كيف نلبس الإسلام؟

كيف نلبس الإسلام؟

إسلامات متعددة في تقرير راند

بشير العبدالجبار

 

* الغزو الثقافي ومساحاته

بدأ الحديث عن "الغزو الثقافي" عند الإسلاميين مع نهايات حروب الشعوب العربية من أجل التحرر من الإستعمار ، حيث صدرت الكتب التي تتناول هذا الموضوع مثل كتاب (حصوننا مهددة من الداخل) للدكتور محمد محمد حسين في عام 1967م. ثم ما لبث أن اتسع تناول هذا الموضوع في خطاب الإسلاميين من قيادات ونخب وجماهير ، حتى غدا يحتل مساحة واسعة في خطابهم ، ومن أبرز ما يصفون به هذا الغزو هو أنه أخطر من الغزو العسكري الذي توقف المستعمرون عن العمل به.

 

وبالرغم من هذا التصريح المتكرر في خطاب الإسلاميين عن خطورة الغزو الثقافي نكاد نعدم برامج عملية مدروسة لمواجهة هذا الغزو ؟! والواقع يشهد أن الآخرين ينشطون بلا ملل في الدراسة والبحث ثم يبثون إنتاجاتهم الثقافية بغزارة وتنوع وتدفق متواصل ... هكذا هم ، أما الإسلاميون فإنتاجهم للثقافة ضئيل وبثهم يفتقر إلى الجودة والتنوع والشمولية لحياة الفرد والمجتمع وبعيدٌ كل البعد عن ملامسة الواقع ، ومن المؤكد هو ندرة الدراسة والبحث اللازمان للإنتاج والبث. وفي الوقت نفسه هم يظنون أنفسهم أنهم في أعلى درجة من الإستنفار والحيوية المستميتة! هذه مفارقة بين خطاب يطرح أهمية وخطورة موضوع وبين عمل هو أقرب إلى "تمشية الحال". إنها مفارقة بين النقد اللاذع في الخطاب من جهة وبين الإهمال العملي من جهة أخرى.

 

وحينما نتحدث عن الثقافة فإننا نعني شموليتها لحياة الإنسان ، ويمكن تقسيمها لمساحات ثلاث: (1) مساحة العقيدة والفكر (2) مساحة العاطفة والوجدان (3) مساحة العمل والسلوك.

 

وبهذا المعنى لا تقتصر الثقافة -سواء كانت منتجة أو مستوردة- على مصطلحات مجردة من الحياة والحركة ، بل تمتد مساحاتها إلى كل ما يتصل بحياة الإنسان في فكره وعاطفته وسلوكه. وبهذا المعنى أيضاً لا تختص الثقافة بنخبة تعيش في أبراجها العاجية أو صالوناتها الفارهة بل هو حديث يعم كل الجماهير المسلمة. * تعدد كيفيات لبس الإسلام:

 

وحينما نتناول الدين والثقافة في حياة المسلمين ، لا تغيب عن أي ذهن تلك التعددية في المذاهب واختلاف الفتاوى. ولكن الذي له علاقة بهذا المقال ليس تعدد المذاهب واختلافها في المسائل الشرعية للفرد (امامي اثناعشري ، حنفي ، شافعي ، حنبلي ، مالكي ، زيدي ، اسماعيلي ...). وإنما هو ذلك التعدد والإختلاف في المذهب الإجتماعي والسياسي والإقتصادي للإسلام الذي عبر عنه الشهيد السيد محمد باقر الصدر رضوان الله عليه وعنى به طريقة الحياة التي يتبناها الإسلام في الإجتماع والسياسة والإقتصاد. يقول رضوان الله عليه :"المذهب (هو)...الذي تتجسد فيه الطريقة الإسلامية في تنظيم الحياة"[1] ، "ان المذهب...عبارة عن الطريقة الذي يفضل المجتمع اتباعها في حياته...وحل مشاكله العملية"[2].

 

إذن نعني بـ "المذهب" في هذا المقال هو طريقة الحياة أو نمط الحياة Lifestyle. وبهذا نفهم واقع تعدد رؤى المسلمين واختلافهم في تبني طريقة الحياة المنشودة ، وبسبب ذلك برزت بعض التسميات للإسلام انطلاقاً من طريقة الحياة المتبناة ، مثل الإسلام الصوفي والإسلام السياسي والإسلام الإشتراكي والإسلام المعتدل والإسلام المتطرف والإسلام الأصولي وما إلى ذلك ، وهذه كلها تخترق حواجز المذاهب الفقهية أي أن كل واحد من الإسلامات المذكورة يجمع داخل دائرته كلاً من الشيعة والسنة. وهكذا باتت كل فئة لها إسلامها الخاص بها!

 

ومن أكثر هذه التسميات إثارةً هو "الإسلام الأمريكي" الذي أطلقه الإمام الخميني رضوان الله عليه مشيراً بذلك لإسلام تطرحه الإدارة الأمريكية و تريد أن يتبناه المسلمون وأن يسود بينهم لأنه –أي الإسلام الأمريكي- يخدم مصالحهم ، وتم فيه صياغة نمط الحياة من خلال تغيير وحذف واضافة في بعض العقائد والتشريعات والمفاهيم الإسلامية. وفي مقابل ذلك طرح رضوان الله عليه "الإسلام الأصيل" ، وتجد ذلك مكرراً وبكثرة في خطاباته وكتاباته فهي لا تخلو من المقابلة بين الأصيل والأمريكي.

 

ومع تعدد هذه المذاهب وأنماط الحياة نطرح السؤال : كيف نلبس الإسلام؟ وهو سؤال اقتبست التعبير به من كلمة للإمام علي (عليه السلام) يقول فيها :"ولُبس الإسلام لبس الفرو مقلوباً".[3] * جولة في تقرير مؤسسة راند:

 

وها نحن تجولنا من "الغزو الثقافي" إلى "مساحات الثقافة" ثم إلى "تعدد كيفيات لبسنا للإسلام" ، وصار بامكاننا الآن الدخول والنظر في التقرير الذي عنوانه (إسلام مدني ديموقراطي: الشركاء ، الموارد ، الإستراتيجيات) ، والذي أصدرته مؤسسة راند (RAND Corporation) ، وهي مؤسسة تُعنى بعمل البحوث في مجال تحليل الأوضاع الإجتماعية والسياسية العالمية و تحديد التحديات وايجاد الحلول للمشاكل في الشؤون السياسية والإجتماعية. وقد جاء هذا التقرير بناءً على طلب من وزارة دفاع الولايات المتحدة. أما معدة التقرير فهي تشيريل بيرنارد (Cheryl Benard) وهي متخرجة من الجامعة الأمريكية في بيروت وأكملت دراستها في العلوم السياسية في فيينا لتنال شهادة الدكتوراه ، والآن هي تشغل منصب الموجهة والمديرة لمشروع (مبادرة لليافعين في الشرق الأوسط – Initiative for Middle Eastern Youth IMEY) التابع لنفس هذه المؤسسة ، وهي زوجة زلماي خليلزاد ذو الأصل الأفغاني والذي كان يشغل منصب سفير الولايات المتحدة في أفغانستان بعد اسقاط نظام طالبان ، وقد عيّن مؤخراً كسفير في العراق.

 

ولنا حول هذا التقرير التعليقات العشر التالية:

 

1. كاتبة التقرير قسمت طيف التيارات الإسلامية إلى أربعة تيارات رئيسية:

- الأصوليون الذين قسمتهم إلى نوعين هما راديكاليين وجامدين على النصوص[4].

- التقليديون والذين قسمتهم أيضاً إلى نوعين هما محافظين وإصلاحيين.

ثم أضافت ثلاثة تيارات أخرى هي : التيار الحداثي والتيار العلماني بشقيه الراديكالي وأصحاب التيار الأساسي.

 

2. في التقرير يوجد جدول يبين نظرة كل تيار إلى عدة قضايا اعتبرها ذات أهمية ، وسأنقل كل القضايا التي ذكرها التقرير : دور الدين في صياغة الدولة ، الديموقراطية ، وضع الأقليات ، حقوق الإنسان والحريات الشخصية ، مصادر تشريع القوانين ، عقوبات الإسلام للجرائم بما فيها رجم الزناة ، مشاركة المرأة في الحياة العامة ، الحجاب ، ضرب الزوجات ، تعدد الزوجات ، الجهاد. ومن خلال هذا الجدول بين التقرير بجمل قصيرة وجهة نظر كل تيار تجاه كل قضية من هذه القضايا.

 

وبهذا يتضح أن اختيارها لهذا التصنيف كان ناشئاً من اختلاف وجهات النظر التي يتبناها كل تيار تجاه هذه القضايا والمشاكل ، فقبل أن تبدأ هذا التصنيف قالت في صفحة 3 : "المسلمون لا يتفقون على ماذا يعملون حيال هذه (القضايا والمشاكل) ، وما هي أسبابها ، وكيف ينبغي أن يكون شكل المجتمع"

 

3. قالت في صفحة 25 :"العلمانيون هم الذين يقولون بمقولتنا والتي هي فصل الدين عن الدولة وبالتالي يفترض أن يكونوا حلفاءنا الطبيعيين إلى أبعد حد ، ولكن المشكلة أن كثيراً من العلمانيين المهمين في العالم الإسلامي عدائيون تجاهنا ، فهم يحملون أيديولوجيات إما يسارية أو قومية" ، وبناء على هذا أوصت في نهاية التقرير بأن يكون دعم العلمانيين على نحوٍ انتقائي.

 

وانتهز هذه الفرصة للتعليق على الإلتباس الموجود لدى كثيرٍ من الإسلاميين والذين يعتبرون أن كل من هو ليس بإسلامي فهو علماني! وهكذا كانوا في السابق يعتبرون كل ملحد بأنه شيوعي! والحقيقة أن معظم غير الإسلاميين في عصرنا هذا الموجودين في الخليج هم من حملة أفكار ليبرالية.

 

4. لم تتعرض الكاتبة إلى (الليبرالية) ولا إلى حملة الفكر الليبرالي في الدول العربية! بالرغم من أن الديموقراطية التي تصرخ بها الولايات المتحدة ترتكز على الفكر الليبرالي. ولا ندري لماذا تم التغافل عن هذا التيار و اهمال حَمَلة أفكاره؟!

 

5. قالت في الصفحة 6 : "يدرك التقليديون الإصلاحيون التعارض بين الحداثة والإسلام" ، وتعليقنا هو أن هذه الكاتبة ومعظم الكتّاب حينما يتحدثون عن الحداثة لا يحددون بوضوح ما هو معناها الذي يتعارض مع الإسلام. إذن فإن ما نحتاجه هو تحديد دلالات مصطلح الحداثة والمعاني الناشئة منه لمعرفة أيها يدخل في موضوع المخالفة مع الإسلام.

 

6. قالت في الصفحة 6 : "يعتقد التقليديون المحافظون أن المجتمع المسلم في عصر النبي يمثّل في ممارساته المثالية والصحة المطلقة"! يبدو أن الكاتبة لم تطلع على ما صرح به القرآن من وجود المنافقين داخل المجتمع المسلم في عصر الرسول صلى الله عليه وآله : (وإن من أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم) [5] ، وأضف إلى ذلك كثيراً من الممارسات الخاطئة التي ذكرها القرآن وعلق عليها.

 

7. في صفحة 23 أشارت الكاتبة إلى أن الحداثيين يشككون في موثوقية أو صحة الآية التي تتعرض لمسألة ضرب الزوجة : (واضربوهن) [6] وهذا القول بعدم صحة بعض الآيات يمكن أن يكون قاعدة يستخدمونها في الحالات التي لا يمكن ايجاد تفسيرٍ لآية لا تتوافق مع المفاهيم التي يريدونها ، وهذا يعني القول بتحريف القرآن.

 

ثم أضافت تعليقاً على جمع القرآن في صفحة 24 بقولها "أنه جُمع بعد وفاة الرسول من قصاصات ... دوّنها أفراد مما يتذكرونه ... وهذا أدى إلى انتاج نُسخ متعددة ومختلفة من القرآن ، ولأجل منع التعارضات والإختلافات فقد أُتلفت كل النسخ ما عدا واحدة". ثم صرحت بوجود اتجاه أخذ هذه الفكرة حيث ذكرت "يشير الحداثيون إلى أن بعض السور يمكن أن تكون قد دوّنت بأخطاء أو بغير دقة".

 

8. في صفحة 6 ذكرت أن الحداثيين حينما يواجهون قضية لا وجود لها في النصوص أو موجودة لكن الإجابة عليها لا تعجبهم فإنهم يرجعون إلى رؤيتهم المثالية –حسب تعبيرها في التقرير– ويبتكرون الحلول ، ثم بيّنت أن معنى الرؤية المثالية هو (مصلحة المجتمع) ، والتي يقدمها الحداثيون في حالة تعارضها مع القرآن أو الإجماع. وكررت ذكر هذه الفكرة –أي تعارض مصلحة المجتمع مع نص القرآن– في صفحة 34 وصفحة 37 من التقرير.

 

وهذا بحث يرتبط بـ(مقاصد التشريع) ودورها في عملية استنباط الحكم الشرعي ، أي أن الفقيه لابد له من ملاحظة مقاصد الشريعة بأن لا يتعارض معها أي حكم شرعي يستنبطه ، بل إن بعضاً من هذه المقاصد وكما يعبر الشهيد الصدر "يقوم بدور الإشعاع على بعض الأحكام وتيسير مهمة فهمها من النصوص الشرعية" [7]، وهذه المقاصد "تشكّل اطاراً فكرياً يكون من الضروري اتخاذه لتتبلور ضمنه النصوص التشريعية"[8].

 

إن لهذا البحث صلة وثيقة بحياتنا ولذلك ندعو العلماء إلى تناوله بشيء من التفصيل وربطه بقضايا اجتماعية حيوية ، وإلا فسوف يُترك الباب مفتوحاً لأي كاتب –كهذه الكاتبة– بأن يُدخل مفاهيم خاطئة من خلال التطبيق الخاطئ لمسألة اشعاع مقاصد الشريعة على الأحكام الشرعية. فهل نترك الباب مفتوحاً لصحفيين يضعون مقصد (مصلحة المجتمع) فوق معاني القرآن ، وبالتالي يأخذون تخصص الفقهاء؟! وتصبح أفكارهم هي الرائجة في المجتمع ما دامت الساحة متروكة لتكون خالية ليتفردوا بها.

 

9. لم يخلُ التقرير من الهجوم المباشر على الإسلام والقرآن بشكل خاص ، وهذه شواهد على ذلك:

 

- في صفحة 3 ذكرت أن "الإسلام ليس وجوداً متجانساً".

- في صفحة 15 ذكرت أن "القرآن يقبل الزواجات الإجبارية في سياق الحرب" وهي لم تقتصر على ذكرها أن هناك من مارس ذلك بل قالت أن القرآن يقبل ذلك".

- في صفحة 37 قالت بأن "القرآن يحتوي على عدد من القوانين والقيم التي لا مجال للتفكير فيها في مجتمع اليوم" ثم نادت بـ "ضرورة التجاهل الإنتقائي لعناصر من التعاليم الدينية الأصيلة" وذكرت بأن هذا هو مسلك بعض الحداثيين.

 

10. وأخيراً نرجع إلى مقدمة التقرير التي توضح الغرض من البحث وكتابة التقرير وهو "للتعرف على الشركاء المناسبين ووضع أهداف وأساليب واقعية لتشجيع نموهم" ولهذا أفرَدَتْ باباً خاصاً في التقرير بعنوان "الإستراتيجية المقترحة" كما وضعت ملحقاً من أربع صفحات سمته "الإستراتيجية بعمق" ، وقد يحلو لبعض القرّاء أن يعتبر التوصيات المكتوبة في هذا الباب والملحق بأنها هي الوحيدة الجديرة بالقراءة والإهتمام ، وهذا ما لاحظته على المقالات التي كُتبت تعليقاً على التقرير. ومن هذه التوصيات:

 

- بناء قيادة حداثية ، والعمل على تأهيل نماذج قيادية من أنصار الحداثة ، كما لابد من الترويج بأنهم أبطال شجعان ويتعرضون للإضطهاد.

- دعم مشاركة الحداثيين في المناسبات ليصبحوا بارزين ، ومدّهم بالمال وجعلهم أكثر اتصالاً بالجماهير.

- التركيز على الشباب ، حيث من الصعب التأثير على كبار السن ولكن بالإمكان أن يستجيب الجيل الذي يليهم. * التأصيل في مقابل الإلتقاط والتوليف والدمج:

 

في منتصف القرن الماضي وإبان صعود نجم الإشتراكية كمذهب اجتماعي (طريقة حياة اجتماعية) في ساحة الدول الإسلامية عمد البعض في تلك الفترة إلى التقاط مبادئ إقتصادية من الإشتراكية وحاولوا اسقاطها على الشريعة الإسلامية أو دمجها وتوليفها مع مبادئ الإسلام ، وكان هذا هو أبرز مثال على منهج الدمج. وقد كانوا كثراً بُعيد انتصار الثورة الإسلامية في ايران ولذا تجد اشارات واضحة وصريحة في خطاب الإمام الخميني رضوان الله عليه حيث سماهم "الإلتقاطيون". وفي هذا المجال أيضاً يقول الشهيد الصدر :"الإسلام ... لا يقر الإندماج في اطارات رأسمالية واشتراكية وماركسية"[9].

 

هنا نريد أن نسجل ملاحظتنا بل وتنبيهنا إلى تيارات ستبدأ تصعيداً لنشاطها في هذه المرحلة وستلقى رواجاً لبضاعتها ، وهي تنحى نفس المنحى الذي ذكرناه للتو ، أي منحى الدمج والتوليف بين الإسلام وبعض الأفكار الملتقطة من الليبرالية والعلمانية والحداثة. الملاحظ هو عدم خجل الليبراليين والعلمانيين والحداثيين في طرح رؤاهم ، وكأنما حق المجاهرة بالتعبير مقصورٌ عليهم ، والإسلاميون مستثنون من هذا الحق! والسؤال الكبير هو : كيف سيقف الإسلاميون تجاهها؟ هل سيكون موقف السجالات المتشنجة معها أو تكفير أصحابها؟ أم أنه التفرج والصمت تجاه حركتها؟ أم المجاهرة بطرح الرؤية الإسلامية الأصيلة لطريقة الحياة؟

 

في ستينيات القرن العشرين لم يكن هذا مجرد هاجس بسيط بل كان واقعاً أفرز تيارات غير اسلامية لها ثقلها وحضورها الفاعل كما كان لها برامجها التي تنفذ على أرض الواقع السياسي والإجتماعي والثقافي. في تلك المرحلة كان الإسلاميون على تماس مباشر مع هذه التيارات ، وكانوا يصرحون بمواقفهم تجاهها بل كانوا يحركون الشارع والجماهير للخروج من حالة الصمت إلى حالة إعلان الموقف ، يبدو ذلك واضحاً كما في هذه الخطبة التي ألقيت في الستينيات : "قولوا لهم ان لنا من ديننا وإسلامنا المصدر الحق لحل مشاكلنا بأجمعها دون حاجة إلى أي مبدأ ... فقد امتد التشريع الإسلامي إلى جميع نواحي الحياة ... قولوها صريحة ... إننا نعتقد بالله رباً وبمحمد صلى الله عليه وآله نبياً وبعلي وأولاده الأئمة الميامين قادة وهداة ... قولوها صريحة لهؤلاء ... إننا كأمة مسلمة لانقبل بغير الإسلام ... لانقبل بغير منهج الإسلام وأسلوبه في التربية والثقافة ... لاتقفوا بل تابعوا أقوالكم بالعمل ولا تتراجعوا لأنكم تطالبون بقضية تتعلق بعقيدة الأمة وشريعتها"[10]

 

إنها دعوة للعمل بجدية لدراسة الواقع المعاصر ومسائله ثم البحث عن رأي الإسلام حول كل واحدة منها ، وهذه هي الحركة نحو "الأصول" الإسلامية وما يصطلح عليه "التأصيل" في مقابل الإلتقاط والتلفيق. هذا العمل لابد له أن ينهض بعمل جماعي فتقوم كل شريحة بالمهمة الملقاة على عاتقها : على العلماء والمثقفين واليافعين من الفتيان والفتيات وكافة شرائح المجتمعات المسلمة. إننا نريد أن نبحث ونتعرف كيف يريد الله لنا أن نلبس الإسلام ، وأن نعمل على نشر هذه المعرفة. الهوامش:

 

[1] (اقتصادنا) للشهيد الصدر ، طبعة 1411هـ ، صفحة 29.

[2] (اقتصادنا) للشهيد الصدر ، طبعة 1411هـ ، صفحة 357.

[3] الخطبة 108 من (نهج البلاغة) للإمام علي عليه السلام.

[4] (Scriptural) تعني الذي يرجع لنصوص كتاب مقدس ، ولذلك قد تكون ترجمتها بـ (الجامدين على النص) غير دقيقة.

[5] سورة التوبة / آية 101

[6] سورة النساء / آية 34

[7] (اقصادنا) للشهيد الصدر ، طبعة 1411هـ ، صفحة 376.

[8] (اقصادنا) للشهيد الصدر ، طبعة 1411هـ ، صفحة 377.

[9] (المدرسة الإسلامية) للشهيد الصدر ، طبعة 1404هـ ، صفحة 147.

[10] (قضايانا على ضوء الإسلام) للسيد محمد حسين فضل الله ، الطبعة السادسة 1405هـ ، صفحات 159-160. وكانت الطبعة الأولى عام 1380هـ ، فتكون الخطبة قد ألقيت قبل ذلك الوقت أي قبل الستينيات (1960م).

 

المصدر: شبكة والفجر الثقافية

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك