الطائفية والقتل على الهوية في العراق .... فتنة .. ملعون من أيقظها

الطائفية والقتل على الهوية في العراق .... فتنة .. ملعون من أيقظها

نجاح محمد علي

لم يكن العراق طوال تأريخه وخاصة بعد تأسيس الدولة العراقية الحديثة، مسرحا لحرب طائفية أو دينية ولاحتى قومية . ولم يشعر سكانه الذين كانوا على الدوام مثالا للتعايش(الديني والقومي)،انهم يعيشون في مجتمع يتكون من كل ألوان الطيف، حتى في ظل النظام السابق لأن العراقيين لم يتعاطوا صراعهم مع النظام من منطلقات طائفية أو قومية على الرغم من محاولات النظام المقيتة.

 

فالشيعة الذين نالهم ضيم كبير طوال سنوات النظام الذي لم يكن على الاطلاق (سنيا) لم يخوضوا صراعهم معه لنيل "حقوقهم" لأنهم في الأساس كانوا يرفعون شعار " الحكومة الاسلامية " لكل العراقيين، حتى قبل تبلور مفهوم نظام ولاية الفقيه بعد انتصار الثورة الاسلامية في ايران عام 1979 وقيام الجمهورية الاسلامية.

 

حزب الدعوة الاسلامية الذي قاد مسيرة صراع الشيعة ضد أنظمة الحكم المتعاقبة منذ سقوط الملكية في العقود الماضية وانفرد بها،سنوات طويلة منسقا ومتفاهما (بشكل أو بآخر) مع المرجعية الدينية،قبل ظهور أحزاب اسلامية منافسة!كانت معظم أدبياته السياسية في قيادة الصراع،تنطلق من أفكار وضعها أقطاب من (السنة) وعلى رأسهم أبو الأعلى المودودي،وحسن البنا وسيد قطب وعبد ا لقادر عودة والآخرون الكبار الذين كانت كتبهم تدرس بعناية في الحلقات الحزبية،بل وأن قادة الدعوة الكبار وأخص بالذكر المغيب (عبد الهادي السبيتي) كان أتهم من قبل البعض في التنظيم (وخارجه) بأنه كان منحازا لفكر(السنة) في كتابته النشرات السرية التي حملت آنذاك اسم(صوت الدعوة).

 

وبعد أن تصدت المرجعية الدينية لقيادة الصراع مع النظام السابق، وحصل ما يمكن تسميته بالفراق بين الدعوة والمرجعية اثر خلافات حول "ولاية الفقيه" والأثنينية التي برزت الى السطح :أما الحزب واما المرجعية ،فقد قاد الشهيد السعيد آية الله محمد باقر الحكيم مسيرة الصراع (الحزب اللهي) المفتوح مع النظام وضم المجلس ال أعلى للثورة الاسلامية الذي شارك في تأسيسه، قيادات سنية بارزة، بينها شخصيات كردية معروفة مايؤكد أن الشيعة خاضوا صراعهم مع النظام لتغييره،لصالح كل العراقيين ولم يكونوا يوما ما طائفيين، أو قوميين.

 

السنة أيضا لم يكونوا أبدا منحازين للنظام السابق،وقد نالهم من الضيم مانالهم، وليس أدل على ذلك أن النظام بدأ بهم عندما اغتال غيلة وغدرا وقتل صبرا الشيخ الجليل عبد العزيز البدري والذي نهل منه الشيعة فكرا سياسيا وضاء عن " اصول الحكم" تكاد تكون متطابقة تماما مع نظ رية ولاية الفقيه لدى الشيعة في أصل تولية العلماء أو من يفوضونهم هم، مقاليد الحكم الاسلامي.

 

أما الحرب التي خاضها الأكراد في شمال العراق،فقد فرضت عليهم من قبل أنظمة لم تكن تمثل العراقيين العرب على الاطلاق،وقد أفتى كبار مراجع الدين بحرمة قتال الأكراد وأمامنا فتوى الامام الخالد(الشيعي العربي) محسن الحكيم التي كانت الفيصل في تحديد إطار ذلك الصراع بل وفي تحجيمه لصالح حقوق الأكراد ،وأيضا وبعد أن دخل الصراع مع النظام الساق شكلا مباشرا منذ شنه الحرب الظالمة على الجمهورية الاسلامية ،فان احتضان أكراد العراق لأشقائهم من المناطق الأخرى وتحويل الكوردستان العراقي الى مأوى للجميع ،يعكس شمولية الصراع وعلمانيته(إن صح التعبير) أي أنه لم يكن من أجل طائفة أو قومية بل كان من أجل الوطن ومن اجل الجميع.

 

المشكلة التي نشاهدها هذه الأيام في حرب خفية تجري خلف الكواليس على اسس طائفية وقومية ،والقتل الذي استهدف البعض من اخواننا الشيعة والسنة (في كركوك والبصرة تحديدا) وقد تم على الهوية مهما كانت المبررت،وحتى ان كان اتهام الضحية بالتشدد والتطرف صحيحا(فرض المحال ليس محالا)،وضعت بذرته مع الأسف في مؤتمر لندن(العام الماضي) الذي ضم فصائل ماكان يعرف بـ المعارضة العراقية،في نظام توزيع الحصص!!.

 

وقد يكون لمن تبنى مسألة الحصص،مبرراته،في حصول الجميع على حقه بشكل تفصيلي، يمنع سيطرة فئة على أخرى،الا أن سنوات الكبت والقمع الطويلة، والمخاوف التي يثيرها أعداء الشعب العراقي ،داخل الطوائف التي تمثل الأقليات الدينية والعرقية على قاعدة" فرق تسد"، سمحت بنمو بذور الفرقة في الوسط العراقي (ولو بشكل محدود) ما يستدعي التحذير منه بكل قوة والمناداة بوقف أي عملية تصفية تتم في العراق تحت أي مسمى وبأي غطاء خصوصا ماينقل هذه الأيام عن تصفية من يسمونهم بالتكفيريين، أو أتباع المدرسة الوهابية.

 

ويجب أن نؤكد هنا أن القراءات المختلفة للدين (وهي بالمناسبة عنصر قوة يسمح للاسلام أن يتعاطى المستحدثات في كل عصر ومصر بحيوية) تسمح ببروز مدارس عدة تمثل اجتهادات دينية مختلفة: من أخطأ له أجر ومن أصاب فله أجران.

 

الشيعة يا أخوان يمثلون في منشأ مصدرهم التشريعي (القرآن الكريم والسنة التي يرفقونها بمدرسة أهل البيت عليهم السلام)،بينما يضيف اخواننا ممن أصبحوا يعرفون بأهل السنة والجماعة،الصحابة الكرام رضي الله عنهم الى مصادر التشريع ،وبين هؤلاء وهؤلاء تتوزع الامة على سبل عدة كلها تؤدي الى الصراط المستقيم مادام الجميع يقر بالشهادتين وبقوله تعالى " وإن هذا صراطي م ستقيما فاتبعوه ولاتتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله".

 

علينا أن نقر بواقع الاختلاف ولانسمح له لكي يتحول الى خلاف،يسخط الله علينا ويزيح نعمه عنا إذا حولناه الى خلاف دموي...بأي ذريعة كانت.

 

ويجب أن نؤكد أن الشيعة هم سنة في الواقع والعكس صحيح لأن الشيعة يعتبرون السنة النبوية المطهرة مصدرا للتشريع أساسيا الى جانب القرآن الكريم،فيما السنة يشايعون أهل البيت عليهم السلام ويحبونهم ولايكفرون بهم.

 

يا أهل العراق: الطائفية والقتل على الهوية فتنة بائسة ومقيتة ...وملعون من أيقظها بين المسلمين. * نجاح محمد علي : كاتب واعلامي طهران/ايران

 

المصدر: شبكة العراق الثقافية

الأكثر مشاركة في الفيس بوك