غيوم تظلل برامج الحوار العراقية

غيوم تظلل برامج الحوار العراقية

صلاح الدين أرقه دان

 

روى الإمام الطبراني في (المكارم) عن سمرة بن جندب (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (أفضل الصدقة صدقة اللسان)، قيل: يا رسول الله، وما صدقة اللسان؟ قال: (الشفاعة، تفكّ بها الأسير، وتحقن بها الدماء، وتُجْرِ بها المعروف إلى أخيك، وتدفع عنه بها كريهة),

 

تابعت بشيء من الاهتمام برامج حوار أجرتها بعض الأقنية الفضائية (عربية وغربية) عن واقع ومستقبل العراق السياسي وطبيعة العلاقة بين أهله على ضوء الانتماء المذهبي والقومي، وكانت مخاوف اشتعال فتنة طائفية مذهبية هي المسيطرة على أسئلة مقدمي البرامج، بينما كانت الطمأنينة في دفع أوهام الفتنة هي الغالبة على ألسنة الضيوف المحاورين من مختلف المذاهب والاتجاهات السياسية العراقية، فهل السؤال المذهبي -في هذه الظروف بالتحديد- سؤال مشروع على الساحة العراقية؟ وبالتالي هل هناك أي خوف حقيقي من تداعيات المسألة المذهبية على العراق نفسه وعلى بقية دول الجوار؟

 

يظهر أن الأسئلة الحرجة مشروعة وحاضرة على ساحتنا العربية الإسلامية منذ عرف العرب الإسلام، وهي أسئلة يشتد حضورها في الأزمنة الصعبة، ونحن نمرّ اليوم بأحدها، فلا مراء أن تناغم الهم العراقي مع الغم الفلسطيني يشكل جرحاً نازفاً يهدد بانتشار (غرغارينا) من النوع الذي لا يعالج بالاستئصال، بل قد يكون الجسم العربي اليوم أضعف من أن يتحمل عملية استئصال واحدة، فكيف بعمليات معقدة تحتاج إلى جسد قوي ومبضع جراح شفوق ماهر، وأشدد على (شفوق ماهر),

 

وينطلق المتخوفون من فتنة تأكل العراقيين وتذهب بآمال البقية الباقية من بناء بلد موحد من أسس عامة وبعض المظاهر الخاصة التي تبرز على السطح هنا وهناك، ويرد المطمئنون حجج المتخوفين بالاتكاء على أسس ومظاهر تبز في رأيهم وتسمو على مبررات الخوف والتخوف لدى الفريق الآخر,

 

فالمتخوفون لا يطمئنون إلى الوجود الأميركي (الأمني والسياسي) مهما كان مبرره، لاسيما وإدارة الولايات المتحدة الحالية تعيش أجواء جبروت الإمبراطورية الرومانية وعظمتها، دون مراعاة لتغير الزمان وأهله، وقد خاضت المعركة لاقتلاع صدام حسين ونظامه السياسي منفردة إلا من تحالف الحد الأدنى مع (بريطانيا العظمى)، ودون أية دراسة موضوعية لاحتياجات المعركة من الرجال والعتاد والمال، ومن الواضح ان الاقتصادي الأميركي الآن في خدمة الحرب، وهي معادلة تعني الدفع المسبق دون أية بشائر بثمرات سريعة أو طويلة الأجل,

 

بل تبين للمولاة والمعارضة داخل الحزب الحاكم وخارجه أن إدارة الرئيس (دبليو بوش) لم تأخذ بعين الاعتبار ثقافة وأعراف الشعب العراقي مما عرّضها -حتى الآن- إلى مواقف حرجة ساهمت في توسيع دائرة رافضي الوجود الأميركي والمقاومين له، فالقوات الغازية تتعرّض لكبار السن، ولعلية القوم، وللنساء، وتقتحم البيوت وتعتقل المواطنين على الطريقة الإسرائيلية، مع تراخيها الأمني الذي أدى إلى نهب المؤسسات الحكومية وتعطيل مصالح الناس العامة والخاصة، وهي في جميع الاحوال لا تقدر نفوذ رجال الدين وأثرهم على الجمهور لاسيما في الوسط والجنوب حيث الكثافة الشيعية,

 

يرى المتخوفون فيما تقدم مبرراً كافياً يدفع المحتل الأميركي إلى تخطيط وتنفيذ وتشجيع أعمال تؤدي إلى إشغال العراقيين ببعضهم ليصبح الوجود العسكري والسياسي الأميركي ضرورة يعلنها أصدقاء واشنطن بملء الفم ودون حرج، ولا يستبعد هذا الفريق أن يكون للأميركيين يد طولى في سلسلة الاغتيالات ومحاولات الاغتيال التي يتعرّض لها نخبة من رؤوس الطائفة الشيعية، وقد أودت في الأيام الأولى للوجود الأميركي بحياة السيد عبد المجيد الخوئي، ومؤخراً بحياة السيد محمد باقر الحكيم، وكل منهما ابن لمرجع سابق من المراجع المعدودين في التاريخ الشيعي المعاصر، ولكل منهما مكانة خاصة في قلوب أتباعه,

 

يرى المتخوفون في المواقف المتشنجة الصادرة عن أفراد أو مجموعات في الصفين السني والشيعي، كالتصريحات النارية التي تعود بالذاكرة الشعبية لدى الفريقين إلى مآسي التاريخ وإحنه، أو مصادرة بعض مساجد أهل السنة والجماعة (يقال إنها ثمانية عشر مسجداً حتى الآن) واختفاء بعض علماء السنة في النجف وبغداد في ظروف غامضة وطرد عائلاتهم من منازلهم، إضافةً إلى بعض مواقع الإنترنت المعروفة بخط التطرف في القول وتقاذف التهم جذافاً، فتيلاً جاهزاً لتفجير الساحة المذهبية وتعطيل دور المعتدلين,

 

بينما يرى المتفائلون في تصريحات المرجعيات الدينية والسياسية والقومية، ومسارعة العقلاء من كل الأطراف إلى إخماد نار الفتنة في مهدها كلما حاولت أن تشرئب بعنقها -كفتوى المرجع السيستاني بعدم جواز الصلاة في المساجد المغصوبة من أهل السنة- وكيفية معالجة مشكلة مقام (الإمام علي رضي الله عنه) في منطقة كركوك، أدلة متوافرة على الوعي الذي ميز العلاقات العراقية - العراقية منذ إعلان الجمهورية وحتى اليوم,

 

نعود إلى حديث النبي (صلى الله عليه وسلم) أعلاه لنقول: الكلمة الطيبة بلمس جراح الوطن، فأطلقوها وادعموها بأعمال ميدانية تحقق طمأنينة العراقيين وجيرانهم وتبدد مخاوفهم.

 

المصدر: جريدة الرأي العام الكويتية 13/09/2003

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك