مجتمع الحب لا الكراهية

مجتمع الحب لا الكراهية

رشيد سودو

لابد من توطين نفوسنا على السعي في تقوية وتمتين تماسكنا الاجتماعي بالحب والمودة حتى نصير كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم في استعارة جميلة شبه فيها المسلمين في تماسكهم وتعاونهم كالبنيان فقال: "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا" فكل لبنة في البناء تنجذب نحو أختها لتلتصق بها، وأختها تفعل نفس الشيء، فإذا هو تجاذب متبادل بين جميع الأطراف المتجاورة، وإذا نحن أمام قوة واحدة كبيرة تجمعت من امدادات قوى اللبنات، هذا هو الوضع الطبيعي للمجتمع السليم، كما هو في الإشارة النبوية.

 

ولا يمكن أن يحصل انجذاب، أو تجاذب من كل الأطراف، إلا بالمحبة والمودة المذكورة في الحديث النبوي الشريف "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر".

 

وقد أشار إلى هذا المعنى الشيخ خالد محمد خالد بقوله: "وبعد محاولات وجهود، اكتشف الإنسان أن "المحبة" هي القانون الحقيقي لوجوده، بل للوجود كله..!

 

فالجاذبية، عماد الكون ـ السماوات، والأرضون... الشموس، والكواكب، والنجوم، والأفلاك جميعا.. كلها شاء الله بناءها، وشد أزرها بالتآلف والجاذبية حتى الأضداد التي تتباين خصائصها... تؤلف ذات بينها جاذبية خفية، تجعلها تعمل معا، وكأنها شيء واحد، لا أضداد مختلفة..!

 

تبين الإنسان أن الحب قوام طبيعته، وجوهر طينته وأنه خلق ليحب، ويحب ليألف ويؤلف."

 

وهذا المعنى الذي ذكره خالد محمد خالد هو نفسه الذي ساقه ابن تيمية، وغيره من العلماء في عبارة تأصيلية: "والأصل في الوجود الحب والبغض طارئ" فالإنسان خلق ليعمل في الوجود ويعمره بأمر الله وعلى منهجه، وهذا يعني عند علماء الإسلام أنه مطالب بالسير والانجداب نحو الله وهذا السير منذ بدايته هو بذرة حب تتنامى وتكبر وعلى حسب حجمها وكبرها تزداد سرعة السالك وتكثر إنجازاته وتتحسن، لأن الإنجاز الإجابي محبة، والهدم والتخريب بغض وكراهية."

 

وبنفس الإحساس وبنفس المشاعر الإنسانية الواحدة يعبر الفيلسوف الشاعر "جيته" عن هذا المعنى بقوله: "ليس في العالم ما يجعل الإنسان ضروريا لأخيه الإنسان إلا المودة".

 

ومن هذا المنطلق نؤكد الرأي القائل أن الحب قيمة القيم، فالقيم الأخرى لا تقوم بذاتها، وأما الحب فهو القيمة الوحيدة التي تقوم بذاتها، أو هو الشيء الوحيد الذي لا يترك لمن يملكه شيئا آخر يرغب فيه.

 

بالمحبة والتحاب تطيب الحياة وتأخذ قيمتها الحقيقية وتستحق أن نحياها ونحيا لها، لا لشيء، إلا لأن قيم المحبة قد غمرتها.

 

والحق أنك لا تجد في العالم لذة أصدق ، ولا مسرة أقوى من أن ترى قلبا خالصا ينفتح أمامك، ونفسا كبيرة تنكشف لك.

 

وعلى من عرف قيمة الحب الوجودية والاجتماعية، وعرف حاجته وحاجات الناس إليه، أن يرعى بذرة الحب بداخله وينميها ويجعلها عملته وبضاعته، بها يعطي، وبها يأخذ، وسيكتشف أن الحب لا يعرف الفرق بين الأخذ والعطاء، فهو يعطي حين يأخذ، ويأخذ حين يعطي، وأن المحب الحقيقي كسبه دائم ومستمر، عند الأخذ وعند العطاء، لأن الحب هو بضاعته الغالية، ولا أغلى ـ عنده ـ منها.

 

بل إن الحب ـ عنده ـ هو سلاحه ضد البغض والكراهية، لأن تشربه من بحر الحب لم يبق فيه مكانا للكراهية، فيحفر بحبه في ترسبات الكراهية عند مرض الإنسانية.

 

ليصل إلى نبع المحبة في قلوبهم، فتجده يعطف على أخطائهم وحماقاتهم بشيء من الود والمحبة الحقيقية لهم، بغير تصنع ولا تكلف... وبعد مدة ـ تطول أو تقصر ـ ينكشف نبع الخير في نفوسهم فيمنحوه ـ ومعه المجتمع ـ حبهم ومودتهم وثقتهم.

 

وصدق الله العظيم ـ الذي بنى هذا الوجود على المحبة وجعل نفسه أصل الحب والتحاب، القائل: "ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم".

 

كأنه حبيب قريب من قلبك وقريب ـ أنت ـ من قلبه.

 

المصدر: جريدة التجديد المغربية

الحوار الداخلي: 
الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك