نداء الإخوان للحكومة السورية

نداء الإخوان للحكومة السورية

أسامة محمد

يصعب على الفريسة الفكاك إذا ما نشبت فيها مخالب الضواري، والتشظي الذي أصاب الموقف السوري في الأيام الأخيرة أصبح بمثابة الدماء التي تفتح شهية هذه الضواري لملاحقة طريدتها، التشظي بدأ مع محاولة الحكومة السورية خطب ود الولايات المتحدة عبر البوابة الصهيونية، فأعلنت أكثر من مرة وعبر أكثر من وسيط استعدادها للتفاوض مع الكيان الصهيوني بعد التخلي عن شروطها وجاءت مصافحة كتساف في جنازة البابا لتؤكد ضبابية الرؤية السورية لما يحاك ضدها.

 

لا يمكن بأي حال تزيين هذه المواقف مهما قدمت الحكومة لها من تبريرات، ولم يعد من المفيد التستر على هذا الواقع بعد أن وقعت الفأس في كل الرؤوس بسقوط بغداد، وسيبقى الواقع الأليم ومرآته يصفعنا بالحقيقة كلما نظرنا باتجاهه، وستبقى المرآة تخبرنا أن هذا التشظي ما هو إلا صدى لهشاشة البنية السياسية في المجتمع، وما هو إلا صورة الخوف النابع من الإقصاء القسري لقوى المعارضة عن الحياة السياسية، ودلالة على التأطير الشكلي لهذا المجتمع دون أي مضمون حقيقي يمكن الاعتماد عليه لمجابهة العواصف التي بدأت نذرها تلوح في الأفق السوري.

 

الإصلاح الحذر الذي يتكئ عليه النظام في توجهه نحو قوى المعارضة لم يعد صالحا مع سباق الزمن الذي تخوضه الحكومة لسد الذرائع في وجه القوة الأمريكية المسعورة، وبمقدار عدم كفاية الإصلاحات الخجولة التي قامت بها الحكومة السورية أمام الواقع الذي يتربص بها، بنفس هذا المقدار لن يجدي التذرع بوجود جمعية حقوقية سورية كشفت عن تعذيب سجناء سياسيين لحد الموت على يد أجهزة المخابرات أمام الواقع الذي يتنافى مع أبسط حقوق الإنسان، الوتر الذي يحلو للإدارة الأمريكية العزف عليه أمام المجتمع الدولي، وهو أنبوب الاختبار الصالح لاستيلاد المبررات وتشكيل الذرائع لتطبيق الإدارة الأمريكية لمخططاتها، المعدة مسبقا للمنطقة العربية برمتها، وحشرها في الشرق الأوسط الكبير، وهو المادة الدسمة للمتربصين بسوريا لحشرها في أضيق الزوايا.

 

بهذا التشظي والمواقف المائعة تكون سوريا قد أقامت ببيت القصب الذي استعاره العراق يوما ليقيه من حمم الفولاذ الأمريكي، فتحول (نخاع) القصب بين ليلة وضحاها لأسلحة دمار شامل تهدد الكيان الصهيوني والمجتمع الدولي بنظر الإدارة الأمريكية.

 

لم يكن الحال ليصل بأحفاد حمورابي للبحث بين سطور تلاميذ القانون عن خربشات لتكون دستورا للعراق، لولا تنكر صدام للتاريخ العربي الإسلامي، فحمولة الأجداد على ما فيها من عبر كانت أول ما ألقاه صدام عن ظهره، وكأن الألواح والمسلات التي زرعت بأرض العراق الخصب لم تثمر بعد أن حول النظام الأرض إلى جدب ماحق، حتى مقولاتهم ذهبت أدراج الرياح، فمقولة العراقي القديم ((فخصاص الكوخ لا يدرأ عني أو يقيني)) على ما فيه من عبرة لم تجد من الأحفاد آذانا صاغية.

 

وإستراتيجية عمر بن عبد العزيز التي حافظت على ديار الاسلام وحمت مواردها، والتي صاغها عند توجيهه لواليه على اليمن ولخصها بـ(( حصن ديارك بالعدل )) لم تستثر اهتمام صدام ولا اهتمام الدكتور بشار الأسد، رغم أن هذه الإستراتيجية هي الأمان الذي سيج ديار الإسلام ولازمها في نهضتها وحضارتها، وملاذ كل ذي قلب في أمنه وفزعه!!

 

حالة عدم الاتزان التي كشفت عنها هذه المواقف يفتح الباب على مصراعيه للسؤال عن صدق توجه الحكومة للإصلاحات، ولا شك أنه هذه الحالة تغري الإدارة الأمريكية لمزيد من الإملاءات المقرونة بالتهديد والوعيد، فالضعف دائما ما يغري القوة على مزيد من التنازلات للوصول إلى حالة الاستسلام الكامل.

 

العدل هو الهواء النقي للشعوب والحرية ميزان العدالة في المجتمع، ومن هنا انطلق النداء الحكيم لجماعة الإخوان للقيادة السورية للانفتاح على المعارضة والذي حمل عنوان ((النداء الوطني لإنقاذ سوريا ))، وهو بمثابة دعوة لحوار شامل بين الحكومة وكافة الأحزاب لمد جسور الثقة، والوقوف صفا واحدا بوجه التحديات التي تعصف بسوريا وطنا ونظاما على السواء.

 

هذه الدعوة التي تعبر عن وعي تام لما يحيط بسوريا جاءت بعد تراكم نضالي على ساحة المجتمع وجاءت بعد عض عن الجراح من أجل الوطن، هي الطريق المثلى لتسخير كافة الإمكانيات وتجنيدها لصالح الوطن والمواطن وبناء دولة ديمقراطية، ولم يعد هناك من مبرر أمام القيادة السورية لتمانع في السير بهذا التوجه بعد أن رحبت قوى المعارضة بكافة أطيافها بهذه الدعوة التي قادها الإخوان لرص الجبهة الداخلية وحمايتها من خطر التصدع والانهيار.

 

المصدر: مجلة العصر

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك