آليات التجديد في الاجتهاد الفقهي

آليات التجديد في الاجتهاد الفقهي

أ. صادق العبادي

يشهد العالم في القرن الحادي والعشرين تطوّرات وتغييرات اقتصادية واجتماعية وعلمية هائلة، تجاوزت سرعتها كمًّا وكيفًا التطورات التي حدثت طول الفترات الماضية. وهذه التطورات، التي أثرت سلبًا وإيجابًا في العالم الإسلامي، تبعتها تغييرات في الأنظمة الاقتصادية والاجتماعية والقانونية، فقضايا (حقوق الإنسان) و(اللجوء الإنساني والسياسي) و(الهجرة) و(الأمن الغذائي) وتوسع (القنوات الفضائية) و(شبكة الإنترنت) وما شابهها أوجدت قضايا ومشاکل حديثة استتبعت وضع أنظمة حقوقية محلية ودولية وظهور حقوق ومسؤوليات جديدة علي الإنسان المعاصر أيضًا.

 

وفي عالم الاقتصاد، الذي يلعب دورًا كبيرًا في تأمين مصالح الشعوب، حدثت تطورات جديدة مثل توسع التجارة الدولية وشبكة البنوك والبورصات العالمية إلى الصناعة والزراعة وإلى توسع مشكلة ديون العالم الثالث ونظام السوق العالمية الحرّة، وكل ذلك وضع المسلمين والحكومات الإسلامية أمام تحدّ كبير هو: هل يمكن للأحکام ولقوانين الاقتصادية الإسلامية أن تواكب هذا التطور السريع. لقد سيطرت نظم المصارف والبنوك والضرائب الحديثة على الأسواق والمجتمعات الإسلامية، ولا يمكن للمسلم اليوم أن يعيش داخل إطار ذاته وقوانينه التي وضعت لبيئة تختلف اختلافًا أساسيًّا مع البيئة التي نعيشها اليوم. ولأننا نؤمن بهويتنا وشريعتنا الإسلامية يطرح السؤال التالي: كيف يمكن التوفيق بين قيمنا ورؤيتنا الدينية والمتغيرات المعاصرة؟.

 

الفقه والحاجة إلى اجتهاد معاصر

 

في مثل هذه الأجواء كيف يمكن للأفراد والمؤسسات والحكومات الإسلامية أن تستوعب المتغيرات المعاصرة؟ وكيف يمكن تطبيق بعض أحکام الفقه والأنظمة الإسلامية، التي وضعت بعضها قبل مئات السنين على حياتنا المعاصرة؟ هل يمکن أن تؤدي الأنظمة المالية الإسلامية كالخمس والزكاة مثلا دورًا إيجابيًّا في مسيرة مشاريع التنمية الشاملة؟ وما هي دورها في حل الأزمات الاجتماعية والاقتصادية لمجتمعاتنا الإسلامية؟ بعد أن نجحت بعض البلدان الإسلامية من تحويل الزكاة والوقف من عمل فردي إلى مؤسسي، كيف يمكن لهذه المؤسسات إعداد نفسها لمواكبه التحولات الاقتصادية والقانونية والمعلوماتية؟ كل هذه الأسئلة وغيرها بحاجة إلى إجابات شافية ومقنعة لتعزيز الثقة بالدين والقيم والأحکام الدينية.

 

لقد حاول بعض الباحثين والمؤسسات البحثية الإجابة عن هذا النوع من الأسئلة ضمن دراسات وبحوث خلال العقدين الأخيرين[1]، وتبقي هناك أسئلة وقضايا عديدة وأخري بحاجة إلى مراجعة وبحث ودراسة. لنضرب مثلا من أحکام الزکاة والخمس، نظرًا لأن (الزكاة) أو(الخمس) مفهوم ونظام ديني وشرعي، ويعتبر أصلا من الأصول الإساسية لعقيدة الإنسان المسلم ونظامه في الحياة، فإنه ليس من الصالح لنا إيجاد أي تغيير في نظامنا المالي خارج إطار المنهجية الإسلامية وخصوصًا نظام (الاجتهاد الفقهي) الذي استطاع تاريخيًّا أن يحلّ مشاكل المسلمين الحياتية خلال أکثر من ألف عام وفي أفضل عصوره الذهبية.

 

وإذا استبعدنا الحلول المتغربة والعلمانية خارج الدائرة الإسلامية، فإن هناك داخل الدائرة الإسلامية روافد فكرية متعددة واتجاهات مختلفة تحاول الوصول إلى أفضل الخيارات المطروحة في الدعوة إلى (تطبيق الشريعة الإسلامية) و(قضايا التنمية الشاملة في المجتمع الإسلامي) ومدى توافقها مع الرؤى الدينية.

 

وبالرغم من نمو التيار الإسلامي الداعي إلى تجديد الحياة الإسلامية ضمن منظور حضاري وتنموي يستطيع أن يجمع بين الرؤية الإسلامية وأهداف الشريعة ومتطلبات العصر ومشكلاته ومستجداته، إلاّ أن شريحة كبيرة من قيادات وعلماء الدين لازالت تؤمن بخطورة الاتجاهات التحديثية على الدين، وتدعو إلى الأصالة والرجوع إلي الفقه التقليدي والتمسك بالتراث الفقهي والفكري، ولا ترى نفسها مسؤولة عمَّا يجري في الساحة الإسلامية من تحديات أساسية على جميع الأصعدة.

 

وإيمانًا بضرورة التغيير والتحول في المنهجية الفكرية الإسلامية كمرحلة أساسية للنهوض الإسلامي، أرى أن تطوير عملية الاجتهاد في الفقه الإسلامي يعتبر المفتاح الأساس للتوفيق بين (الأصالة والمعاصرة) و(الدين والحياة) و(التراث والتجديد)، وهو الطريق الأسلم لمواجهة التحديات المعاصرة والمحافظة على هويتنا الإسلامية.

 

تحاول هذه الورقة إغناء الحوار حول الطريق المناسبة للخروج من مأزق التحدّي التشريعي والقانوني الذي أوجده الغرب لنا بعد أن غزا قوانينا التشريعية وأنظمتنا المالية في معظم المجالات محاولة طرح وجهة نظر متوافقة مع الإطار الديني ومن داخله.

 

الرجوع إلى الفقه الإسلامي أم القانون الحديث؟

 

إن قضية التوفيق بين الفقه والقانون الإسلامي من جهة ومتطلبات العصر ومشاكله وهجوم القوانين الوضعية الغربية من جهة أخرى كانت ولا تزال من القضايا الأساسية التي تشغل بال المصلحين والقادة المسلمين، وقد كانت هناك محاولات قابلة للتأمل في هذا المجال أمام الهجوم الغربي على البلاد الإسلامية فكريًّا وقانونيًّا، وقد أخذ هذا الموضوع اهتمامًا أساسيًّا واستراتيجيًّا بعد صعود القوى الإسلامية للسلطة في أكثر من بلد إسلامي خلال العقود الأخيرة، وکذلك أخذ موضوع تطبيق الشريعة الإسلامية حيزًا هامًّا في الخيارات الدستورية لهذه البلاد.

 

وهناك نقطة هامة جديرة بالاهتمام هي أن طرح خيار الفقه الإسلامي بوصفه حلا من دون التوسل بآليات جديدة للاجتهاد والتجديد هل يمكن أن يلبى الحاجات الدستورية للدول والمجتمعات الإسلامية؟.

 

وللجواب يعتقد الباحثون في هذا المجال أن الأمر ممکن ولکن بشروط. فالدكتور عبدالرزاق السهنوري، الذي قضي عقودًا من حياته في إعداد الکثير من القوانين المدنية في العراق ومصر في مرحلة تدوين القوانين الوضعية يقول بأن: الفقه الإسلامي إذا أحييت دراسته وانفتح باب الاجتهاد فإنه سوف يعطينا قانونًا حديثًا لا يقل في الجدّة وفي مسايرة العصر عن القوانين اللاتينية والجرمانية، ويكون هذا القانون مشتقًا من الفقه الإسلامي اشتقاق هذه القوانين الحديثة من القانون الروماني العتيق. ولکن السهنوري يشترط أن تدرّس مذاهب الفقه الإسلامي المختلفة السني والشيعي والخارجي والظاهري وغير ذلك من المذاهب دراسة مقارنة، ثم تقارن هذه بالفقه الغربي الحديث حتى يتضح ما بينها من الفروق ووجوه الشبه[2].

 

أما المستشرق البريطاني كولسون N.J. coulson، الذي الذي قضى فترة طويلة من حياته في دراسة الفقه الإسلامي وتدريسه بجامعة لندن ومقارنته بالقانون الغربي مما أتاح له القدرة على تناول مسائل الفقه الإسلامي من وجهة نظر جديدة قابلة للتأمل، يقول في هذا الشأن: إن القانون الذي يبغي الاحتفاظ بدوره المطرّد كقوة حية لابد له أن يمثل روح المجتمع الذي ينظمه وهو الإسلام، وليست العلمانية في أية صيغة لها بقادرة على أن تعكس روح المجتمع المسلم المعاصر، وكذلك فإن الكتب الفقهية الموروثة من العصور الوسطى لا تقل عنها عجزًا في هذا الصدد.

 

من هنا يمکن القول بأن تطور التشريع الإسلامي لا يمكن أن يكون معتمدًا أساسًا على القوانين الغربية، وفي المقابل کذلك إن الوقوف عند تقليد الآراء الفقهية السابقة ليس هو الحل الأمثل، بل الحل الأمثل هو الاعتماد على آلية جديدة في الاجتهاد بحيث يستطيع أن يوفق بين نصوص الشرع وظروف العصر وحاجات المجتمع الإسلامي وبعد مراجعة دقيقة للسنة. وكما أن القيم العلمانية ووسائل التغرب لا تصلح لنا کحل لمعالجة المشاکل المعاصرة، كذلك فإن الصياغات الفقهية القديمة أثبتت أنها لا تصلح للتطبيق بوضعها الموروث وبصيغها القديمة وفي ظروف المجتمعات المعاصرة، ولا بد من البحث عن صياغات جديدة تحقق مصلحة الأمة في إطار النصوص الشرعية[3].

 

ضرورة التجديد في الاجتهاد الفقهي

 

لقد جاءت الحركة الحديثة للتجديد التشريعي لتنهي حالة الجمود التي كان عليها الفقه الإسلامي طوال الفترة الماضية. ويرى المجددون إمكان تطوير الفقه حتى يتلاءم مع حركة المجتمع، ويدعم تقدمه في العصور الحديثة. إن الحكم القانوني في الإسلام لا يتحدد فقط وفقًا لاحتياجات وتطلعات المجتمع وحدهما، إنما يمكن إعمال هذه الاحتياجات وتلك التطلعات على نحو مشروع في حدود المعايير والمبادئ التي أمر بها الشرع على نحو لا يقبل التغيير ولا التبديل. لكن المسألة التي لم تحسمها حركة التجديد الحديثة هي إلى أي مدى يمكن إعمال هذه الاحتياجات والتطلعات في إطار المبادئ الشرعية[4].

 

إن الصدام بين أحكام الفقه التقليدي التي يدَّعي البعض عدم قابليتها للتغير والتوافق مع متطلبات المجتمع الحديث يثير أمام فقهاء ومفكري الإسلام مشكلة ذات طبيعة أصولية: أنه لا يمكن للمصلحين تبرير إصلاحاتهم القانونية اعتمادًا على مجرد ما تمليه الضرورة الاجتماعية، إذا أريد للقانون أن يظل محتفظًا بطبيعته، باعتباره تعبيرًا عن الحكم الإلهي، وإذا أريد له أن يبقى في النهاية قانونًا إسلاميًّا، وعلى هؤلاء المصلحين إذن أن يجدوا الأسس الفقهية والأدلة المؤيدة لآرائهم في المبادئ التي قررتها الشريعة صراحةً أو ضمنًا.

 

ويتمثل مستند اتِّجاه التجديد التشريعي بصورته المتطرفة في فكرة أن التشريع الإلهي لم يرد بأحكام تفصيلية مستوعبة ولا أحكام جامدة خلافًا لما ذهب إليه الاتِّجاه المحافظ، وإنما جاء بمبادئ عامة ومجملة تحتمل عدة تفسيرات وتأويلات تختلف باختلاف الأحوال والعصور. وعلى هذا يمكن لمساعي التجديد أن ترسي أرسخ دعائمها على فهمها الصحيح للتطور التاريخي للفقه، والحق أن علم تاريخ التشريع يكتسب أهمية حاسمة لم تكن له هذه الأهمية في الماضي[5].

 

إن تجربة التأثير الأجنبي في المسلمين وتأثرهم في القوانين الأوروبية منذ دخول الاستعمار للبلاد الإسلامية واصطدامها بالوضع الإسلامي، وتلاقي الحضارتين الإسلامية والغربية بشکل مباشر، بدأت المفارقات بين النظامين تظهر بوضوح، وبدأ التأثير الغربي يزداد يومًا بعد يوم على التطورات القانونية عند المسلمين. وقد استمدت الخلافة العثمانية من القانون الأوروبي على نطاق كبير، وكذلك تأثر القانون الإيراني والمصري بالقوانين الأوروبية، بل وحتى تم أحيانًا ترجمة القوانين الفرنسية حرفيًّا في القانون المدني على حساب الشريعة الإسلامية، ولكن كان ذلك إلي جانب المحاولات الجادة للتطوير. فمثلا تعد مجلة الأحكام العدلية في تركيا العثمانية، عملا قانونيًّا ذا مغزى هام في تطور التشريع الإسلامي. فقد دلَّت بوضوح، رغم تقيدها بدائرة المذهب الحنفي عمومًا، على أن أحكام الفقه الإسلامي يمكن بقليل من المعالجة أن تأخذ الإطار الحديث الذي يحقق لها مزايا كثيرة في مجال التطبيق الواقعي. وقد جاءت المجلة في ستة عشر كتابًا و1851 مادة تتناول أحكام العقود المختلفة التي تشكل موضوعات القانون المدني. وقد استمر تطبيق أحكامها في البلاد العثمانية إلى أن ألغاها أتاتورك عام 1926م. كما استمر موضوع التطبيق في لبنان إلى سنة 1932م، وفي سوريا إلى سنة 1949م، وفي العراق إلى السنة 1953م، وما تزال موضع التطبيق عمومًا في بعض البلدان الإسلامية.

 

ومنذ أواخر القرن التاسع عشر اقتصر العمل بالأحكام الفقهية الخالصة في مجال قانون الأحوال الشخصية كالميراث والوقف في بلدان الشرق الأوسط، إلاّ بلدان شبه الجزيرة العربية فقد بقيت بوجه عام محصنة وحدها من تأثير القوانين الأوروبية حيث استمر التشريع الإسلامي التقليدي فيها هو التشريع الأساسي الذي يحكم كل أوجه العلاقات القانونية مع إدخال بعض التعديلات الشكلية القليلة. أما البلدان الإسلامية فيما سوى منطقة الشرق الأوسط، فلقد كان تغلغل القوانين الغربية وثيق الارتباط بأنظمة الحكم المختلفة فيها وقوى الدول الاستعمارية[6].

 

رواد الدعوات الأولية إلى إحياء الاجتهاد

 

لم يكن انتصار الغرب على البلاد الإسلامية واستعمارها في القرون الماضية بسبب قوتهم الذاتية بقدر ما كان لأسباب الضعف التي برزت داخل الساحة الإسلامية من تفتت سياسي، وسيطرة الروح الاستبدادية، واستغلال الدين للمصالح السياسية، وعدم الاهتمام بتوعية المسلمين وأخيرًا توقف دور علماء الإسلام في تجديد الفكر والفقه الإسلامي لمواكبة التطورات الحياتية كما كان أيام عز المسلمين وحضارتهم وقيادتهم للعالم.

 

ونظرًا إلي أن تفوق الاستعمار لم يکن تفوقًا عسکريًّا فحسب بل کان تفوقًا في العلم والثقافة أيضًا، وإن التحرر من ربقة الاستعمار لم يکن يتحقق إلا عبر تحرر فکري وثقافي بکل معني الکلمة. ولم تظهر في تلك المرحلة حركات جدية لإحياء الاجتهاد والتجديد الفکري، الذي کان شرطًا من شروط الاستقلال، إلاّ في بداية القرن 13هـ ونهايات القرن 19م عندما بدأ الشيخ جمال الدين الأفغاني (1254-1314هـ/1838-1897م)، ثم الشيخ محمد عبده (1266-1323هـ/1849-1905م) دعوة جديدة إلى إحياء الاجتهاد وإرجاع دوره الأصيل في الحياة الإسلامية. فقد دعا الأفغاني وعبده إلى إعادة المبادئ المتضمنة في نصوص الوحي الإلهي كأساس للإصلاح في القوانين التشريعية، وأيد هذه الدعوة علماء آخرون في الهند ومصر والشام وبلاد أخرى. لقد كان الأفغاني بالإضافة إلى نهوضه السياسي ودعوته إلى الإصلاح الديني، في مقدمة المطالبين بـ(فتح باب الاجتهاد) ومن المحرضين على ممارسته، وتميزت ردوده على أهل التقليد بالصرامة والعنف، ونادى بالتوفيق بين العلم والدين والاطِّلاع على الفكر الحديث وقبول ما يتفق منه مع أحكام الشريعة.

 

وقد عاش محمد عبده واقع الاحتلال البريطاني لمصر عام 1882م، وانشغل بالدفاع عن الإسلام في مواجهة ادّعاءات بعض الفلاسفة والمفكرين الفرنسيين وحدد أهداف حركته في العمل الدائم من أجل الإصلاح الديني، عن طريق تحرير الفكر الديني من قيد التقليد وتطهيره من البدع والشوائب التي غُلِّفت بها، والدعوة إلى إعلاء قيمة العقل، فالمسلم الحقيقي حسب عبده هو من يستعمل عقله في شؤون العلم والدين، والمجتمع الأمثل هو الذي يذعن لأوامر الله ويؤولها تأويلا عقليًّا في ضوء المصلحة العامة. وأعطى اهتمامًا خاصًّا إلى الدعوة إلى الاجتهاد وتجديد الفكر الإسلامي وفقهه للاستجابة لمطالب النهوض والصحوة. ولتعزيز دعوته إلى الاجتهاد والتجديد فقد عمل عبده على خلق نظام متطور للقانون الإسلامي مستفيدًا في ذلك من توليه منصب القضاء في المحاكم الشريعة لعموم الديار المصرية الذي کان يسمح للقاضي بالاجتهاد، في حال غياب النص، واختيار الحكم الملائم للحالة المعروضة من بين المذاهب الأربعة دون تقيد بمذهب معين.

 

والشخصية الأخري التي نادت بضرورة التجديد هو إقبال اللاهوري الذي عاصر الحياة الغربية والمرحلة الاستعمارية ودرس الفکر الإسلامي بعمق، وقد كتب العلامة إقبال: إن ممارسة الاجتهاد أو التفكير المستقل ليس حقًّا فحسب للأجيال الحالية من المسلمين بل هو واجب عليهم إذا أرادوا لدينهم التلازم مع العالم الحديث[7].

 

تاريخ دعوات الفقهاء لفتح باب الاجتهاد

 

وكان من الطبيعي أن يثير موضوع التجديد في الاجتهاد الذي يبدو في تعارض مع طبيعة الركود الفقهي السائد طيلة القرون الماضية أن يثير جدلا عنيفًا في أوساط فقهاء السنة. فرآه المعارضون ابتداعًا في الدين لخروجه على (إغلاق باب الاجتهاد) وهو العرف الذي ساد لفترة بعض الأوساط الفقهية والذي استقر عليه بعض الإجماع لشريحة من الفقهاء. وردّ المؤيدون بإنكارهم وجود إجماع على هذا الحكم أو اعتباره ذا طبيعة ملزمة من جهة أخرى. والحقيقة أنه لم ينعقد أبدًا إجماع مطلق على مثل هذا الأصل. فقد ظهر طيلة المرحلة السابقة مجتهدون أعلنوا بصراحة عن آرائهم الاجتهادية وحتى آرائهم التجديدية في بعض القضايا كالإمام الغزالي (450-550هـ/ 1058-1111م)، والعز بن عبدالسلام (577-660هـ/ 1699-1772م)، والقرافي أحمد بن إدريس (626-684هـ/ 1285-1343م)، وولي الله دهلوي (1110-1176هـ/ 1699-1762م)، والشوكاني محمد بن علي (1173-1250هـ/ 1760-1834) وآخرون.

 

أما في محيط الفقهاء الشيعة، فبالرغم من عدم سيطرة مدرسة التقليد على فقهها واشتراط الحياة على كل مجتهد صاحب فتوى، ألا أنها مرت بتجربة عسيرة خلال القرنين العاشر والحادي عشر الهجري، عندما ظهرت (المدرسة الأخبارية) على يد الميرزا محمد أمين الاسترآبادي (القرن 11 الهجري)، ودعوته إلى الاجتهاد التقليدي القائم فقط على الأخبار والأحاديث، ونفي جواز الاعتماد على العقل والتجديد في الاجتهاد. ولكن بظهور الشيخ محمد باقر أكمل المعروف بالوحيد البهبهاني (1118-1206هـ/ 1706-1791م) ونشاطه المتواصل والعنيف ضد العقلية الأخبارية، انتصرت (المدرسة الأصولية) في الاجتهاد وظهر دور علم أصول الفقه من جديد، ليحيا بذلك الفقه الإمامي من جديد بعد رکود دام قرنين، وظهر بعد ذلك مجتهدون كبار من أمثال بحر العلوم (1155-1212هـ)، وجعفر كاشف الغطاء (ت1227هـ-1812م)، ومحمد حسن النجفي صاحب جواهر الكلام (ت1266هـ)، وكان على رأسهم الشيخ مرتضى الأنصاري (1214-1281هـ/ 1800-1864م) الذي يعتبر أبا التجديد في علوم أصول الفقه. وتعتبر مدرستا النجف وكربلاء الفقهية المعاصرة (في العراق) ومدرسة قم المعاصرة( في إيران) حصيلة الجهود التي بذلها الوحيد البهبهاني والشيخ مرتضى الأنصاري وتلامذتهم من الفقهاء الأصوليين.

 

المرحلة المعاصرة من حركة الاجتهاد

 

بعد أن انتهى عصر الاستعمار المباشر، ومرت الدول الإسلامية بمرحلة ظهور الحکومات القومية والعلمانية، وجربت الأحزاب والقوى غير الإسلامية من علمانية ويسارية وقومية تجاربها على المسلمين ولم تثبت نجاحها، ظهرت أخيرًا صيحات تدعو الي ضرورة العودة إلى الهوية الإسلامية والأصالة الدينية لهذا المجتمع، وشاركت القوى الإسلامية في أكثر من بلد في السلطة السياسية عبر الانتخابات أو التغيير الجذري (من ثورة أو انقلاب)، واهتمت بعض من هذه الحكومات بضرورة تطبيق الشريعة الإسلامية، وفي إيران انتصرت الثورة الإسلامية عام 1979م، وشكلت حكومة الجمهورية الإسلامية داعية لتطبيق النظام الإسلامي. وفي مثل هذه الظروف برزت الحاجة أكثر فأكثر لتجديد دور الاجتهاد في الفقه الإسلامي، وإظهار مدى قابلية القانون الإسلامي لإدارة المجتمع على مختلف الأصعدة. لقد ظهرت في الفترة الأخيرة دعوات جادة في مصر وإيران والباكستان ودول الخليج والشام لتجديد دور الاجتهاد، وشكلت مجامع فقهية استشارية، ولجان للفتوى معتمدة على المصادر الشرعية وعلى أساس الرأي الجماعي والرؤية العصرية لحل مشاكل المسلمين.

 

وفي الساحة الشيعية ظهر فقهاء مجددون من أمثال روح الله الخميني ومحمد الشيرازي وحسين علي منتظري ومحمد باقر الصدر ومحمد تقي المدرسي ومحمد حسين فضل الله[8]، وهؤلاء أدّوا أدوارًا جدية في إحياء الفقه الإسلامي وعرضه في إطار يستطيع أن يلبي حاجات العصر، إلاّ أن هذه الدعوات واجهت أمامها مجموعة من الصعوبات والعوائق المنهجية والشكلية، ومن دون حلّها لا يمكن توظيف آلية الاجتهاد في تجديد الفقه الإسلامي وتوسيع دائرته التطبيقية.

 

إشكاليات المنهج التقليدي في الاجتهاد وضرورة المراجعة النقدية

 

إذا كنا نعتز ونفخر بأننا نملك تراثًا فقهيًّا ومعرفيًّا بالغ الثراء، تكوّن خلال حقب زمنية طويلة، حصيلة اجتهادات مفكرين وفقهاء عظام قدموا زادًا فقهيًّا وعلميًّا ومعرفيًّا بلغ أوجه في عصر ازدهار وتألق الحضارة الإسلامية، ونؤمن بأهمية الحفاظ على هذا التراث الفقهي واستمرار ديمومته وحياته كأمر لازم لإغناء المصادر الفكرية التي تعوزها الأمة في مسيرة معالجة مشاکلها وقضاياها الراهنة والمستقبلية، فإنه من الضرورة بمکان وضع منهاجية جديدة للتعامل مع الواقع المعيش ومع التراث الفقهي، وبحاجة في الوقت ذاته إلى مراجعة نقدية لهذا التراث.

 

إن قيمة الاجتهاد في الفقه الإسلامي تنبع من كونه عملية فكرية يتواصل معها الحاضر والماضي، وتتقاطع عندها قيمومة الدين وعبقرية البشر، في حوار مستمر لا يكاد ينتهي. وفي وقت تتزايد فيه المشكلات وتتعاظم فيه التحديات تبرز الحاجة إلى الاجتهاد وتعميق دوره وإحياء حركته في سبيل استنهاض القيم الصالحة كلها، من قيم عقيدية وأخلاقية وتشريعية في محاولة لبناء الذات بعيدًا عن القيمومة الخارجية. ولكن من دون (مراجعة نقدية) لهذه العملية لا يمكن لنا الوصول إلى الغاية المطلوبة. ويمكن عرض هذه المراجعة النقدية في النقاط التالية:

 

1- سيطرة الدراسات التقليدية في علم الأصول وضرورة تطويرها:

 

يعتبر علم أصول الفقه الإسلامي الوسيلة الأساسية لاستنباط الأحکام الشرعية من مصادر التشريع (القرآن والسنّة). وقد كان ظهور علم الأصول کعلم مستقل على يد الإمام الشافعي (150-204هـ)، ويعتبر كتاب الرسالة أول مصنف علمي في علم الأصول، وُوظِّف بشكل جيد من قبل الفقهاء[9] في حينه. ألا أن التراجع في العملية الاجتهادية في القرون التالية جعل علم الأصول أيضًا خارج دائرة التجديد والتطوير، أو أن يُوظف في أهداف ومجالات غير فقهية. يقول الشيخ محمد مهدي شمس الدين: إن علم الأصول، باعتباره أساسًا من مكونات الاجتهاد، يجب أن يستجيب لرؤية فقهية أوسع من الرؤية السائدة الآن، وهذا يقتضي أن يفحص الفقهاء والأصوليون عن أوجه النقص في علم الأصول في وصفه الحاضر. فمثلا طوّر الأصوليون الإمامية علم الأصول في القرنين الأخيرين تطويرًا مهمًّا في اتِّجاه العمق، خرج به في كثير من الأبحاث عن مجاله الأصلي وهو الشريعة، ليجعل منه بحثًا فلسفيًّا كلاميًّا تجريديًّا، من دون أن يساهم في توسع مجال الاستنباط الفقهي. لذلك أدعو إلى تطوير وتوسيع مجالات الاجتهاد وتطوير علم الأصول ليخدم التوجه الفقهي، أي أن يتسع ليستوعب مشكلات المجتمع والأمة. هناك ضرورة لتجديد مناهج دراسة العلوم الأصولية، وما تم تحديثه هو الأسلوب الجديد وليس التغيير في المنهج، إنه منهج قديم أُعيدت صياغته، والكلام في منهج التفكير.

 

الكلام في التجديد ليس هو تجديد مصادر التشريع أي القرآن والسنّة واكتشاف مصدر جديد لأنه خروج عن الشريعة، المشكلة تکمن في التعامل مع علم الأصول، فعلم الأصول ليس كتابًا ولا سنة، إنما هو وسيلة لتنظيم التفكير والاستدلال، وهي وسيلة لفهم المنطق الداخلي والعلاقات الداخلية للنص التشريعي في الكتاب والسنّة. إن الخلل في علم الأصول هو تأثره في وقت مبكر بعلم الكلام والفلسفة، فأصبح مقصدًا بذاته، بينما هو آلة ومنهج ووسيلة. فدخلت الأبحاث الفلسفية في علم الأصول، وأصبحت غاية بحد ذاتها، وهذه ناحية خطيرة شلّت الفقه الإسلامي. لأننا نتعامل مع نص تشريعي في الكتاب والسنّة وفقًا لمنهج لا يتناسب مع الغاية ولا مع طبيعة الكتاب والسنّة.

 

إن علم الأصول مثلا تطوّر عند الشيعة الإمامية تطورًا كبيرًا كمًّا وكيفًا،وهذا صحيح في الاهتمامات والأبحاث، ولكن هذا التطور بقي شكليًّا من حيث النتائج. إن أي تبديل في المنهج يؤدي إلى تبديل في النتائج ولو نسبيًّا إما في نوعية الإنتاج أو في كمها وفي مساحة النتائج، وهذا يقتضي أن يظهر أثر هذا التطور في مجال الاجتهاد والاستنباط، لكننا لا نجد لهذا التطور تأثير كبير عندما نراجع كتب الفقه المعاصرة والماضية، وليست هناك فروق أساسية، المشكلة هو عدم تطور المنهج، لذلك النتائج واحدة.

 

إن في أصول الفقه المتداولة ثمة طغيان لطرق الاستنباط الخاصة بالعبادات على حساب المعاملات ومع غياب واضح لدائرة الاجتماعيات والتنظيمات، أي إدخال ما يسمى بعلم الأصول بالتعبد الشرعي، واعتباره معيارًا عامًّا في جميع الحقول. إنهم يعتبرون النصوص الواردة في السنة غير قابلة للتحريك وغير قابلة للفحص والمقارنة والتنظير لأنها تعبدية، إن التعبد في العبادات أمر لا ريب فيه ومسلم به، وأما في مجالات إدارة المجتمع والفقه العام لابد أن تنزل الأمور وفقًا للأدلة العليا والقواعد العامة للشريعة، وعلى مقاصد الشريعة والمناطات. إن تعميم مقولة التعبد الشرعي وعدم الفحص عن مناخ النص وزمانه ومكانه وعن طبيعة الجماعة السائلة، أو الشخص السائل قد يكون غير صحيح. إذن نحن بحاجة إلى تأصيل علم أصول جديدة، وتحديث الأصول الموجودة. وكما سعى العلماء السلف في تطوير علم الأصول لكي يواكب الظروف التشريعية في حينها فإن وظيفة الفقهاء المعاصرين متابعة هذه المسيرة بروح من الأصالة والتجديد وليس المتابعة والتقليد فقط، حتى يمكن التعامل مع تلك المنهجية والاستفادة منها والبناء عليها لتتابع ما تجددّ من ظروف ومتغيرات وإمكانات وحاجات وتحديات.

 

إننا نواجه فراغات في المنهج الأصولي، والمطلوب ليس تجديد المنهج وإنما إعادة فحص المنهج لسدّ النواقص الموجودة فيه وتنقيته من التأثيرات الفلسفية والكلامية والمذهبية[10].

 

2- كيفية التعامل مع القرآن والسنّة، ثبات النص وحركية المضمون:

 

إن الإشكال الآخر عند بعض الأصوليين والفقهاء هو نظرتهم إلى النص التشريعي باعتباره نصًّا مطلقًا من جميع الجهات. وإذا أخذنا برأي من يعتقد بأن النص القرآني نصًّا مطلقًا وليس نسبيًّا إلاّ أن المسلّم به هو أن أبعاده الزمنية وإطلاقه الزمني مرتبط بتغيرات الزمان والمکان ووضع المجتمع الإسلامي، أما النص الوارد في السنّة الصحيحة فهو مطلق أحيانًا ونسبي أحيانًا أخرى.

 

كذلك فإن النص القرآني ثابت على كل الأزمان، ولكن نص السنّة يمكن أن يكون ثابتًا وهو ما يعبّر عنه الأصوليون بالحكم الشرعي، بينما هناك نصوص في السنّة لا تتضمن أحكامًا شرعية بل أحكام إدارية وتنظيمية أو إرشادية، ولكن جري العرف عند الفقهاء على اعتبار هذا النوع من الحديث أيضًا من مجموع الأحكام شرعية أيضًا، وهذا الأشكال جاء من ذلك المنهج الأصولي الذي اعتبر كل ما جاء في السنّة ورد لبيان الحكم الشرعي. يقول السيد محمد حسين فضل الله: إن النص وإن كان ثابتًا، وهو ثابت، إلا أن مضمونه متحرك، لأنه يتحدث عن فكرة وتشريع ومنهج، ومن الطبيعي أن الفكرة والتشريع والمنهج لا يمكن أن يحكم عليهم بالتجمّد، بل إنه يتحرك بأفق واسع. ولذلك يملك الفقيه الذي يعالج النص الشرعي الثابت حرية الحركة، وملاحقة الواقع الذي يرافق هذا التشريع من حيث حركته في الموضوعات المتغيرة، فقاعدة «لا ضرر ولا ضرار في الإسلام»، وأيضًا «ما جعل عليكم في الدين من حرج»؛ تختزنان حركية ومرونة تشريعية اجتماعية كبيرة، لأن الضرر لا يمكن له أن يتجمد في عنوان دون آخر، وكذلك الحرج فإنه يختلف بحسب اختلاف الأزمان والأشخاص والأوضاع والحيثيات.

 

لذلك لا يمكن لثبات النص أن يلغي حركية المضمون، وبعبارة أخرى: إن كان النص لما يحتويه من ألفاظ ثابتة، فإنه يختزن مضمونًا متحركًا لا يقف عند حدٍّ من حدود الزمان والمكان، إن كان في حيثياته ما يوحي بالشمول والعموم طبعًا. وهذا الحركية تفرض على الفقيه واقعًا مريرًا ومعاناة كبيرة لملاحقة الواقع واكتشاف قدرات النص المتحركة التي لا يمكن اكتشافها بسهولة إلاّ بعد استنطاق النص وقراءته وفقًا لآليات معقدة يدرسها الفقيه لغرض معالجة النص. ان المشكلة التي تواجه الفقيه هي مشكلة تعارض النصوص التي تعالج قضية واحدة وكذلك مشكلة توثيق هذه النصوص، فضلا عن عملية الاستيحاء والاستنطاق ممّا يجعل الفقيه في حالة استنفار دائمة[11].

 

وعن إمکانية الوصول إلي القواعد الفقهية عبر استنطاق القرآن الكريم يعتقد السيد فضل الله: أن عملية الاجتهاد محكومة بالرجوع إلى مصادر بعضها متفق عليها وبعضها مختلف فيه. والسؤال المطروح: هل يمكن تأمين وتأسيس أكبر عدد من القواعد الفقهية والأصولية؟ يمكننا من خلال الرجوع إلى القرآن أن نحصل على جملة قواعد فقهية عامة قد تغطي مساحات واسعة في حياة المسلمين، وكذلك هناك في السنّة بعض التجارب المماثلة للطريقة القرآنية التي تحدثت عن الخطوط العامة والعريضة لحياة الإنسان ولكنها دون مستوى القرآن. إن استنطاق القرآن الكريم كفيل بتزويدنا بعدد كبير من القواعد الفقهية، ومثال ذلك مسألة الضرر التي تحدث عنها القرآن الكريم بصدد حديثه عن علاقة الرجل بالمرأة في آية ﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ﴾. إننا نواجه قاعدة ترسم حدودًا للتعامل فيه عملية نقل المال وتملكه والتصرف فيه، وهي قاعدة تمتلك من المرونة ما يجعلها متحركة وفاعلة ومنفتحة على المستقبل. کذلك الآية ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا﴾، إننا نواجه قاعدة عامة مفادها: أن كل ما كان ضرره أكثر من نفعه فهو حرام. وكذلك قوله: ﴿فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ﴾ يرسم قاعدة عامة تحدد علاقة الرجل بالمرأة بحيث لا يملك الرجل أن يجمد حياة المرأة. كذلك آية ﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ يمكن أن نستخلص منها قاعدة نفي الضرر بشكل أساس. ولكن المشكلة أن أسلوب الاجتهاد الفقهي السائد لدى الكثير من الفقهاء يتعاطى بأسلوب ضيق جدًّا، إذ إنهم ينظرون إلى كل نص في مورد خاص، بحيث تبدو لكل نص شخصية خاصة تختلف عن شخصية النص الآخر[12].

 

3- قدسية النص القرآني فقط أم قدسية التراث الفقهي أيضًا:

 

يغلب الاعتقاد بأن النص القرآني والسنّة الصحيحة نصوص مقدسة ولها مرجعيتها التشريعية وثباتها المصدري، إلاّ أن الكم الهائل من تراثنا الفقهي والتاريخي وعلم التفسير والكلام التي لها تأثير كبير على الاجتهاد في الفقه، ليست نصوصًا مقدسة وإنما هي اجتهادات بشرية لفقهاء الإسلام في فترات مختلفة جاءت ضمن ظروفها الزمانية والمكانية، وهي ليست مقدسة حتى تكون أرفع من التطوير والتجديد، ومن حق العلماء والمجتهدين أن يخضعوها للدراسة والمراجعة والتجديد كما حدث ذلك من قبل. إن هناك صعوباتٍ تواجه تلك المراجعة، وثقلا في مسؤولية مواجهة هذا الكم الهائل من التراث في العقائد والتصورات والاجتهادات الفقهية ولكنها أصبحت ضرورية وملحة لكي نعيد للإسلام علوّه وسموّه وصفائه.

 

إن إضفاء القدسية على أقوال علماء السلف (رضي الله عنهم) وإلحاق أقوالهم واجتهاداتهم الوحي وبالسنّة هو قصور منهجي ويخالف اعتقادنا بأن لا قداسة إلاّ للوحي.

 

ويعتبر البعض أن النقد الموجه للفقه أو لعلم الأصول يقلل من قيمة الفقه ومركزه القانوني في حياة المسلمين، ولكن من المؤكد أن الفقيه لا يملك الحقيقة المطلقة حتي لا يمکن نقده، وليس الخروج على الفقه هو خروج على أصول الدين أو كلام الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، ذلك أن الفقيه يستهدي القواعد والمناهج التي توثق النصوص من جهة أو تفسرها له من جهة أخرى. وهي فتوي ورأي شخصي ولكنّها رأي يطرح في دائرة الملتزمين بالأحکام الشرعية ولذلك يمكن انتسابها إلى دائرة الشريعة، ولكن يبقى من حق الفقهاء الآخرين مناقشتها على ضوء القواعد والمناهج الأصولية.

 

إن المدخل للمراجعة النقدية هو التمييز بين القيم والأصول الإسلامية الثابتة کالقرآن والقيم والأصول الإسلامية المنصوص عليها أو المستوحاة من القرآن والسنة الصحيحة، وبين الفکر والتراث العلمي الإسلامي للمسلمين من فقه وتفسير وعلم أصول وأخلاق وتاريخ، وضرورة التفريق بين قدسية النصوص الإسلامية وضرورة اعتبارها أصول ذات قابلية للتفسير والانطباق مع الواقع المعاصر وعدم قدسية اجتهاد الفقهاء والعلماء والفلاسفة وتراثهم وعدم اعتبارها أصول ثابتة وأمکانية تجاوزها ونقدها والتجديد فيها، کما فعل فقهاء وعلماء السلف. من هنا لابد من طرح فکرة المراجعة النقدية والجذرية لعلوم کعلم أصول الفقه کما فعل فقهاؤنا السابقون، والخروج بالفقه الإسلامي من دائرة الأحکام الفردية إلى الدائرة الاجتماعية، وتحويل الاجتهاد من عمل فردي يقوم به فقهي واحد إلى عمل جماعي متخصص ومؤسسي تقوم مجموعة من الفقهاء[13]، حتي يمکن لنا البحث عن إجابات مناسبة للأسئلة المعاصرة.

 

إن الاجتهاد الإسلامي تشريع ضمن مصلحة الأمة، وهو جهد بشري نسبي وليست حقيقة حاسمة كالحقيقة الدينية المعصومة. إن الاجتهاد الفقهي خاضع لمؤثرات بيئية وثقافية معينة، ولذلك فإن حركة الاجتهاد لا تختلف عن حركة التقنين والتشريع الوضعي لاكتشاف مصالح الشعوب[14].

 

4- توسع الفقه الفردي على حساب فقه الأمّة:

 

ومن المشاكل الأخرى التي طرأت على الفقه الإسلامي هو سيطرة مجموعة أحکام (الفقه الفردي) على حساب (الفقه العام) وفقه المجتمع والأمة، فنلاحظ أن الخطابات الإلهية لم تكن موجهة للأفراد كأفراد وإنما إلى الأمة. فمثلا تشريع الجهاد هو تشريع للأمة وليس للأفراد، ولكن العقلية الفردية جعلت من أحكام الجهاد كأنه واجب كفائي على الفرد بينما هو واجب كفائي على المجتمع، فإذا أدّاه جماعة من المسلمين سقط عن الآخرين، فالمكلف هو الأمّه وليس الفرد[15].

 

هناك نقطة أخري هي ضرورة التفريق بين نوعين من الأحکام. إن أحكام العبادات هي (أحكام تعبدية) ولها أصول ومنهج خاص، إلاّ أن الأحكام في المجالات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ليس أحكامًا تعبدية. ولذلك لابد من الاهتمام بمقاصد الشريعة للوصول إلى الحكم الصحيح. فأحكام الزكاة مثلا إنما وضعت لإدارة المجتمع وأي اجتهاد ضمن الإطار التعبدي وخارج إطار مقاصد الشريعة، سوف يواجه صعوبات للتوفيق بين النصوص التشريعية والواقع المعاش.

 

لقد ولدت قضايا حديثة بحاجة إلى أحكام فقهية مستجدة كالحقوق المدنية والدولية، وقضايا البيئة والتنمية وأنواع جديدة من التجارة الدولية والأرباح والمكاسب والعقود، وهذه القضايا بحاجة إلى فقه واجتهاد جديد يستطيع تغطية ذلك ضمن الأصول الإسلامية ضمن الأحکام الفردية.

 

إن الرؤية الفردية في الفقه جعلت بعض الفقهاء يخصص خمسمائة آية فقط في القرآن من أصل ستة آلاف آية، أي أقل من 10%، خاصة بالأحكام، واعتبروا الباقي مواعظ وقصص وعقائد، وهذا النوع من التعامل الضيق مع القرآن يعكس عن ضيق المنهجية لأنهم ينظرون إلى آيات الأحكام المباشرة أي ما يتصل بفقه الأفراد كعبادة الفرد، وتجارة الفرد وجريمة الفرد، وغفلوا عن البعد التشريعي للمجتمع وللأمة في المجال السياسي والتنظيمي والعلاقات الداخلية داخل المجتمع وعلاقة المجتمع المسلم بالمجتمعات الأخرى[16].

 

ويبقى أن نتساءل: ما هو دور المفاهيم العامة القرآنية لاكتشاف المفردات المتناثرة في مواقع الأحكام الشرعية. نحن نفهم من قول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): «ما خالف كتاب الله فهو زخرف»[17]. أي ما خالف المفاهيم العامة في كتاب الله، ولذلك فإن للمفاهيم الدور الكبير في فهم النصوص الشرعية، لأنها تمثل القاعدة الفكرية للتشريعات المختلفة، ولكن المشكلة أن بعض الفقهاء كما في معالجاتهم في القضايا الاقتصادية مثلا يتناولون جسمه وشكله ولا يتناولون روحه على أساس تعاملهم الضيق مع المفاهيم[18].

 

ويعتقد البعض أن الفقه الإسلامي قد بحث علاقة الإنسان بالإنسان حقيقة، وقد انحصر في تأثيراتها المختلفة على ضمير الأفراد ومحاسبتهم في اليوم الآخر، وقد أدّى انحصار الفقه في هذا الجانب إلى إهمال الفقهاء لمباحث القانون العام Public Law التي تعني بتحديد نظام الدولة ومؤسساتها الإدارية والتي ترعى المصالح العامة للمجتمع[19].

 

5- إهمال مقاصد الشريعة وأهداف التشريع وفلسفة الفقه:

 

ما هي منطقة الفراغ في التشريع الإسلامي وكيف يمكن ملؤها؟ منطقة الفراغ تعبر عن المواقع التي لم يشرع الشارع فيها حكمًا ما، لأن الزمن قد يتطور في التنظيم الإداري الذي لم يكن فيه نص، ولابد أن يصار إلى صيغة تنظيمية تشريعية تملأ هذا الفراغ، وتترك هذه المنطقة لأولي الأمر ليملأها ضمن الضوابط العامة مما يعرف من مقاصد الشريعة وملاكات أحكامه، وهذا ليس نقصًّا في الشريعة الإسلامية[20].

 

وتعتبر دراسة (قيم التشريع) من البحوث الأساسية اليوم في التشريع المعاصر، وهي مدخل أساسي للوصول إلى كثير من الأحكام الجديدة بعد دراسة القيم الأساسية في التشريع الإسلامي[21].

 

لقد اهتمت بعض المذاهب الإسلامية کالمالکية بموضوع مقاصد الشريعة[22]، فقد بدأها فقهاء الشافعية في القرن الخامس الهجري مع إمام الحرمين الجويني، ثم فقهاء الحنابلة والمالكيين على يد الشاطبي[23]، والقرافي في القرن الثامن الهجري، وهذا طبعًا في دائرة الفقه التقليدي.

 

أمّا في دائرة الأبحاث الفقهية الحديثة فإن من الآثار الإيجابية التي أنتجتها محاولات تطبيق الشريعة الإسلامية في إيران وپاکستان ودول الخليج وبعض البلاد الإسلامية والعربية الأخري، وما واجهه العاملون في هذا الحقل من بلورة الصيغ التطبيقية للشريعة ومن مشكلات؛ فإنها فتحت هذا الباب في الفكر الأصولي والاجتهاد الفقهي عند الفقهاء. يقول الشيخ شمس الدين: «لم يلج العقل الأصولي الشيعي عالم المقاصد التي توغل فيه العقل الأصولي في بعض المذاهب الإسلامية كالشافعية والمالكية، وإن السبب في تقصير الفكر الشيعي الفقهي والأصولي عن ولوج حقل مقاصد الشريعة في مجالات الاستنباط، بينما كان موضع اهتمام كبير من المذاهب الأخرى، هو سبب تاريخي وليس سبب فكري. فالفقيه الشيعي لأسباب تتعلق بالوضع السياسي انعزل عن السلطة وعن المجتمع العام وعن علاقة المجتمع والإنسان بالسلطة من جهة، وعن العلاقات داخل المجتمع الإسلامي العام وداخل مجتمع المسلمين. في هذا الحقل المرسوم بالحذر والذي يحكمه منهج فقهي قاصر، نمت نزعة الحذر من تجاوز النصوص البيِّنة والحدود العامة، بل أدّى إلى ظاهرة موجودة في الفقه الشيعي وتنبئ بأحد مظاهر الخلل في المنهج وهي ظاهرة (الاحتياطات الفقهية) في مقام الفتوى، فالمكلف محكوم بالعمل بالاحتياط في نسبة عالية جدًّا من الفروع الفقهية»[24].

 

وكذلك من الأبحاث الهامة التي يجب أن تأخذ موقعها في هذا المجال هو الاهتمام بمبحث (فلسفة الفقه) الذي أهمل من قبل الفقهاء.

 

6- ضرورة التخصص والبناء المؤسسي في الإفتاء:

 

لا زالت الفتاوي الفردية والعامة في الاجتهاد الفقهي هي السمة البارزة في فتاوي الفقهاء المجتهدين. إن الأسلوب القديم الذي يجعل المجتهد مسؤولا عن الإفتاء في كل أبواب الفقه ومسائله الفرعية ربما کان ناجعًا في الماضي، ولا يمكن الاعتماد عليه وتطبيقه في هذا العصر الذي توسعت وتعقدت فيه مجالات الحياة وبالنتيجة قوانينه وأحکامه. فقد توسعت مجالات الطب والقانون والمجتمع والاقتصاد وتغيرت أحوال المجتمع وأنواع علاقاتهم وأصبح (التخصص في العلوم) سمة العصر، ولذلك لا يمكن للأساليب التقليدية للأحكام الفقهية من تلبية حاجات المجتمع الإسلامي. إن تخصص الفقيه في مجال معين كالعبادات أو المعاملات وتشكيل هيئات استشارية ومجالس للإفتاء إلي جانب الفقيه، وهذا ما عملت به بعض المرجعيات المعاصرة، كفيلة بالوصول إلى الحكم الشرعي الصحيح والمناسب، وهي طريقة أكثر فاعلية من الجهود الفردية. وقد ظهرت تجارب عديدة ناجحة في هذا المجال في السعودية والكويت ومصر وإيران وباكستان وأمريكا الشمالية.

 

ولقد حان الوقت لدراسة الشريعة على مستوى متخصص في الاقتصاد أو الاجتماع أو السياسة، لتتعاون هذه الدراسات المتخصصة فيما بينها على رسم صورة أدق للأحكام، وعلى طلاب دراسات الشريعة الإسلامية أن يتجهوا إلى التخصص لأنه سنّة العصر.

 

إن الإفادة من معطيات العلم الحديث في عملية الاستنباط الفقهي انطلاقًا من التطور الهائل في ميدان الطب وعلم الاجتماع وعلم الاقتصاد أمر ضروري. وکمثال في ميدان الطب الحديث، إذا استطاعت اکتشافات العلم الحديث في بعض الموضوعات الشرعية كسن اليأس، أو ثبوت الموت أو تحديد سن البلوغ أن تحقق لنا حالة يقينية فإنها أقرب للشرع من الاعتماد علي اجتهادات فردية وغير مسندة علميًّا، ولا يمكن ذلك عبر الجهود الفردية من دون الرجوع إلى متخصص في كل علم. فالمسألة تكمن في أن (الموضوعات والمسائل الشرعية) إنما تترتب عليها (أحكام شرعية خاصة) سلبًا أو إيجابًا، فإذا كانت يقينية أو قامت عليها الحجة يمكن للعلم أن يؤكد لنا ذلك إمّا على أساس اليقين أو الاطمئنان، ويمكن الرجوع إلى علماء الطب بما هو قول أهل الخبرة الذي يوجب الاطمئنان. ويعم هذا أيضًا في القضايا الاقتصادية لمسائل الزكاة والمعاملات المصرفية[25].

 

ويمکن الاعتماد علي أصل (جواز التجزُّؤ في الاجتهاد ) الذي تبناه بعض من الفقهاء کالمحقق الأردبيلي لدعم مسيرة التخصص في الفقه. وقد دعا أحد فقهاء الشيعة، وهو الشيخ عبدالكريم الحائري (1272-1355هـ) مؤسس الحوزة العلمية في قم، إلى تخصص الفقهاء في المسائل الشرعية حسب أبواب الفقه وذلك بأن يتخصص كل فقيه في اجتهاده في أحد أبواب الفقه، ولكن لم يحالفه الزمن في تطبيق ذلك.

 

نحن مضطرون إلى التخصص في حقول الفقه، فقد بلغت الحاجة إلي تطوير الفقه الإسلامي وتوسعه في القرنين الأخيرين حدًّا من النمو والتكامل لا يمكن فيه الاحتفاظ بالصيغ التقليدية للاجتهاد، واعتماد التقليد للفقيه الواحد في جميع أبواب الفقه، ولابد للفقهاء من التخصص في كل باب من أبواب هذا العلم، كما يعرف الناس التخصص في سائر فروع المعرفة الإنسانية، وليس ذلك بدعًا في الشريعة، فقد طرحت هذه القضية في باب الاجتهاد المطلق وجواز التجزُّؤ في الاجتهاد، فليراجع في مظانه.

 

وإذا كان تطوير الاجتهاد الفكري والفقهي في الحوزات الدينية هو أحد الطرق لإحداث النهضة الفکرية والقانونية المرجوة، فإن ذلك باعتباره عملا فقهيًّا يتعين أن يولد وينمو في مؤسسات فكرية وعلمية توفر للعلماء والفقهاء والباحثين أسباب العلم والمعرفة ومتطلبات البحث والدراسة، وفرص التطور وإنضاج الخبرات، وتهيئ لهم المناخ الملائم والمؤاتي لممارسة حرية التفكير والبحث والاجتهاد، كما لعبت جامعة الأزهر قديما دورًا مهمًّا في هذا الإطار[26].

 

إننا أمام نوعين من المؤسسات الدينية الرسمية والشعبية. بالنسبة إلى قدرة المؤسسات الدينية الرسمية على التجديد والاجتهاد الفكري، ودورها كمرجعية دينية لعامة المسلمين، قد عرفنا تراجعها إلى حد كبير في الوقت الراهن، ويُعزى ذلك إلى مجموعة من الأسباب لسنا بصددها. ولكن يمكن الاعتماد على المؤسسات الدينية الشعبية أو نصف الرسمية وإعطاء هذه المؤسسات دورها واعتبارها لتعلب دورًا أكثر في هذا المجال[27].

 

 

 

المراجع:

 

[1] انظر مثلا: قائمة البحوث والدراسات الحديثة التي وردت عن التجارب المعاصرة للزكاة، مثلا: صادق العبادي، الكشاف عن الزكاة - ورقة مقدمة إلى المؤتمر العالمي الخامس لبيت الزكاة 1998 الكويت.

 

[2] عبدالرزاق السهنوري، مقال: القانون المدني العربي، ص26.

 

[3] ن. كولسون، في تاريخ التشريع الإسلامي، ترجمه د. محمد أحمد سراج، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر، بيروت، 1412هـ، 1992م، صفحة 291.N.J.culson. A Historu of Islamic Law. 1964

 

[4] المصدر نفسه، ص23.

 

[5] ن. كولسون، في تاريخ التشريع الإسلامي، ص23 - 24.

 

[6] ن. كولسون، في تاريخ التشريع الإسلامي، ص200 - 207.

 

[7] ن. كولسون، في تاريخ التشريع الإسلامي، ص264.

 

[8] ويعتبر الإمام روح الله الخميني المنادي بنظرية ولاية الفقيه، والشيخ حسين علي منتظري مؤلف کتاب ولاية الفقيه، والشهيد محمد باقر الصدر مؤلف كتاب اقتصادنا؛ من المجتهدين المجددين في الفقه الإمامي المعاصر، وهم امتداد لمدرسة الشيخ الأنصاري الأصولية. وکذلك تعتبر موسوعة الفقه الإسلامي للسيد محمد الشيرازي، وموسوعة التشريع الإسلامي للسيد محمد تقي المدرسي أمثله على هذا النهج.

 

[9] للمزيد انظر: د. طه جابر العلواني، أصول الفقه الإسلامي منهج بحث ومعرفة، نشر المعهد العالمي للفكر الإسلامي، فيرجينا 1988م.

 

[10] محمد الحسيني، الاجتهاد والحياة، حوار مع الشيخ محمد مهدي شمس الدين، دار الغدير، بيروت 1471هـ-1996م، ص13-18.

 

[11] محمد الحسيني، الاجتهاد والحياة، حوار السيد محمد حسين فضل الله. دار الغدير، بيروت، 1417هـ/1996م، ص31.

 

[12] محمد الحسيني، الاجتهاد والحياة، حوار مع الشيخ محمد مهدي شمس الدين، ص39.

 

[13] د. علي فهد الزميع، رؤية في الآفاق المستقبلية لتجديد الفكر الإسلامي. ورقة مقدمة إلى ندوة مستجدات الفكري الإسلامي المعاصر الرابعة، الكويت 1995، ص44.

 

[14] الاجتهاد والحياة، محمد حسين فضل الله، ص34.

 

[15] انظر: محمد الحسيني، الاجتهاد والحياة، حوار مع الشيخ محمد مهدي شمس الدين ص19.

 

[16] محمد الحسيني، الاجتهاد والحياة، حوار مع الشيخ محمد مهدي شمس الدين ص12.

 

[17] أصول الكافي: ج1/59، باب الرد إلي الكتاب والسنّة، حديث 4.

 

[18] الاجتهاد والحياة، محمد حسين فضل الله، ص47.

 

[19] ن. كولسون، في تاريخ التشريع الإسلامي، ص11.

 

[20] الاجتهاد والحياة، جوامع السيد محمد حسين فضل الله، ص50.

 

[21] للمزيد انظر: محمد تقي المدرسي، موسوعة التشريع الإسلامي مناهجه ومقاصده، الجزء 3، مبحث قيم التشريع، ص293-383، دار البصائر، طهران 1415هـ.

 

[22] انظر: يوسف حامد العالم، المقاصد العامة للشريعة الإسلامية، فرجينيا، نشر المعهد العالمي للفكر الإسلامي، المعهد العالمي للفکر الإسلامي 1991.

 

[23] انظر: أحمد الريسوني، نظرية المقاصد عند الإمام الشاطبي، فرجينيا، نشر المعهد العالمي للفكر الإسلامي، المعهد العالمي للفکر الإسلامي 1995.

 

[24] الاجتهاد والحياة، ص24.

 

[25] الاجتهاد والحياة، حوار مع فضل الله، ص50

 

[26] انظر: ماجدة على صالح ربيع، الدور السياسي للأزهر 1952-1981 ، رسالة دكتوراه، جامعة القاهرة، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، 1990، ص10.

 

[27] د. علي الزميع، ورقة رؤية في الآفاق المستقبلية، ص50.

المصدر: البصائر.

http://www.moslimonline.com/?page=artical&id=6684

أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك