'اللاعنف' ليس مفهوماً إسلامياً ولا كافراً

'اللاعنف' ليس مفهوماً إسلامياً ولا كافراً

ياسر الزعاترة

بكل ثقة يقرر محمد أبو النمر ("الحياة" 24/8/2003) أن "هناك توافقاً تاماً بين أساليب اللاعنف والقيم والمعتقدات الإسلامية التي تأمر المؤمن بمقاومة الظلم والاضطهاد والسعي لتحقيق العدل وحماية حرمة الكرامة الإنسانية والاستعداد للتضحية بحياته في سبيل ذلك".

 

بعد ذلك يسوق الكاتب أمثلة عن "الأساليب اللاعنفية في التاريخ الإسلامي"، معتبراً أن "أفضل مثال هو ثلاثة عشر عاماً من النضال اللاعنفي والمقاومة التي خاضها الرسول محمد صلى الله عليه وسلم في مكة". أما المعارك الكثيرة التي خاضها المسلمون بعد ذلك فيفسرها بالقول إن الهدف منها لم يكن "نضالاً أو جهاداً لقتل أو تصفية الغير جسدياً، بل على العكس كان الهدف حماية الدين والسعي إلى تحقيق العدل، وحماية الأرواح البشرية وقبول الموت أو الشهادة في سبيل الله". وحتى لا يفهم من كلامه جواز العنف يذكّر بالأسلحة الحديثة وما تسببه "من دمار وخراب هائلين" ما يجعل استخدامها "يعارض التعاليم الإسلامية". هل يعني أن العودة الى السيف تجعل العنف مقبولاً؟!

 

يتضح في ضوء ذلك ما ينطوي عليه مقال الكاتب من تناقض في الطرح، فهو يميل ابتداء إلى الثلاثة عشر عاماً الأولى من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم لأنها "لا عنفية"، مع أن طالب الابتدائي يدرك أن ذلك لم يكن إيماناً بنظرية "اللاعنف" وإنما أملاً في قناعة قريش برسالته كنبي لم يأت لقتالهم بل لدعوتهم، ثم بعد ذلك لعدم القدرة على استخدام السيف لرد الأذى والظلم مع تجنب مخاطر الاستئصال. فاستخدام العنف يحتاج إلى العقل والمنطق، تماماً مثل استخدام الوسائل الأخرى. والحال أن أصحاب نظرية "اللاعنف الإسلامية" يجدون صعوبة في تفسير انحيازهم لمحمد عليه الصلاة والسلام في سنواته الثلاث عشرة الأولى ورفضهم له في السنوات التالية حيث السيف والمعارك، حتى وهي مفروضة بفعل العنف المقابل، لأن هذا هو حال المسلمين والناس أجمعين. فممارسة العنف ليست ترفاً وعشقاً لسفك الدماء بل دفاعاً عن الذات والحرمات أو لتحقيق أهداف مشروعة لا تتحقق إلا بتلك الوسيلة.

 

إن المنهج الإسلامي لا يقول بالعنف على الدوام كما لا يقول باللاعنف أيضاً، وإنما يضع السيف في مكانه والسلم في مكانه، لأن الأمر لا يستوي إذا "وضع السيف في موضع الندى"، كما لا يستوي العكس كما ذهب الشاعر.

 

ولأن قصة اللاعنف السائدة هذه الأيام لا تجد لها بوصلة غير فلسطين نجد السيد أبو النمر يتوجه نحو تلك الجبهة ليقدم مواعظ مكررة للفلسطينيين عن جدوى اللاعنف قياساً بما يسميها "التفجيرات الانتحارية". وبالطبع لا يقدم دليلاً على ذلك سوى قصة الوجه الإنساني للنضال الفلسطيني.

 

ونسأل السيد أبو النمر هنا، هل يرى أن فلسطين للفلسطينيين أم أن 22 في المئة منها فقط هي لهم فيما البقية لليهود، وهل يمكن للتظاهرات السلمية أن تخرج احتلالاً متجذراً كالاحتلال الاسرائيلي من كل فلسطين. ولماذا لم تنفع التظاهرات والحجارة في فعل شيء لهم في السابق، حتى على صعيد الأراضي المحتلة عام 1967؟!

 

إذا حدثنا السيد أبو النمر عن التعاطف سنرد عليه بأن حجم التعاطف الذي تمتع به الفلسطينيون في ظل انتفاضة الأقصى بعنفها المسلح وعملياتها الاستشهادية يبدو أكثر من ذلك الذي تمتعوا به خلال الانتفاضة الأولى. أما عدم الإنجاز فله أسبابه الأخرى التي لا صلة لها بالمسار، بل ربما بارتباكه وعدم وضوحه.

 

ثم لماذا يوضع العنف واللاعنف في حال تعارض دائم؟ ألا يمكن المضي في المسارين معاً؟ ثم إن القول باعتماد النضال على "مجموعات صغيرة مسلحة" ليس صحيحاً، فوراء تلك المجموعات يقف شعب كامل. والحال أن ليس في إمكان أي مجموعة أن تواصل معركتها لو لم تحظ بدعم الغالبية الساحقة من الشعب الذي يمدها بالمال والرجال والحماية.

 

لا ينسى الكاتب قصة التسلح معتبراً أن تسليح العرب لأنفسهم باسم تحرير فلسطين كان "كارثة"، ولا ندري أين يضع قوله تعالى (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم...)؟ ثم لا ندري كيف كان الحال لو استجاب العرب لدعوته وجعلوا إسرائيل الدولة المسلحة الوحيدة؟! مع أنه يدرك أن معظم صفقات الأسلحة، ولا سيما الأميركية منها كانت مفروضة على العرب لابتزاز أموالهم وليس لمحاربة الدولة العبرية. ثم ألا يحق لنا أن نسأله كيف خرج الإسرائيليون من جنوب لبنان، وهل كان في الإمكان إخراجهم بالتظاهرات المتواصلة ودق الطبول؟!

 

إننا في سياق قصة "اللاعنف الإسلامي" التي أورد ابو النمر أسماء بعض مروجيها لا نعثر على منطق مقبول، لسبب بسيط هو العجز عن مواجهة حشد هائل من الآيات والأحاديث فضلاً عن السيرة العملية للرسول عليه الصلاة والسلام والصحابة الكرام ومن جاء بعدهم. ولذلك نرى كثيراً من أولئك يلجؤون إلى عبارات وقصص من الكتب السماوية الأخرى حيناً، ومن فلاسفة غربيين أحياناً أخرى. كما يستندون إلى تجارب واقعية ويتجاهلون أخرى لأنها تخالف رأيهم.

 

خلاصة القول هي أن الاسلام يتعامل مع الواقع، فالسلاح قد يكون حلاً في سياق معين، فيما قد يكون كارثة في أخرى، وهو ما ينطبق على النضال اللاعنفي أيضاً. * ياسر الزعاترة : كاتب من الأردن

 

المصدر: جريدة الحياة 06/09/2003

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك