الأدب والعنف
الأدب والعنف
د. زياد الحكيم
يهتم الأدب في القرن العشرين بظاهرة ازدياد العنف في المجتمعات الحديثة - من الحروب المدمرة التي تستعمل فيها احدث ما تفتقت عنه العبقرية الشريرة للإنسان من اسلحة وأدوات تدمير إلى الجرائم التي يرتكبها الأفراد من قتل واغتصاب وسطو. وقد عزا النقاد هذه الخاصة في الأدب الحديث إلى سببين: الأول أن السلوك العنيف يثير الانتباه ويزيد من إقبال القراء على المادة الأدبية، والثاني أن السلوك العنيف يستطيع أن يصعق جمهور القراء وان يهز معتقداتهم. بينما يركز نقاد آخرون على الأهمية التاريخية للعنف في الفترة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية عندما راح الشعراء والروائيون يعبرون عن القلق الذي ترسخ في النفوس من أن العالم لم يعد قادرا على إحلال سلام طويل الأمد ومن ميل الإنسان إلى العدوان الذي يهدد بتدمير العالم والحياة. وفي أواخر القرن العشرين بدا أن صور العنف المبالغ فيه ملأت وسائل الإعلام إلى درجة أن الكثيرين فقدوا الأمل في إمكانية إيجاد حل أخلاقي لمشكلة القتل والتدمير التي سادت العالم. وعلى هذا أصبح العنف مادة يتناولها الأدباء المحدثون الراغبون في إلقاء الضوء على المشهد العالمي والإنساني الحالي من ناحية تاريخية ونفسية وفنية.
والعنف في أعمال عدد من شعراء القرن العشرين واقع لا يمكن تجاهله. فقد لفت النقاد النظر إلى الصورة المركزية في أشعار هارت كرين ، وهي صورة دمار شامل، وقد عبر من خلالها عن رفضه لعالم يعاني من عيوب أخلاقية قاتلة. وفي أشعار سيلفيا بلاث وجون وين أدت محاولة التعرف على أسباب العنف ونتائجه إلى ثورة من الغضب واليأس والإحباط، وفي حالة بلاث إلى الانتحار. وعلى الجملة يعترف النقاد أن شعراء ما بعد الحرب تقع على عاتقهم مسؤولية دراسة العنف للتعرف إلى طبيعته بحيث يمكن تجنبه في المستقبل. غير أن بعض الشعراء اعتبر العنف مصدرا من مصادر الابتكار والتغيير، فمن رماد الدمار الذي أوقعه العنف وجد هؤلاء الشعراء ما هو صاف وطاهر وجديد، وهو الرأي الذي عبر عنه وليام بتلر ييتس في قصيدته "عيد الفصح 1916" التي يتخيل فيها ولادة "جمال رهيب" من رحم صراع دام.
وقد استكشفت هانا ارندت في كتابها "في العنف" التوازن القائم ما بين أنظمة السلطة المؤسساتية والعنف، وهو التوازن الذي اختل بشدة لان وسائل عنيفة استعملت لتنظيم العالم وإعادة ترتيبه من خلال الفاشية والامبريالية في القرن العشرين. أما بالنسبة إلى الروائي فان أشكال العنف هذه أصبحت عوامل رئيسية في الإدراك الوجودي للعلاقات البشرية التي تكسرت تحت وطأة فلسفة السلطة الحديثة. ففي رواية جورج اورويل "1984" نجد أن الخوف والألم والمعاناة هي وليدة نظام استبدادي يتمتع بحرية مطلقة في عالم عابث ومنعزل وعديم المعنى. أما فلاناري أوكونر التي تصف نفسها بأنها روائية مسيحية فهي تقول إن العنف والمعاناة هما من العناصر الأساسية في عالم فقد إيمانه وتطارده لعنة الخطيئة الأولى. ويقول بعض النقاد إن أوكونر استعملت العنف في رواياتها لتحقيق هدفين: الاول هو التعبير عن معاناة الإنسان المعاصر والثاني هو تنبيه قرائها من غير المؤمنين.
Literature and Violence
Dr Ziad Hakim