“يوسف عليه السلام” تجربة حكم إسلامية!

“يوسف عليه السلام” تجربة حكم إسلامية!

عايد هديب

سنتوقف مع أولى تجارب الإسلاميين في الحكم، وسنعيش سطورنا القادمة مع دولة مدنيَّة بمرجعية دينيَّة، لم يكن لها نظيـر، تقلد الحكم فيها نبيًّا من أنبياء الله، لم يرفض الآخر ولم يقصِ أحدًا، عمل على تقديم مشاريع عملية يلمسها الناس، ويعيشون معها، نتوقف عندها، ونخوض غمارها، مؤمنين أننا نسلك بذلك طريقًا وعرًا، لن يخلو من غمزٍ هنا أو تصنيف هناك.

تجربة سطَّرها يوسف عليه السلام، تجدها فريدة في كل منعطفاتها، التـي لم توقفه ولم تدفعه لليأس، تنقل فيها من محنة إلى منحة، ومن ظلمة السجون إلى إدارة السنون.

فـ(يوسف عليه السلام) مدرسة فكرية تربوية سياسية، على دعاة الإسلام اليوم وأبناء الحركة الإسلامية أن يمكثوا معها طويلًا، لينهلوا من ينابيعها المتدفقة، ويغترفوا من دروسها الملهمة، شيبًا كانوا أم شبابًا، قادة أم أفرادًا، صفًا أول أو في الساقة.

فبعد سنوات صعبة مرت عليه، عاشها غريبًا مظلومًا سجينًا، لم يعش بسلبية وانعزال، ولم يكتفِ بالمراقبة والنقد البناء، بل ولم يتـردد في اقتناص الفرصة، لينهض بالواجب، ويتصدى لسبع عجاف، يهرب من مواجهتها الرجال.

فأعلنها يوسف عليه السلام مدوية صريحة “اجعلنـي على خزائن الأرض”، أعلنها لدينه لا لشخصه، لغيـره لا لنفسه، لأمته لا عشيرته.

  • (اجعلنـي).. درسًا سياسيًا في فن المشاركة، وأخذ المكان المناسب، وأداء الأمانة.
  • (اجعلنـي).. درسًا اجتماعيًا تطبيقيًا لتحقيق خدمة الناس عبادة.
  • (اجعلنـي).. فنًا من فنون التغييـر والتأثير وتحريك الجماهير.
  • (اجعلنـي).. أسلوبا لإدارة الدولة بطريقة بطيء ولكن مؤكد “slow but sure”.
  • (اجعلني).. شعار مرحلة، يعيش معها صاحب الرسالة محاولا أن يقدم ما لديه، ليعذر إلى الله ويؤدي أمانة حُمّلها ليقدمها للناس على أجمل صورة وأبهى حلة.
  • (اجعلني).. فيها تحديًا واضحًا يستند لثقة عالية، وإيمان عميق، فيها شهادة على الناس، وتعبيدهم لله، وعملًا لنصرة دينه.

كم نحن بحاجة إلى فهم (اجعلني) بمثل هذه القراءات خصوصا في مثل هذه الأزمنة التي تتقلب فيها الأجواء بين ربيع وخريف وصيف.

وقد تبدو هذه القراءة متأخرة، ولا تلبـي طموح الشارع الثائر، وقد يظنها البعض محاولة لافساد ربيعٍ عربيٍ آخر ننتظره، ولكنها ليست هي كذلك وإنما هي دعوة لكل من أراد التغييـر أن يتحرك في كافة أعصاب الدولة، مشاركًا ومدافعًا وصولا لأعلى سلطة في الهرم، إن لم يكن على قمته، دون مهادنة ونفاق وتملق، فليس ذلك يوصلنا.

يوسف عليه السلام ضربة في صلب النظام، تغييـرًا وتوجيهًا وقيادة، وليس حركة لقلب النظام، إنما عملًا من داخله على طريقة بطيء ولكنه مؤكد.

هكذا نريدها.. والناس عند شروطها..

http://feker.net/ar/2011/12/29/10175/

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك