إدارة الإختلاف
إدارة الإختلاف
محمد علي المحفوظ
ورقة سماحة الشيخ محمد علي المحفوظ
فيِ مؤتمر إشكالات العمل الإسلامي في البحرين - 1426هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه جمعين سيدنا محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين.
* الاختلاف سنة كونية:
الاختلاف سنة من سنن الله في المجتمعات فهناك اختلاف في اللسان واللون والرأي وما أشبه، وقد تحدث ربنا عز وجل عن ذلك في القرآن الكريم: (وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ) سورة الروم آية 22.
إن وجود التنوع والاختلاف من المقومات الأساسية في المجتمع الإنساني، وقد جعل ربنا عز وجل هذا الاختلاف سبباً للتمحيص والاختبار لمن يريد أن يبحث عن الحقيقة ويتمسك بها وأشارت آيات القرآن الكريم إلى ذلك حيث يقول ربنا عز وجل:
(وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) سورة هود آية 118-119. * بين التعدد والتعددية:
إن التعدد كمفهوم يرادف التنوع والتفاوت والاختلاف والتعددية كمصطلح هي نظام سياسي، وإن وجود التعدد والاختلاف داخل أي مجتمع ليس حالة شاذة بل هو الحالة الطبيعية وربما الصحيحة وقد أشارت آيات القرآن الكريم إلى هذا الجانب حيث يقول ربنا عز وجل: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) سورة الحجرات آية 13. * بين الخلاف والاختلاف:
وقد عرفوا ذلك بأن يأخذ كل واحد طريقاً غير طريق الآخر في حاله أو فعله وعلى هذا يمكن القول بأن الخلاف والاختلاف يراد به مطلق المغايرة في القول أو الرأي أو الحالة أو الهيئة أو الموقف والخلاف أعم من الضد لأن كل ضدين مختلفان وليس كل مختلفين ضدين. وليس الخلاف جنساً واحداً كله شر كما قد يتبادر إلى ذهن البعض فبعض الخلاف ممدوح وبعض الخلاف مذموم فخلاف المشركين والكفار للحق مذموم، بينما خلافنا لهم ممدوح وهناك خلاف مسوغ حينما يكون هناك اتفاق على الأصول والثوابت ويحصل اختلاف في الوسائل والوسائط الموصلة لها.
وهناك خلاف مذموم حينما يكون من باب التعصب والحمية الجاهلية والأهواء الضالة أو التقليد الأعمى وما أشبه وقد تحدث القرآن الكريم عن ذلك في مواضع مختلفة ففيما يرتبط بالتعصب للرأي يشير ربنا عز وجل إلى ذلك في قوله (وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ) سورة البقرة.
وفي حديث عن الإمام الباقر(ع) يقول: (أدنى الشرك أن يبتدع الرجل رأياً فيحب عليه ويبغض عليه). وتتحدث الآيات عن التقليد الأعمى والتوقف عن ذلك فيقول ربنا عز وجل: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ) سورة البقرة آية 170. ويقول عز وجل: (وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءنَا وَاللّهُ أَمَرَنَا بِهَا...) سورة الأعراف آية 28.
ويقول عز وجل: (قَالُواْ أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاء فِي الأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ) سورة يونس آية 78، ويقول عز وجل: (قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ) سورة الشعراء 74. * الهوى عامل أساسي في نشوء الخلافات
وقد يكون منشأ الخلاف تأثيرات الهوى على النفس الإنسانية وبالتالي استكبارها على النطق بالحق يقول ربنا عز وجل: (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِن بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ) سورة البقرة آية 87، ويقول عز وجل: (إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ وَلَقَدْ جَاءهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَى) سورة النجم آية 23.
والأهواء الضالة تترك آثاراً سلبية كبيرة على نمط تفكير الإنسان فتسوقه إلى الدخول في الخلاف والاختلافات بعيداً عن الحقيقة والقبول بالحق. وقد يتحول الهوى إلى إله يعبد من دون الله عند البعض فيتمحور حول آرائه وقناعاته ويقول ربنا عز وجل في وصف هذه الحالة: (أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا) سورة الفرقان آية 44,43، وجاء في حديث عن رسول الله(ص) (ما تحت ظل السماء من إله يعبد من دون الله أعظم عند الله من هوى متبع)، وفي حديث عن أئمة أهل البيت(ع): (أبغض إله عبد على وجه الأرض الهوى).
وقد يدفع الهوى المرء إلى عدم العدل والإنصاف وهذا أحد العوامل المؤثرة في نشوء الخلافات، وتوصي آيات القرآن الكريم بالابتعاد عن ذلك حيث يقول ربنا عز وجل: (...فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ...) سورة النساء 135. بل إن الهوى يعطل الاستفادة من العقل فلا يرى صاحب الأهواء الأمور من زاوية الرشد والتعقل وقد قال أمير المؤمنين علي(ع): (كم من عقل أسير تحت هوى أمير)، وفي حديث آخر قال عليه السلام: (الهوى عدو العقل)، وذهب الإمام علي(ع) أبعد من ذلك حين قال(ع): (لا دين مع هوى)، وفي حدث آخر قال(ع): (لا عقل مع هوى)، إذ قد يعطل الهوى منظومة القيم الدينية عند صاحبه وقد يوصله ذلك إلى حالة الطغيان والاستبداد فلا يرى إلا ما يراه هو ويتمسك ببنات أفكاره وكأنها شيء مقدس غير قابل للنقد أو التمحيص وقد وصف ربنا عز وجل الحالة التي وصل إليها فرعون: (... قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ) سورة غافر 29
ولذلك فإن الآيات القرآنية والروايات الواردة عن أئمة أهل البيت(ع) تعالج هذه الإشكالية بطرق متعددة. فيوصي ربنا عز وجل نبيه داوود(ع) بالحق وعدم إتباع الهوى حيث يقول سبحانه وتعالى: (يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ...) سورة ص آية 26، ووصف ربنا عز وجل نبينا محمد(ص) بالعصمة حينما قال سبحانه: (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى) سورة النجم آية 3، وجعل ربنا عز وجل ترك إتباع الهوى مفتاحاً لدخول الجنة حيث يقول سبحانه: (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى) سورة النازعات 41،40.
واعتبر أمير المؤمنين علي(ع) أن الابتعاد عن التعصب والأهواء الضالة شجاعة الشجعان فقال(ع): (أشجع الناس من غلب هواه)، كما أن هناك عوامل سلبية أخرى قد تسبب نشوء الخلافات والاختلافات كالغرور والعصبية والكبر والجهل وما أشبه ينبغي أن نعالجها في أوساطنا حتى لا تكون سبباً للفتن والتمزق والتشرذم.
ولكن مع كل هذا يبقى باب البحث والحوار والمناقشة مفتوحاً في الكثير من الدلائل والمسائل سواء في مسائل الاعتقاد أو الأحكام العامة والخاصة للتواصل إلى الراجح والأرجح والأصوب من الأمور بعيداً عن العصبية، وينبغي السعي لتضييق دائرة الخلاف كلما أمكن. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: كيف ندير هذا التعدد والاختلاف وكيف نعالج المسائل الخلافية سواء كانت صغيرة أم كبيرة إذا وجدت في أوساطنا؟ مع ضرورة التمييز بين الاختلاف وهو أمر طبيعي وبين الخلاف وهي مشكلة تحتاج إلى علاج.
إذا ما سلمنا أن الاختلاف أمر طبيعي للتعدد والتفرع الموجود وحتى فيما يرتبط بالذوق الفكري لكل إنسان فإنه يمكن أن نجعل من الاختلاف سبباً للتكامل والتعاون فيما فيه مصلحة الخير والحق بدلاً من أن يتحول إلى سبب للتنافس والتباعد.
ولكي نصل إلى ذلك لابد من صياغة ثقافة المجتمع على أسس سليمة تعتمد الأخلاق والعقل والحكمة وتستند إلى الوعي والصدق والوضوح، ويمكن ذلك من خلال:
أولاً: الحوار:
يمكن للحوار أن يلعب دوراً حيوياً في خفض الكثير من مثيرات الخلاف والاختلاف. لقد خلق الله سبحانه الكون على أساس الحوار من أجل الفهم والتقارب بين الكائنات والمخلوقات وجعله وسيلة للتواصل على مر الأزمنة لكي يتواصل الفهم البشري ماضياً وحاضراً ومستقبلاً. بل إن الله سبحانه جعل الحوار وسيلة للتواصل بينه عز وجل وبين سائر الكائنات سواء من خلال تعاليمه عبر أنبياءه ورسله عليهم السلام إلى الناس أو من خلال تواصل الكائنات مع رب العزة والجلالة من خلال الدعاء والتسبيح والمناجاة
والقرآن الكريم الذي نزل على نبينا محمد(ص) هو كلام الله عز وجل إلى البشر يخاطبهم ويدعوهم ويعظهم وينذرهم ويستثير عقولهم وهو درس بليغ لكي نتعلم أهمية الحوار وقيمته في التواصل وتبديد الأوهام والشكوك. * تعريف الحوار:
وقد عرفوا الحوار بأنه من المحاورة بمعنى المجاوبة والتحاور أي التجاوب. أما التعريف الاصطلاحي للحوار: هو تفاعل لفظي أو غير لفظي بين اثنين أو أكثر من البشر بهدف التواصل الإنساني وتبادل الأفكار وتكاملها. والحوار نشاط يومي نمارسه في المنزل والشارع والعمل والدراسة ووسائل الإعلام والجامعات وما أشبه ومن خلال الحوار يتشكل السلوك وتبنى العلاقات على أكثر من صعيد. ولكي نبني الحوار بطريقة سليمة لابد من مراعاة بعض الجوانب منها:
الاستقبال الواعي:
لأننا نريد من خلال الحوار أن نصل إلى فهم الآخر وتحديد مواضع الخلاف فلابد أن نمتلك خاصية الاستماع الواعي بعيداً عن الأحكام المسبقة على شخصية الطرف المقابل وتصنيفه، ويصف ربنا عز وجل الاستماع الواعي في القرآن الكريم: (... فَبَشِّرْ عِبَادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ) سورة الزمر آية 18،17. ذلك أن القدرة على تشخيص الكلام والرأي المطروح ومن ثم اختيار اختيار الأفضل من الصفات التي ينبغي التحلي بها لكي تستطيع التقاطع مع الآخر والوصول إلى قواسم مشتركة.
وبما أن الحوار عملية تبادلية بين طرفين أو أكثر، وهو يتم عادة من خلال عمليتين أساسيتين هما الإرسال والاستقبال، فينبغي أن لا نكتفي بالاستقبال الواعي فقط وإنما نعتمد أيضاً على كفاءة الإرسال الصادق أيضاً وذلك من خلال الصدق في الحديث والابتعاد عن الاستعلاء والنظرة الفوقية والجدل، وقد أوصى ربنا عز وجل نبيه محمد(ص) في القرآن الكريم: (ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ...) سورة النحل آية 125، وقال ربنا عز وجل: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) سورة الأعراف آية 199، وفي آية أخرى يبين ربنا عز وجل منطق الحكماء: (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا) سورة الفرقان آية 63
وتدعوا تعاليم الإسلام إلى الالتزام بالكلام الحسن، فيقول ربنا عز وجل: (... وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً...) سورة البقرة آية 83. والحوار الناجح هو الذي يبنى على أهداف صالحة تبحث عن الوصول إلى قواسم مشتركة وتقريب وجهات النظر الخلافية وبالتالي التلاقي بدلاً من التنافر. ويشير القرآن الكريم إلى ذلك بطريقة رائعة في التعاطي مع الآخر من خلال القواسم المتفق عليها بين الطرفين، يقول ربنا عز وجل: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) سورة آل عمران آية 64.
إن الحوار القائم على أسس موضوعية هو أحد العوامل المؤثرة لتضييق مساحات الاختلاف بين الفرقاء على الساحة وقد وضح ذلك دعوات الأنبياء(ع) التي كانت تعتمد الحوار واستثارة العقول من أجل الانفتاح على الحقيقة وإتباع الحق ويوضح القرآن الكريم سيرة الأنبياء(ع) في دعواتهم في مراحل متعددة، فينقل حديث موسى(ع) مع فرعون:
(وَقَالَ مُوسَى يَا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ حَقِيقٌ عَلَى أَن لاَّ أَقُولَ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُم بِبَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ) سورة الأعراف آية 105،104
وفي قضية نبي الله صالح(ع) مع ثمود يقول ربنا عز وجل: (وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ...) الأعراف آية 73
وفي قصة شعيب(ع) مع قومه، يقول ربنا عز وجل: (وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ...)سورة الأعراف آية 85. وهكذا كانت سيرة الأنبياء جميعاً نوح وإبراهيم وهود وعيسى عليهم السلام وخاتم الأنبياء محمد(ص) فقد اعتمدت الدعوة النبوية على منطق الحوار واستثارة العقل مع التمسك بالحق بطبيعة الحال (قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) سورة يوسف آية 108.
ولكي ننجح في تضييق مساحات الاختلاف أو تجاوزها والوصول إلى حالة من الاتفاق وتطابق القناعات لابد من إنجاح الحوار من خلال اعتماد التواضع مع الآخر والابتعاد عن الاستعلاء والروح الفوقية، وقد تجلى ذلك واضحاً في سيرة الأنبياء وسلوكهم وأخلاقياتهم مع أقوامهم، وبدى ذلك واضحاً في لغة القرآن الكريم السامية التي تتعامل بكل موضوعية وإنصاف مع الآخر حتى لو كان كافراً أو مشركاً يقول ربنا عز وجل: (قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ) سورة سبأ آية 24
كما أنه ينبغي لإنجاح الحوار أن نحمل في قلوبنا الحب للآخر فهو إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق كما يقول أمير المؤمنين علي(ع) فإما أن تعمل على هدايته وإرشاده إن كان كافراً، وإما أن تعمل على التواصل والعمل معه ضمن وحدة واحدة، ويشير ربنا عز وجل إلى حالة الحب عند المؤمنين ونظرتهم لبعضهم البعض من خلال دائرة المحبة والمودة بعيداً عن الأحقاد والحساسيات فيقول ربنا عز وجل: (... يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) سورة الحشر آية 10
وقد تؤثر الوساوس الشيطانية والنزعات الضيقة في توسيع دائرة الخلافات وربما تعصب كل طرف إلى ما يراه، فتتحول القضية إلى حالة من المكابرة والعناد وربما إلى أغلال نفسية مذمومة ويشير بنا إلى حالة الأخوة المطلوبة التي ينبغي على العاملين أن يتحلوا بها وتصل إلى أعلى مستوياتها في الجنة، فيقول ربنا عز وجل: (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ) سورة الحجر آية 47. ومن آداب الاختلاف من أن لا يؤدي إلى جفوة وخصومة بين العاملين في الساحة وكما قيل فالاختلاف لا يفسد للود قضية والخلاف شر ينبغي على العاملين في الساحة الإسلامية العمل على رفضه طلباً للحق وحفاظاً على وحدة الأمة لأن النزاع والشقاق من شأنه أن يعمل على الضعف والوهن في جسد الأمة ولذلك قال ربنا عز وجل: (...وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ...) سورة الأنفال آية 46، وفي آية أخرى يقول عز وجل: (وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ...) سورة آل عمران 105.
وينبغي أن يتم الاحتكام إلى الثوابت التي حددها لنا القرآن الكريم والسيرة النبوية الشريفة في سبيل التوصل إلى حالة من التوافق وتجاوز الخلاف والاختلاف. وفي ذلك يقول ربنا عز وجل: (فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) سورة النساء آية 59، وجاء في حديث عن رسول الله(ص): (إني تارك فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي كتبا الله فيه الهدى حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي وأن اللطيف الخبير قد أخبرني أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما).
ومن جانب آخر فإنه ينبغي مراعاة حسن الظن ما استطاع المرء إلى ذلك سبيلاً ذلك لأن الشكوك والظنون لواقح الفتن، وعدم التسرع في الحكم على أفعال الآخرين إلا بعد البحث والتمحيص وقد جاء في الروايات (أحمل أخيك المؤمن على سبعين محمل)، وفي رواية أخرى (أطلب لأخيك عذراً فإن لم تجد عذراً فالتمس له عذراً).
إن المشكلة لا تكمن في الاختلاف في العمل الإسلامي فالاختلاف سنة من سنن الاجتماع ولكن المشكلة تكمن في أن تفضي الخلافات إلى القطيعة والشقاق والعداوة وتفكيك روابط الأخوة التي تدعوا إليها قيم الدين الحنيف حيث يقول ربنا عز وجل: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) سورة الحجرات آية 10،
كما أن اعتماد لغة الحوار والتقارب وتضييق مساحات الاختلاف لا تعني إلغاء الآخر أو تذويبه أو محاولة القفز عليه بقدر ما تعني الحفاظ على مقومات الوحدة الإسلامية بين الفرقاء خاصة إذا عرفنا أن الخلافات ليست في ركن من أركان الإسلام وليست في الأصول العامة وإنما ينحصر معظم الاختلافات في القضايا الفكرية والعملية.
ولكن مع كل ذلك يبقى أن الوحدة الفكرية هي مقدمة للوحدة الاجتماعية والسياسية التي تحتاج إليها الأمة، حيث أن التعصب قد أوجد شروخاً كبيرة أثرت على وحدة الأمة وبالتالي في مقومات النهضة الحضارية لها. إن المبدأ الأساسي في الإسلام يتبنى سلوكاً حضارياً راقياً ينطلق من عدم الإكراه للآخرين على الدخول في الدين وقد ذكر ذلك في القرآن الكريم (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ...) سورة البقرة آية 256. ويستوعب التنوع في العقائد دون أن يكون لهذا التنوع أي مساس بالحقوق السياسية والاقتصادية والإنسانية وقد وضح ذلك في كلام أمير المؤمنين علي(ع): (الناس صنفان إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق)
وتستند الرؤية الإسلامية في إدارة الاختلاف إلى اعتماد ترشيد الاختلاف وتوجيهه إلى أهداف شريفة من قبيل الإعمار والإصلاح (وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا...) سورة البقرة آية 56، واستغلال موارد الرزق التي خلقها الله سبحانه وتعالى (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ)سورة الملك آية 15، والنافس والتسابق على الخيرات والعمل الصالح يقول ربنا عز وجل: (...وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ) سورة المطففين آية 26. وفي آية أخرى: (وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) سورة آل عمران آية 133.
ثانياً: العمل الجمعي:
يتميز الإسلام بأنه منظومة متكاملة كفيلة بصلاح الإنسان على هذه الأرض وفي نفس الوقت الذي تتبنى قيم الإسلام بناء الإنسان كفرد صالح فإنها تحثه على الانسجام الاجتماعي في وسط بنيته مع الحفاظ على ثوابته واستقلاليته. وامتلاك الإسلام لأخلاقية العمل الجماعي لها دور كبير في بناء الفرد على أساس الروح الجمعية والعقل الجمعي والعمل الجمعي على الرغم من الاختلافات الطبيعية بين الناس في نمط التفكير. والعمل الجماعي طريق بنّاء للوصول إلى التقارب الفكري والعملي وتضييق شقة الخلاف إن وجدت بين الأطراف المختلفة على الساحة الإسلامية وقد نوه القرآن الكريم إلى ضرورة التماسك والعمل الجماعي من خلال قول ربنا عز وجل: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ) سورة الصف آية 4، ودفعت كثير من آيات القرآن الكريم بالتوجيه إلى مجموع المؤمنين للتدليل على ضرورة العمل الجماعي:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ...) سورة الأنفال آية 24
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ...) سورة التحريم آية 6
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم...) سورة الحجرات آية 13
بل إن رؤى الإسلام تحث على التفكير الجمعي حيث يقول ربنا عز وجل: (قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَّكُم بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ) سورة سبأ آية 46، وجاء في الروايات عن رسول الله(ص) أنه قال: (يد الله مع الجماعة). ولكي لا تأخذ الاختلافات بأصحابها إلى الفرقة والتخاصم وبالتالي إضعاف الأمة فأن الآيات دعت للاعتصام والتوحد حول القيم الإلهية وحذرت من النزاعات يقول ربنا عز وجل: (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ...) سورة آل عمران 103. يقول جل شأنه: (...وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ...) سورة الأنفال آية 46. وتدعو قيم الدين إلى اعتماد الإصلاح لترسيخ مبدأ الأخوة في المجتمع الإسلامي يقول ربنا عز وجل: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) سورة الحجرات آية 10
وفي عالم اليوم نرى كيف أن المجتمعات المتقدمة استطاعت أن تحول المجتمع إلى مؤسسات تعتمد على الروح الجماعية والعقل الجمعي والعمل الجمعي، وقد قال أمير المؤمنين علي(ع): (أعقل الناس من جمع عقول الناس إلى عقله)، ويساهم العمل الجمعي على النظر إلى الأمور من زوايا متعددة بدلاً من المنظور الفردي الذي قد لا يستوعب بطبيعة الحال كل الجوانب في نظرته. إن الكثير من الخلافات تحصل عادة لاقتصار النظرة إلى الأمور من جانب واحد، وتهميش آراء الآخرين، والعمل الجمعي يوفر المناخ المناسب لكي يتفهم العاملون مواقف بعضهم البعض وقد يوفر الانسجام في الرؤية على المدى البعيد. وقد حثت آيات القرآن الكريم على التعاون الإيجابي لما له من آثار مفيدة على صعيد المجتمع فقال ربنا عز وجل: (...وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى...) سورة المائدة آية 2
ثالثاً: الاعتراف بالآخر:
كما ينبغي لإدارة الاختلاف أن نعترف بالآخر بغض النظر عن الاتفاق أو الاختلاف معه إما من باب (لكم دينكم ولي دين)، أو كما يقول الإمام علي(ع): (الناس صنفان إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق). ذلك أن عملية الإلغاء أو التهميش سوف تترك آثاراً سلبية وتزيد من هامش الاختلافات والشقاق بدلاً من علاجها وفهم الآخر بما لديه من مكونات فكرية وثقافية.
والإسلام يدعوا للحوار مع المختلف كلياً في العقيدة (ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) سورة النحل آية 125، كما يدعوا إلى عدم إكراه الآخر على ما تعتقده (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ...) سورة البقرة آية 256، فكيف بمكن يتفق معك في الأركان ولكنه قد يختلف على التفاصيل.
لقد كانت سيرة الأنبياء جميعاً وخاصة نبينا محمد(ص) قائمة على الدعوة إلى الدين من خلال الانفتاح على الآخر وكذلك سيرة أئمة أهل البيت(ع) الذين سجل التاريخ الكثير من المناظرات التي خاضوها مع الآخرين حتى الملحدين.
رابعاً: القبول بالحق:
التواضع للحق من أصعب الأمور على أي إنسان خاصة فيما يرتبط بمعتقداته وتصوراته ولكنها قضية لازمة لإدارة الاختلافات حتى لا تسير الأمور بطريقة التعصب والجدل والعناد والمكابرة. إن بنات أفكار الإنسان تمثل أحد أخطر الأعداء بالنسبة إليه ولذلك فمن الصعب أن يتنازل عما كونه من قناعات ينطلق فيها في نهجه ومسيرته، ولكن المطلوب أن يخضع الإنسان نفسه للحق بعيداً عن الأهواء (الحق أحق أن يتبع). ويبين القرآن صعوبة الانصياع للحق من خلال قول ربنا عز وجل: (لَقَدْ جِئْنَاكُم بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ) سورة الزخرف آية 78. ويقول أمير المؤمنين علي(ع) في توصيف رائع لمحورية الحق بدلاً من الأشخاص: (اعرف الحق تعرف أهله)، ويقول أيضاً: (لا يقاس الحق بالرجال وإنما يقاس الرجال بالحق).
وينبغي على الإنسان أن لا يضع معاييراً نفسية وأهوائية في قبوله للحق من خلال الزوايا التي ينظر منها وإنما يقبل الحق ممن جاء به بعيداً حتى عن الحب والبغض والمنزلة والرتبة يقول رسول الله(ص) في حديث رائع: (اقبل الحق ممن أتاك به من كبيراً أو صغير ولو كان بغيضاً واردد الباطل على من أتاك به من صغير أو كبير وإن كان حبيباً)، وجاء في حديث عن أمير المؤمنين علي(ع): (الحكم ضالة المؤمن). * مظاهر الاختلاف في العمل الإسلامي في البحرين:
لا تختلف البحرين عن غيرها من المجتمعات فالاختلاف ظاهرة واقعية موجودة لا يمكن أن نتجاهلها ونتغافل عنها ولا شك أن التنوع والاختلاف حالة ايجابية تؤدي إلى إثراء العمل الإسلامي وتولد حالة التنافس والإبداع وتقديم الأفضل، وهذا ما يلاحظ على ساحة العمل الإسلامي من وجود تنوع في الطرح والأساليب والتوجهات المختلفة كما أن هذا التنوع يساهم في توزيع الجهد واستثمار الزمن في التواصل مع الناس من قبل المتصدين للشأن العام ولكن من جانب آخر هناك تأثيرات سلبية لمظاهر الاختلاف في العمل الإسلامي نوجزها في:
1- المشكلة الطائفية على الصعيد الوطني، حيث أثر التعاطي السياسي السيئ من خلال التمييز على عدم التواصل الجاد بين الإسلاميين على المستوى العام إلا ضمن نطاقات ضيقة ومحدودة، وليست ذات أثر يذكر.
2- قلة الحوارات الجادة المستمرة أسهم في عدم فهم الآخر وأثر في انعدام الأعمال المشتركة والتعاون في إقامة المشاريع.
3- قلة التوجه الجاد للتواصل بين الأطراف، ومع أن الرغبة قد تكون موجودة من قبل الجميع إلا أن ذلك لا ينعكس على الصعيد العملي.
4- وجود حالة فئوية أو حزبية تغذيها بعض الأحيان انفعالات عاطفية تؤثر سلباً في تضييق مساحات الاختلاف بين العاملين.
5- وجود الحالة الفردية في كثير من مفردات العمل روحاً وتفكيراً وعملاً أثر في عدم تحول الأطر الموجودة إلى مؤسسات تستند إلى منهج واضح يعتمد على الدراسة والتخطيط واعتماد مبدأ الكفاءة، ويمكن للمؤسسات أن تلعب دوراً كبيراً في صياغة ثقافة المجتمع لكي ينسجم أفراده مع بعضهم فينخرطون في أعمال مشتركة على الرغم من الاختلافات الموجودة.
وأخيراً تبقى الإدارة الجادة والحكمة والأخلاقيات الحسنة عناصر لا يمكن الاستغناء عنها في التعاطي مع ظاهرة الاختلاف من أجل ترشيد الظاهرة وتحقيق النجاح في مواجهتها.
والله ولي التوفيق وهو نعم المولى ونعم النصير. والحمد لله رب العالمين والصلاة على خير خلقه أجمعين نبينا محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين.
المصدر: جمعية التوعية الإسلامية- البحرين