العلاقة بين الإسلام والغرب

العلاقة بين الإسلام والغرب

 

العلاقة بين الإسلام والغرب من القضايا التي برزت على الساحة الإنسانية في السنوات الأخيرة،بسبب كثير من الأحداث التي دفعت بهذه المسألة لتكون مثار بحث ونقاش عند المسلمين وغيرهم، ولعل أحداث نشر الصور المسيئة للنبي صلى الله عليه وسلم، نموذج للعلاقة المتوترة بين الطرفين، ولقد كان الغرب أكثر اهتماماً بدراسة هذه العلاقة، فقد تولت كثير من مراكز الأبحاث والدراسات والمنظمات الغربية، واهتم باحثون غربيون بدراسة العلاقة بين الإسلام والغرب، وعلى الرغم من أن بعض هذه الدراسات كان يسعى لاكتشاف الآخر (المسلمون) في كافة شؤونهم العقدية والاجتماعية والسياسية والثقافية، في محاولة لفهم طبيعة المسلمين، والعلاقة معهم على الرغم من ذلك إلا أن كثيراً من الدراسات الغربية قد جانبها الاعتدال والإنصاف في دراستها للإسلام والمسلمين.

 

فقد اتجهت لتقرير انطباعات أو أهداف لدى معدي تلك الدراسات من أفراد ومؤسسات، مما أوجد حالة من العداء والتخوف لدة شرائح واسعة من المجتمعات الغربية، فعمق بذلك حالة الانفصال بين الطرفين وأسس لصراع بعيد المدى، وبالمقابل فإن بعض الدراسات التي قامت بها بعض المؤسسات والأفراد في المجتمعات الإسلامية اتجهت كذلك إلى تعميق هذه الخلافات بين الطرفين، وقد ساعدها في ذلك واقع العلاقة بين الإسلام والغرب في صورتها المتأزمة، والمعاناة التي تعيشها بعض أقطار العالم الإسلامي بسبب الاحتلال أو العدوان عليها من أطراف غربية، وقد عملت كثير من وسائل الإعلام في كلا الطرفين على إيجاد حالة من الفتور والتوتر في هذه العلاقة.

 

ومع ذلك فإن بعض الأصوات والدراسات والأبحاث على الرغم من قلتها اتجهت إلى رسم الصورة الحقيقية التي يجب أن تتم عليها هذه العلاقة من التعارف والتواصل والمصالح المشتركة وغيرها من الأسس التي تقوم عليها العلاقات الطبيعية بين البشر، إذ الأصل في هذه العلاقة أن تكون علاقة إيجابية متواصلة، وتأتي هذه المحاولات لإزالة حالة الاحتقان في العلاقة بين الإسلام والغرب لتحقيق الأمن والسلام والاستقرار لكافة شعوب الأرض، بما يحفظ لها حقوقها ومكانتها.

 

إن العلاقة بين الإسلام والغرب مثقلة بإرث الصراع التاريخي بين الطرفين، إذ سريعاً ما يتجدد هذا الإرث في أي محاولة لإعادة العلاقة إلى طبيعتها الإنسانية، على الرغم من أن العلاقة بين الطرفين شهدت حالات من التواصل الإيجابي أكثر مما شهدت من مراحل العداء، إلا أن ما يتم استدعاؤه عند البحث في طبيعة العلاقة بين الإسلام والغرب هو حالة العداء والصراع، ومع إقرارنا بأن التاريخ يحمل صوراً من ذلك الصراع، إلا أن التاريخ لايمكن تغييره، بل هو كالمرآة العاكسة التي يمكن الرجوع إليها بين فترة وأخرى لاستهداء الطريق لالقيادة العلاقة، فالمسلمون والغربيون لايمكن أن يعيدوا رسم التاريخ بل يمكنهم صياغة المستقبل.

 

كما أن الأحداث المعاصرة التي تشوب العلاقة بين الإسلام والغرب تقف حائلاً دون تجديد هذه العلاقة وتطويرها، وأصبحت هي المؤثر المباشر في رسم طبيعة العلاقة بين الطرفين، على الرغم من أن هذه الأحداث لاتعبر عن كل المسلمين من جهة، كما أنها لاتعبر عن كل الغربيين، بل هي لاتتجاوز فئة محددة من كلا الطرفين لها مصالحها وأهدافها التي لاتخدم بالضرورة مصالح وأهداف الجميع.

 

إن البحث عن علاقة إيجابية بين الإسلام والغرب ليس أمراً مستحيلاً، بل هو الأصل الذي لابد من السعي إليه، وبغير ذلك سيعيش كلا الطرفين في مأزق مرحلي وتاريخي.

 

ولعل من أسباب شيوع فكرة الصراع بين الطرفين، أن هناك أسبابا عدة رسمت هذه الصورة للعلاقة بينهما، إذ مازال المسلمون ينظرون إلى الغرب نظرة تاريخية وثقافية تحمل في إرثها صوراً من الصراع القديم والحديث. يقول الباحث ميخائيل جميعان، في كتابه "المؤثرات الثقافية الشرقية على الحضارة الغربية من خلال الحروب الصليبية": "تؤلف الحروب الصليبية أطول فصل من حيث امتداد الحوادث التاريخية في قصة النزاع بين الشرق والغرب منذ أقدم عصور التاريخ، ذلك النزاع الذي لم تهدأ ثائرته إلى الأبد، بل هي قصة التفاعل الدائم بين الشرق والغرب مبتدئة بغزو اليونان لطروادة في آسيا الصغرى؟

 

فحروب الفرس ضد اليونان وحروب الاسكندر المقدوني وهرقل في الشرق وحروب العرب في شمال أفريقيا وإسبانيا والحروب الصليبية في سورية، والانتصارات العثمانية في آسيا الصغرى والتوسع الأوروبي في آسيا وأفريقيا في العصر الحديث ومنتهية بالاستعمار الغربي المقنع باستعمال مخلب القط إسرائيل للاستيلاء على مقدساته وثرواته وخيراته. وما الحروب الصليبية إلا فصل متوسط من فصول النزاع العام بين الشرق الآسيوي والغرب الأوروبي يرجع إلى أسباب عدة جغرافية وسياسية واقتصادية ودينية".

 

لقد رسمت الحروب الصليبية في مخيلة المسلمين صورة لحالة من الصراع بين الشرق والغرب أو بين الإسلام والغرب، ومازالت تلك الصورة حاضرة في فكر الطرفين يتم استدعاؤها كلما دعت الحاجة إلى ذلك.

 

وبالمقابل فإن الصورة التي رسمها "التاريخ" في أذهان الغربيين عن المسلمين لاتخرج عن نفس الإطار، وهي صورة الحروب والغزوات.

 

فالحروب التي قامت بين المسلمين وغير المسلمين على مرّ العصور الإسلامية من محددات العلاقة بين الشرق والغرب. ولذا فمن التهم التي توجَّه إلى الإسلام، أنه انتشر بالسيف، وأُجبر الناس على القبول به بالقوة، أي ان الإسلام جعل الناس مسلمين رغماً عنهم، وتزعّم هذه التهمة نفرٌ من المستشرقين

 

وقد تكررت الصورة المتوترة مرة أخرى بحملات الاستعمار التي سيطرت على بلاد المسلمين فترة من الزمن، ومازالت آثارها باقية في بعض أجزائه إلى اليوم، مما شكل في مخيلة المسلمين صورة سيئة عن طبيعة العلاقة مع الغرب.

 

وقد ساند ذلك عمل ثقافي تمثل في كثير من الدراسات الاستشراقية التي قام بها بعض المستشرقين والباحثين الغربيين عن الإسلام، حيث رسمت صورة الإسلام مقترنة بالوحشية والعنف والتعصب، مما رسّخ صورة سلبية عن الإسلام والمسلمين لدى الإنسان الغربي، وقد ساند ذلك في الوقت الحاضر الانتشار الواسع لوسائل الإعلام والاتصال وتأثيرها الكبير لدى متلقي الرسالة الإعلامية في كافة أرجاء العالم، فقد تمّ تصوير الإسلام بنمطية محددة لاتخرج عما رسمه المستشرقون قديماً، وقد أدّت الظواهر الجديدة كالعنف والإرهاب والتطرف الذي يمارسه بعض المسلمين إلى ترسيخ هذه الصورة.. وقد عملت وسائل الإعلام الغربية على إبرازها وتضخيمها وتصويرها على أنها تمثل حالة عامة لدى المسلمين، مما عزز الرؤية المتخوفة لكل طرف، تقول المستشرقة الألمانية "آنا ماري شميل": "إن من المحزن اليوم حقاً أن لايميز كثيرون في الغرب بين الإسلام وبين ما يلصق زوراً وبهتاناً بالإسلام أو ما يقترف من جرائم باسم الإسلام، فالإسلام بريء من الإرهاب والإرهابيين".

 

إن هذه المقابلة السلبية بين الطرفين تبدو أنها تغلب حالة الصراع بينهما، وهي حالة لها من يزيدها ويعمل على تأجيج نارها تحقيقاً لمصالح دولية أو إقليمية، أو ترسيخاً لتصورات خاصة من كل طرف، أو فهماً خاطئاً لنصوص دينية أو أفكار تاريخية، إلا أن الواقع يشير كذلك إلى أن حالة التعايش بين الإسلام والغرب، بل بين كافة شعوب الأرض هو الحالة الطبيعية التي يجب أن تسود بينهم، لأن من طبيعة البشر أن يتعايشوا.

 

إن ما يربط بين المسلمين والغربيين أكثر مما يفرق بينهم، فعدا عن فكرة الإيمان والأخلاق، فإن لديهم اليوم مصالح مشتركة لا يمكن فصلها أو قطعها، كما أن لديهم أهدافا مشتركة لخدمة الإنسانية، كفكرة السلام العالمي العادل الذي يحقق الخير والأمن للبشرية ويعيد الحقوق إلى أصحابها، كما أنهم يواجهون مشكلات إنسانية وطبيعية لا يمكن صدّها بجهود متفرقة، فالحروب والصراعات العرقية والكوارث الطبيعية وغيرها، كل ذلك مما يهدد البشر جميعاً وليس أتباع دين معيّن أو سكان منطقة جغرافية محددة.

 

إن هذا العمل المشترك لا يمكن أن يتحقق إلا بتصحيح العلاقة بين الطرفين وإزالة سوء الفهم المتبادل بينهما، والنظر إلى التاريخ باعتباره ماضٍ لا يمكن تغييره ولكن يمكن أخذ الدرس والعبرة، وعدم جعل التاريخ عائقاً أمام علاقة مشتركة بينهما.

 المصدر: http://almisk.net/ar/article.php?id=2610

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك