تداخل الحوار والصواب

تداخل الحوار والصواب

خالد الحسن

إلى الآن لم تنضج تيارات الإصلاح ولم تطور آليات للشراكة في الرأي وطلب الصواب، بل تعتمد أساسا مسلكا حواريا موصولا بما اشتهرت به "الممارسة التراثية" من شيوع "طريقة أهل المناظرة" والتي شملت جميع شعب ودوائر المعرفة الإسلامية، والأصل في هذه المنهجية الأخذ بمبدأ الاشتراك مع "الغير" في طلب الحق والصواب والعمل به.

 

وهذه ليست دعوة لإحياء أو بالأحرى استنساخ هذه الطريقة بتفاصيلها، وإنما هو إحياء لأصولها وقواعدها مع مراعاة: تجدد المعرفة العلمية والعملية، وخصوصية القضايا المعروضة للنظر والمحاورة. والمسلكية الحوارية آلية تعتمد منطق المشاركة في الرأي والنظر بالحجة والبيان طلبا للرأي السديد.

 

ذلك لأن الصواب لا يحتكر، كما أنه ليس بمقدور المتصدر للرأي وصناعة الموقف والتأثير –مهما علا قدره- أن يوفق للصواب منفردا في كل حين وآن، خاصة مع تعقيدات الأوضاع وتداخل الأحداث وتسارعها، وما ينطبق على الفرد ينطبق على المجموعة الواحدة –أو الجماعة والتنظيم والمؤسسة- التي ترى برأي واحد ويغلب عليها التماثل والتطابق، لأنه لا يعدو أن يكون حوارا داخليا مع "الأنا"، لكن ما نقصده بالمسلكية الحوارية أن نشرك "الغير" في الرأي والنظر طلبا للحق ووصولا إلى الصواب، وهذا "الغير" قد يأخذ شكل هيئات ومؤسسات استشارية أو أولو النظر والرأي والحكماء، من مختلف المدارس والتوجهات، إذ إن الآليات الاستهلاكية التي توسل بها تيار الإصلاح في الوطن العربي –على اختلاف مدارسه الفكرية والحركية- في صناعة الرأي وعملية التأثير، والفاقدة لأسباب الاشتراك والموغلة في النظر المجرد، غلب عليها الطابع الانتقائي أو التجزيئي أو"الفرداني" أو التجريدي.

 

والكثير ممن تصدى للنهضة والإصلاح انشغل بصناعة الفكرة والرأي وهذا مهم، لكن انصرف عن الاهتمام بالأداة المنتجة لهذه الأفكار وآليات بناء الرأي والوصول إلى الصواب.

 

والواقع أن البعض وإن أبدى اهتمامه وحرصه باعتماد المسلك الحواري، لكنه ما لبث أن وقع في التناقض عند الممارسة العملية، ومن هنا برز تعارض بين التصور النظري وبين المنهجية التي اعتمدها في تطبيقاته.

 

إن هناك تداخلا بين الحوار كقيمة وآلية وبين الصواب، ويتجلى هذا في الشراكة في طلب الصواب والرأي السديد.

 

ويمكن القول إن أكثر من تصدر للإصلاح وتحديات النهضة لم يلتفت إلى أهمية وحيوية ما اصطلح على تسميته الفيلسوف المغربي طه عبد الرحمن بـ"المفهوم الجماعي للصواب" الذي كان حاضرا بقوة في الممارسة التراثية في أوساط العلماء والنظار.

 

والمحاورة ليست فعلا ينفرد به الإنسان، بل تحصل بالمشاركة البناءة المثمرة مع الغير، والصواب الذي نوفق إليه لا يتأتى –غالبا- بالنظر المجرد والتأمل الفردي –وإن كنا أحيانا نوفق إلى الصواب والرأي السديد دون اعتماد مجال التداول ومسلك المشاركة والمحاورة، لكن أثره محدود مقارنة بالصواب الجماعي-، خاصة مع ما نعيشه في عالم اليوم من تداخلات وتناقضات وتعقيدات وتشعبات، إنه لا مناص من إحياء "طريقة أهل المناظرة" وإشاعة "المفهوم الجماعي للصواب".

 

ولعل واقع الحيرة والاضطراب الذي نشهده اليوم في أوساط الأمة وتيار الصحوة على وجه الخصوص في أكثر القضايا حضورا وتأثيرا، مرده –في بعض جوانبه- إلى غياب الاشتراك مع "الغير" في طلب الحق والظفر بالصواب والعمل به. وهذا لا يعني بحال من الأحوال الدعوة إلى وحدة الرأي، فهذا مما يتعذر تحقيقه ولم نطالب به أصلا، وإنما أن تُتداول الآراء، على اختلافها وتعددها وتراكمها، وتخضع للمحاورة والنظر الجماعي. يعني في الأخير أن يكون الرأي نتاجا لشراكة في التداول والنظر لا أن يصدر من جهد وعمل فردي مجرد، باعتبار أن هناك تداخلا، وليس تلازما، بين الصواب والمحاورة. وبهذا يمكننا، على الأقل، أن نخفف من حدة التضاربات وفوضى الأفكار وكذا مظاهر الحيرة والقلق والاضطراب.

 

المصدر: مجلة العصر

http://www.alwihdah.com/fikr/adab-hiwar/2010-04-26-1561.htm

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك