دعوة إلى التصالح بين الفرقاء شعارها: إلى الوراء أيها التطرّف..!!

دعوة إلى التصالح بين الفرقاء شعارها: إلى الوراء أيها التطرّف..!!

محمد عبد الله العبد الكريم

 

ربما بات من الضروري في هذه اللحظات الحرجة أن نضع حداً للخلاف المتفاقم بيننا وبين الآخر.

هذا الآخر الذي استهلكنا في التهالك معه، وكان جلّ اهتمامنا سحقه بكل ممكن، ولو استدعى ذلك تنازلاً عن بعض أخلاقيات الحوار، أصبح من المهم أن نغيّر مزاجنا نحوه، والجلوس وإياه على طاولة واحدة " لنتفاهم " عن قرب، وليسمع بعضنا من بعض، دون مظلة حكوميّة، أو حتى شبه حكوميّة؛ لأن من مصلحة الدولة أن تُراقب" كالعادة !" ولا تتدخل، فالتجارب في الحوار الوطني وحقوق الإنسان تصنع هاجساً نفسيّاً بين الفرقاء.

 

إن الأطراف التي ينبغي أن نتقارب معها ليست كتلة واحدة، ولا يمكن أن تصطلح جميعها على ما يريده كل طرف، ولكن المطلوب:

 

أولاًً: أن يكون هدف هذا " المؤتمر التصالحي" إبراز المتّفق عليه وتأجيل المختلف عليه، والتنازل عن بعض ما يمكن التنازل فيه، وكل ذلك في إطار المصلحة العامة للأمة، والتي لا يصعب على أحد فرزها وإفرادها لتكون قبلة المتصالحين.

 

وأمّا ثانياً: أن يشكل هذا التفاهم تحالفاً فيما بينه، يهدف إلى كسر شوكة التطرّف في كل طرف.

 

فمن المعلوم أن في كل طرف من الأطراف نوعين من المنتمين له: متشددين ومعتدلين؛ فالتيار الليبرالي فيه معتدلون، ومتطرفون لا يرون حلاً لتخلفنا إلا بالدبابة الأمريكية؛ تماماً كما في التيار الإسلامي معتدلون، ومتطرفون قد رسموا صورة الإسلام بكيفيّات مختلفة أوجبت الشقاق بينهم ، والصراع إلى أقصى حدوده.

 

هذا الشقاق والصراع داخل التيار "الإسلامي" بين متطرفين وليس بين معتدلين مع متطرفين، فلزم من ذلك أن يتحالف صوت الاعتدال بعضه مع بعض، وليكن شركة عملاقة تتوسع وتتعاظم حتى تكسد بضاعة التطرف، وتنحسر إلى حدودها اللائقة بها.

 

"فالله قد جعل الحقيقة ذات أبواب عديدة، يفتحها كل من يطرقها بيد الايمان" (ميخائيل نعيمة)

 

أما أن يتطاحن المتطرفون بعضهم مع بعض، ويصبح كل منهم وقوداً للآخر، فهذا العبث يجب أن يقف عند حده.

 

فإن آثار التطرف الليبرالي قد أوجدت خصماً " إسلامياً " عنيداً وحاداً، والتطرف "الديني" أوجد خصوماً ينتهكون حرمة الإسلام، ويتهمونه بإنتاج عقليات التخلف، ويشكّكون في ثبوت أحاديثه، ولديهم استعداد تام لإعلان زندقتهم وكفرهم وإلحادهم، كما أعلنوا ذلك في منتدياتهم ومنابرهم.

 

يرون ذلك بداية الانقلاب على"المؤسسة الدينية" المستقلة وغير المستقلة التي يشبّهونها بالسلطة الكهنوتية قبل الثورة الفرنسية عام 1789م. وهم يعتبرون أنفسهم لا يقلّون شأناً عن الفلاسفة الغربيين الذين عُلّقوا على أعواد المشانق يوم كانوا يحاربون السلطة الكنسية، وضحوا بأنفسهم في سبيل العلم والحرية حتى قامت حضارة أوروبا على جثث الشهداء.

 

إنه لن يسكت هذا العبث أو يصمت للأبد، ولن ينتهي (فيلم) التطرّف الذي طال ليله الحالك بالظلام.. سنون تتعاقبها السنون، إلا بمشروع تصالحي بين العقول الراجحة التي تتفهم كافة الظروف المحيطة بالبلد، وتسعى لتخليصه من الأقدار الحُبلى بالمفاجآت.

 

وإن القضايا المطروحة على الساحة التي أوجبت كل تلك الصراعات والفرقة ليست تستعصي على الحل لو أريد لها أن تُحل، لكنها تبقى معلقة يتكسب بها فئة قليلة على حساب وطن كبير، لديه عباقرة المال والسياسة والعلم ... ؛ لكن الثقة المنزوعة عنهم تبقيهم في الظلّ ليتاجر بالوطن من يظهر للناس أمراً ويخفي مكراً.

 

أمّا ثالثاً: فإن اندماج الأوساط المعتدلة يجب أن يُحاط بميثاق شرف يتفقون عليه شعورياً وإن لم يلتقوا على كل بند من بنوده.

 

وأما أخيراً: فإن جزءًا من صورة هذا المشروع متواجدة، ولها حضورها في بعض المواقع (الأنترية) الجادّة، ومنها هذا الموقع، وهي وإن لم تكن ظاهرة تمام الظهور؛ لكنها بدأت وحسْبها أنها خطوة في طريق طويل استطاعت في سنوات معدودة أن تضم إلى ميدانها أسماءَ كثيرة في فنون مختلفة، ومن أطياف متعددة.

 

وإنني لآمل أن يتوّج هذا العمل الجبّار بمجمع فكري كما المجمع الفقهي يتواصى فيه المؤتمرون بالرّيادة في ميادين الحبذ والرحمة والرأفة بالأمة بعدما طال ليل انتظارها تحت شعارات السراب.

 

المصدر: موقع الإسلام اليوم

الأكثر مشاركة في الفيس بوك