فرض الإصلاح ..مستحيل

فرض الإصلاح ..مستحيل

محمد المصري

 

تحت عنوان "خادمات مقابل محتلين" رفض توماس فريدمان الكاتب الأمريكي المعروف بجريدة نيويورك تايمز الصادرة بتاريخ 17 يونيو 2004 الطريقة الجبرية التي تنتهجها أمريكا لفرض ما تسميه عمليات الإصلاح في الشرق الأوسط ومؤيدًا لخروج الإصلاح من الداخل العربي، طارحًا على خلفية ذلك طريقة جديدة لأمريكا لترويج أفكارها الإصلاحية في العالم العربي ويسوق في هذا الإطار بعض الادعاءات التي تؤيد فكرته المزعومة.

ويقترح الكاتب الأمريكي التقليل من الوجود الأمريكي في المنطقة العربية وترك المجال للشعوب لأن تقارن فيما بينها وبين دول جنوب شرق آسيا التي كانت ندًا لها والآن لتبنيها عمليات إصلاحية أصبحت تتبوأ مكانة كبرى بين دول العالم، مستشهدًا بالخادمات والعمالة المتدنية الشرق آسيوية التي تستجلبها الدول العربية وكيف أن هذه العمالة بدأت ترتقي لوظائف عليا معتمدة في ذلك على تطورها الذاتي على حد رأي فريدمان.

 

إصلاح من الداخل

 

يقول فريدمان: "زيارتي للهند والصين خلال الأشهر القليلة الماضية أخبرتني كم نحن كأمريكيين في حاجة لإنهاء عملنا في العراق والتقليل من تواجدنا هناك ليس لكي نغسل أيدينا من فكرة وضرورة ترويج الإصلاح في العالم العربي، بل لكي نستطيع دفع تلك الجهود.

فنحن لا نستطيع فرض الإصلاح على العرب.. انظر كيف قوبل اقتراح بإصلاح مخفّف خلال اجتماع قمة الثماني الكبرى (مبادرة الشرق الأوسط الكبير) في العالم العربي والإسلامي.. فلم يعر أحد الانتباه إليه، فالفكرة قتلت ككل خلال طريقها للوصول لأنها صنعت في أمريكا، الواسعة النشاط الآن في العالم العربي.

فالضغط من أجل التغيير يجب أن يأتي من الداخل، وأعتقد أنه من الممكن ذلك إذا ما قللنا من تواجدنا، ثم بعد ذلك يجب على العالم العربي أن ينظر بشكل واضح في حقيقة أنّ الصين، والهند، وسريلانكا، والفلبين وكل البلدان التي تزوّد طبقات الصفوة في السعودية وباقي الدول العربية بالخادمات والمهن اليدوية في أعمال الإنشاءات قد قفزت كثيرًا للأمام عن طريق التنمية الخاصة بهم وبدأوا يحصلون على وظائف جيدة الآن بعيدًا عن أمريكا.

 

إبعاد الوجه الأمريكي

 

هناك طريقان أمام الولايات المتّحدة لترويج الإصلاح في العالم العربي ..أحد الطريقين هو محاولة فرض الإصلاح بالقوة وهو ما لا يأتي بنتيجة.

فالسياسة الأمريكية أصبحت مكروهة جدًا في العالم العربي؛ فمن هم ضد الإصلاح يستطيعون إعلان عدم شرعية عملية الإصلاح بسهولة بتعريفه على أنه "مؤامرة أمريكية لتدمير الإسلام" كما أن المصلحين يصمتون لأنهم لا يريدون الظهور كمروجين لأجندة أمريكية.

الطريق الآخر لنا لترويج الإصلاح أن نبتعد عن الطريق بحيث تستطيع الشعوب في الشرق الأوسط أن ترى بشكل واضح كيف أن العديد من أطفال خدمهم من الهند والصين وسريلانكا والفلبين بدأوا يبرَعون في الرياضيات والعلوم والهندسة، تاركين الأطفال العرب في التراب.

ويزعم فريدمان -في محاولة لإلهائنا عن النخر الأمريكي في المنطقة- قائلاً: "فقط عندما يركز العرب على ما يفعله أطفال خدمهم في العالم لا على ما تفعله أمريكا في منطقتهم سيتذكرون ثانية أحد أحاديث النبي محمد – صلى الله عليه وسلم- الأكثر شهرة الذي يقول فيه: "اطلبوا العلم ولو في الصين" كواجب على كل مسلم.

 

مقارنات هشة

 

وفي إطار محاولاته لتعضيد طرحه المزعوم يقارن فريدمان بين حالتين قائلاً:"لم أذهب إلى الصين منذ عام 2001، ومن أول الأشياء الجديدة التي لاحظتها هنا هي عدد النساء اللواتي يبعن بطاقات الهاتف الخلوي، بينما إسلاميون في العراق والسعودية يستعملون تقنية التليفون الخلوي والسيارات لصنع القنابل".

 

ولأسباب أكبر نحن -العدو الملموس- في حاجة لتسليم السلطة لحكومة عراقية منتخبة، وتحريك قواتنا في الخلفية، وإذا استطعنا أن نفعل ذلك، أقترح بأن تدعو قمة الثماني الكبرى للعام القادم كلاًّ من الصين والهند وعقد قمة للعشر الكبرى إما في إحدى الشركات الهندية الأصيلة أو في محور شنغهاي الصناعي. ثم ندعو الزعماء العرب للحضور حيث كانت تعتبر الهند والصين نظائر للعرب في يوم من الأيام.

إن التغيير الحقيقي سيحدث عندما يرى العرب شيئًا في هاتين الدولتين يقارنون فيه أنفسهم بهما ويتوصلون إلى استنتاجات ليست مفروضة عليهم.

فقد كان عملنا أن يتم تحطيم العراق القديم ووضع الأسس لعراق جديد، أما الآن فنحن نحتاج للتقليل من وجودنا حتى تستطيع الشعوب في العالم العربي والإسلامي أن ترى بشكل واضح شيئًا ما نحن نعرقل رؤيته وهم يتجاهلونه عن عمد وهو أن عالم اليوم يريد أن يستثمر في أطفال جواريهم أكثر من أطفالهم وعندما ينفذون إلى تلك الحقيقة جدًا هم أيضًا سيتبنَّوْن الإصلاح.

المصدر: http://www.almeshkat.net/index.php?pg=art&cat=3&ref=203

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك