إرادة الرحمن.. وإدارة الإنسان
بقلم : محمد صالح البدراني
من السهل أن نتجه إلى الحق والصواب ورؤية الحق متى ما فعَّلنا عقولنا ووضعناها في مهمتها الصحيحة، وهذا لعمري يحتاج لأمر مهم هو رؤية الذات نفسها ومعرفة الإنسان ما يريد وتلك حصافة وكياسة، فحين ننظر لعقولنا وكأنها تمتلك الحقيقة أفقدناها فرصة البحث عن الجديد حتى ولو كان الجديد هو انك ما زلت على صواب!، وهل يمكن أن نعرف الصواب ما لم نعرف المهمة؟، وكيف نعرف المهمة؟
إنها كلها أسئلة تبدو عائمة وتبدو للبعض تساؤلات جدية، بيد أنها واضحة تماما بالتفكر والربط القرآني وهو يتحدث عن مهمة العقل في حكم النظام وتوجيهه لعبادة الله بإتباع ما خلق في تكوين الكون من سنن وبسنن وهو الذي أمره كن فيكون.
إن خلافة الأرض كمهمة للإنسان، وعبادة الله كسبب للخليقة، وكلاهما تعبيرًا عن إرادة الخالق لا يمكن أن تفهم إلا من خلال رؤية كهذه (أي العلاقة بين الإرادة وبين مهمة الإنسان في خلافة الأرض وفق السنن وسبب وجوده في أنه للعبادة) يعني تحديد الغرض والهدف والوسائل التي وضعها الله ويدير الإفادة من فهم نظامها بالعقل البشري، وإلا أصبح الإنسان منقوص التكريم ما لم يكن له دور حقيقي في الاختيار والحراك ضمن حركة الكون وسنن الخلق، …. فليس هنالك برنامج يعمل كبرامج الكومبيوتر، وإنما هنالك برنامج واضح لمن فقه، متكرر ربما بخلق آخر ومكان آخر، وربما بسنن وقوانين أخرى، لكن بقدرة الله التي تحدد الكينونة والهدف والأسباب.
من أجل هذا عليك أيها المسلم أن تسأل عن دورك وما تتركه من أثر في الحياة، ليس بحثًا عن أمجاد وبطولات، وإنما عن انجازات وقناعات وفهم وتوضيح لمعاني وطرق التعامل وسنن الكون، لأننا قد نمهّد بفهمنا وفيه، ما لم يُمهد لنا، قد لا نكون من الذين يسجل التاريخ الانجازات لهم، لكننا عند الله أولي العزم, وأولي العزم هم الذين رسخت عندهم المهمة وصلحوا لها بتوجيه إرادتهم نحو الصمود، التاريخ قد يحكي مسيرة أمة بطريقة ما بل بطرق متعددة، وهذا أمر حسن، لكن الإنسان فردًا، يعيش في المجتمع بيد أنه يحاسب فردًا، وهو مسئول فردًا عن انجازاته، وفهمه، ودونما فائدة من محاولة إلقاء مسئولية فشله أو إخفاقاته على الظروف والأحوال، فنحن مسئولون عن السعي وليس النتائج بهذا المعنى، ولكن بفهم معنى السعي وأهميته وليس عدم الاهتمام بالحصول على النتائج… هذا المعنى قد يجيب على عبارات تبدو مبهمة المعنى في هذا المجال.
إن إرادة الرحمن لا تناقش وإنما تُفهم، ليس استبدادًا من الخالق علينا أن نقبله كعبيد، حاشا لله تنزه وتبارك عن هذا الوصف الذي قد يدور ببعض العقول، فأبعاد البشر ليست تنطبق على الخالق لنقيس عليها وإنما لا تناقش لأن الذي اسمه العادل والرحيم والحق، وله الأسماء الحسنى لا تجد طريقًا أو منطقًا عقليًّا لمناقشة أمره وقدرته فهي مفهومة من أسمائه فهو الكامل، ومهما جادلنا كشفنا مواطن الضعف في نفوسنا، ومن الطبيعي أنَّ صفات الضعف في البشر المخلوق تنعكس أمواج الشك معها لتغرق الذات ما لم تفهم معنى الثبات… فلا ينبغي القول لم لا ينصرنا الله، بل الله نصرك حين فشلت وأنت تسير على الباطل، ينبغي معرفة أنَّ هنالك مهمة وتكليف، وأن هنالك للكون سنن ينبغي أن نسأل ما الذي يجب فعله لنوافقها فيكون لنا النصر بمعنى النصر والغلبة في الحياة.
هذه الدنيا كسراب يحسبه الظمآن ماء, أو أنّك في هذه الدنيا أيضًا، تعمل وفق سنن الكون لتكون مخلوقًا يتجه نحو الصواب.
فاختر أنت، وكن خليفة في الأرض وعبدًا متمّ العبودية، أو ادخل واخرج وأنت تعيش ذلّ الدنيا لتستقبل ما في الآخرة من عذاب، المسألة في محاولة الفهم في العمل، في التأكيد على إنسانية الإنسان بأخطائه وحسناته، فلست مخلوقًا وجدت لتعيش وتموت، وإنَّما مخلوقًا لمهمّة وسبب، ومكرّم، يعني أنت مخلوق للحياة، فأيّ إهانة لتكريم الله لنا، ونحن نسلك طريق العيش والرغبة بالبقاء، وتحركنا غرائزنا، وكأننا نحيى الحياة ؟!.
ما ذكرته من وصف للدنيا كلاهما مصيرك المحتمل بل لوجودك، لكن فهمنا لسنن الكون يجعلنا المخلوق المتجّه للصواب، ونحن من يختار بفعلنا بما ننتج بين المعنى الأول والثاني، بين العيش وبين الحياة.
من أجل ذلك كانت إزالة الظلم ضرورية لإحقاق الحق, وإحقاق الحق قد يكون بإزالة ما يظهر ضعف الإنسان أو يفوق طاقة تحمله…. فهل بدأنا نفهم ؟!