المثقف والدور الإصلاحي

المثقف والدور الإصلاحي

إبراهيم الوزير

 

إنه ما من شك في ارتباط ثقافة أية أمة سلباً أو إيجاباً بدرجة وضعها الاجتماعي والحضاري، ويتعلق ذلك بالقوى الفاعلة ذات القوة في رسم صورة المجتمع على ما هو عليه، تقدماً أم تخلفاً، وهي من أخطر المسؤوليات بالنسبة للمثقف ثقافة حية صانعة للحياة الأفضل.

 

إن سلوك أي أمة، إنما هو تجسيد للمؤثر الأول على قواها التي ترسم صورتها في المجتمع البشري.

 

ومن هنا فإن الحقيقة في كل شيء هي التي تحقق للمجتمعات أرقى وأكمل صورة ممكنة، في أي مجال من المجالات المختلفة، ولا تكون مكتملة إلا إذا قامت على أمرين: السنن الإلهية التكوينية فهماً لها وتطبيقاً في واقع الحياة. والالتزام بالسنن التشريعية. هذه الثقافة تقيم أرقى حضارة ممكنة على الأرض موازينها العدل والخير والجمال وأرفع القيم والمثل. فإذا توفرت الثقافة فقط على عوامل السنن فإنها تصل إلى أرقى مستويات حضارية، ولكن دون تكامل، أو اقتصرت على السنن التشريعية فمعنى ذلك أنها لم تفهمها من جهة ومن ثم يكون طريقها: تخبط وضلال ووهم إنها على شيء وهي ليست كل شيء.

 

إن واجب المثقف إزاء مجتمعه هو واجب الطبيب في معالجة أمراض الجسم، وبمقدار ضوء الثقافة التي تستنير بها العقول يكون الوعي الصحيح في طريق مجتمع راشد ومستقبل أفضل.

 

وإشكالية المثقف والمجتمع وإن كانت موجودة إلا أن المثقف في الحقيقة مسؤول إزاء مسؤولية كيف يتعامل مع المجتمع، وبطبيعة الحال المجتمعات تختلف، بين مجتمع متقبل لثقافة ما، ومجتمع غير متقبل لهذه الثقافة، كل هذا يعود إلى الوسائل وعلى المثقف نفسه ووسائله، ذا كانت وسائله مقنعة ويستطيع أن يقنع الآخرين ويؤثر فيهم، فإنه بالتالي يستطيع أن يصل لنقل الأفكار البناءة والايجابية للمجتمع، لكن إذا كان فيه عدم القدرة على حمل المثقف لرسالته فإنه يعني لن يستطيع أن يؤثر في المجتمع الذي يعمل فيه.

 

والمشكلة أن الإشكالية لا تكون بالنسبة للمجتمع فقط ولا للمثقف فقط بل أن الإشكالية مشتركة. ففي مجتمعات يكون عندها التواصل من المثقفين ولو كان عندها تخلف لكن عندها أضواء، بقدر ما تبدل كأي شيء آخر بقدر ما يبدل من عمل ووسائل لاسيما في هذا العصر الذي تعددت فيه وسائل نقل الثقافة للمجتمعات بقدر ما تكون النتائج. هذا يتوقف في رأيي على العمل المبذول.

 

من جهة أخرى إن على المثقفين أن يعيدوا التواصل بين فكر النهضة الذي هو استمرار لفكر مالك بن نبي والغزالي والمطهري وشريعتي، فكر النهضة هذا هو الذي يجب على المثقف أن يبثه في المجتمع وبأكثر من وسيلة.

 

والنموذج المميز للمثقف النهضوي في العصر الحديث هو السيد جمال الدين الأفغاني الذي كان ظاهرة يجب أن تبرز في عصرنا الراهن وأن تكون مثلاً وقدوة للمثقف الاسلامي والمصلحين للأمم.

 

وكلنا يعلم أن السيد جمال الدين الأفغاني الذي استطاع أن يوحد بين السنة والشيعة ويربطهم بقواسم مشتركة ويثبت حقيقة أن ما يجمعهم أكثر مما يفرقهم، وأن عليهم أن يعملوا سوياً من أجل النهوض بأمتهم عن طريق الثقافة والعلم ...

 

وقد تقبلت المجتمعات فكر السيد جمال الدين حتى ممن هم خارج إطار الفكر الديني، لأن السيد جمال الدين كان يتصف بصفتين من الضروري أن يتصف بهما أي مثقف اسلامي نهضوي وهما قوة الإشعاع على الغير بالأفكار الصحيحة وقوة الجذب لشخصيته، فهو مشع وجذاب في نفس الوقت ... والمشكلة في عدم التواصل بين مثقف عصر الإصلاح والنهضة وبين مثقف اليوم. من هنا كانت الضرورة للتواصل مع فكر النهضة وإحياء هذا الفكر في الأمة وهذه مسؤولية المثقف.

 

أما فيما يتعلق بخطاب المثقف وهنا نقف على مشكلة حقيقية وهي حين يخاطب المثقف المجتمع بما لا يعلمون في حين أن الناس يجب أن يخاطبوا بقدر عقولهم، ولهذا من الضروري استخدام أكثر من وسيلة لإيصال الخطاب المناسب للمجتمع كوسيلة التدرج ووسيلة الصحيفة والإعلام والمسرح وخطبة الجمعة وكل الوسائل المؤثرة على الأمة.

 

ويحصل أن ما يؤثر على مجموعة من الناس قد لا يؤثر على مجموعة أخرى لكن المهم هو وحدة الثقافة والمعالم الموحدة لهذه الثقافة والتي تقوم على ايجاد الإيجابية في المجتمع .. ومن المؤكد اليوم أن المثقف معترف به ومعترف بدوره، وفي نفس الوقت ان هموم وقضايا المجتمع حاضرة عند الكثير من المثقفين وبالذات المثقف المصلح. * السيد إبراهيم الوزير : مفكر يمني

 

المصدر: مجلة الكلمة ، العدد2، 1994م (نقلا عن موقع بلاغ)

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك