التبليغ وتفريخ العنف...الحرب على الإرهاب أم على الإسلام!؟!

التبليغ وتفريخ العنف...الحرب على الإرهاب أم على الإسلام!؟!

ياسر سعد

تحت عنوان جماعة إسلامية تشكل أرضا خصبة للإرهاب، نشرت "نيويوك تايمز" يوم الخميس 28-4-2005 تقريرا إخباريا كتبه الصحفي "جريك سميث" حول جماعة الدعوة والتبليغ ونشاطاتها الواسعة في أوربة. وحسب مسئولي مكافحة إرهاب أوربيين -لم يسمهم التقرير-، والذين يتابعون عن كثب نشاطات الجماعة فإن حالات إرهاب كثيرة قد خرجت من تحت عباءة الجماعة. غير أن المسئولين الأوربيين يقرون بعدم استطاعتهم اختراق الجماعة بشكل كاف ليثبتوا ضلوعها وبشكل مباشر بنشاطات إرهابية، غير أن بمقدورهم التأكيد القطعي بأن الجماعة تشكل أرضا خصبة للإرهاب، والعبارة الأخيرة نسبت لضابط استخبارات فرنسي كان قد تابع عدة حالات لمشتبه بهم في مسائل الإرهاب كانوا على صلة بجماعة التبليغ حسب زعمه. ويستشهد تقرير "نيويورك تايمز" بعدة أسماء لمشتبهين بقضايا إرهابية كانوا في فترة من الفترات من أعضاء الجماعة هم: زكريا الموسوي الموقوف في أمريكا على خلفية أحداث سبتمبر وهرفي لواسو وهو مسلم فرنسي شاب قتل في القصف الأمريكي لتورا بورا وجميل بغال الفرنسي من أصل جزائري، والذي كان منتميا لجماعة الدعوة والتبليغ منذ عقد مضى والذي اعترف بانتمائه للقاعدة —حسب الصحيفة- وأدانه القضاء الفرنسي لاشتراكه بالتخطيط للهجوم على السفارة الأمريكية.

 

ونقل التقرير عن "جيل كيبيل" صاحب كتاب "الحرب للسيطرة على العقول المسلمة" قوله: إن "جماعة الدعوة والتبليغ تعد أول حركة إسلامية في فرنسا وبقيّة أوربا وصولا وانتشارا، استهدفت الشباب الذي كان يعاني من عدم الاستقرار، وفقدان الهوية؛ وهو ما أدى إلى انغماسه في الشراب والمخدرات، واقتراف الجرائم البسيطة"، مشيراً إلى أن الحركة اقترحت على هؤلاء الشباب "إعادة تنظيم حياتهم".

 

تقرير "نيويورك تايمز" خطير للغاية وهو يرفع الكثير من علامات الاستفهام والتعجب. فمن المعروف والمتعارف عليه والمسلم به لدى المسلمين وغير المسلمين العاديين والمطلعين والمختصين بأن جماعة الدعوة والتبليغ بعيدة تماما عن الشؤون السياسية أو ما يسمى بالإسلام السياسي ومن باب أولى الفكر والخط الجهادي. فالجهاد والآيات والأحاديث الداعية إليه والدالة عليه تفسر وتؤول دائما عند التبليغيين على الهمة للخروج والدعوة للإسلام وأخلاقياته بأسلوب هادئ وسلمي للغاية. بل إن كثيرا من الناشطين المسلمين يأخذون على جماعة الدعوة والتبليغ سلبيتها وانعزالها في الشأن العام والمضمار السياسي. كما أن بعض الدول والأنظمة الدكتاتورية والعلمانية في العالم الإسلامي كانت تسمح بنشاطات جماعة الدعوة والتبليغ فيها على الرغم من أن تلك الدول كانت في وقت من الأوقات تخوض معارك طاحنة مع جماعات إسلامية أخرى.

 

لو قرأنا تصريحات المسئولين الأمنيين والاستخباريين الأوربيين بحسن نية فإننا نجد أنفسنا أمام تفسيرين: الأول أن الاستخبارات الغربية مخترقة من قبل جهات تعادي الإسلام أيدلوجيا وتسرب معلومات غير صحيحة، أو أن تلك الاستخبارات بكل إمكانياتها الكبيرة وميزانيتها الضخمة ومع كل جيوش العملاء والخبراء، فإنها تمتلك معلومات مغلوطة وغير دقيقة حول المسلمين في الغرب، وفي كلا الحالتين تصبح محاربة الإرهاب أمراً عشوائيا متخبطا يفتقد إلى بوصلة تجعله فعالا أو إلى مفاهيم واضحة تجعله فعلا عادلا ومنصفا ومحترما للقوانين المعلنة في الغرب فيما يتعلق بحرية التدين والتعبير.

 

أما إذا أردنا للتقرير أن يُقرأ متناسقا مع الأحداث المتلاحقة والتطورات العاصفة والتي يموج بها العالم الإسلامي وتمس المسلمين عالميا من مسألة منع الحجاب إلى الاحتلالات الأمريكية لأفغانستان والعراق إلى المراقبة اللصيقة للمساجد والمراكز الإسلامية في الغرب إلى الهجمة الشرسة على سيادة الدول العربية والتدخل في كل شؤونها الداخلية والإقليمية والدولية مصحوبة بالحملات الإعلامية والنفسية، والتي تريد من المسلمين وهم ضحايا الاحتلال والعنف وحملات الصدمة والترويع أن يدينوا أنفسهم ويحرمّوا على شعوبهم حقوقها البديهية والطبيعية في الدفاع المشروع عن بلادها ومقدراتها، إذا قرأنا التقرير من خلال ذلك فإننا يمكننا وبسهولة أن نخلص على أن الهجمة الشرسة والحرب المتواصلة لا تستهدف لا المتطرفين ولا الإرهابيين ولا المتشددين، إنها ببساطة ووضوح تستهدف الإسلام عقيدة وشريعة ومنهاجا. فكيف يرضى المنطق الغربي أن تتهم جماعة أو مسجد بأنه حاضن للإرهاب لمجرد أن إرهابيا مفترضا مر من خلال هذه الجامعة أو المؤسسة أو المسجد؟ هل يراجع العالم فتاوى الحاخامات في إسرائيل أو يتوقف عندها والتي تدعوا إلى إبادة الشعب الفلسطيني وتصف أبناء بأنهم من الثعابين والأفاعي وهو شعب يرزح تحت الاحتلال ويعاني من عنصريته البغيضة؟ وهل خطر على بال مراكز مكافحة الإرهاب والدراسات الإستراتيجية أن تدرس منشأ الدكتور الأمريكي غولدشتاين منفذ مجزرة الحرم الإبراهيمي في الخليل والمدارس التي درس فيها والجماعات التي نشأ في صفوفها، والتي قد تكون مسئولة عن تغذيته بالفكر الإرهابي الدموي المتطرف؟

 

جماعة الدعوة والتبليغ قد تكون مسئولة عن الإرهاب من الوجهة الغربية الاستخباراتية لأنها نجحت في إنقاذ بعض الشباب المسلم من الإدمان على المخدرات ونقلتهم من عالم الإجرام إلى عالم الاستقامة، فهل من كل من يساهم في دعوة المسلمين إلى الالتزام بالإسلام السمح في ما يتعلق بسلوكهم الشخصي متجنبين ما يعده الإسلام انحلالا وإباحية يكون مساهما ومشاركا في تهيئة أجواء الإرهاب والتطرف؟ هل المطلوب من المسلمين في الغرب حتى يدينوا الإرهاب —على الرغم من أن المسلمين عالميا هم ضحايا الإرهاب والاحتلال- أن يخلعوا الحجاب ويهجروا المساجد ويعاقروا الخمر ويأكلوا لحم الخنزير؟ فهل عاد الاستعمار وعادت معه الحروب الصليبية كما وصفها بوش وانبعثت من جديد محاكم التفتيش؟

 

إن الكثير من المسلمين في الغرب ومعهم بعض الجماعات الإسلامية مسئولون بشكل مباشر عما جرى ويجري للمسلمين من تطاول على مقدساتهم ونبيهم صلى الله عليه وسلم والتعامل معهم بدونية وانتقاص لحقوقهم. ذلك أن ثقافة الخوف ملكت نواصي القلوب وصار هم الكثيرين أن يرضى عنهم خصومهم وأن يسبغوا عليهم صفات الاعتدال. وما تعلموا من تجارب العراق وغيرها أن التنازلات تجر أكبر منها وأن الذي يتنازل لا يحظى بالتقدير بل بعكسه تماما ويفتح شهية الخصوم المتربصين إلى طلب المزيد. من هنا كان البكاء المرتفع على البابا الفاتيكان والدعاء له بالرحمة والمثوبة تشجيعا لخلفه على بدء موعظته بالاستهانة بالمسلمين، وهو يتحدث عن تركيا وربما كانت دعوة مفكر إسلامي عالمي لتجميد الحدود قد فسرت بأنها نجاح للحملات الإعلامية التي تستهدف الإسلام فكرا وممارسة وربما تشجع مراكز مكافحة الإرهاب على اعتبار المساجد بؤرا إرهابية، ولما لا والتقارير تشير على أن الإرهابيين يمارسون الصلاة أيضا. وهكذا قد تنتقل وتنمو دعوة التجميد لتشمل الإسلام بكل معانيه مهما اعتدلت تفاسيره وتطبيقاته.

 

المصدر: مجلة العصر

http://www.alwihdah.com/fikr/adab-hiwar/2010-04-26-1574.htm

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك