عند عدو أول همه وآخره أن يقاتلكم حتى يردكم عن دينكم - إن استطاع -؟ أنسيتم قول ربكم :( إِنَّ الْعِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعاًًَ) (يونس : 65 ) ؟ وقوله : (مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً ) (فاطر : 10 ) ؟ وقوله :( وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ) (المنافقون : 8 ) ؟ ناشدتكم الله إن كنتم على العز حثوتم التراب فأروني لحده أزره ، إنه أبي....

- إن الأمس ليلوم اليوم ... يقول : العز أبي والكرامة أمي ، فهل أنت شقيقي أيها اليوم الصامت اللسان المغلول اليد ؟ أمْ تراه طال عليك العهدُ فنسيت ما أخذ عليك من العهد ؟... لعل معرفتك بالصقرين رضي الله عنهما ، ثم قطع آخر نفس لفرعون العرب على يد عبد الله بن مسعود رضي الله عنه تذكرك ...

 

*** معاذ ابن عفراء ( نُسب إلى أمه عفراء بنت عبيد بن ثعلبة…) وهو معاذ بن الحارث بن رفاعة بن سواد... شهد بدراً هو وأخواه عوف ومعوذ بنو عفراء ... وقتل عوف ومعوذ ببدر شهيدين وشهد معاذ بعد بدر أحداً والخندق والمشاهد كلها في قول بعضهم وبعضهم يقول إنه جرح يوم بدر جرحه ابن ماعض أحد بني زريق فمات من جراحته بالمدينة كذا ذكره خليفة ...وذكر ابن إدريس عن ابن إسحاق أنه عاش إلى زمن عثمان ..../ قال الواقدي : وتوفي معاذ بن الحارث بعد قتل عثمان أيام حرب علي ومعاوية .

 

*** معاذ بن عمرو بن الجموح بن يزيد بن حرام ...شهد العقبة وبدراً هو وأبوه عمرو بن الجموح وقتل عمرو بن الجموح يوم أحد. وأما معاذ بن عمرو بن الجموح فذكر ابن هشام عن زياد عن ابن إسحاق أنه هو الذي قطع رجل أبي جهل بن هشام وصرعه قال فضرب ابنه عكرمة بن أبي جهل يد معاذ فطرحها ثم ضربه معوذ ابن عفراء حتى أثبته ثم تركه وبه رمق ثم ذفف عليه عبد الله بن مسعود واحتز رأسه حين أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يلتمس أبا جهل في القتلى ...مات معاذ بن الجموح في خلافة عثمان رضي الله عنه .

 

*** روى الشيخان ، واللفظ لمسلم في كتاب الجهاد والسير ، باب قتل أبي جهل، قال :... عن أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ يَنْظُرُ لَنَا مَا صَنَعَ أَبُو جَهْلٍ ؟ فَانْطَلَقَ ابْنُ مَسْعُودٍ فَوَجَدَهُ قَدْ ضَرَبَهُ ابْنَا عَفْرَاءَ حَتَّى بَرَكَ ، قَالَ : فَأَخَذَ بِلِحْيَتِهِ فَقَالَ : آنْتَ أَبُو جَهْلٍ ؟ فَقَالَ وَهَلْ فَوْقَ رَجُلٍ قَتَلْتُمُوهُ -أَوْ قَالَ - قَتَلَهُ قَوْمُهُ ؟ قَالَ وَقَالَ أَبُو مِجْلَزٍ قَالَ أَبُو جَهْلٍ: فَلَوْ غَيْرُ أَكَّارٍ قَتَلَنِي...

 

+قال الإمام النووي رحمه الله :

- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ يَنْظُر إِلَيْنَا مَا صَنَعَ أَبُو جَهْل ؟ ) سَبَب السُّؤَال عَنْهُ أَنْ يَعْرِف أَنَّهُ مَاتَ لِيَسْتَبْشِر الْمُسْلِمُونَ بِذَلِكَ ، وَيَنْكَفّ شَرّه عَنْهُمْ ....وقَوْله : ( ضَرَبَهُ اِبْنَا عَفْرَاء حَتَّى بَرَكَ ) هَكَذَا هُوَ فِي بَعْض النُّسَخ ( بَرَكَ ) بِالْكَافِ ، وَفِي بَعْضهَا ( بَرَدَ ) بِالدَّالِ ، فَمَعْنَاهُ بِالْكَافِ : سَقَطَ إِلَى الْأَرْض ، وَبِالدَّالِ : مَاتَ ، يُقَال : بَرَدَ إِذَا مَاتَ ، قَالَ الْقَاضِي : رِوَايَة الْجُمْهُور ( بَرَدَ ) وَرَوَاهُ بَعْضهمْ بِالْكَافِ ، قَالَ : وَالْأَوَّل هُوَ الْمَعْرُوف ، هَذَا كَلَام الْقَاضِي ، وَاخْتَارَ جَمَاعَة مُحَقِّقُونَ الْكَاف ، وَأَنَّ اِبْنَيْ عَفْرَاء تَرَكَاهُ عَفِيرًا ، وَبِهَذَا كَلَّمَ اِبْن مَسْعُود كَمَا ذَكَرَهُ مُسْلِم ، وَلَهُ مَعَهُ كَلَام آخَر كَثِير مَذْكُور فِي غَيْر مُسْلِم ، وَابْن مَسْعُود هُوَ الَّذِي أَجْهَزَ عَلَيْهِ وَاحْتَزَّ رَأْسه ...وقَوْله : ( وَهَلْ فَوْق رَجُل قَتَلْتُمُوهُ )أَيْ : لَا عَار عَلَيَّ فِي قَتْلكُمْ إِيَّايَ .وقَوْله : ( لَوْ غَيْر أَكَّار قَتَلَنِي ؟ ! ! ) ( الْأَكَّار ) : الزَّرَّاع وَالْفَلَّاح ، وَهُوَ عِنْد الْعَرَب نَاقِص ، وَأَشَارَ أَبُو جَهْل إِلَى اِبْنَيْ عَفْرَاء اللَّذَيْنِ قَتَلَاهُ وَهُمَا مِنْ الْأَنْصَار ، وَهُمْ أَصْحَاب زَرْع وَنَخِيل ، وَمَعْنَاهُ : لَوْ كَانَ الَّذِي قَتَلَنِي غَيْر أَكَّار لَكَانَ أَحَبّ إِلَيَّ وَأَعْظَم لِشَأْنِي ، وَلَمْ يَكُنْ عَلَيَّ نَقْص فِي ذَلِكَ ...

 

- قلت : رأس الجهل تمنى لو أن قاتله لم يكن من أصحاب الزرع والضرع ، وإنما من ذوي الجاه والمال والمنصب والسلطان...وهذا شأن المتغطرسين الذين يريدون في الأرض علوا فيبنون على الزائفات الزائلات ...يرون فيها مجدهم ... في حين أن المؤمن حقا لا يرى له شرفا إلا في دينه الذي شرح الله له صدره ، فهو به يعتز ...ولا فخر له إلا به...بل لا حياة له بدونه .

 

*** روى النسائي في السنن الكبرى ، قال : ... عن ابن مسعود قال : ادركت أبا جهل يوم بدر صريعا ،قال: ومعي سيف لي فجعلت أضربه ولا يحيك فيه ، ومعه سيف له فضربت يده فوقع السيف فأخذته ثم كشفت المغفر عن رأسه فضربت عنقه ...ثم أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته ، فقال : الله الذي لا إله إلا هو ؟ قلت: الله الذي لا إله إلا هو... قال : الله الذي لا إله إلا هو ؟ قلت: الله الذي لا إله إلا هو ...قال: انطلق فاستثبت ... فانطلقت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن جاءكم يسعى مثل الطير يضحك فقد صدق ... فانطلقت فاستثبت ثم جئت وأنا أسعى مثل الطائر أضحك أخبرته .

 

*** ومما روى الطبراني في المعجم الكبير :

+ ... عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ بَدْرٍ، فَقُلْتُ: إِنِّي قَدْ قَتَلْتُ أَبَا جَهْلٍ، قَالَ:"اللَّهِ الَّذِي لا إِلَهَ غَيْرُهُ، لأنْتَ قَتَلْتَهُ؟"قُلْتُ: وَاللَّهِ الَّذِي لا إِلَهَ غَيْرُهُ لأَنَا قَتَلْتُهُ، فَاسْتَخَفَّهُ الْفَرَحُ، فَقَالَ:"مُرَّ أَرِنِيهِ"، فَانْطَلَقْتُ بِهِ حَتَّى وَقَفْتُ بِهِ عَلَى رَأْسِهِ، فَقَالَ:"الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَخْزَاكَ، هَذَا فِرْعَوْنُ هَذِهِ الأُمَّةِ، جُرُّوهُ إِلَى الْقَلِيب "، قَالَ: وَقَدْ كُنْتُ ضَرَبْتُهُ بِسَيْفِي، فَلَمْ يَحُكَّ فِيهِ، فَأَخَذْتُ سَيْفَهُ فَضَرَبْتُهُ بِهِ حَتَّى قَتَلْتُهُ، فَنَفَّلَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَيْفَهُ.

 

+... عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: انْتَهَيْتُ إِلَى أَبِي جَهْلٍ وَهُوَ صَرِيعٌ وَعَلَيْهِ بَيْضَتُهُ وَمَعَهُ سَيْفٌ جَيِّدٌ، وَمَعِي سَيْفٌ رَدِيءٌ، فَجَعَلْتُ أَنْقُفُ رَأْسَهُ بِسَيْفِي وَأَذْكُرُ نَقْفًا كَانَ يَنْقُفُ رَأْسِي بِمَكَّةَ حَتَّى ضَعُفَتْ يَدُهُ، فَأَخَذْتُ سَيْفَهُ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ، فَقَالَ: عَلَى مَنْ كَانَتِ الدَّبْرَةُ لَنَا أَوْ عَلَيْنَا، أَلَسْتَ رُوَيْعِينَا بِمَكَّةَ ؟ فَقَتَلْتُهُ، ثُمَّ أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: قَتَلْتُ أَبَا جَهْلٍ، فَقَالَ:"اللَّهِ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ؟"فَاسْتَحْلَفَنِي ثَلاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ قَامَ مَعِي إِلَيْهِمْ، فَدَعَا عَلَيْهِمْ.

 

+...عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: لَمَّا هَزَمَ اللَّهُ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ مَرَرْتُ، فَإِذَا أَبُو جَهْلٍ صَرِيعٌ قَدْ ضُرِبَتْ رِجْلُهُ، فَقُلْتُ: يَا عَدُوَّ اللَّهِ، يَا أَبَا جَهْلٍ، قَدْ أَخْزَى اللَّهُ الآخَرَ، قَالَ: وَلا أَهَابُهُ، عِنْدَ ذَلِكَ، قَالَ: أَبْعِدْ عَنْ رَجُلٍ قَتَلَهُ قَوْمُهُ، فَضَرَبْتُهُ بِسَيْفٍ لِي غَيْرِ طَائِلٍ، فَلَمْ يُغْنِ عَنِّي شَيْئًا حَتَّى سَقَطَ سَيْفُهُ مِنْ يَدِهِ، فَأَخَذْتُهُ فَضَرَبْتُهُ حَتَّى بَرُدَ، ثُمَّ جِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أشْتَدُّ لأَنْ آتِي أَسْرَعَ خَلْقِ اللَّهِ شَدًّا، حَتَّى جِئْتُهُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ قَدْ قَتَلَ اللَّهُ أَبَا جَهْلٍ، قَالَ:"اللَّهِ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ؟"فَقُلْتُ: اللَّهِ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ لَقَدْ قَتَلْتُهُ، قَالَ:"كَيْفَ؟"فَقَصَصْتُ عَلَيْهِ كَيْفَ كَانَ الْحَدِيثُ وَكَيْفَ وَجَدْتُهُ، قَالَ:"اللَّهِ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ؟"، قَالَ: قُلْتُ: اللَّهِ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ لَقَدْ قَتَلْتُهُ، فَكَبَّرَ، ثُمَّ، قَالَ:" الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَ وَعْدَهُ وَنَصَرَ عَبْدَهُ"، ثُمَّ انْطَلَقَ حَتَّى آتَاهُ، ثُمَّ قَالَ:"هَذَا فِرْعَوْنُ هَذِهِ الأُمَّةِ".

 

+ ... عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَأْسِ أَبِي جَهْلٍ، فَقُلْتُ: هَذَا رَأْسُ أَبِي جَهْلٍ، قَالَ:"اللَّهِ الَّذِي لا إِلَهَ غَيْرُهُ؟"وَهَكَذَا كَانَتْ يَمِينُهُ، فَقُلْتُ: وَاللَّهِ الَّذِي لا إِلَهَ غَيْرُهُ، أَنَّ هَذَا رَأْسُ أَبِي جَهْلٍ، فَقَالَ:"هَذَا فِرْعَوْنُ هَذِهِ الأُمَّةِ".

 

= قلت : ولكل زمان فرعونه ، بل فراعنته ...يستكبرون في الأرض بغير الحق ، طغاة وبغاة ، يقتِّلون الأبرياء ، ويذبِّحون الولدان والنساء ، مجازر بشرية في بلاد المسلمين ، شغل المعتدين الشاغل ملء الأرض فسادا ... فهل لهم اليوم من ابن أم عبد الذي لما لم يجْد ما بيده من حديد أخذ سلاح عدوه العنيد ليجهز عليه به فيقطع منه حبل الوريد ...؟

 

- إن الأمس ليلوم اليوم ، يقول : تنازع أهلك يا يومُ ففشلوا وذهبت ريحهم ...أخلدوا إلى الأرض ونسوا يوم العرض ... فبكى اليوم ، وقال : كفى لوما أيها الأمس البعيد ... ناديت فأيقظت ، ونصحت فأسمعت ... فقال الأمس : عُد إلي يابن أمي وأبي واغترف من عذب أنهاري ، واستنر من ساطع أنواري ، إن العقبة أمامك كؤود ، ولن يصل من رضي بالقعود...ولا تنْس التفكير فيما سيقوله الآتي من الزمان حين يصبح حاضرا ، في حديثه عنك وقد أمسيت أمسا غابرا...

المصدر: http://www.almeshkat.net/index.php?pg=art&cat=5&ref=320

أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك