الإسلام السياسي فى ظل السياق الغربي

الإسلام السياسي فى ظل السياق الغربي

 

شغلت ظاهرة "الإسلام السياسي" كثيرًا من المهتمين بالسياسة، والاستراتيجيا، والاجتماع، والاقتصاد، والفكر، والأديان، وبدأ الاهتمام بها منذ منتصف السبعينيات بعد حرب 1973م ، وقيام الثورة الإسلامية الإيرانية، واغتيال الرئيس السادات، وبروز حركة الجهاد في أفغانستان ، حيث إن العلاقة بين الدول تتمحور حول نزاعات من أجل الهيمنة والسيطرة، فكانت الثورة - مثلاً - إحدى النزاعات التي ظهرت على أنها نزاع بين الإسلام والغرب، وتم تسويق الإسلام على أنه الخطر القادم بعد الحرب الباردة .

و"الإسلام السياسي" بوصفه "ظاهرة" لا يمكن الحديث عنه بمعزل عن أبعاده المختلفة؛ التاريخية والنفسية والدينية والسياسية والاجتماعية . وبوصفه "حركة سياسية" تتبنى صيغة دينية لا يمكن درسها كفكرة مجردة بمعزل عن التوظيف السياسي، والموروث الديني الذي يشكل المرجعية التي منها يستمد مشروعيته.

 

الإسلام، والإسلام السياسي، والأصولية الإسلامية

هذه الألفاظ، أو المصطلحات الثلاثة، يقع الخلط بينها كثيرًا، بل إن بول فندلي (مثقف وسياسي أمريكي) يقول: " إن الشعب الأمريكي بشكل عام لا يكاد يفرق بين الإسلام وبين الأصولية الإسلامية. ينظر إليها كشيء واحد " . ويحدد فندلي "الأصولية الإسلامية" بأنها تبلورت لدى الشعب الأمريكي من خلال سلوك الخميني في إيران جراء المعاملة التي لقيها الرهائن الأمريكيون بعد سقوط الشاه. لكن فندلي يعتقد بأنه يجب أن نفرق بين الإسلام، وبين الإسلام السياسي، وبين الأصولية الإسلامية .

ويؤكد مايكل هدسون (أستاذ العلاقات الدولية) : "أن المتخصصين يفرقون بين الإسلام وبين الحركات الإسلامية" ، ويوضح روبرت ساتلوف (المدير التنفيذي لمؤسسة واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، وأحد مستشاري اللوبي الصهيوني) أن الحركات الإسلامية، "ليست إلا مرحلة انتقالية نحو "الأسلمة" ، وهدفها هو إقامة حكومات إسلامية" .

لكن من المهم أن نعي أن "الأصولية" ، وكذلك "التطرف" ، ظاهرتان غريبتان عن الإسلام، فالأولى ذات جوهر بروتستانتي، والثانية كاثوليكية، ويعتمد بعض دارسي الإسلام من الغربيين كلمة "الإسلامية" كأفضل حل، فيما فضل آخرون ممن توخوا الدقة إطلاق "الإسلام السياسي" .

 

سمات الأصولية الإسلامية

يعتقد جون اسبوزيتو في كتابه "التهديد الإسلامي : أسطورة أم حقيقة" أن عبارة "الإحياء الإسلامي" أو "النشاط الإسلامي" تكون تعبيرًا مناسبًا أكثر للتسمية ، وشكل "الإحياء الإسلامي" يختلف من بلد إلى آخر ، ولكن يبدو أنه يتسم - بحسب اسبوزيتو - بـ

-      شعور بأن الاقتصادات السياسية والأنظمة الاجتماعية القائمة قد أخفقت .

-      تحرر من وهم الغرب ورفض له أحيانًا .

-      سعي حثيث لتحقيق هوية وأصالة عظيمة .

-  الاقتناع بأن الإسلام يوفر أيديولوجية مكتفية ذاتيًا للدولة والمجتمع وبديلاً ساري المفعول للقومية العلمانية والاشتراكية والرأسمالية .

وتصف كتب مدرسية تمهيدية (لعلم الاجتماع في أمريكا) متعددة الأصولية بأنها "معادية للحداثة ومناوئة للعلمانية وهي لذلك أيديولوجيا متخلفة" ؛ ففي قراءة الثورة الإيرانية يقول ريتشارد جيليس : "لم يكن التحديث مهدداً فقط النماذج التقليدية للحياة الاجتماعية ، بل كان يخلق كذلك نخبة متغربة رأسمالية جديدة ، ما أثار الشيعة ، ويمكن تفسير نمو الأصولية الإسلامية في أجزاء أخرى من العالم على أرضية مشابهة" . وفي النموذج الجزائري يرى وليم كورنبلوم أن "قيام الأصولية الإسلامية التي تسعى إلى منع ممارسات عديدة للمجتمع العلماني (بما في ذلك مواقف أكثر ليبرالية تجاه المرأة) أنتج حركة معاكسة للحكم من قبل الدكتاتورية العسكرية".

ويقول جون فيرلي : "أفضل الأمثلة هي إيران ومصر والعربية السعودية حيث ردود الفعل ضد التحديث خلقت حركات أصولية إسلامية قوية . وفي إيران في غالبيتها الشيعية حيث كانت التقاليد الأصولية هي الأقوى كانت النتيجة ثورة أدت إلى إقامة جمهورية إسلامية".(تراجع النقولات الأخيرة ضمن دراسة : إياد القزاز ، صورة العرب والإسلام في الكتب المدرسية التمهيدية لعلم الاجتماع في الولايات المتحدة ، مجلة المستقبل ع278/2002)

وتُقدم الحركات الإسلامية في كثير من الدراسات الغربية على أنها تشكل الخطر الأكبر على الديمقراطية في الشرق الأوسط ، ولكن جلين روبنسون في دراستها "الأردن مثالاً الحركة الإسلامية ، هل يمكن أن تكون ديمقراطية" تؤكد أن الحركة الإسلامية في الأردن كانت تعمل باتجاه الانفراج الديمقراطي منذ عام 1989م وكان ذلك ابتداء لأن مزيدًا من الديمقراطية يخدم المصالح التنظيمية ... ويمكن للحركات الإسلامية ليس فقط أن تتعامل مع الديمقراطية بل أن تتبناها".

ويذكر "القزاز" أن كتبًا مدرسية متعددة تركز في بحثها في الأصولية الإسلامية على أثرها السلبي في المرأة "بوضعها في دور تابع كما هي الحال في إيران وأفغانستان".

ويكتب آلان غريش : "منذ التسعينيات ، وبعد انهيار الاتحاد السوفياتي بدأ بعض الساسة ومراكز الأبحاث في التفتيش عن عدو جديد ، وطالعتنا صحيفة نيويورك تايمز بالقول : تتحول الأصولية الإسلامية بسرعة إلى تهديد رئيس للسلام الشامل والأمن ... ويشبه هذا التهديد النازية والفاشية في الثلاثينيات كما الشيوعيين في الخمسينيات" (آلان غريش ، العداء للإسلام ، ليموند ديبلوماتيك ، نوفمبر 2001). لكن فريد هاليدي في كتابه "الإسلام والغرب: خرافة المواجهة" يعتبر أن "الخطر الإسلامي" جزء من وقود الصراع السياسي يستخدمه الذين يريدون البقاء في السلطة والطامحون للظفر بها ، وما دامت هذه المصالح باقية فسيتواصل نسيج الخرافات بهدف التضليل والإسكات والتعبئة.

وتؤكد "فرّانتي" - بحسب إياد القزاز - أن "الجماعات الدينية المنعوتة بالأصولية ، تصور عادة كآثار دينية متحجرة ... تعيش أبدًا في العصور الماضية ".

وفي هذا السياق عملت الصحافة البريطانية - بحسب دراسة قدمتها أميمة عبد اللطيف- على مدى العشر سنوات الماضية على "تأطير الإسلام" ، بمعنى تقديمه من خلال إطار معرفي معين ، أهم خصائصه : العنف والتطرف ، والتشدد ، ومشاعر العداء تجاه كل ما هو غربي (إطار الأزمة) .

وقدم بالمثل من خلال ما يشبه الإخراج المسرحي لموضوع العنف السياسي من قبل الإسلاميين في الشرق الأوسط في إطار الأزمة التي من خلالها تشكلت العلاقة بين الإسلام والغرب في النصف الثاني من القرن العشرين.

ويؤكد البروفيسور "جون اسبوزيتو" (وضع عدة كتب عن الإسلام، منها : " الإسلام والسياسة " و " أصوات من الإسلام المنبعث") ، على ضرورة فهم الظاهرة الإسلامية، والتفريق بين "الأوجه العديدة لحركات الانبعاث الإسلامي" ، وعدم تمثيل "الإرهابيين" الذين يلجؤون إلى العنف للغالبية المعتدلة من التيارات الإسلامية.

ويعترف "إدوارد دجيريجيان" (مساعد وزير الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأدنى وجنوب آسيا السابق) بأن حركات الصحوة الإسلامية "تسعى إلى إصلاح مجتمعاتها عن طريق التمسك بالمثل الإسلامية" ، وأن هناك تنوعًا كبيرًا في الطريقة التي يتم فيها الإعراب عن هذه المثل.

ويقول: "إننا لا نرى جهدًا دوليًا موحدًا ومنسقًا وراء هذه الحركات . ما نراه هو أناس مؤمنون يعيشون في بلدان مختلفة يضعون توكيدًا متجددًا على المبادئ الإسلامية، وحكومات تتقبل النشاط السياسي الإسلامي، بدرجات متفاوتة وطرق مختلفة" .

 

رؤيتان متناقضتان :

يلحظ المتابع للكتابات والتصريحات التي تصدر عن ممثلي الدوائر الفكرية والسياسية والإعلامية عن علاقة الإسلام بالغرب أن هناك تيارين يتنازعان نظرة المفكرين والسياسيين والباحثين والخبراء تجاه "الإسلام السياسي".

التيار الأول منهما صوّر "الإسلام" كلاً بوصفه "عدوًا" للغرب يتربص بمصالحه، ويتناقض مع قيمه، ويسعى نحو القضاء على حضارته، وروج ممثلو هذا التيار بعد سقوط الشيوعية لمقولة أن خطر "الأصولية الإسلامية" هو الخطر القادم ، وأن العالم الإسلامي سيقع في براثن "التطرف الإسلامي" لا محالة ، وعندئذٍ سيتحول إلى "إمبراطورية الشر" في الحرب القادمة بين الغرب والمسلمين .

هذه النظرة التي سادت بعد الحقبة الشيوعية شكلت بيئة ملائمة لما حدث في تقويم 11 سبتمبر حيث تم البناء عليها ، وتدعيم الترادف بين الإسلام / الإرهاب ، وخطر الأصولية الإسلامية أو "الفاشية الإسلامية" - كما سماها فوكوياما - التي تهدد "عالمهم المعاصر".

ممثلو التيار الآخر يحاولون تقديم رؤية أكثر واقعية عن الإسلام وتياراته المعاصرة تتسم بالحذر من الوقوع في شَرَك التعميمات ، فتفرق بين تياراتها وفصائلها المتنوعة ؛ فكما أنه لا يمكن الحديث عن غرب واحد بالمعنى المطلق ، كذلك لا يمكن الحديث عن الحركات الإسلامية وكأنها حركة واحدة.

لكن تكاد تقتصر الرؤية الأخيرة على ميدان البحوث والدراسات المنهجية ، والتي ظهر عدد منها لأسماء توصف بالاعتدال ، لكن أحداث 11 سبتمبر تظهر الآن (بفعل عوامل عديدة) وكأنها تثبت نبوءة التيار الأول ، بالرغم من تأكيد عدد من السياسيين على وجوب التفريق بين الإسلام والإرهاب.

وفيما يخص أيديولوجيا الحركات الإسلامية ، فمن الضروري الاعتراف بأن هنالك ألوانًا مختلفة تصل إلى حد التناقض ، من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار ، ومن السلفية إلى الليبرالية ، وخصوصاً حين يتعلق الموضوع بقضايا العنف والديمقراطية ونظام الحكم والتي يقع فيها الاختلاف الكبير بحسب الانتماءات.

 

أمريكا والإسلام السياسي:

عالج فوز جرجس في كتابه "أمريكا والإسلام السياسي" الذي يعد أفضل قراءة شاملة وواقعية ومعمقة للنظرة الأمريكية إلى الإسلام السياسي ، وعلاقتها في صياغة السياسة الخارجية وفق ثنائية أو تعارضية المبادئ والمصالح . ويخلص إلى نتيجة مفادها : غياب سياسة أمريكية شاملة ومتكاملة تجاه الحركات الإسلامية رغم ادعاءات بعض المسؤولين الأمريكيين وجود مثل هذه السياسة ، مستعرضاً ثلاثة أسباب لذلك الغياب وهي :

-  أن الإدارة الأمريكية المتأخرة افتقدت وجود سياسة خارجية بشكل عام ذات رؤية شاملة ومتماسكة تجاه العالم بأكمله ، فضلاً عن أن تمتلك نظرة متماسكة تجاه الشرق الأوسط أو الإسلام السياسي فيه ، وأن السياسة الخارجية ظلت محكومة بالمصالح القومية الأمريكية الضيقة.

-  أن كبار اللاعبين في الخارجية الأمريكية في السنوات الأخيرة (بيكر- كريستوفر- أولبرايت) فضلوا التعامل مع الموضوعات السياسية العملية ، وليس النظرية المجردة (كالبعد الثقافي في العلاقة مع الإسلام والمسلمين) .

-  القناعة الأمريكية بأن الحركات الإسلامية مختلفة عن بعضها وغير متجانسة ، وتعكس ظروف نشأتها وخصوصيتها ، ومن غير العملي صياغة سياسة موحدة في التعامل معها.

ومع ذلك يلاحظ جرجس وجود تناقض في السياسة الخارجية الأمريكية تجاه الإسلام السياسي ؛ ففي حين تحذر من اقتراب الإسلاميين من السياسة خوفًا من تهديد المصالح الأمريكية ، هناك حديث ودي عن البعد القيمي الذي تمثله هذه الحركات في الدعوة إلى الأخلاق والفضائل. ولم تكن مضامين الخطاب الأمريكي في دعوته التقليدية إلى الديمقراطية وحقوق الإنسان إلا عناصر ثانوية ودعائية في السياسة الأمريكية التي - وكما يرى جرجس- لم تتغير في جوهرها بعد انتهاء الحرب الباردة وبقيت حبيسة المصالح القومية والاستراتيجية الأمريكية.

ويرى جرجس أن العناصر الثقافية والتاريخية والنظرة المسبقة للإسلام لا تملك أوزاناً مؤثرة في وجه الحسابات السياسية والأمنية. وينقل جرجس عن محللين أمريكيين قريبين من صناعة القرار بأن كلنتون - مثلاً - لم يكن مهتمًا بالإسلام ولا بما يعنيه ، بل بما تشكله الحركات الإسلامية من خطر على المصالح الأمريكية.

لكن إطلاقية جرجس هذه ، لا ريب أنها تتجاهل التأثير غير المباشر وغير الواعي للعناصر الثقافية والنظرة الغربية والأمريكية المتجذرة للإسلام والمسلمين . ويمكن الإشارة هنا إلى دراسة كاثلين كريستيسون "التصورات عن فلسطين وأثرها في سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط" والتي تثبت أن ما تراكم من نظرة مسبقة وتقليدية هو خليط من الأيديولوجيا وعناصر من المسيحية اليهودية تجاه فلسطين والشرق الأوسط تشكل في نهاية الأمر خلفية صلدة لدى الرأي العام وصناع القرار.

 المصدر: http://almisk.net/ar/article.php?id=3900

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك