تحذير أهل الإيمان من التقارب بين الأديان
تحذير أهل الإيمان
من
التقارب بين الأديان
تأليف
ناصر بن أحمد السوهاجي
مقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون } [ آل عمران : 102]
{ يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً واتقوا الله الذي تسألون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً } [ النساء : 1]
{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً } [ الأحزاب : 69-70]
أما بعد :
فإن الله عز وجل أرسل رسوله محمداً بالهدى ودين الحق ليخرج الناس من الظلمات إلى النور ، أرسله بالحق بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً ، أرسله إلى جميع الثقلين الجن والإنس عربهم و عجمهم أميهم وكتابيهم ، ليخرجهم من جور الأديان إلى عدالة الإسلام الذي رضيه لنا دينا ، فأرسل به أفضل رسله وأنزل عليه خير كتبه ، ووعد من قام بأحكامه وحفظ حدوده أجراً عظيماً ، وذخر لمن وافاه به ثواباً جزيلاً ، و فرض علينا الانقياد له ، والتمسك بدعائمه وأركانه والاعتصام بعراه وأسبابه ، فهو الدين الذي رضيه لعباده ، وأرسل به رسله فبه اهتدى المهتدون ، وإليه دعا الأنبياء والمرسلون ، وحذر من إتباع سواه قال تعالى { أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السموات والأرض طوعاً وكرهاً وإليه يرجعون } [ آل عمران : 83 ] فالإسلام هو دين الله الذي لا يرضى من أحد سواه قال تعالى { إن الدين عند الله الإسلام }[آل عمران : 19 ] وقال { ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين }[ آل عمران : 85 ] وقال تعالى { اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا }[ المائدة : 3 ] وحكم سبحانه وتعالى عليه بأنه أحسن الأديان فقال تعالى { ومن أحسن ديناً ممن أسلم وجهه لله وهو محسن واتبع ملة إبراهيم حنيفاً واتخذ الله إبراهيم خليلاً }[النساء : 125 ] وجعله مهيمناً على الكتب السابقة قال تعالى { وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه من الكتاب ومهيمناً عليه }[ المائدة : 48 ] .
وبعد هذا البيان من الله عز وجل من أن دين الإسلام هو الدين الذي ارتضاه لعباده ، وهو أحسن الأديان وهو المهيمن عليها ، يوجد للأسف الشديد من يدعو إلى التقارب بين الأديان المنسوخة من اليهودية والنصرانية التي قد حرفت من قبل الأحبار والقساوسة ، وخالفوا شريعة الله التي أرسلها إلى موسى وعيسى عليهما وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام ، إن من يدعو إلى التقارب بين الأديان لا عقل له ولا دين ، وإنما أضله الشيطان فأوقعه في هذه المهلكة العظيمة ، كيف يدعو من له أدنى عقل إلى التقارب بين الأديان بين الإسلام واليهود الذين سبوا الله عز و جل ، فقالوا يد الله مغلولة تعالى الله عن قولهم علواً كبيراً ، وقالوا عزير ابن الله وقتلوا الأنبياء وخالفوا أوامر الله كما قال تعالى عنهم { وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء وليزيدن كثيراً منهم ما أنزل من ربك طغياناً وكفراً وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة }[ المائدة : 64 ] وقال تعالى عنهم { وقالت اليهود عزير ابن الله }[ التوبة :30 ] وقال عنهم {لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء سنكتب ما قالوا وقتلهم الأنبياء بغير حق ونقول ذوقوا عذاب الحريق ذلك بما قدمت أيديكم وأن الله ليس بظلام للعبيد }[ آل عمران : 181-182 ] .
وكيف يكون تقارب بين الإسلام والنصرانية الضالة المحرفة المشبهة الذين أسسوا دينهم على عبادة الصلبان والصور في السقوف والحيطان فوصفوا الله عز وجل بما أوحاه لهم الشيطان وادعاه لهم القساوسة والرهبان .
قال ابن القيم رحمه الله تعالى حاكياً عقيدتهم :
" أن رب العالمين نزل عن كرسي عظمته فالتحم ببطن أنثى ، وأقام هناك مدة من الزمان بين دم الطمث في ظلمات الأحشاء تحت ملتقى الأعكان ، ثم خرج صبياً رضيعاً يشب شيئاً فشيئاً ويبكي ويأكل ويشرب ويبول وينام ويتقلب مع الصبيان ، ثم أودع في المكتب بين صبيان اليهود يتعلم ما ينبغي للإنسان ، هذا وقد قطعت منه القلفة حين الختان ، ثم جعل اليهود يطردونه ويشردونه من مكان إلى مكان ، ثم قبضوا عليه وأحلوه أصناف الذل والهوان ، فعقدوا على رأسه من الشوك تاجاً من أقبح التيجان ، وأركبوه قصبة ليس لها لجام ولا عنان ، ثم ساقوه إلى خشبة الصلب مصفوعاً مبصوقاً في وجهه وهم خلفه وأمامه وعن شمائله وعن الأيمان ،ثم أركبوه ذلك المركب الذي تقشعر منه القلوب مع الأبدان ، ثم شدت بالحبال يداه ومع الرجلان ، ثم خالطهما تلك المسامير التي تكسر العظام وتمزق اللُّحمان وهو يستغيث : يا قوم ارحموني فلا يرحمه منهم إنسان هذا وهو مدبر العالم العلوي والسفلي الذي يسأله من في السموات والأرض كل يوم هو في شأن ، ثم مات ودفن في التراب تحت صم الجنادل والصوان ، ثم قام من القبر وصعد إلى عرشه وملكه بعد أن كان ما كان "( ) .
فكيف يكون تقارب بين من هذه عقيدته في الله عز وجل تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً ، إن هذه العقيدة يعرف بطلانها أجهل الجهال لكن لما أطاعوا الشيطان وأتباعه من القساوسة والرهبان وعبدوا الله على جهل به وافقوهم على هذا الهذيان ، واعتقدوا في عيسى عليه السلام أنه رب العرش أو ابنه أو ثالث ثلاثة من أمثال هذا الهذيان الذي وقعوا فيه وحرفه لهم ملوكهم والبطارقة ممن له فيهم سلطان إن هذه العقيدة لا تتوافق مع القرآن الذي هو أشرف كتاب أنزله الله على أفضل رسول أرسله إلى العباد الذي أعطى عيسى عليه السلام حقه الذي وضعه الله فيه فقال هو عبد الله ورسوله ورد على هؤلاء الضلال فبين تحريفهم في كتابهم وأنهم من أتباع الشيطان .
إن من المؤسف حقاً أن ينادي بالتقارب بين الأديان من هو من أبناء المسلمين ممن غلب عليه الهوى وأطاع الشيطان فيكون من الدعاة على أبواب جهنم كما أخبرنا بهم الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم كما في حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه : كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير ، وكنت أسأله عن الشر ، مخافة أن يدركني ، فقلت : (( يا رسول الله ! إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير فهل بعد هذا الخير من شر ؟ قال : نعم فقلت : هل بعد ذلك الشر من خير ؟ قال : نعم وفيه دخن قلت : وما دخنه ؟ قال : قوم يستنون بغير سنتي ويهدون بغير هديي . تعرف منهم وتنكر . فقلت : هل بعد ذلك الخير من شر ؟ قال : نعم . دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها فقلت : يا رسول الله ! صفهم لنا . قال : نعم قوم من جلدتنا ، ويتكلمون بألسنتنا قلت : يا رسول الله ! فما ترى إن أدركني ذلك ؟ قال : تلزم جماعة المسلمين وإمامهم . فقلت : فإن لم تكن لهم جماعة ولا إمام ؟ قال : فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض على أصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك )) . ( )
إن الذي يدعو إلى هذه العقيدة الفاسدة إلى التقارب بين الأديان إنما يريد أن يمحو دين الإسلام وأن يجعل الناس في هذه الأديان سواء ، و هذا لا شك أنه ضلال مبين وصاحبه على خطر عظيم ، وأن من اعتقد هذا القول فإنه كافر يستتاب فإن تاب وإلا قتل مرتداً لأنه مخالف للكتاب فإن اليهود والنصارى لو عبدوا الله بالتوراة والإنجيل اللذين لم يحرفا ليل نهار ولم يؤمنوا برسالة محمد صلى الله عليه وسلم ولم يتبعوه لكانوا كفاراً لأن الله لا يقبل إلا الإسلام ديناً فكيف وهم قد حرفوا هذه الكتب وأدخلوا فيها ما لم يشرعه الله عز وجل وافتروا على الله الكذب واتبعوا سبل الشيطان إن الدعوة إلى التقارب بين الأديان دعوة منافية للتوحيد فالتوحيد الذي دعت إليه الرسل هو إفراد العبادة لله وحده لا شريك له ، واليهود والنصارى قد أشركوا مع الله غيره فاليهود أشركوا معه عزيراً حيث قالوا هو ابن الله ، والنصارى أشركوا معه عيسى وقالوا هو ابن الله أو هو الله أو هو ثالث ثلاثة وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الناس يوم القيامة يمثل لكل قوم ما كانوا يعبدون فيتبعونه فيما روى أبو سعيد الخدري قال : قلنا : يا رسول الله ، هل نرى ربنا يوم القيامة ؟ قال : ( هل تضارون في رؤية الشمس والقمر إذا كانت صحواً ) . قلنا : لا ، قال : ( فإنكم لا تضارون في رؤية ربكم يومئذ إلا كما تضارون في رؤيتهما ) . ثم قال : ( ينادي مناد : ليذهب كل قوم إلى ما كانوا يعبدون ، فيذهب أصحاب الصليب مع صليبهم ، وأصحاب الأوثان مع أوثانهم ، وأصحاب كل آلهة مع آلهتهم ، حتى يبقى من كان يعبد الله ، من بر أو فاجر ، وغبرات من أهل الكتاب ، ثم يؤتى بجهنم تعرض كأنها سراب ، فيقال لليهود : ما كنتم تعبدون ؟ قالوا: كنا نعبد عزيراً ابن الله ، فيقال : كذبتم ، لم يكن لله صاحبة ولا ولد ، فما تريدون ؟ قالوا : نريد أن تسقينا ، فيقال : اشربوا ، فيتساقطون في جهنم . ثم يقال للنصارى : ما كنتم تعبدون ؟ فيقولون : كنا نعبد المسيح ابن الله ، فيقال : كذبتم ، لم يكن لله صاحبة ولا ولد ، فما تريدون ؟ فيقولون : نريد أن تسقينا ، فيقال : اشربوا ، فيتساقطون ، حتى يبقى من كان يعبد الله ، من بر أو فاجر ، فيقال لهم : ما يحبسكم وقد ذهب الناس ؟ فيقولون : فارقناهم ونحن أحوج منا إليه اليوم ، وإنا سمعنا منادياً ينادي : ليلحق كل قوم بما كانوا يعبدون ، وإنما ننتظر ربنا ، قال : فيأتيهم الجبار في صورة غير صورته التي رأوه فيها أول مرة ، فيقول : أنا ربكم ، فيقولون : أنت ربنا ، فلا يكلمه إلا الأنبياء ، فيقول : هل بينكم وبينه آية تعرفونه ، فيقولون : الساق ، فيكشف عن ساقه ، فيسجد له كل مؤمن ، ويبقى من كان يسجد لله رياء وسمعة ، فيذهب كيما يسجد فيعود ظهره طبقاً واحداً ، ثم يؤتى بالجسر فيجعل بين ظهري جهنم ) . قلنا : يا رسول الله ، وما الجسر ؟ قال : ( مدحضة مزلة ، عليه خطاطيف وكلاليب ، وحسكة مفلطحة لها شوكة عقيفة تكون بنجد يقال لها : السعدان المؤمن عليها كالطرف وكالبرق وكالريح وكأجاويد الخيل والركاب فناج مسلم وناج مخدوش ومكدوس في نار جهنم ، حتى يمر آخرهم يسحب سحباً فما أنتم بأشد لي مناشدة في الحق قد تبين لكم من المؤمن يومئذ للجبار وإذا رأوا أنهم قد نجوا في إخوانهم يقولون ربنا إخواننا كانوا يصلون معنا ويصومون معنا ،ويعملون معنا ، فيقول الله تعالى : اذهبوا فمن وجدتم في قلبه مثقال دينار من إيمان فأخرجوه …….)) الحديث ( ) .
فأنظر كيف أثبت هذا الخبر أن ما يفعله اليهود والنصارى من عبادة عزير وعيسى بن مريم عبادة باطلة مفضية إلى النار وبئس المصير ، فلو كان ما يفعلونه صحيحاً لما كان هذا مصيرهم وإنما فعل بهم هذا لأنهم خالفوا نصوص كتبهم التي أنزلها الله على أنبيائهم ، فالله عز وجل قد أخذ الميثاق على الأنبياء أن يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم وأن ينصروه قال تعالى { وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما ءاتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين فمن تولى بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون }[ آل عمران : 81-82 ] .
قال الشيخ ابن سعدي رحمه الله :
" هذا إخبار منه تعالى أنه أخذ عهد النبيين وميثاقهم كلهم بسبب ما أعطاهم ومنَّ به عليهم من الكتاب والحكمة المقتضي للقيام التام بحق الله وتوفيته أنه إن جاءهم رسول مصدق لما معهم بما بعثوا به من التوحيد والحق والقسط والأصول التي اتفقت عليها الشرائع أنهم يؤمنون به ، وينصرونه فأقروا على ذلك واعترفوا والتزموا وأشهدهم وشهد عليهم وتوعد من خالف هذا الميثاق ، وهذا أمر عام بين الأنبياء أن جميعهم طريقهم واحد ، وأن دعوة كل واحد منهم قد اتفقوا وتعاهدوا عليها وعموم ذلك أنه أخذ على جميعهم الميثاق بالإيمان والنصرة لمحمد صلى الله عليه وسلم فمن ادعى أنه من أتباعهم فهذا دينهم الذي أخذه الله عليهم وأقروا به واعترفوا فمن تولى عن اتباع محمد ممن يزعم أنه من أتباعهم فإنه فاسق خارج عن طاعة الله مكذب للرسول الذي يزعم أنه من أتباعه مخالف لطريقه ، وفي هذا إقامة الحجة والبرهان على كل من لم يؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم من أهل الكتب والأديان ، وأنه لا يمكنهم الإيمان برسلهم الذين يزعمون أنهم أتباعهم حتى يؤمنوا بإمامهم وخاتمهم صلى الله عليه وسلم " . ( )
فكيف يكون تقارب بين الإسلام واليهود الذين لا يرقبون في مؤمن إلاً ولا ذمة وهم أهل الغدر والخيانة الذين يرون أنفسهم أنهم شعب الله المختار وأن الله اصطفاهم على الخلق وأنهم أحباء الله وهم كذبة في ذلك وقد كذبهم الله عز وجل ورد على مفترياتهم قال تعالى { وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه قل فلم يعذبكم بذنوبكم بل أنتم بشر ممن خلق يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء ولله ملك السموات والأرض وما بينهما وإليه المصير }[المائدة : 18 ] .
وكيف يكون تقارب بين الإسلام والنصرانية الضالة التي تتعبد لله عز وجل بفعل النجاسات ، وأكل لحم الخنزير وشرب الخمور واستباحة كل خبيث ، وتحليل ما حلله القساوسة والرهبان وتحريم ما حرموه ، وأنهم يغفرون لهم الذنوب من دون الله عز وجل ، كيف يكون تقارب بين الإسلام في صفائه وعدله ورحمته وتشريعه الكامل ، وبين ضلال النصارى إن من يقول بالتقريب بين الأديان لا عقل له ولا دين يردعه ، وإنما يريد من ذلك مسخ الهوية الإسلامية وإخراج الناس من النور إلى الظلمات من نور التوحيد إلى ظلمات الشرك الذي وقع فيه اليهود والنصارى من صفاء الإسلام إلى حقد وبغض اليهود والنصارى إن التاريخ خير شاهد على ما يكنه اليهود والنصارى من الحقد والحسد فهم لا يتركون فرصة للإنتقام من الإسلام في أي وقت من زمن النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا ولعلنا نتعرض لبعض ما فعله اليهود والنصارى من المكائد في الإسلام ، وقد دفعني إلى أن أكتب هذه الكلمات في الرد على من يقول بالتقارب بين الأديان ما فيه من خطر عظيم على الإسلام والمسلمين ، ولأن بعض من ينتسب إلى الإسلام قد قال بهذه المقالة الخطيرة ، وقد صدرت فتاوى من العلماء بكفر من يعتقد هذا القول لأنه مخالف لكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحببت أن أنقل هذه الفتاوى مع شيء من عقائد اليهود والنصارى وما يكنه كل منهما للإسلام وأهله من حقد على أن يكون في رسالة مختصرة لكي يسهل تداولها بين الناس وقد جعلت هذا الرد في فصول :
أولاً : أن دين الأنبياء واحد .
ثانياً : بيان كفر اليهود وتحريفهم وكتمانهم .
ثالثاً : بيان كفر النصارى وتحريفهم وكتمانهم .
رابعاً : مكائد اليهود والنصارى في الإسلام واعتراف قادتهم بخطر الإسلام عليهم .
خامساً : بيان أن الإسلام نسخ جميع الشرائع التي قبله .
سادساً : فتاوى العلماء في تكفير من يعتقد التقارب بين الأديان .
وأسأل الله عز وجل أن ينفع به قارئه وكاتبه وأن أكون قد وفقت في هذه العجالة وأن أكون قد أديت النصيحة لجميع المسلمين لكي يحذروا من مخططات أعدائهم الذين لا يألون جهداً في إضلال المسلمين ، وصرفهم عن عقيدتهم الصافية ودينهم الذي اختاره الله لهم ورضيه لهم وأمرهم بالتمسك به ، والدعوة إليه ليخرجوا الناس من الظلمات إلى النور ، وليحذر أهل الإسلام من دعاة الضلالة من أبناء جلدتنا الذين يتكلمون بألسنتنا فهم أشد خطراً وتأثيراً في الأمة من غيرهم لأن العدو إذا جاء من الخارج يكون الإنسان أشد حذراً منه أما إذا جاء العدو من الداخل فإنه لا يحذر منه كثيراً لأنه لا يتنبه له إلا من يعرفه ، فالله أسأل أن يوفقني وإخواني المسلمين للتمسك بالعقيدة الصحيحة والحذر من أعداء الله حيث كانوا ، وأن يجعل عملي هذا خالصاً لوجهه إنه جواد كريم وصلى الله وسلم على خاتم رسله محمد وعلى آله وصحبه .
كتبه
أبو عبد الله ناصر بن أحمد بن عبد النعيم السوهاجي
الفصل الأول
بيان أن دين الأنبياء واحد وهو الإسلام
اعلم رحمك الله أن دين الأنبياء جميعاً وإن اختلفت شرائعهم هو الإسلام فالله عز وجل ارتضاه لنفسه وبعث به رسله فجعله دين الأولين والآخرين من عباده من أول نبي الله آدم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام إلى أفضل رسله وإمامهم وقائدهم محمد صلى الله عليه وسلم وقد بين الله سبحانه في كتابه أن دين الإسلام دين الأنبياء جميعاً وأتباعهم كما أخبر بذلك :
أولاً : عن عبده ورسوله نوح عليه السلام فقال تعالى { واتل عليهم نبأ نوحٍ إذ قال لقومه يا قوم إن كان كبر عليكم مقامي وتذكيري بآيات الله فعلى الله توكلت فأجمعوا أمركم وشركاءكم ثم لا يكن أمركم عليكم غمة ثم اقضوا إليّ ولا تنظرون فإن توليتم فما سألتكم من أجر إن أجري إلا على الله وأمرت أن أكون من المسلمين } [يونس : 71-72 ] .
فبين نوح عليه السلام أن الله أمره أن يكون من المسلمين وأنه ممتثل أمر ربه وأنه أول داخل فيه .
ثانياً : خليل الرحمن إبراهيم عليه الصلاة والسلام قال الله تعالى عنه { ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه ولقد اصطفيناه في الدنيا وإنه في الأخرة لمن الصالحين إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون } [البقرة : 130-133 ] .
فهذا إبراهيم ويعقوب عليهما الصلاة والسلام يوصي كل واحد منهما بالإسلام ويوضح أن الله اصطفى لهم الدين واختاره لهم لأن الله رضيه لنفسه ولعباده .
ثالثاً : الصديق يوسف عليه السلام قال الله تعالى عنه { رب قد أتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطر السموات والأرض أنت ولىّ في الدنيا والأخرة توفني مسلماً وألحقني بالصالحين }[ يوسف : 101 ] .
قال ابن كثير رحمه الله :
" هذا دعاء من يوسف الصديق دعا به ربه عز وجل لما تمت نعمة الله عليه باجتماعه بأبويه و إخوته وما من الله به عليه من النبوة والملك ، سأل ربه عز وجل كما أتم نعمته عليه في الدنيا أن يستمر بها عليه في الآخرة ، وأن يتوفاه مسلماً حين يتوفاه ، قال الضحاك : وأن يلحقه بالصالحين وهم إخوته من النبيين والمرسلين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين " ( ).
رابعاً : موسى عليه السلام قال الله تعالى عنه { يا قوم إن كنتم أمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين }[ يونس : 84 ].
فهذا موسى عليه السلام يوصي قومه ويذكرهم بأن يتوكلوا على الله إن كانوا مسلمين .
خامساً : سحرة فرعون قال الله عنهم { ربنا أفرغ علينا صبراً وتوفنا مسلمين }[الأعراف :126 ].
فهؤلاء سحرة فرعون بعد أن تبين لهم الحق لم يبالوا بما هددهم به فرعون من العذاب والتنكيل فدعو الله أن يغفر لهم ذنوبهم وأن يعمهم بالصبر والثبات وأن يتوفهم مسلمين فكانوا في أول النهار سحرة كفار بالله يعبدون فرعون من دون الله ثم صاروا في آخر النهار شهداء عند الله يرزقون فجمعوا بدعائهم هذا بين كمال الإيمان والإسلام .
قال ابن كثير رحمه الله تعالى :
" فكانوا في أول النهار سحرة فصاروا في آخره شهداء بررة ، قال ابن عباس وعبيد بن عمير وقتادة وابن جريج كانوا في أول النهار سحرة وفي آخره شهداء " ( ).
سادساً : أنبياء بني إسرائيل قال الله تعالى { إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء } [ المائدة : 44 ].
سابعاً : بلقيس ملكة سبأ قال الله تعالى عنها {رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين } [ النمل : 44 ] .
فهذه ملكة سبأ لما رأت ما منّ الله به على نبيه سليمان عليه السلام وعلمت نبوته ورسالته قالت أسلمت مع سليمان أي في عبادته لله وحده لا شريك له .
ثامناً : عيسى عليه السلام قال الله تعالى عنه { فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله أمنا بالله وأشهد بأنا مسلمون }[ آل عمران : 52 ] .
قال ابن جرير رحمه الله :
" وهذا خبر من الله عز وجل أن الإسلام دينه الذي ابتعث به عيسى والأنبياء قبله لا النصرانية ولا اليهودية ، وتبرئة من الله لعيسى ممن انتحل النصرانية ودان بها كما برأ إبراهيم من سائر الأديان غير الإسلام ، وذلك احتجاج من الله تعالى ذكره لنبيه صلى الله عليه وسلم على وفد نجران " ( ) .
وقال تعالى { وإذ أوحيت إلى الحواريين أن أمنوا بي وبرسولي قالوا ءامنا واشهد بأننا مسلمون }[المائدة : 111 ] .
فبين سبحانه أنه ألهم الحواريين الإيمان به وبرسوله وأوحى إليهم على لسان عيسى بأن ينقادوا لله عز وجل فكانت إجابتهم أنهم قالوا آمنا واشهد بأننا مسلمون فجمعوا بين الإسلام والإيمان .
تاسعاً : محمد صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى { إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرّمها وله كل شيء وأمرت أن أكون من المسلمين }[ النمل : 91 ] .
فأمر الله سبحانه وتعالى نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم أن يعبد رب هذه البلدة وهي مكة وأن يقول للمشركين إنما أمرني ربي بالإسلام وأنا أبادر إليه لأنه هو دين الله الذي ارتضاه لعباده .
وقال تعالى { إن الدين عند الله الإسلام وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغياً بينهم ومن يكفر بآيات الله فإن الله سريع الحساب فإن حاجوك فقل أسلمت وجهي لله ومن اتبعنِ وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلاغ والله بصير بالعباد }[ آل عمران : 19-20 ] وقال عز وجل {قولوا ءامنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون فإن آمنوا بمثل ما أمنتم به فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما هم في شقاق فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم }[ البقرة : 136-137 ]
وقد بيّن النبي صلى الله عليه وسلم أن دين الأنبياء واحد وإن كان لكل واحد منهم شرعة ومنهاج في حديث أبي هريرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذكر أحاديث منها: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( أنا أولى الناس بعيسى ابن مريم، في الأولى والآخرة)). قالوا: كيف؟ يا رسول الله : قال: ((الأنبياء إخوة من علات، وأمهاتهم شتى، ودينهم واحد، وليس بيننا نبي )) ( ).
وعند الإمام أحمد في المسند عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : (( الأنبياء إخوة لعلات دينهم واحد و أمهاتهم شتى و أنا أولى الناس بعيسى ابن مريم لأنه لم يكن بيني و بينه نبي و أنه نازل فإذا رأيتموه فاعرفوه فإنه رجل مربوع إلى الحمرة و البياض سبط كأن رأسه يقطر و إن لم يصبه بلل بين ممصرتين فيكسر الصليب و يقتل الخنزير و يضع الجزية و يعطل الملل حتى يهلك الله في زمانه الملل كلها غير الإسلام و يهلك الله في زمانه المسيح الدجال الكذاب و تقع الأمنة في الأرض حتى ترتع الإبل مع الأسد جميعاً ، و النمور مع البقر ، و الذئاب مع الغنم ، و يلعب الصبيان بالحيات لا يضر بعضهم بعضاً ، فيمكث ما شاء الله أن يمكث ثم يتوفى ، فيصلي عليه المسلمون و يدفنونه )) ( ).
قال النووي رحمه الله تعالى :
" قال العلماء : أولاد العلات بفتح العين المهملة وتشديد اللام هم الأخوة لأب من أمهات شتى وأما الأخوة من الأبوين فيقال لهم أولاد الأعيان قال جمهور العلماء معنى الحديث : أصل إيمانهم واحد وشرائعهم مختلفة فإنهم متفقون في أصول التوحيد وأما فروع الشرائع فوقع فيها الاختلاف " ( ) .
فدين الأنبياء واحد ، وإن كان لكل نبي شرعةٌ ومنهاج إلا أنهم متفقون على إخلاص العبادة لله وحده لا شريك له ، وهو عام في كل زمان ومكان ، فمن لم يسلم لله عز وجل واستكبر عن عبادته كان ممن قال الله فيه { إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين }[غافر : 60 ] لأن الله عز وجل قد أخذ الميثاق على الأنبياء جميعاً وعلى أممهم أن يؤمنوا بالرسول صلى الله عليه وسلم لأن رسالته عامة إلى الثقلين الإنس والجن وهو خاتم الرسل عليهم الصلاة والسلام وقد أتى بالحنيفية السمحة كما صح عنه صلى الله عليه وسلم ، فمن لم يتبعه لم يكن على دين الله الذي رضيه لعباده ولم يكن مؤمناً بأحد من أنبياء الله ورسله لأنهم أمة واحدة ودينهم واحد ، فمن كفر بواحد منهم كان كافراً بجميعهم قال تعالى { يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحاً إني بما تعملون عليم وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون }[المؤمنون : 51-52 ] وقال تعالى { إن هذه أمتكم أمةً واحدة وأنا ربكم فاعبدون }[ الأنبياء : 92 ] فبين أنهم أمة واحدة ودينهم واحد وإن اختلفت شرائعهم قال تعالى { شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه }[الشورى : 13 ]فبين سبحانه وتعالى أن دين هؤلاء الرسل جميعاً واحد وهو عبادة الله وحده لا شريك له فهو الدين الذي شرعه لرسله الأخيار المذكورين في الآية وهم صفوة الصفوة أولوا العزم من الرسل فلو كان ديناً آخر خير منه لما شرع الله لهم هذا الدين الكامل الذي به سعادة الدنيا والآخرة .
الفصل الثاني
في بيان كفر اليهود وتحريفهم وكتمانهم للتوراة
أولاً : كفر اليهود
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :
" أما كون اليهود ظالمين كافرين معتدين مستحقين لعذاب الله وعقابه فهذا معلوم بالاضطرار من دين محمد صلى الله عليه وسلم منقول بالتواتر كما علم بالاضطرار والنقل المتواتر عنه صلى الله عليه وسلم أن النصارى أيضاً ظالمون معتدون كافرون مستحقون لعذاب الله وعقابه ، وفي اليهود من الكفر ما ليس في النصارى ، وفي النصارى ما ليس في اليهود ، فإن اليهود بدلوا شريعة التوراة قبل أن يأتيهم المسيح ابن مريم فلما أتاهم كفروا به وكذبوه فلما بعث محمد صلى الله عليه وسلم كذبوه فباءوا بغضب على غضب كما قال تعالى عنهم { أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالأخرة فلا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينصرون ولقد ءاتينا موسى الكتاب وقفينا من بعده بالرسل وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقاً كذبتم وفريقاً تقتلون وقالوا قلوبنا غلف بل لعنهم الله بكفرهم فقليلاً ما يؤمنون ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل الله بغياً أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده فباءو بغضب على غضب وللكافرين عذاب مهين وإذا قيل لهم ءامنوا بما أنزل الله قالوا نؤمن بما أنزل علينا ويكفرون بما وراءه وهو الحق مصدقاً لما معهم قل فلم تقتلون أنبياء الله من قبل إن كنتم مؤمنين ولقد جاءكم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما أتينكم بقوة واسمعوا قالوا سمعنا وعصينا وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم قل بئسما يأمركم به إيمانكم إن كنتم مؤمنين }( ) فغضب عليهم أولاً بتكذيب المسيح وثانياً بتكذيب محمد صلى الله عليه وسلم و قال تعالى {ضربت عليهم الذلة أين ما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس وباءو بغضب من الله وضربت عليهم المسكنة ذلك بأنهم كانوا يكفرون بأيات الله ويقتلون الأنبياء بغير حق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون }( ) .
وقال تعالى : { لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون } ( ) .
وقال تعالى : { قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبةً عند الله من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت }( ) .
فتبين أن اليهود لعنهم الله وأنهم عبدوا الطاغوت وأنه جعل منهم القردة والخنازير ومثل هذا في القرآن كثير " ( ) .
ومما يدل على كفرهم قولهم على الله إنه فقير وهم أغنياء تعالى الله عن قولهم علواً كبيراً ، وهم الذين قتلوا الأنبياء وافتروا على الله الكذب قال تعالى { لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء سنكتب ما قالوا وقتلهم الأنبياء بغير حق ونقول ذوقوا عذاب الحريق ذلك بما قدمت أيديكم وأن الله ليس بظلام للعبيد الذين قالوا إن الله عهد إلينا ألا نؤمن لرسول حتى يأتينا بقربان تأكله النار قل قد جاءكم رسل من قبلي بالبينات وبالذي قلتم فلم قتلتموهم إن كنتم صادقين }[ آل عمران : 181-183 ] .
ومما يدل على كفرهم وصفهم لله بأنه بخيل تعالى الله عن قولهم علواً كبيراً قال تعالى { وقالت اليهود يد الله مغلولة غُلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء وليزيدن كثيراً منهم ما أنزل إليك من ربك طغياناً وكفراً وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة كلما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله ويسعون في الأرض فساداً والله لا يحب المفسدين }[ المائدة : 64 ] .
ومما يدل على كفرهم أيضاً قوله تعالى { ورفعنا فوقهم الطور بميثاقهم وقلنا لهم ادخلوا الباب سجداً وقلنا لهم لا تعدوا في السبت وأخذنا منهم ميثاقاً غليظاً فبما نقضهم ميثاقهم وكفرهم بآيات الله وقتلهم الأنبياء بغير حق وقولهم قلوبنا غلف بل طبع الله عليها بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا وبكفرهم وقولهم على مريم بهتاناً عظيماً وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه مالهم به من علم إلا اتباع الظن وما قتلوه يقينا بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزاً حكيماً }[ النساء : 154-158 ] .
ومما يدل على كفرهم أيضاَ قوله تعالى {فلما جاءهم الحق من عندنا قالوا لولا أوتي مثل ما أوتي موسى أولم يكفروا بما أوتي موسى من قبل قالوا سِحران تظاهرا وقالوا إنا بكل كافرون قل فأتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما أتبعه إن كنتم صادقين }[ القصص : 48-49 ] .
ومما يدل على كفرهم أيضاً قوله تعالى {وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء وهم يتلون الكتاب كذلك قال الذين لا يعلمون مثل قولهم فالله يحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون }[ البقرة : 113 ] .
قال ابن جرير رحمه الله تعالى في تفسير هذه الآية :ذكر أن هذه الآية نزلت في قوم من أهل الكتابين، تنازعوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال بعضهم لبعض هذا ، وروى عن ابن عباس قال: لما قدم أهل نجران من النصارى على رسول الله صلى الله عليه وسلم، أتتهم أحبار يهود، فتنازعوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رافع بن حريملة: ما أنتم على شيء! وكفر بعيسى ابن مريم وبالإنجيل. فقال رجل من أهل نجران من النصارى: ما أنتم على شيء! وجحد نبوة موسى وكفر بالتوراة، فأنزل الله عز وجل في ذلك من قولهما: "وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء" إلى قوله "فيما كانوا فيه يختلفون ".
قال أبو جعفر: وأما تأويل الآية فإنه: قالت اليهود: ليست النصارى في دينها على صواب وقالت النصارى: ليست اليهود في دينها على صواب! وإنما أخبر الله عنهم بقيلهم ذلك للمؤمنين، إعلامًا منه لهم بتضييع كل فريق منهم حكم الكتاب الذي يظهر الإقرار بصحته، وأنه من عند الله، وجحودهم مع ذلك ما أنزل الله فيه من فروضه. لأن الإنجيل الذي تدين بصحته وحقيته النصارى، يحقق ما في التوراة من نبوة موسى عليه السلام، وما فرض الله على بني إسرائيل فيها من الفرائض، وأن التوراة التي تدين بصحتها وحقيتها اليهود، تحقق نبوة عيسى عليه السلام، وما جاء به من عند الله من الأحكام والفرائض.
ثم قال كل فريق منهم للفريق الآخر ما أخبر الله عنهم في قوله: "وقالت اليهود ليست النصارى على شيء، وقالت النصارى ليست اليهود على شيء"، مع تلاوة كل واحد من الفريقين كتابه الذي يشهد على كذبه في قيله ذلك. فأخبر جل ثناؤه أن كل فريق منهم قال ما قال من ذلك، على علم منهم أنهم فيما قالوه مبطلون؟ وأتوا ما أتوا من كفرهم بما كفروا به، على معرفة منهم بأنهم فيه ملحدون.
فإن قال لنا قائل: أو كانت اليهود والنصارى بعد أن بعث الله رسوله على شيء، فيكون الفريق القائل منهم ذلك للفريق الآخر، مبطلاً في قيله ما قال من ذلك؟
قيل: قد روينا الخبر الذي ذكرناه عن ابن عباس قبل، من أن إنكار كل فريق منهم، إنما كان إنكارًا لنبوة النبي الذي ينتحل التصديق به وبما جاء به الفريق الآخر، لا دفعا منهم أن يكون الفريق الآخر في الحال التي بعث الله فيها نبينا صلى الله عليه وسلم على شيء من دينه، بسبب جحوده نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. وكيف يجوز أن يكون معنى ذلك إنكار كل فريق منهم أن يكون الفريق الآخر على شيء بعد بعثه نبينا صلى الله عليه وسلم، وكلا الفريقين كان جاحدًا نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، في الحال التي أنزل الله فيها هذه الآية؟ ولكن معنى ذلك: وقالت اليهود: ليست النصارى على شيء من دينها منذ دانت دينها! وقالت النصارى: ليست اليهود على شيء منذ دانت دينها! وذلك هو معنى الخبر الذي رويناه عن ابن عباس آنفاً، فكذب الله الفريقين في قيلهما ما قالا، كما:حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: "وقالت اليهود ليست النصارى على شيء"، قال: بلى! قد كانت أوائل النصارى على شيء، ولكنهم ابتدعوا وتفرقوا، وقالت النصارى: "ليست اليهود على شيء"، ولكن القوم ابتدعوا وتفرقوا.
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج ، عن ابن جريج: "وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء"، قال، قال مجاهد: قد كانت أوائل اليهود والنصارى على شيء.
وأما قوله: "وهم يتلون الكتاب"، فإنه يعني به كتاب الله التوراة والإنجيل، وهما شاهدان على فريقي اليهود والنصارى بالكفر، وخلافهم أمر الله الذي أمرهم به فيه، كما:حدثنا أبو كريب قال، حدثنا يونس بن بكير وحدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة بن الفضل قالا جميعًا، حدثنا ابن إسحق قال، حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت قال، حدثني سعيد بن جبير، أو عكرمة، عن ابن عباس في قوله: "وهم يتلون الكتاب كذلك قال الذين لا يعلمون مثل قولهم "، أي كل يتلو في كتابه تصديق ما كفر به، أي يكفر اليهود بعيسى وعندهم التوراة فيها ما أخذ الله عليهم من الميثاق على لسان موسى بالتصديق بعيسى عليه السلام، وفي الإنجيل مما جاء به عيسى تصديق موسى وما جاء به من التوراة من عند الله، وكل يكفر بما في يد صاحبه( ) .
ومما يدل على كفرهم قوله تعالى { وقالت اليهود عزير ابن الله } [ التوبة : 30 ] .
فبين الله كفرهم في مواضع عدة من كتابه ، وهم قوم مغضوب عليهم وقد اعترف أحد علمائهم لزيد بن عمرو بن نفيل فيما رواه البخاري عن ابن عمر : أن زيد بن عمرو بن نفيل خرج إلى الشأم، يسأل عن الدين ويتبعه، فلقي عالماً من اليهود فسأله عن دينهم، فقال: إني لعلي أن أدين منكم فأخبرني، فقال: لا تكون على ديننا، حتى تأخذ بنصيبك من غضب الله، قال زيد : ما أفر إلا من غضب الله، ولا أحمل من غضب الله شيئاً أبداً، وأنى استطيعه ؟ فهل تدلني على غيره؟ قال: ما أعلمه إلا أن يكون حنيفاً، قال زيد : وما الحنيف؟ قال: دين إبراهيم، لم يكن يهودياً ولا نصرانياً ولا يعبد إلا الله، فخرج زيد فلقي عالماً من النصارى فذكر مثله، فقال: لن تكون على ديننا حتى تأخذ بنصيبك من لعنة الله، قال: ما أفر إلا من لعنة الله، ولا أحمل من لعنة الله، ولا من غضبه شيئاً أبداً، وأنى أستطيع، فهل تدلني على غيره؟ قال: ما أعلمه إلا أن يكون حنيفاً، قال: وما الحنيف؟ قال: دين إبراهيم، لم يكن يهودياً ولا نصرانياً، ولا يعبد إلا الله. فلما رأى زيد قولهم في إبراهيم عليه السلام خرج، فلما برز رفع يديه، فقال: اللهم إني أشهدك أني على دين إبراهيم )) ( ).
فهذا أحد علماء اليهود يشهد أن عليهم غضب الله ، وذلك لمخالفتهم لشرع الله وعدم اتباعهم لدين الله الحق وكفرهم بآيات الله ، وقتلهم الأنبياء وأكلهم السحت وتعديهم في السبت وعدم إيمانهم بمحمد صلى الله عليه وسلم وهم يعرفونه في كتابهم ويعرفون صفته ولكنهم جحدوا وكابروا وبدلوا كتاب الله ، ومن قبله كفروا بعيسى عليه السلام ، وقالوا على مريم قولاً عظيماً حيث رموها بالزنا عليهم لعنة الله فدينهم الذي يدينون به باطل لأنه محرف ولو لم يكن محرفاً أيضاً ما جاز لهم أن يدينوا لله به لأنه منسوخ ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم لأن دينه خاتم الأديان ، وهو الذي لا يقبل الله من أحد سواه وأن من لم يؤمن به فهو كافر لأن الله أمرهم باتباع هذا النبي الأمي قال تعالى { الذين يتبعون النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم فالذين أمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون }[ الأعراف : 157 ] .
إن اليهود يعرفون رسول الله صلى الله عليه وسلم بصفته في كتابهم لكنهم جحدوا ذلك حسداً له وكفراً بالله عز وجل .
قال ابن القيم رحمه الله تعالى :
" وهذا الداء هو الذي منع اليهود من الإيمان بعيسى ابن مريم ، وقد علموا علماً لا شك فيه أنه رسول الله جاء بالبينات والهدى فحملهم الحسد على أن اختاروا الكفر على الإيمان وأطبقوا عليه ، وهم أمة فيهم الأحبار والعلماء والزهاد والقضاة والملوك والأمراء هذا وقد جاء المسيح بحكم التوراة ولم يأت بشريعة يخالفها ولم يقاتلهم ، وإنما أتى بتحليل بعض ما حرم عليهم تخفيفاً ورحمة وإحساناً ، وجاء مكملاً لشريعة التوراة ، ومع هذا فاختاروا كلهم الكفر على الإيمان ، فكيف يكون حالهم مع نبي جاء بشريعة مستقلة ناسخة لجميع الشرائع ، مبكتاً لهم بقبائحهم ، ومنادياً على فضائحهم ، ومخرجاً لهم من ديارهم ، وقد قاتلوه وحاربوه وهو في ذلك كله ينصر عليهم ويظفر بهم ويعلو هو وأصحابه وهم معه دائماً في سفال ، فكيف لا يملك الحسد والبغي قلوبهم ؟ وأين يقع حالهم معه من حالهم مع المسيح وقد أطبقوا على الكفر به من بعد ما تبين لهم الهدى وهذا السبب وحده كاف في رد الحق فكيف إذا انضاف إليه زوال الرياسات " ( ).
وهذا الحسد هو الذي منع كثيراً منهم من الإسلام فكانوا بذلك كفاراً لا يقبل الله منهم صرفاً ولا عدلاً لأنهم لم يتبعوا ما قامت الدلائل الواضحة عندهم على صدقه وأنه رسول من عند الله بعثه الله إلى الجن والإنس وبشر به الأنبياء من قبله كما هو مكتوب عندهم في التوراة بصفته وصفة أمته فقد روى الإمام أحمد في مسنده من حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال : (( إن الله عز وجل ابتعث نبيه صلى الله عليه وسلم لإدخال رجل إلى الجنة ، فدخل الكنيسة ، فإذا هو بيهودي ، يقرأ عليهم التوراة ، فلما أتوا على صفة النبي صلى الله عليه وسلم أمسكوا ، وفي ناحيتها رجل مريض ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ما لكم أمسكتم ؟ قال المريض : إنهم أتوا على صفة نبي فأمسكوا ، ثم جاء المريض يحبو حتى أخذ التوراة ، فقرأ حتى أتى على صفة النبي صلى الله عليه وسلم وأمته ، فقال : هذه صفتك وصفة أمتك ، أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله ثم مات ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه : لوّا أخاكم )) ( ).
وهم أكلة السحت الذين قال الله عنهم { وترى كثيراً منهم يسارعون في الإثم والعدوان وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يعملون لو لا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يصنعون }[ المائدة : 62-63 ] .
وهم الذين يعلمون الحق ولا يعملون به لذلك ضرب الله مثلهم بأجهل الحيوانات الذي يحمل فوق ظهره أسفاراً من العلم لكنه لا يعمل بها فقال تعالى { مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفاراً بئس مثل القوم الذين كذبوا بأيات الله والله لا يهدي القوم الظالمين قل يا أيها الذين هادوا إن زعمتم أنكم أولياء لله من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين ولا يتمنونه أبداً بما قدمت أيديهم والله عليم بالظالمين }[ الجمعة : 5-7 ] .
ثانياً : تحريفهم للتوراة وكتمانهم لأحكامها .
واليهود هم أهل التحريف للكلم عن مواضعه قال الله تعالى { فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه ونسوا حظاً مما ذكروا به ولا تزال تطلع على خائنة منهم إلا قليلاً منهم فاعف عنهم واصفح إن الله يحب المحسنين }[ المائدة : 13 ] وقال تعالى {يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا أمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم ومن الذين هادوا سماعون للكذب سماعون لقوم أخرين لم يأتوك يحرفون الكلم من بعد مواضعه يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه وإن لم تؤتوه فاحذروا ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئاً أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم لهم في الدنيا خزي ولهم في الأخرة عذاب عظيم }[ المائدة : 41 ].
وقد وقع التحريف في التوراة منذ زمن قديم وقد أتوا بأشياء لا تصدقها العقول ولا يصدقها إلا من أعمى الله بصيرته فرضي بهذه الخرافات التي وضعها لهم أحبارهم عليهم من الله ما يستحقونه .
قال أبو محمد ابن حزم رحمه الله تعالى في سياق تحريفهم :
" وبعد ذلك قال : وأقام لوط في المغارة هو وابنتاه فقالت الكبرى للصغرى :أبونا شيخ وليس في الأرض أحد يأتينا كسبيل النساء تعالي نسق أبانا الخمر ونضاجعه ونستبق منه نسلاً فسقتا أباهما خمراً في تلك الليلة فأتت الكبرى فضاجعت أباها ولم يعلم بنومها ولا بقيامها فلما كان من الغد قالت الكبرى للصغرى قد ضاجعت أبي أمس تعالي نسقيه الخمر هذه الليلة وضاجعيه أنت ، ونستبقي من أبينا نسلاً فسقتاه تلك الليلة خمراً ، وأتت الصغرى فضاجعته ولم يعلم بنومها ولا بقيامها ، وحملت ابنتا لوط من أبيهما ، فولدت الكبرى ابناً وسمته ( مؤاب ) ، وهو أبو المؤابيين إلى اليوم ، وولدت الصغرى ابناً سمته ( عمون ) وهو أبو العمونيين إلى اليوم .
وفي السفر الخامس من التوراة بزعمهم أن موسى قال لبني إسرائيل : إن الله تعالى قال : لما انتهينا إلى صحراء بني مؤاب قال لي : لا تحارب بني مؤاب ولا تقاتلهم فإني لم أجعل لكم فيما تحت أيديهم سهماً لأني قد ورثت بني لوط (ادوا ) وجعلتها مسكناً لهم .
ثم ذكر أن موسى قال لهم : إن الله تعالى قال له أيضاً أنت تخلف اليوم حوز بني مؤاب المدينة التي تدعى عاد ، وتنزل في حوز بني عمون فلا تحاربهم ، ولا تقاتل أحداً منهم فإني لم أجعل لكم تحت أيديهم سهماً لأنهم من بني لوط ، وقد ورثتهم تلك الأرض .
قال أبو محمد : في هذه الفصول فضائح وسوآت تقشعر من سماعها جلود المؤمنين بالله تعالى العارفين حقوق الأنبياء عليهم السلام .
فأولها : ما ذكر عن بنتي لوط عليه السلام من قولهما : ( ليس أحد في الأرض يأتينا كسبيل النساء تعالي نسق أبانا خمراً ، ونضاجعه ونستبق منه نسلاً ) فهذا كلام أحمق في غاية الكذب و البرود ، أترى كان انقطع نسل ولد آدم كله حتى لم يبق في الأرض من يضاجعهما ؟ إن هذا لعجب فكيف والموضع معروف إلى اليوم ؟ ليس بين المغارة التي كان لوط عليه السلام مع بنتيه ، بين قرية سكنى إبراهيم عليه السلام إلا فرسخ واحد لا يزيد ، وهو ثلاثة أميال فقط فهذه سوأة .
والثانية : إطلاق الكذاب الواضع لهم هذه الخرافة لعنه الله هذه الطومة على الله عز وجل من أنه أطلق نبيه ورسوله صلى الله عليه وسلم على هذه الفاحشة العظيمة من وطء ابنتيه واحدة بعد أخرى .
فإن قالوا : لا ملامة عليه في ذلك لأنه فعل ذلك وهو سكران ، وهو لا يعلم من هما .
قلنا : فكيف عمل إذ رآهما حاملتين ؟ وإذ رآهما قد ولدتا ولدين لغير رشده ؟ وإذ رآهما تربيان أولاد الزنى ؟ هذه فضائح الأبد ، وتوليد الزنادقة المبالغين في الاستخفاف بالله تعالى وبرسله عليهم السلام .
والثالثة : إطلاقهم على الله تعالى أنه نسب أولاد ذينك الزنيمين فرخي الزنى إلى ولادة لوط عليه السلام ، حتى ورثهما بلدين كما ورث بني إسرائيل وبني عيسو ابني إسحاق سواء بسواء تعالى الله عن هذا علواً كبيراً .
فإن قالوا : كان مباحاً حينئذ قلنا : فقد صح النسخ الذي تنكرونه بلا كلفة وقال قبل هذا : إن إبراهيم إذ أمره الله تعالى بالمسير من حران إلى أرض كنعان أخذ مع نفسه امرأته سارة ، وابن أخيه لوط بن هاران ، وذكروا في بعض توراتهم أنه كلمته الملائكة ، وأن الله تعالى أرسلهم إليه ، فصح بإقرارهم أنه نبي الله عز وجل ، وهم يقولون : إنه بقي في تلك المغارة شريداً طريداً فقيراً لا شيء له يرجع إليه .
فكيف يدخل في عقل من له أقل إيمان أن إبراهيم عليه السلام يترك ابن أخيه الذي تغرب معه ، وآمن به ، ثم تنبأ مثله يضيع ويسكن في مغارة مع ابنتيه فقيراً هالكاً وهو على ثلاثة أميال منه ؟ وإبراهيم على ما ذكر في التوراة عظيم المال ، مفرط الغنى ، كثير اليسار من الذهب والفضة ، والعبيد والإماء والجمال والبقر والغنم والحمير ، ويقولون في توراتهم إنه ركب في ثلاثمائة مقاتل وثمانية عشر مقاتلاً لحرب الذين سبوا لوطاً وماله حتى استنقذوه وماله ، فكيف يضيعه بعد ذلك هذا التضييع ؟ ليست هذه صفات الأنبياء ولا كرامتهم ، ولا صفات من فيه شيء من الخير ، لكن صفات الكلاب الذين وضعوا لهم هذه الخرافات الباردة التي لا فائدة فيها ، ولا موعظة ، ولا عبرة حتى ضلوا بها ، ونعوذ بالله من الخذلان " ( ) .
وقال ابن القيم رحمه الله تعالى في سياق ذكر تحريف اليهود في التوراة :
" وفيها : ( أن الله تجلى لموسى في طور سيناء وقال له بعد كلام كثير أدخل يدك في حجرك وأخرجها مبروصة كالثلج ) وهذا من النمط الأول والله سبحانه لم يتجل لموسى وإنما أمره أن يدخل يده في جيبه وأخبره أنها تخرج بيضاء من غير سوء أي من غير برص .
وفيها : أن هارون هو الذي صاغ لهم العجل ، وهذا إن لم يكن من زياداتهم وافترائهم فهرون اسم السامري الذي صاغه ليس هو بهرون أخي موسى .
وفيها : أن الله قال لإبراهيم : ( اذبح ابنك بكرك إسحاق ) وهذا من بهتهم وزيادتهم في كلام الله ، فقد جمعوا بين النقيضين ، فإن بكره هو إسماعيل فإنه بكر أولاده ، وإسحاق إنما بشر به على الكبر بعد قصة الذبح .
وفيها : ( ورأى الله أن قد كثر فساد الآدميين في الأرض فندم على خلقهم ، وقال سأذهب الآدمي الذي خلقت على الأرض والخشاش وطيور السماء لأني نادم على خلقها جداً ) تعالى الله عن إفك المفترين وعما يقول الظالمون علواً كبيراً .
وفيها : ( أن الله سبحانه وتعالى علواً كبيراً تصارع مع يعقوب فضرب به يعقوب الأرض ) .
وفيها : ( أن يهوذا بن يعقوب النبي زوج ولده الأكبر من امرأة يقال لها تامار ، فكان يأتيها مستدبراً فغضب الله من فعله فأماته ، فزوج يهوذا ولده الآخر بها فكان إذا دخل بها أمنى على الأرض علماً بأنه إن أولدها كان أول الأولاد مدعوا باسم أخيه ومنسوباً إلى أخيه ، فكره الله ذلك من فعله فأماته ، فأمرها يهوذا باللحاق ببيت أبيها إلى أن يكبر ولده شيلا ويتم عقله ، ثم ماتت زوجة يهوذا وذهب إلى منزله ليجز غنمه ، فلما أخبرت تامار لبست زي الزواني وجلست على طريقه فلما مر بها خالها زانية فراودها فطالبته بالأجرة فوعدها بجدي ورمى عندها عصاه وخاتمه فدخل بها فعلقت منه بولد ومن هذا الولد كان داود النبي ) فقد جعلوه ولد زنا كما جعلوا المسيح ولد زنا ،ولم يكفهم ذلك حتى نسبوا ذلك إلى التوراة ، وكما جعلوا ولدي لوط ولدي زنا ، ثم نسبوا داود وغيره من أنبيائهم إلى ذينك الولدين .
وأما فريتهم على الله ورسله وأنبيائه ورميهم لرب العالمين ورسله بالعظائم فكثير جداً ، كقولهم إن الله استراح في اليوم السابع من خلق السموات والأرض ، فأنزل الله عز وجل على رسوله تكذيبهم بقوله { ولقد خلقنا السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب }( ) وقولهم { إن الله فقير ونحن أغنياء }( ) وقولهم { يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان }( ) وقولهم { إن الله عهد إلينا أن لا نؤمن لرسول حتى يأتينا بقربان تأكله النار }( )وقولهم { لن تمسنا النار إلا أياماً معدودة }( ) وقولهم : إن الله بكى على الطوفان حتى رمدت عيناه وعادته الملائكة .
وقولهم : في بعض دعاء صلواتهم : انتبه كم تنام يا رب استيقظ من رقدتك .
فتجرؤا على رب العالمين بهذه المناجاة القبيحة ، كأنهم ينخونه بذلك لينتخي لهم ويحتمي ، كأنهم يخبرونه أنه قد اختار الخمول لنفسه وأحبابه فيهزونه بهذا الخطاب للنباهة واشتهار الصيت ، قال بعض أكابرهم بعد إسلامه فترى أحدهم إذا تلى هذه الكلمات في الصلاة يقشعر جلده ، ولا يشك أن كلامه يقع عند الله بموقع عظيم ، وأنه يؤثر في ربه ويحركه ويهزه وينخيه .
وعندهم في توراتهم : ( أن موسى صعد الجبل مع مشايخ أمته فأبصروا الله جهرة وتحت رجليه كرسي منظره كمنظر البلور ) وهذا من كذبهم وافترائهم على الله وعلى التوراة .
وعندهم في توراتهم : ( أن الله سبحانه لما رأى فساد قوم نوح وأن شرهم قد عظم ندم على خلق البشر في الأرض وشق عليه ) .
وعندهم في توراتهم أيضاً : ( أن ندم على تمليكه شاؤل على إسرائيل ) .
وعندهم فيها ( أن نوحاً لما خرج من السفينة بنى بيتاً مذبحاً وقرب عليه قرابين ، واستنشق الله رائحة القتار فقال في ذاته لن أعاود لعنة الأرض بسبب الناس لأن البشر مطبوع على الرداءة ولن أهلك جميع الحيوان كما صنعت ) ( ).
قال أبو محمد ابن حزم رحمه الله :
" ثم قال :وقال الله : ( هذا آدم قد صار كواحد منا معرفة في الخير والشر والآن كيلا يمد يده ويأخذ من شجرة الحياة ويأكل ويحيا إلى الدهر فطرده الله من جنات عدن ) .
قال أبو محمد : حكايتهم عن الله تعالى أنه قال هذا آدم قد صار كواحد منا مصيبة من مصائب الدهر ، وموجب ضرورة أنهم آلهة أكثر من واحد ، ولقد أدّى هذا القول الخبيث المفترى كثيراً من خواص اليهود إلى الاعتقاد أن الذي خلق آدم لم يكن إلا خلقاً خلقه الله تعالى قبل آدم ، وأكل من الشجرة التي أكل منها آدم فعرف الخير والشر ، ثم أكل من شجرة الحياة فصار إلهاً من جملة الآلهة ، نعوذ بالله من هذا الكفر الأحمق ، ونحمده إذ هدانا للملة الزاهرة الواضحة التي تشهد سلامتها من كل دخل بأنها من عند الله تعالى " ( ).
و قال أبو محمد ابن حزم رحمه الله :
" ثم ذكر أن رفقة بنت شوال بن تارح زوجة إسحاق عليه السلام كانت عاقراً قال فشفعه الله وحملت ، وازدحم الولدان في بطنها وقالت : لو علمت أن الأمر هكذا كان يكون ما طلبته ، ومضت لتلتمس علماً من الله عز وجل فقال لها في بطنك أُمتان وحزبان يفترقان منه أحدهما أكبر من الآخر ، والكبير يخدم الصغير فلما كانت أيام الولادة إذا بتوأمين في بطنها وخرج الأول أحمر كله كفروة من شعر فسمي عيسو وبعد ذلك خرج أخوه ويده ممسكة بعقب عيسو فسماه يعقوب .
قال أبو محمد : لا مؤونة على هؤلاء السفلة في أن ينسبوا الكذب إلى الله عز وجل ، وحاش لله أن يكذب ، ولا خلاف بينهم في أن عيسو لم يخدم قط يعقوب وأن بني عيسو لم تخدم قط بني يعقوب ، بل في التوراة نصاً : أن يعقوب سجد على الأرض سبع مرات لعيسو إذ رآه وأن يعقوب لم يخاطب عيسو إلا بالعبودية والتذلل المفرط وأن جميع أولاد يعقوب حاش بنيامين الذي لم يكن ولد بعد كلهم سجدوا لعيسو وأن يعقوب أهدى لعيسو مداراة له خمسمائة رأس وخمسين رأساً من إبل وبقر وحمير وضأن ومعز ، وأن يعقوب رآها منّة عظيمة إذ قبلها منه ، وأن بني عيسو لم تزل أيديهم على أقفاء بني إسرائيل من أول دولتهم إلى انقطاعها ، إما يتملكون عليهم ، أو يكونون على السواء معهم ، وأن بني إسرائيل لم يملكوا قط أيام دولتهم بني عيسو فاعجبوا لهذه الفضائح أيها المسلمون ، واحمدوا الله على السلامة مما ابتلي به غيركم من الضلال والعمى " ( ) .
فهذه هي الأمة الغضبية وطبيعتها في الإفتراء على الله عز وجل وعلى رسله الكرام في تحريفهم للتوراة ونصوصها وجحد نبوة الأنبياء وتكذيبهم وقتلهم فقد ورد أنهم قتلوا في يوم واحد سبعين نبياً وأقاموا السوق من آخر النهار كأن لم يكن شيء فعليهم لعنة الله ما أجرأهم على الله وعلى رسله قال تعالى { أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون }[ البقرة : 75 ] وقال تعالى { ولقد أتينا موسى الكتاب وقفينا من بعده بالرسل وأتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقاً كذبتم وفريقاً تقتلون وقالوا قلوبنا غلف بل لعنهم الله بكفرهم فقليلاً ما يؤمنون }[البقرة : 87-88 ] .
ومما يوضح تحريفهم وكتمانهم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ما جاء أولاً : عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بيهودي ويهودية قد زنيا ، فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جاء يهود ، فقال : ما تجدون في التوراة على من زنى ؟ . قالوا : نسود وجوههما ونحملهما ، ونخالف بين وجوههما ، ويطاف بهما ، قال : فأتوا بالتوراة ، إن كنتم صادقين . فجاءوا بها فقرأوها ، حتى إذا مروا بآية الرجم ، وضع الفتى ، الذي يقرأ ، يده على آية الرجم ، وقرأ ما بين يديها وما وراءها ، فقال له : عبد الله بن سلام ، وهو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم : مره فليرفع يده . فرفعها . فإذا تحتها آية الرجم ، فأمر بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فرجما .
قال عبد الله بن عمر : كنت فيمن رجمهما ، فلقد رأيته يقيها من الحجارة بنفسه . ( )
ثانياً : عن البراء بن عازب رضي الله عنه ، قال : مر على النبي صلى الله عليه وسلم بيهودي محمما مجلودا ، فدعاهم صلى الله عليه وسلم فقال : هكذا تجدون حد الزاني في كتابكم ؟ قالوا : نعم ، فدعا رجلا من علمائهم ، فقال : أنشدك بالله الذي أنزل التوراة على موسى ! أهكذا تجدون حد الزاني في كتابكم ؟ . قال : لا ، ولولا أنك نشدتني بهذا لم أخبرك ، نجده الرجم ، ولكنه كثر في أشرافنا ، فكنا إذا أخذنا الشريف تركناه ، وإذا أخذنا الضعيف ، أقمنا عليه الحد ، قلنا : تعالوا فلنجتمع على شيء نقيمه على الشريف والوضيع ، فجعلنا التحميم والجلد مكان الرجم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اللهم ! إني أول من أحيا أمرك إذ أماتوه فأمر به فرجم ، فأنزل الله عز وجل : {يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر } - إلى قوله - { إن أوتيتم هذا فخذوه } يقول : ائتوا محمدا صلى الله عليه وسلم ، فإن أمركم بالتحميم والجلد فخذوه ، وإن أفتاكم بالرجم فاحذروا ، فأنزل الله تعالى : { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون } . { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون } . { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون } . في الكفار كلها ( ).
ثالثاً : عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : زنى رجل من اليهود و امرأة ، فقال بعضهم لبعض : اذهبوا بنا إلى هذا النبي ، فإنه نبي بعث بالتخفيف ، فإن أفتانا بفتيا دون الرجم قبلناها و احتججنا بها عند الله ، قلنا : فتيا نبي من أنبيائك قال : فأتوا النبي صلى الله عليه و سلم و هو جالس في المسجد في أصحابه فقالوا : يا أبا القاسم ، ما ترى في رجل و امرأة منهم زنيا ؟ فلم يكلمهم كلمة حتى أتى بيت مدراسهم ، فقام على الباب فقال : أنشدكم بالله الذي أنزل التوراة على موسى ما تجدون في التوراة على من زنى إذا أحصن ؟ قالوا : يحمم و يجبه و يجلد ، و التجبيه : أن يحمل الزانيان على حمار و يقابل أقفيتهما و يطاف بهما ، قال : و سكت شاب منهم ، فلما رآه النبي صلى الله عليه و سلم سكت ألظ به النشدة فقال : اللهم إذ نشدتنا فإنا نجد في التوراة الرجم ، فقال النبي صلى الله عليه و سلم : فما أول ما ارتخصتم أمر الله ؟ قال : زنى ذو قرابة من ملك من ملوكنا فأخر عنه الرجم ، ثم زنى رجل في أسرة من الناس فأراد رجمه فحال قومه دونه و قالوا : لا يرجم صاحبنا حتى تجيء بصاحبك فترجمه ، فاصطلحوا على هذه العقوبة بينهم ، فقال النبي صلى الله عليه و سلم : فإني أحكم بما في التوراة ، فأمر بهما فرجما .
قال الزهري : فبلغنا أن هذه الآية نزلت فيهم : { إنا أنزلنا التوراة فيها هدى و نور يحكم بها النبيون الذين أسلموا } كان النبي صلى الله عليه و سلم منهم ( ).
ففي هذه الرواية ما يوضح سبب كونهم حرفوا حد الزنا على المحصن من الرجم إلى الجلد والتحميم ، وهذا ليس بغريب على أمة الغضب واللعنة فهم دائماً متواطئون على تحريف الكلم عن مواضعه ، وعلى التحايل على المحرمات فقد تحايلوا على الصيد يوم السبت فعاقبهم الله على ذلك بأن مسخهم قردة قال تعالى {ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت فقلنا لهم كونوا قردةً خاسئين }[البقرة : 65 ] وقال تعالى {يا أيها الذين أوتوا الكتاب أمنوا بما نزلنا مصدقاً لما معكم من قبل أن نطمس وجوهاً فنردها على أدبارها أو نلعنهم كما لعنا أصحاب السبت وكان أمر الله مفعولا }[النساء : 47 ] وقال تعالى {ورفعنا فوقهم الطور بميثاقهم وقلنا لهم ادخلوا الباب سجداً وقلنا لهم لا تعدوا في السبت وأخذنا منهم ميثاقاً غليظاً }[النساء : 154 ] وقال تعالى { وسئلهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر إذ يعدون في السبت إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شُرعاً ويوم لا يسبتون لا تأتيهم كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون وإذ قالت أمة منهم لم تعظون قوماً الله مهلكهم أو معذبهم عذاباً شديداً قالوا معذرةً إلى ربكم ولعلهم يتقون فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون فلما عتوا عن ما نهوا عنه قلنا لهم كونوا قردةً خاسئين وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب إن ربك لسريع العقاب وإنه لغفور رحيم }[ الأعراف : 163-167 ] وقد ذكر المفسرون قصة اعتدائهم في السبت وأن الله لما حرم عليهم أن يصطادوا يوم السبت احتالوا فحفروا الخنادق يوم الجمعة لكي تقع فيها الحيتان يوم السبت ثم يأخذونها يوم الأحد ومن ذلك ما رواه ابن جرير عن ابن عباس أنه قال : إن الله إنما افترض على بني إسرائيل اليوم الذي افترض عليكم في عيدكم يوم الجمعة. فخالفوا إلى السبت فعظموه، وتركوا ما أمروا به. فلما أبوا إلا لزوم السبت، ابتلاهم الله فيه، فحرم عليهم ما أحل لهم في غيره. وكانوا في قرية بين أيلة والطور يقال لها: مدين . فحرم الله عليهم في السبت الحيتان: صيدها وأكلها. وكانوا إذا كان يوم السبت أقبلت إليهم شرعًا إلى ساحل بحرهم، حتى إذا ذهب السبت ذهبن، فلم يروا حوتاً صغيرًا ولا كبيرًا. حتى إذا كان يوم السبت أزين إليهم شرعًا، حتى إذا ذهب السبت ذهبن. فكانوا كذلك، حتى إذا طال عليهم الأمد وقرموا إلى الحيتان، عمد رجل منهم فأخذ حوتاً سرًا يوم السبت، فخزمه بخيط، ثم أرسله في الماء، وأوتد له وتدًا في الساحل فأوثقه، ثم تركه، حتى إذا كان الغد، جاء فأخذه أي: إني لم آخذه في يوم السبت ثم انطلق به فأكله. حتى إذا
كان يوم السبت الآخر، عاد لمثل ذلك، ووجد الناس ريح الحيتان، فقال أهل القرية: والله لقد وجدنا ريح الحيتان ثم عثروا على صنيع ذلك الرجل. قال: ففعلوا كما فعل، وأكلوا سرًا زماناً طويلاً، لم يعجل الله عليهم بعقوبة، حتى صادوها علانية وباعوها بالأسواق. وقالت طائفة منهم من أهل البقية : ويحكم! اتقوا الله! ونهوهم عما كانوا يصنعون. وقالت طائفة أخرى لم تأكل الحيتان، ولم تنه القوم عما صنعوا: "لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا قالوا معذرة إلى ربكم" لسخطنا أعمالهم "ولعلهم يتقون" ( الأعراف: 164).
قال ابن عباس: فبينما هم على ذلك، أصبحت تلك البقية في أنديتهم ومساجدهم، وفقدوا الناس فلا يرونهم. فقال بعضهم لبعض: إن للناس لشأنا! فانظروا ما هو! فذهبوا ينظرون في دورهم، فوجدوها مغلقة عليهم، قد دخلوا ليلاً فغلقوها على أنفسهم، كما يغلق الناس على أنفسهم، فأصبحوا فيها قردة، وإنهم ليعرفون الرجل بعينه وإنه لقرد، والمرأة بعينها وإنها لقردة، والصبي بعينه وإنه لقرد. قال: يقول ابن عباس: فلولا ما ذكر الله أنه أنجى الذين نهوا عن السوء، لقلنا أهلك الجميع منهم. قالوا: وهي القرية التي قال الله لمحمد صلى الله عليه وسلم: "واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر" الآية ( الأعراف: 163) ( ).
ومن حيلهم أيضاً أن الله سبحانه وتعالى لما حرم عليهم الشحوم أذابوها وباعوها وأكلوا أثمانها يبين ذلك ما في الصحيحين عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما : أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عام الفتح ، وهو بمكة : ( إن الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام). فقيل : يا رسول الله ، أرأيت شحوم الميتة ، فإنها يطلى بها السفن ، ويدهن بها الجلود ، ويستصبح بها الناس؟ فقال : (لا ، هو حرام). ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك : (قاتل الله اليهود إن الله لما حرم شحومها جملوه ، ثم باعوه ، فأكلوا ثمنه ) .
ومن ذلك أنهم يعرفون النبي صلى الله عليه وسلم بصفته وقد شهد بعضهم بذلك وأنه رسول الله المبشر به والموعود به على ألسنة الأنبياء المتقدمين وقد ذكر الله تعالى ذلك في القرآن وقال بعضهم ذلك في وجه النبي صلى الله عليه وسلم قال تعالى { الذين ءاتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإن فريقاً منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون }[ البقرة : 146 ] وقال تعالى { الذين ءاتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم الذين خسروا أنفسهم فهم لا يؤمنون ومن أظلم ممن افترى على الله كذباً أو كذَّب بآياته إنه لا يفلح الظالمون }[ الأنعام : 20-21 ] .
و من ذلك ما رواه البخاري وغيره عن أنس رضي الله عنه أن عبد الله بن سلام رضي الله عنه بلغه عن مقدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، فأتاه يسأله عن أشياء، فقال: إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبي: ما أول أشراط الساعة، وما أول طعام يأكله أهل الجنة، وما بال الولد ينزع إلى أبيه أو إلى أمه؟ قال: ( أخبرني به جبريل آنفاً ). قال ابن سلام : ذاك عدو اليهود من الملائكة، قال: ( أما أول أشراط الساعة فنار تحشرهم من المشرق إلى المغرب، وأما أول طعام يأكله أهل الجنة فزيادة كبد الحوت، وأما الولد: فإذا سبق ماء الرجل ماء المرأة نزع الولد، وإذا سبق ماء المرأة ماء الرجل نزعت الولد ). قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأنت رسول الله، قال: يا رسول الله، إن اليهود قوم بهت، فاسألهم عني قبل أن يعلموا بإسلامي، فجاءت اليهود، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( أي رجل عبد الله بن سلام فيكم ). قالوا: خيرنا وابن خيرنا، وأفضلنا وابن أفضلنا. فقال النبي صلى الله عليه وسلم أرأيتم إن أسلم عبد الله بن سلام ).قالوا : أعاذه الله من ذلك، فأعاد عليهم فقالوا مثل ذلك، فخرج إليهم عبد الله فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، قالوا: شرنا وابن شرنا، وتنقصوه، قال: هذا كنت أخاف يا رسول الله ( ).
ومن ذلك ما جاء عن صفوان بن عسال رضي الله عنه : أن يهوديين قال أحدهما لصاحبه : اذهب بنا إلى هذا النبي نسأله ، فقال : لا تقل نبي فإنه إن سمعها تقول نبي كانت له أربعة أعين ، فأتينا النبي صلى الله عليه وسلم فسألاه عن قول الله عز وجل : { ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات } فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تشركوا بالله شيئاً ، ولا تزنوا ، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ، ولا تسرقوا ، ولا تسحروا ، ولا تمشوا ببريء إلى سلطان فيقتله ، ولا تأكلوا الربا ، ولا تقذفوا محصنة ، ولا تفروا من الزحف ، شك شعبة : وعليكم يا معشر اليهود خاصة لا تعدو في السبت فقبلا يديه ورجليه وقالا : نشهد أنك نبي ، قال : فما يمنعكما أن تسلما ؟ قالا : إن داود دعا الله ، أن لا يزال في ذريته نبي و إنا نخاف إن أسلمنا أن تقتلنا اليهود ( ).
وعند ابن سعد عن أبي هريرة قال : (( أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت المدارس ، فقال أخرجوا إليّ أعلمكم ، فقالوا عبد الله بن صوريا ، فخلا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فناشده بدينه وبما أنعم الله عليهم وأطعمهم من المن والسلوى وظللهم من الغمام أتعلم أني رسول الله ؟ قال اللهم نعم وإن القوم ليعرفون ما أعرف ، وإن صفتك ونعتك لمبين في التوراة ولكن حسدوك ، قال : فما يمنعك أنت ؟ قال : أكره خلاف قومي عسى أن يتبعوك ويسلموا فأسلم ( ).
قال ابن القيم رحمه الله :
" وبالجملة فنحن وكل عاقل نقطع ببراءة التوراة التي أنزلها الله على كليمه موسى من هذه الأكاذيب والمستحيلات والترهات ، كما نقطع ببراءة صلاة موسى وبني إسرائيل معه من هذا الذي يقولونه في صلاتهم اليوم ، فإنهم في العشر الأول من المحرم في كل سنة يقولون في صلاتهم ما ترجمته : ( يا أبانا أملك على جميع أهل الأرض ليقول كل ذي نسمة الله إله إسرائيل قد ملك ، ومملكته في الكل متسلطة ) ويقولون فيها أيضاً ( وسيكون لله الملك ، وفي ذلك اليوم يكون الله واحداً واسمه واحد ) ويعنون بذلك أنه لا يظهر كون الملك له وكونه واحداً إلا إذا صارت الدولة لهم ، فأما ما دامت الدولة لغيرهم فإنه تعالى خامل الذكر عند الأمم ، مشكوك في وحدانيته ، مطعون في ملكه ومعلوم قطعاً أن موسى ورب موسى برئي من هذه الصلاة براءته من تلك الترهات " ( ).
فهذه هي أمة الغضب إخوان القردة ، و هذه بعض مفترياتهم على الله عز وجل ، وعلى رسله الكرام صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ، وقد بينا كفرهم وتحريفهم للتوراة وكتمانهم للعلم وجحدهم نبوة عيسى عليه السلام ، ونبوة محمد صلى الله عليه وسلم وقتلهم الأنبياء ، وتحايلهم على ارتكاب المحرمات ، فكيف يسوغ لعاقل أن يدعوا إلى التقارب بين الإسلام وبين هذه الأمة الغضبية التي تبالغ في الكذب على رب العالمين إن الدعوة إلى هذا التقارب دعوة كفرية لا تصدر إلا ممن أراد أن يضل شباب الأمة الإسلامية وأن يكون ممن يعمل لصالح هؤلاء الكفار فأوحوا إليه بهذه الأفكار الهدامة التي تهدم عقيدة الأمة من أصلها كما هي طبيعة اليهود في العمل على القضاء على هذا الدين بأي وسيلة كانت وسوف نذكر ما فعله اليهود من المكائد في الإسلام من عهد النبي صلى الله عليه وسلم وإلى اليوم كما سيأتي في فصل عداء اليهود والنصارى .
الفصل الثالث
بيان كفر النصارى وتحريفهم الإنجيل
وبعد أن كفّر الله عز وجل اليهود في القرآن كفّر سبحانه وتعالى النصارى لأنهم قالوا على الله عز وجل ما لم يقله عاقل قط ، فهم أشركوا مع الله غيره حيث عبدوا المسيح وأمه وجعلوا الله ثالث ثلاثة ، فهم قد سبوا الله عز وجل أقبح مسبة وكذّبوا رسوله صلى الله عليه وسلم مع علمهم أنه على الحق ولكنهم كابروا وكذبوا ، فكان جزاؤهم أن كفّرهم الله عز وجل من فوق سبع سماوات ، ومما يدل على كفرهم قوله تعالى { وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء وهم يتلون الكتاب كذلك قال الذين لا يعلمون مثل قولهم فالله يحكم بينهم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون }[البقرة : 113 ] .
فقد شهد كلً من الفريقين على كفر الآخر وهي شهادة حق لأن اليهود كفرت بعيسى مع أنها تقرأ في التوراة صدقه ، وكفرت النصارى بموسى مع أنها تقرأ في الإنجيل صدقه لكنهم لما جحدوا ما عند بعضهم من الحق كفروا ، وإلا فقد كانت اليهود في أول أمرها على عهد موسى ويوشع بن نون على حق ثم كفروا بعد ذلك وعبدوا الأوثان وأشركوا مع الله غيره ، وكذلك كان أوائل النصارى على شيء من الدين ولكنهم ابتدعوا وتفرقوا وأشركوا مع الله غيره وسبوا الله ، وقالوا عليه ما لم يقله إلا أجهل الجهال 0
ومما يدل على كفرهم أيضاً قوله تعالى {وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى يؤفكون اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلهاً واحداً لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون } [ التوبة : 30-31 ] .
فبين سبحانه وتعالى أنهم أشركوا به في قولهم المسيح ابن الله ، وأنهم اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً حيث اتبعوهم في التحليل والتحريم ، كما بين ذلك النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه قال : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي عنقي صليب من ذهب فقال يا عدي اطرح هذا الوثن من عنقك قال : فطرحته ، وانتهيت إليه وهو يقرأ سورة براءة فقرأ هذه الآية { اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله } قال : قلت : يا رسول الله إنا لسنا نعبدهم فقال : أليس يحرمون ما أحل الله فتحرمونه ويحلون ما حرم الله فتحلونه ؟ قال قلت بلى قال فتلك عبادتهم "( ) .
ومما يدل على كفرهم قوله تعالى { لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم قل فمن يملك من الله شيئاً إن أراد أن يهلك المسيح ابن مريم وأمه ومن في الأرض جميعاً ولله ملك السموات والأرض وما بينهما يخلق ما يشاء والله على كل شيء قدير }[ المائدة : 17 ] .
ومما يدل على كفرهم قوله تعالى {لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم وقال المسيح يا بني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة وما من إله إلا إله واحد وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا منهم عذاب أليم أفلا يتوبون إلى الله ويستغفرونه والله غفور رحيم ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام انظر كيف نبين لهم الآيات ثم انظر أنى يؤفكون قل أتعبدون من دون الله مالا يملك لكم ضراً ولا نفعاً والله هو السميع العليم }
[ المائدة : 72 – 76 ].
انظر كيف أكد الله سبحانه وتعالى كفر النصارى الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم وكيف رد عليهم زعمهم هذا وتوعدهم أنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ، وأن مأواه النار ثم بين كفر من قال منهم إنه ثالث ثلاثة ، وهذا أكبر دليل على قلة عقول النصارى حيث قبلوا هذه المقالة الشنيعة وكيف جوزوا على الله أن يكون معه شريك ، وكيف اشتبه عليهم بجهلهم الخلق بالمخلوق وقد رد الله عليه في قوله {وما من إله إلا إله واحد }.
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى :
" وهكذا وقع فإن المسيح عليه السلام لما رفعه الله إلى السماء تفرقت أصحابه شيعاً بعده فمنهم من آمن بما بعثه الله به على أنه عبد الله ورسوله وابن أمته ، ومنهم من غلا فيه فجعله ابن الله ، وآخرون قالوا هو الله ، وآخرون قالوا هو ثالث ثلاثة وقد حكى الله مقالتهم في القرآن ورد على كل فريق فاستمروا على ذلك قريباً من ثلاثمائة سنة ثم نبغ لهم ملك من ملوك اليونان يقال له قسطنطين فدخل في دين النصرانية قيل حيلةً ليفسده فإنه كان فيلسوفاً ، وقيل : جهلاً منه إلا أنه بدّل لهم دين المسيح وحرفه وزاد فيه ونقص منه ووضعت له القوانين والأمانة الكبرى التي هي الخيانة الحقيرة وأحل في زمانه لحم الخنزير ، وصلوا إلى المشرق ، وصوروا له الكنائس والمعابد والصوامع ، وزاد في صيامهم عشرة أيام من أجل ذنب ارتكبه فيما يزعمون وصار دين المسيح دين قسطنطين إلا أنه بنى لهم الكنائس والمعابد والصوامع والديارات ما يزيد على اثنى عشر ألف معبد وبنى المدينة المنسوبة إليه واتبعه طائفة الملكية منهم وهم في هذا كله قاهرون لليهود أيده الله عليهم لأنه أقرب إلى الحق منهم ، وإن كان الجميع كفاراً عليهم لعائن الله فلما بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم فكان من آمن به يؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله على الوجه الحق ، فكانوا هم أتباع كل نبي على وجه الأرض ، إذ قد صدقوا الرسول النبي الأمي العربي خاتم الرسل وسيد ولد آدم على الإطلاق الذي دعاهم إلى التصديق بجميع الحق فكانوا أولى بكل نبي من أمته الذين يزعمون أنهم على ملته وطريقته مما قد حرفوا وبدلوا ثم لو لم يكن شيء من ذلك لكان قد نسخ الله شريعة جميع الرسل بما بعث الله به محمداً صلى الله عليه وسلم من الدين الحق الذي لا يبدل ولا يغير إلى قيام الساعة ولا يزال قائماً منصوراً ظاهراً على كل دين " ( ).
ومما يدل على كفرهم قوله تعالى { ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون ما كان لله أن يتخذ من ولد سبحانه إذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون وإن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم فاختلف الأحزاب من بينهم فويل للذين كفروا من مشهد يوم عظيم }[مريم : 34-37 ] .
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله :
" وقوله: {فاختلف الأحزاب من بينهم } أي اختلف أقوال أهل الكتاب في عيسى بعد بيان أمره ووضوح حاله, وأنه عبده ورسوله, وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه, فصممت طائفة منهم, وهم جمهور اليهود. ـ عليهم لعائن الله ـ على أنه ولد زنية, وقالوا : كلامه هذا سحر. وقالت طائفة أخرى: إنما تكلم الله. وقال آخرون: بل هو ابن الله. وقال آخرون : ثالث ثلاثة. وقال آخرون : بل هو عبد الله ورسوله, وهذا هو قول الحق الذي أرشد الله إليه المؤمنين, وقد روي نحو هذا عن عمرو بن ميمون وابن جريج وقتادة وغير واحد من السلف والخلف.
قال عبد الرزاق : أخبرنا معمر عن قتادة في قوله: "ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون" قال: اجتمع بنو إسرائيل, فأخرجوا منهم أربعة نفر, أخرج كل قوم عالمهم, فامتروا في عيسى حين رفع, فقال بعضهم: هو الله هبط إلى الأرض فأحيا من أحيا وأمات من أمات, ثم صعد إلى السماء وهم اليعقوبية, فقال الثلاثة : كذبت. ثم قال اثنان منهم للثالث : قل أنت فيه قال: هو ابن الله وهم النسطورية, فقال الاثنان: كذبت. ثم قال أحد الاثنين للاخر : قل فيه, فقال: هو ثالث ثلاثة : الله إله, وهو إله, وأمه إله, وهم الإسرائيلية ملوك النصارى عليهم لعائن الله. قال الرابع : كذبت بل هو عبد الله ورسوله وروحه وكلمته وهم المسلمون. فكان لكل رجل منهم أتباع على ما قالوا, فاقتتلوا وظهروا على المسلمين, وذلك قول الله تعالى : {ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس } قال قتادة : وهم الذين قال الله: "فاختلف الأحزاب من بينهم" قال اختلفوا فيه فصاروا أحزاباً " ( ).
ومما يدل على كفرهم ويبطل قولهم أن المسيح ابن الله أو أنه هو الله أو ثالث ثلاثة قوله تعالى { وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم وكنت عليهم شهيداً ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد }[ المائدة : 116-117 ] .
فهذا عيسى عليه السلام يتبرأ ممن يدعي فيه الألوهية ويرد على النصارى ، فيقول ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أي أنه عبد لله وليس هو الله أو ابن الله أو ثالث ثلاثة كما يزعمون تعالى الله عن قولهم علواً كبيراً .
ومما يدل على كفرهم قوله تعالى {يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه فأمنوا بالله ورسله ولا تقولوا ثلاثة انتهوا خيراً لكم إنما الله إله واحد سبحانه أن يكون له ولد له ما في السموات وما في الأرض وكفى بالله وكيلا لن يستنكف المسيح أن يكون عبداً لله ولا الملائكة المقربون ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر فسيحشرهم إليه جميعاً فأما الذين أمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله وأما الذين استنكفوا واستكبروا فيعذبهم عذاباً أليماً ولا يجدون لهم من دون الله ولياً ولا نصيراً }[ النساء : 171-173 ] .
وفي هذا بيان لحقيقة المسيح عليه السلام وأنه عبد الله ورسوله وليس كما يزعم هؤلاء الضالون تعالى الله عن قولهم علواً كبيراً .
وقال تعالى {إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيهاً في الدنيا و الآخرة ومن المقربين ويكلم الناس في المهد وكهلاً ومن الصالحين قالت رب أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر قال كذلك الله يخلق ما يشاء إذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل ورسولاً إلى بني إسرائيل أني قد جئتكم بآية من ربكم أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيراً بإذن الله وأبريء الأكمه والأبرص وأحي الموتى بإذن الله وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين ومصدقاً لما بين يدي من التوراة ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم وجئتكم بآية من ربكم فاتقوا الله وأطيعون إن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله ءامنا بالله واشهد بأنا مسلمون }[ آل عمران : 45-52 ] .
وقال تعالى { ولما ضرب ابن مريم مثلاً إذا قومك منه يصدون وقالوا أألهتنا خير أم هو ما ضربوه لك إلا جدلاً بل هم قوم خصمون إن هو إلا عبد أنعمنا عليه وجعلناه مثلاً لبني إسرائيل }[الزخرف : 57-59 ] وقال عز وجل { ولما جاء عيسى بالبينات قال قد جئتكم بالحكمة ولأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه فاتقوا الله وأطيعون إن الله هو ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم فاختلف الأحزاب من بينهم فويل للذين ظلموا من عذاب يوم أليم }[ الزخرف : 63-65 ] .
وفي هذا رد على هؤلاء المفترين الضالين الذين يقولون عليه ما لم يقله وهو بريء من ذلك كله بل هو يصرح في أكثر من موضع أنه عبد لله جعله الله مثلاً لبني إسرائيل لكي يعرفوا قدرة الله على إيجاده بدون أب وأنعم عليه بالنبوة وهو يصرح أنه مرسل من ربه ويأمرهم بعبادة الله وحده لا شريك له وأنه ليس كما يدعون فيه أنه الله أو ابن الله أو ثالث ثلاثة تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً ،
وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم كفرهم وأن من لم يؤمن به كان من أصحاب النار كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أنه قال: (( والذي نفس محمد بيده! لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به، إلا كان من أصحاب النار )) ( ).
ولقد عرف النصارى صفة النبي صلى الله عليه وسلم في كتابهم لأن عيسى عليه السلام قد بشر به فلذلك كان بعض علمائهم قد أسلم وبعضهم قد عرف أنه على الحق وأنه المبشر به ولكنه جحد ولم يؤمن وذلك لأن الذين كانوا على دين عيسى عليه السلام قليل جداً وإنما كان أكثر النصارى من المحرفين للإنجيل ومما يوضح ذلك ما أخرجه الإمام أحمد وغيره عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه قال : حدثني سلمان الفارسي رضي الله عنه حديثه من فيه قال : كنت رجلاً فارسياً من أهل أصبهان ، من أهل قرية منها يقال : لها جي ، و كان أبي دهقان قريته ، و كنت أحب خلق الله إليه ، فلم يزل به حبه إياي حتى حبسني في بيته أي ملازم النار كما تحبس الجارية ، و أجهدت في المجوسية حتى كنت قطن النار الذي يوقدها لا يتركها تخبو ساعة ، قال : و كانت لأبي ضيعة عظيمة ، قال : فشغل في بنيان له يوماً ، فقال لي : يا بني ، إني قد شغلت في بنيان هذا اليوم عن ضيعتي ، فاذهب فاطلعها و أمرني فيها ببعض ما يريد ، فخرجت أريد ضيعته ، فمررت بكنيسة من كنائس النصارى ، فسمعت أصواتهم فيها و هم يصلون ، كنت لا أدري ما أمر الناس لحبس أبي إياي في بيته ، فلما مررت بهم و سمعت أصواتهم دخلت عليهم أنظر ما يصنعون ، قال : فلما رأيتهم أعجبني صلاتهم و رغبت في أمرهم ، و قلت : هذا و الله خير من الدين الذي نحن عليه ، فوالله ما تركتهم حتى غربت الشمس ، و تركت ضيعة أبي و لم آتها ، فقلت لهم : أين أصل هذا الدين ؟ قالوا : بالشام ، قال : ثم رجعت إلى أبي و قد بعث في طلبي ، و شغلته عن عمله كله ، قال : فلما جئته قال : أي بني ، أين كنت ؟ ألم أكن عهدت إليك ما عهدت ! قال : قلت : يا أبت ، مررت بناس يصلون في كنيسة لهم ، فأعجبني ما رأيت من دينهم ، فوالله ما زلت عندهم حتى غربت الشمس ، قال : أي بني ، ليس في ذلك الدين خير ، دينك و دين آبائك خير منه ، قال : قلت : كلا و الله ، إنه خير من ديننا قال : فخافني ، فجعل في رجلي قيداً ، ثم حبسني في بيته ، قال : و بعثت إلى النصارى ، فقلت لهم : إذا قدم عليكم ركب من الشام تجار من النصارى فأخبروني بهم ، قال : فقدم عليهم ركب من الشام تجار من النصارى ، قال : فأخبروني بهم ، قال : فقلت لهم : إذا قضوا حوائجهم و أرادوا الرجعة إلى بلادهم فآذنوني بهم ، قال : فلما أرادوا الرجعة إلى بلادهم أخبروني بهم ، فألقيت الحديد من رجلي ، ثم خرجت معهم حتى قدمت الشام ، فلما قدمتها قلت : من أفضل أهل هذا الدين ؟ قالوا : الأسقف في الكنيسة ، قال : فجئته ، فقلت : إني قد رغبت في هذا الدين ، و أحببت أن أكون معك أخدمك في كنيستك ، و أتعلم منك ، و أصلي معك ، قال : فادخل ، فدخلت معه ، قال : فكان رجل سوء ، يأمرهم بالصدقة و يرغبهم فيها ، فإذا جمعوا إليه منها أشياء اكتنزه لنفسه و لم يعطه المساكين ، حتى جمع سبع قلال من ذهب و ورق ، قال : و أبغضته بغضا شديداً لما رأيته يصنع ، ثم مات ، فاجتمعت إليه النصارى ليدفنوه ، فقلت لهم : إن هذا كان رجل سوء ، يأمركم بالصدقة و يرغبكم فيها ، فإذا جئتموه بها اكتنزها لنفسه ، و لم يعط المساكين منها شيئاً ، قالوا : و ما علمك بذلك ؟ قال : قلت : أنا أدلكم على كنزه ، قالوا : فدلنا عليه ، قال : فأريتهم موضعه ، قال : فاستخرجوا منه سبع قلال مملوءة ذهباً و ورقاً ، قال : فلما رأوها قالوا : و الله لا ندفنه أبداً ، فصلبوه ، ثم رجموه بالحجارة ، ثم جاءوا برجل آخر فجعلوه بمكانه ، قال : يقول سلمان : فما رأيت رجلاً لا يصلي الخمس أرى أنه أفضل منه أزهد في الدنيا و لا أرغب في الآخرة و لا أدأب ليلاً و نهاراً منه ، قال : فأحببته حباً لم أحبه من قبله ، و أقمت معه زماناً ، ثم حضرته الوفاة ، فقلت : يا فلان ، إني كنت معك و أحببتك حباً لم أحبه من قبلك ، و قد حضرك ما ترى من أمر الله ، فإلى من توصي بي ، و ما تأمرني ، قال : أي بني ، و الله ما أعلم أحداً اليوم على ما كنت عليه ، لقد هلك الناس و بدلوا و تركوا أكثر ما كانوا عليه ، إلا رجلاً بالموصل ، و هو فلان ، فهو على ما كنت عليه ، فالحق به ، قال : فلما مات و غيب لحقت بصاحب الموصل ، فقلت له : يا فلان ، إن فلاناً أوصاني عند موته أن ألحق بك ، و أخبرني أنك على أمره ، قال : فقال لي : أقم عندي ، فأقمت عنده فوجدته خير رجل على أمر صاحبه ، فلم يلبث أن مات ، فلما حضرته الوفاة قلت له : يا فلان ، إن فلاناً أوصى بي إليك ، و أمرني باللحوق بك ، و قد حضرك من الله عز و جل ما ترى ، فإلى من توصي بي و ما تأمرني ، قال : أي بني و الله ما أعلم رجلاً على مثل ما كنا عليه ، إلا رجلاً بنصيبين ، و هو فلان ، فالحق به ، قال : فلما مات و غيب لحقت بصاحب نصيبين ، فجئته ، فأخبرته بخبري و ما أمرني به صاحبي ، قال : فأقم عندي ، فأقمت عنده فوجدته على أمر صاحبيه ، فأقمت مع خير رجل ، فوالله ما لبث أن نزل به الموت ، فلما حضر قلت له : يا فلان ، إن فلاناً كان أوصى بي إلى فلان ، ثم أوصى بي فلان إليك فإلى من توصي بي و ما تأمرني ؟ قال : أي بني ، و الله ما نعلم أحدا بقي على أمرنا آمرك أن تأتيه إلا رجلاً بعمورية ، فإنه بمثل ما نحن عليه ، فإن أحببت فأته ، قال : فإنه على أمرنا ، قال : فلما مات و غيب لحقت بصاحب عمورية و أخبرته خبري فقال : أقم عندي ، فأقمت مع رجل على هدى أصحابه و أمرهم ، قال : و اكتسبت حتى كان لي بقرات و غنيمة ، قال : ثم نزل به أمر الله ، فلما حضر قلت له : يا فلان ، إني كنت مع فلان فأوصى بي فلان إلى فلان ، و أوصى بي فلان إلى فلان ، ثم أوصى بي فلان إليك ، فإلى من توصي بي و ما تأمرني ؟ قال : أي بني ، و الله ما أعلمه أصبح على ما كنا عليه أحد من الناس آمرك أن تأتيه ، و لكنه قد أظلك زمان نبي هو مبعوث بدين إبراهيم ، يخرج بأرض العرب مهاجرا إلى أرض بين حرتين ، بينهما نخل ، به علامات لا تخفى يأكل الهدية و لا يأكل الصدقة ، بين كتفيه خاتم النبوة ، فإن استطعت أن تلحق بتلك البلاد فافعل ، قال : ثم مات و غيب ، فمكثت بعمورية ما شاء الله أن أمكث ، ثم مر بي نفر من كلب تجاراً ، فقلت لهم : تحملوني إلى أرض العرب و أعطيكم بقراتي هذه و غنيمتي هذه ؟ قالوا : نعم ، فأعطيتموها ، و حملوني ، حتى إذا قدموا بي وادي القرى ظلموني فباعوني من رجل من يهود عبداً ، فكنت عنده ، و رأيت النخل و رجوت أن تكون البلد الذي وصف لي صاحبي ، و لم يحق لي في نفسي ، فبينما أنا عنده قدم عليه ابن عم له من المدينة من بني قريظة ، فابتاعني منه فاحتملني إلى المدينة ، فوالله ما هو إلا أن رأيتها فعرفتها بصفة صاحبي ، فأقمت بها ، و بعث الله رسوله ، فأقام بمكة ما أقام لا أسمع له بذكر مع ما أنا فيه من شغل الرق ، ثم هاجر إلى المدينة ، فوالله ، إني لفي رأس عذق لسيدي أعمل فيه بعض العمل ، و سيدي جالس ، إذ أقبل ابن عم له ، حتى وقف عليه ، فقال فلان : قاتل الله بني قيلة ، والله إنهم الآن لمجتمعون بقباء على رجل قدم عليهم من مكة اليوم ، يزعمون أنه نبي ، قال : فلما سمعتها أخذتني العرواء حتى ظننت سأسقط على سيدي ، قال : و نزلت عن النخلة ، فجعلت أقول لابن عمه ذلك : ماذا تقول ؟ ماذا تقول ؟ قال : فغضب سيدي فلكمني لكمة شديدة ، ثم قال : ما لك و لهذا ؟ ! أقبل على عملك ، قال : قلت : لا شيء إنما أردت أن أستثبت عما قال ، و قد كان عندي شيء قد جمعته ، فلما أمسيت أخذته ، ثم ذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو بقباء ، فدخلت عليه ، فقلت له : إنه قد بلغني أنك رجل صالح ، و معك أصحاب لك غرباء ، ذووا حاجة ، و هذا شيء كان عندي للصدقة ، فرأيتكم أحق به من غيركم ، قال : فقربته إليه ، فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لأصحابه : كلوا ، و أمسك يده فلم يأكل ، قال : فقلت في نفسي : هذه واحدة ، ثم انصرفت عنه ، فجمعت شيئاً ، و تحول رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى المدينة ، ثم جئت به ، فقلت : إني رأيتك لا تأكل الصدقة ، و هذه هدية أكرمتك بها ، قال : فأكل رسول الله صلى الله عليه و سلم منها ، و أمر أصحابه فأكلوا معه ، قال : فقلت في نفسي : هاتان اثنتان ، ثم جئت رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو ببقيع الغرقد ، قال : و قد تبع جنازة من أصحابه ، عليه شملتان له ، و هو جالس في أصحابه ، فسلمت عليه ، ثم استدرت أنظر إلى ظهره هل أرى الخاتم الذي و صف لي صاحبي ، فلما رآني رسول الله صلى الله عليه و سلم استدرته عرف أني أستثبت في شيء وصف لي ، قال : فألقى رداءه عن ظهره ، فنظرت إلى الخاتم ، فعرفته ، فانكببت عليه أقبله و أبكي ، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : تحول ، فتحولت ، فقصصت عليه حديثي كما حدثتك يا ابن عباس ، قال : فأعجب رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يسمع ذلك أصحابه ، ثم شغل سلمان الرق حتى فاته مع رسول الله صلى الله عليه و سلم بدر وأحد ، قال : ثم قال لي رسول الله صلى الله عليه و سلم : كاتب يا سلمان ، فكاتبت صاحبي على ثلاث مائة نخلة أجيبها له بالفقير و بأربعين أوقية ، فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لأصحابه : أعينوا أخاكم ، فأعانوني بالنخل ، الرجل بثلاثين ودية ، و الرجل بعشرين ، و الرجل بخمس عشرة ، و الرجل بعشر ، يعني الرجل بقدر ما عنده ، حتى اجتمعت لي ثلاث مئة ودية ، فقال لي رسول الله صلى الله عليه و سلم : اذهب يا سلمان ففقر لها ، فإذا فرغت فائتني أكون أنا أضعها بيدي ، ففقرت لها ، و أعانني أصحابي ، حتى إذا فرغت منها جئته ، فأخبرته ، فخرج رسول الله صلى الله عليه و سلم معي إليها ، فجعلنا نقرب له الودي و يضعه رسول الله صلى الله عليه و سلم بيده ، فوالذي نفس سلمان بيده ، ما ماتت منها ودية واحدة ، فأديت النخل و بقي علي المال ، فأتي رسول الله صلى الله عليه و سلم بمثل بيضة الدجاجة من ذهب من بعض المغازي ، فقال : ما فعل الفارسي المكاتب ؟ قال : فدعيت له ، فقال : خذ هذه فأد بها ما عليك يا سلمان ، فقلت : و أين تقع هذه يا رسول الله مما علي ؟ قال : خذها فإن الله عز و جل سيؤدي بها عنك ، قال : فأخذتها ، فوزنت لهم منها ـ و الذي نفس سلمان بيده ـ أربعين أوقية ، فأوفيتهم حقهم ، و عتقت ، فشهدت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم الخندق ، ثم لم يفتني معه مشهد )) ( ) .
ففي هذا الحديث ما يدل على أنه لم يكن في النصارى في هذا العهد إلا نفر يسير على دين المسيح عليه السلام وأن بقيتهم كانوا مبدلين للإنجيل محرفين له غارقين في الضلال المبين والكفر برب العالمين ويبين ذلك أيضاً ما في الصحيحين عن عبد الله بن عباس أن أبا سفيان بن حرب أخبره أن هرقل أرسل إليه في ركب من قريش ، وكانوا تجارا بالشام ، في المدة التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ماد فيها أبا سفيان وكفار قريش ، فأتوه وهم بإلياء ، فدعاهم في مجلسه ، وحوله عظماء الروم ، ثم دعاهم ودعى بترجمانه ، فقال : أيكم أقرب نسبا بهذا الرجل الذي يزعم أنه نبي ؟ فقال أبو سفيان : فقلت أنا أقربهم نسبا ، فقال : أدنوه مني ، وقربوا أصحابه فاجعلوهم عند ظهره ، ثم قال لترجمانه : قل لهم إني سائل هذا عن هذا الرجل ، فإن كذبني فكذبوه . فوالله لولا الحياء من أن يأثروا علي كذبا لكذبت عنه . ثم كان أول ما سألني عنه أن قال : كيف نسبه فيكم ؟ قلت : هو فينا ذو نسب . قال : فهل قال هذا القول منكم أحد قط قبله ؟ قلت : لا . قال : فهل كان من آبائه من ملك ؟ قلت : لا . قال : فأشراف الناس يتبعونه أم ضعفاؤهم ؟ فقلت : بل ضعفاؤهم . قال : أيزيدون أم ينقصون ؟ قلت : بل يزيدون . قال : فهل يرتد أحد منهم سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه ؟ قلت : لا . قال : فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال ؟ قلت : لا . قال : فهل يغدر ؟ قلت : لا ، ونحن منه في مدة لا ندري ما هو فاعل فيها . قال : ولم تمكني كلمة أدخل فيها شيئا غير هذا الكلمة . قال : فهل قاتلتموه ؟ قلت : نعم . قال : فكيف كان قتالكم إياه ؟ قلت : الحرب بيننا وبينه سجال ، ينال منا وننال منه . قال : ماذا يأمركم ؟ قلت : يقول : اعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيئا ، واتركوا ما يقول آباؤكم ، ويأمرنا بالصلاة والصدق والعفاف والصلة . فقال للترجمان : قل له : سألتك عن نسبه فذكرت أنه فيكم ذو نسب ، فكذلك الرسل تبعث في نسب قومها . وسألتك هل قال أحد منكم هذا القول ، فذكرت أن لا ، فقلت لو كان أحد قال هذا القول قبله ، لقلت رجل يأتسي بقول قيل قبله . وسألتك هل كان من آبائه من ملك ، فذكرت أن لا ، قلت : فلو كان من آبائه من ملك ، قلت : رجل يطلب ملك أبيه . وسألتك هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال ، فذكرت أن لا ، فقد أعرف عنه لم يكن ليذر الكذب على الناس ويكذب على الله . وسألتك أشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم ، فذكرت أن ضعفاؤهم اتبعوه ، وهم أتباع الرسل . وسألتك أيزيدون أم ينقصون ، فذكرت أنهم يزيدون ، وكذلك أمر الإيمان حتى يتم . وسألتك أيرتد أحد سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه ، فذكرت أن لا ، وكذلك الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب . وسألتك هل يغدر ، فذكرت أن لا ، وكذلك الرسل لا تغدر . وسألتك بما يأمركم ، فذكرت أنه يأمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا ، وينهاكم عن عبادة الأوثان ، ويأمركم بالصلاة والصدق والعفاف ، فإن كان ما تقول حقا فسيملك موضع قدمي هاتين ، وقد كنت أعلم أنه خارج ، لم أكن أظن أنه منكم ، فلو أني أعلم أني أخلص إليه ، لتجشمت لقاءه ، ولو كنت عنده لغسلت عن قدمه . ثم دعى بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي بعث به دحية إلى عظيم بصرى ، فدفعه إلى هرقل ، فقرأه ، فإذا فيه : ( بسم الله الرحمن الرحيم ، من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم : سلام على من اتبع الهدى ، أما بعد ، فإني أدعوك بدعاية الإسلام ، أسلم تسلم ، يؤتك الله أجرك مرتين ، فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين و : { يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون } ) . قال أبو سفيان : فلما قال ما قال ، وفرغ من قراءة الكتاب ، كثر عنده الصخب وارتفعت الأصوات وأخرجنا ، فقلت لأصحابي حين أخرجنا : لقد أمر أمر ابن أبي كبشة ، إنه يخافه ملك بني الأصفر . فما زلت موقنا أنه سيظهر حتى أدخل الله علي الإسلام . وكان ابن الناظور ، صاحب إيلياء ، أسقفا على نصارى الشأم ، يحدث أن هرقل حين قدم إيلياء ، أصبح يوما خبيث النفس ، فقال بعض بطارقته : قد استنكرنا هيئتك ، قال ابن الناظور : وكان هرقل حزاءً ينظر في النجوم ، فقال لهم حين سألوه : إني رأيت الليلة حين نظرت في النجوم ملك الختان قد ظهر ، فمن يختتن من هذه الأمة ؟ قالوا : ليس يختتن إلا اليهود ، فلا يهمنك شأنهم ، واكتب إلى مداين ملكك ، فيقتلوا من فيهم من اليهود . فبينما هم على أمرهم ، أتي هرقل برجل أرسل به ملك غسان يخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما استخبره هرقل قال : إذهبوا فانظروا أمختتن هو أم لا ، فنظروا إليه ، فحدثوه أنه مختتن ، وسأله عن العرب ، فقال : هم يختتنون ، فقال هرقل : هذا ملك هذا الأمة قد ظهر . ثم كتب هرقل إلى صاحب له برومية ، وكان نظيره في العلم ، وسار هرقل إلى حمص ، فلم يرم حمص حتى أتاه كتاب من صاحبه يوافق رأي هرقل على خروج النبي صلى الله عليه وسلم ، وأنه نبي ، فأذن هرقل لعظماء الروم في دسكرة له بحمص ، ثم أمر بأبوابها فغلقت ، ثم اطلع فقال : يا معشر الروم ، هل لكم في الفلاح والرشد ، وأن يثبت ملككم ، فتبايعوا هذا النبي ، فحاصوا حيصة حمر الوحش إلى الأبواب ، فوجدوها قد غلقت ، فلما رأى هرقل نفرتهم ، وأيس من الإيمان ، قال : ردوهم علي ، وقال : إني قلت مقالتي آنفا أختبر بها شدتكم على دينكم ، فقد رأيت ، فسجدوا له ورضوا عنه ، فكان ذلك آخر شأن هرقل .
فهذا هو هرقل وهو من أكبر ملوك النصارى وهو يعلم أنه النبي الذي بشر به عيسى عليه السلام ولكنه ضن بملكه مع علمه به ، وكذلك كثيراً منهم كانوا يعرفون النبي صلى الله عليه وسلم بصفته وصفة أمته ولكنهم تركوا اتباعه حسداً له وتكذيباً لبشارة عيسى عليه السلام فتبين بذلك أن دين النصارى الموجود الآن إنما هو دين مبتدع باطل ابتدعوه بعد المسيح عليه السلام ، ثم لما بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم كفروا به ، ومن ملوكهم الذين أسلموا أيضاً النجاشي لأنه قد عرف أن الذي جاء به هو من الله وأقر قول جعفر بن أبي طالب حين قال عن عيسى إنما هو عبد الله ورسوله وروحه وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول يبين ذلك ما رواه الإمام أحمد في مسنده عن أم سلمة ابنة أبي أمية بن المغيرة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : لما نزلنا أرض الحبشة جاورنا بها خير جار ، النجاشي ، أمنا على ديننا ، وعبدنا الله لا نؤذى ولا نسمع شيئا نكرهه ، فلما بلغ ذلك قريشا ائتمروا أن يبعثوا إلى النجاشي فينا رجلين جلدين ، وأن يهدوا للنجاشي هدايا مما يستطرف من متاع مكة ، وكان من أعجب ما يأتيه منها إليه الأدم ، فجمعوا له أدما كثيرا ، ولم يتركوا من بطارقته بطريقا إلا أهدوا له هدية ، ثم بعثوا بذلك مع عبد الله بن أبي ربيعة بن المغيرة المخزومي و عمرو بن العاص بن وائل السهمي وأمروهما أمرهم ، وقالوا لهما : ادفعوا إلى كل بطريق هديته قبل أن تكلموا النجاشي فيهم ، ثم قدموا للنجاشي هداياه ، ثم سلوه أن يسلمهم إليكم قبل أن يكلمهم ، قالت : فخرجا فقدما على النجاشي ونحن عنده بخير دار وعند خير جار ، فلم يبق من بطارقته بطريق إلا دفعا إليه هديته قبل أن يكلما النجاشي ، ثم قالا لكل بطريق منهم إنه قد صبا إلى بلد الملك منا غلمان سفهاء ، فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا في دينكم ، وجاءوا بدين مبتدع لا نعرفه نحن ولا أنتم ، وقد بعثنا إلى الملك فيهم أشراف قومهم ليردهم إليهم ، فإذا كلمنا الملك فيهم فتشيروا عليه بأن يسلمهم إلينا ولا يكلمهم فإن قومهم أعلى بهم عينا وأعلم بما عابوا عليهم ، فقالوا لهما : نعم ، ثم إنهما قربا هداياهم إلى النجاشي فقبلها منهما ، ثم كلماه فقالا له : أيها الملك ، إنه قد صبا إلى بلدك منا غلمان سفهاء ، فارقوا دين قومهم ، ولم يدخلوا في دينك ، وجاءوا بدين مبتدع لا نعرفه نحن ولا أنت ، وقد بعثنا إليك فيهم أشراف قومهم من آبائهم وأعمامهم وعشائرهم لتردهم إليهم ، فهم أعلى بهم عينا وأعلم بما عابوا عليهم وعاتبوهم فيه ، قالت : ولم يكن شيء أبغض إلى عبد الله بن أبي ربيعة و عمرو بن العاص من أن يسمع النجاشي كلامهم ، فقالت بطارقته حوله : صدقوا أيها الملك ، قومهم أعلى بهم عينا وأعلم بما عابوا عليهم فأسلمهم إليهما فليرداهم إلى بلادهم وقومهم ، قال : فغضب النجاشي ثم قال : لا ، ها الله ، أيم الله إذاً ، لا أسلمهم إليهما ولا أكاد قوما جاوروني ونزلوا بلادي واختاروني على من سواي حتى أدعوهم فأسألهم ماذا يقول هذان في أمرهم ، فإن كانوا كما يقولان أسلمتهم إليهما ورددتهم إلى قومهم ، وإن كانوا على غير ذلك منعتهم منهما وأحسنت جوارهم ما جاوروني ، قالت : ثم أرسل إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاهم ، فلما جاءهم رسوله اجتمعوا ، ثم قال بعضهم لبعض : ما تقولون للرجل إذا جئتموه ؟ قالوا : نقول : والله ما علمنا وما أمرنا به نبينا صلى الله عليه وسلم كائن عليه السلام في ذلك ما هو كائن فلما جاءوه وقد دعا النجاشي أساقفته فنشروا مصاحفهم حوله ـ سألهم فقال : ما هذا الدين الذي فارقتم فيه قومكم ، ولم تدخلوا في ديني ولا في دين أحد من هذه الأمم ؟ قالت : فكان الذي كلمه جعفر بن أبي طالب ، فقال له : أيها الملك ، كنا قوما أهل جاهلية نعبد الأصنام ، ونأكل الميتة ، ونأتي الفواحش ، ونقطع الأرحام ، ونسيء الجوار ، يأكل القوي منا الضعيف ، فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولا منا ، نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه ، فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان ، وأمرنا بصدق الحديث وأداء الأمانة وصلة الرحم وحسن الجوار ، والكف عن المحارم والدماء ، ونهانا عن الفواحش وقول الزور وأكل مال اليتيم وقذف المحصنة ، وأمرنا أن نعبد الله وحده لا نشرك به شيئا ، وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام ـ قال : فعدد عليه أمور الإسلام ـ فصدقناه وآمنا به ، واتبعناه على ما جاء به فعبدنا الله وحده فلم نشرك به شيئا ،وحرمنا ما حرم علينا ، وأحللنا ما أحل لنا ، فعدا علينا قومنا فعذبونا وفتنونا عن ديننا ليردونا إلى عبادة الأوثان من عبادة الله ، وأن نستحل ما كنا نستحل من الخبائث ، فلما قهرونا وظلمونا وشقوا علينا ، وحالوا بيننا وبين ديننا خرجنا إلى بلدك ، واخترناك على من سواك ، ورغبنا في جوارك ، ورجونا أن لا نظلم عندك أيها الملك ، قالت : فقال له النجاشي : هل معك مما جاء به من الله من شيء ؟ قالت : فقال له جعفر نعم ، فقال له النجاشي : فاقرأه علي ، فقرأ عليه صدرا من " كهيعص " قالت : فبكى والله النجاشي حتى أخضل لحيته ، وبكت أساقفته حتى أخضلوا مصاحفهم حين سمعوا ما تلا عليهم ، ثم قال النجاشي : إن هذا والله والذي جاء به موسى ليخرج من مشكاة واحدة ، انطلقا فو الله لا أسلمهم إليكم أبدا ولا أكاد ، قالت أم سلمة : فلما خرجا من عنده قال عمرو بن العاص : والله لأنبئنهم غدا عيبهم عندهم ثم أستأصل به خضراهم ، قالت : فقال له عبد الله بن أبي ربيعة : وكان أتقى الرجلين فينا لا تفعل فإن لهم أرحاما وإن كانوا قد خالفونا ، قال : والله لأخبرنه أنهم يزعمون أن عيسى ابن مريم عبد ، قالت : ثم غدا عليه الغد ، فقال له أيها الملك ، إنهم يقولون في عيسى ابن مريم قولا عظيما فأرسل إليهم فاسألهم عما يقولون فيه ، فأرسل إليهم يسألهم عنه قالت : ولم ينزل بنا مثله ، فاجتمع القوم فقال : بعضهم لبعض ماذا تقولون في عيسى إذا سألكم عنه ؟ قالوا : نقول والله فيه ما قال الله وما جاء به نبينا ، كائنا في ذلك ما هو كائن ، فلما دخلوا عليه قال لهم : ما تقولون في عيسى ابن مريم ؟ فقال له جعفر بن أبي طالب نقول فيه الذي جاء به نبينا ، هو عبد الله ورسوله وروحه وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول ، قالت : فضرب النجاشي يده إلى الأرض فأخذ منها عودا ، ثم قال : ما عدا عيسى ابن مريم ما قلت هذا العود ، فتناخرت بطارقته حوله حين قال ما قال ، فقال : وإن نخرتم والله ، اذهبوا فأنتم سيوم بأرضي ـ والسيوم الآمنون ـ من سبكم غرم ، ثم من سبكم غرم فما أحب أن لي دبرا ذهبا وإني آذيت رجلاً ـ منكم والدبر بلسان الحبشة : الجعل ـ ، ردوا عليهما هداياهما فلا حاجة لنا بها فوالله ما أخذ الله مني الرشوة حين رد علي ملكي فآخذ الرشوة فيه وما أطاع الناس في فأطيعهم فيه ، قالت : فخرجا من عنده مقبوحين ، مردودا عليهما ما جاءا به ، وأقمنا عنده بخير دار مع خير جار ، قالت : فو الله إنا على ذلك إذ نزل به ـ يعني من ينازعه في ملكه ـ قالت : فو الله ما علمنا حزنا قط كان أشد من حزن حزناه عند ذلك ، تخوفا أن يظهر ذلك على النجاشي فيأتي رجل لا يعرف من حقنا ما كان النجاشي يعرف منه ، قالت : وسار النجاشي وبينهما عرض النيل ، قالت : فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : من رجل يخرج حتى يحضر وقعة القوم ثم يأتينا بالخبر ؟ قالت فقال الزبير بن العوام : أنا ، قالت : وكان من أحدث القوم سنا قالت : فنفخوا له قربة فجعلها في صدره ثم سبح عليها حتى خرج إلى ناحية النيل التي بها ملتقى القوم ، ثم انطلق حتى حضرهم ، قالت : ودعونا الله للنجاشي بالظهور على عدوه والتمكين له في بلاده ، واستوسق عليه أمر الحبشة ، فكنا عنده في خير منزل حتى قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكة ( ).
ومن ذلك أن نصارى نجران كانوا يعرفون أنه صلى الله عليه وسلم هو النبي الذي بشرت به الكتب المتقدمة ولكن منعهم من اتباعه ما كان لبعضهم من المكانة عند ملوكهم ، وبعضهم منعه الضلال الذي كان فيه وعقيدته الفاسدة التي يعتقدها في المسيح ، وقد نقل ابن القيم رحمه الله عن ابن إسحاق أنه قال : وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد نصارى نجران بالمدينة ، فحدثني محمداً بن جعفر بن الزبير قال : لما قدم وفد نجران على رسول الله صلى الله عليه وسلم دخلوا عليه مسجده بعد العصر ، فحانت صلاتهم فقاموا يصلون في مسجده فأراد الناس منعهم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( دعوهم )) فاستقبلوا المشرق فصلوا صلاتهم ، وكانوا ستين راكباً ، منهم أربعة وعشرون رجلاً من أشرافهم منهم ثلاثة نفر إليهم يؤول أمرهم العاقب أمير القوم وذو رأيهم وصاحب مشورتهم والذي لا يصدرون إلا عن رأيه وأمره ، واسمه عبد المسيح والسيل عقالهم وصاحب رحلهم ومجمعهم وأبو حارثة ابن علقمة أسقفهم وحبرهم وإمامهم وصاحب مدراسهم ، وكان أبو حارثة قد شرف فيهم ودرس كتبهم ، وكانت ملوك الروم من أهل النصرانية قد شرفوه ومولوه وأخدموه وبنوا له الكنائس وبسطوا عليه الكرامات لما بلغهم عنه من علمه واجتهاده في دينهم فلما وجهوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من نجران جلس أبو حارثة على بغلة متوجهاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى جنبه أخ له يقال له كرز بن علقمة يسايره إذ عثرت بغلة أبي حارثة ، فقال له كرز تعس الأبعد يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال له أبو حارثة ، بل أنت تعست فقال : ولم يا أخي ؟ فقال والله إنه للنبي الذي كنا ننتظره ، فقال له كرز فما يمنعك من اتباعه وأنت تعلم هذا ، فقال ما صنع بنا هؤلاء القوم شرفونا ومولونا وأكرمونا وقد أبوا إلا خلافه ، ولو فعلت نزعوا منا كل ما ترى ، فاصر عليها أخوه كرز بن علقمة حتى أسلم بعد ذلك فهذا وأمثاله من الذين منعتهم الرياسة والمأكل من اختيار الهدى وآثروا دين قومهم وإذا كان هذا حال الرؤساء المتبوعين الذين هم علماؤهم وأحبارهم كان بقيتهم تبعاً لهم ، وليس بمستنكر أن تمنع الرياسة والمناصب والمآكل للرؤساء ويمنع الأتباع تقليدهم ، بل هذا هو الواقع والعقل لا يستشكله ( ).
قال سيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :
" والنصارى يقولون : إن المسيح الذي هو عندهم اللاهوت والناسوت جميعاً إنما مكن الكفار من صلبه ليحتال بذلك على عقوبة إبليس ، قالوا فأخفى نفسه عن إبليس لئلا يعلم ، ومكن أعداءه من أخذه وضربه ، والبصاق في وجهه ، ووضع الشوك على رأسه وصلبه وأظهر الجزع من الموت وصار يقول : يا إلهي لم سلطت أعدائي عليَّ ليختفي بذلك عن إبليس ، فلا يعرف إبليس أنه الله أو ابن الله ويريد إبليس أن يأخذ روحه إلى الجحيم كما أخذ أرواح نوح ، وإبراهيم ، وموسى وغيرهم من الأنبياء والمؤمنين ، فيحتج عليه الرب ، حينئذ ويقول : بماذا استحللت يا إبليس أن تأخذ روحي ؟ فيقول له إبليس بخطيئتك ، فيقول ناسوتى : لا خطيئة له كنواسيت الأنبياء ، فإنه كان لهم خطايا استحقوا بها أن تؤخذ أرواحهم إلى جهنم ، وأنا لا خطيئة لي .
وقالوا : فلما أقام الله الحجة على إبليس جاز للرب حينئذ أن يأخذ إبليس ويعاقبه ويخلص ذرية أدم من إذهابهم إلى الجحيم ، وهذا الكلام فيه من الباطل ونسبة الظلم إلى الله ما يطول وصفه ، فمن هذا قوله : فقد قدح في علم الرب وحكمته وعدله قدحاً ما قدحه فيه أحذ ، وذلك من وجوه :
أحدها : أن يقال إبليس إن كان أخذ الذرية بذنب أبيهم فلا فرق بين ناسوت المسيح وغيره وإن كان بخطاياهم فلم يأخذهم بذنب أبيهم وهم قالوا إنما أخذهم بذنب آدم .
الثاني : أن يقال من خلق بعد المسيح من الذرية كمن خلق قبله فكيف جاز أن يمكن إبليس من الذرية المتقدمين دون المتأخرين وكلهم بالنسبة إلى آدم سواء وهم أيضا يخطئون أعظم من خطايا الأنبياء المتقدمين فكيف جاز تمكين إبليس من عقوبة الأنبياء المتقدمين ولم يمكن من عقوبة الكفار والجبابرة الذين كانوا بعد المسيح .
الوجه الثالث : أن يقال أخذ إبليس لذرية آدم وإدخالهم جهنم إما أن يكون ظلما من إبليس وإما أن يكون عدلا فإن كان عدلا فلا لوم على إبليس ولا يجوز أن يحتال عليه ليمتنع من العدل الذي يستحقه بل يجب تمكينه من المتأخرين والمتقدمين وإن كان ظلما فلم لا يمنعه الرب منه قبل المسيح فإن قيل لم يقدر فقد نسبوه إلى العجز وإن قيل قدر على دفع ظلم إبليس ولم يفعله فلا فرق بين دفعه في زمان دون زمان إن جاز ذلك جاز في كل زمان وإن امتنع امتنع في كل زمان .
الوجه الرابع : أن إبليس إن كان معذورا قبل المسيح فلا حاجة إلى عقوبته ولا ملام عليه وإن لم يكن معذورا استحق العقوبة ولا حاجة إلى أن يحتال عليه بحيلة تقام بها الحجة عليه .
الوجه الخامس : إنه بتقدير أنه لم يقم عليه الحجة قبل الصلب فلم يقم عليه حجة بالصلب فإنه يمكنه أن يقول أنا ما علمت أن هذا الناسوت هو ناسوت الرب وأنت يا رب قد أذنت لي أن آخذ جميع ذرية آدم فأوديهم إلى الجحيم فهذا واحد منهم وما علمت أنك أو ابنك اتحد به ولو علمت ذلك لعظمته فأنا معذور في ذلك فلا يجوز أن تظلمني .
الوجه السادس : أن نقول أن إبليس يقول حينئذ يا رب فهذا الناسوت الواحد أخطأت في أخذ روحه لكن سائر بني آدم الذين بعده لي أن أحبس أرواحهم في جهنم كما حبست أرواح الذين كانوا قبل المسيح إما بذنب أبيهم وإما بخطاياهم أنفسهم وحينئذ فإن كان ما يقوله النصارى حقا فلا حجة لله على إبليس .
الوجه السابع : أن يقال هب أن آدم أذنب وبنوه أذنبوا بتزيين الشيطان فعقوبة بني آدم على ذنوبهم هي إلى الله أو إلى إبليس فهل يقول عاقل أن إبليس له أن يغوي بني آدم بتزيينه لهم ثم له أن يعاقبهم جميعا بغير إذن من الله في ذلك وهل هذا القول إلا من قول المجوس الثنوية الذين يقولون إن كل ما في العالم من الشر من الذنوب والعقاب وغير ذلك هو من فعل إبليس لم يفعل الله شيئا من ذلك ولا عاقب الله أحدا على ذنب ولا ريب أن هذا القول سرى إلى النصارى من المجوس لهذا لا ينقلون هذا القول في كتاب منزل ولا عن أحد من الحواريين ولهذا كان المانوية دينهم مركبا من دين النصارى والمجوس وكان رأسهم ماني نصرانيا مجوسيا فالنسب بين النصارى والمجوس بل وسائر المشركين نسب معروف .
الوجه الثامن : أن يقال إبليس عاقب بني آدم وأدخلهم جهنم بإذن الله أو بغير إذنه إن قالوا بإذنه فلا ذنب له ولا يستحق أن يحتال عليه ليعاقب ويمتنع وإن كان بغير إذنه فهل جاز في عدل الله أن يمكنه من ذلك أم لم يجز فإن جاز ذلك في زمان جاز في جميع الأزمنة وإن لم يجز في زمان لم يجز في جميع الأزمنة فلا فرق بين ما قبل المسيح وما بعده .
الوجه التاسع : أن يقال هل كان الله قادرا على منع إبليس وعقوبته بدون هذه الحيلة وكان ذلك عدلا منه لو فعله أم لا فإن كان ذلك مقدورا له وهو عدل منه لم يحتج أن يحتال على إبليس ولا يصلب نفسه أو ابنه ثم إن كان هذا العدل واجبا عليه وجب منع إبليس وإن لم يكن واجبا جاز تمكينه في كل زمان فلا فرق بين زمان وزمان وإن قيل لم يكن قادرا على منع إبليس فهو تعجيز للرب عن منع إبليس وهذا من أعظم الكفر باتفاق أهل الملل من جنس قول الثنوية الذين يقولون لم يكن يقدر النور أن يمنع الظلمة من الشر ومن جنس قول ديمقراطيس والحنانين الذين يقولون لم يمكن واجب الوجود أن يمنع النفس من ملابسه الهيولي بل تعلقت النفس بها بغير اختياره .
الوجه العاشر : أن ما فعله به الكفار اليهود الذين صلبوه طاعة لله أو معصية فإن كان طاعة لله استحق اليهود الذين صلبوه أن يثيبهم ويكرمهم على طاعته كما يثيب سائر المطيعين له والنصارى متفقون على أن أولئك من أعظم الناس إثما وهم من شر الخلق وهم يستحلون من دمهم ولعنتهم ما لا يستحلونه من غيرهم بل يبالغون في طلب اليهود وعقوبتهم في آخر صومهم الأيام التي تشبه أيام الصليب وإن كان أولئك اليهود عصاة لله فهل كان قادرا على منعهم من هذه المعصية أم لا فإن لم يكن قادرا لم يكن قادرا على منع إبليس من ظلم الذرية في الزمن المستقبل وإن كان قادرا على منعهم من المعاصي ولم يمنعهم كان قادرا على منع إبليس بدون هذه الحيلة وإذا كان حسنا منه تمكينهم من هذه المعصية كان حسنا منه تمكين إبليس من ظلم الذرية في الماضي والمستقبل فلا حاجة إلى الحيلة عليه واعلم أن الوجوه الدالة على فساد دين النصارى كثيرة جدا وكلما تصور العاقل مذهبهم وتصور لوازمه تبين له فساده لكن المقصود هنا بيان تناقضهم في أنهم يقيمون عذر أنفسهم في ترك الإيمان بكتابه ورسوله ودينه لكونه سبحانه عدلا لا يأمر الناس بما يعجزون عنه وهو سبحانه لم يأمرهم إلا بما يقدرون عليه وقد نسبوا إليه من الظلم ما لم ينسبه إليه أحد من بني آدم يوضح هذا .
الوجه الحادي عشر : وهو أنه إما أن يقال في الظلم بقول الجهمية المجبرة الذين يقولون يفعل ما يشاء بلا حكمة ولا سبب ولا مراعاة عدل وإما أن يقال بقول القدرية أنه يجب عليه العدل الذي يجب على المخلقين وإما أن يقال هو عادل منزه عن الظلم ولكن ليس عدله كعدل المخلوق فهذه أقوال الناس الثلاثة فإن قيل بالأول جاز أن يسلط إبليس على جميع الذرية بلا ذنب وأن يعاقبهم جميعا بلا ذنب ولا حاجة حينئذ إلى الحيلة على إبليس وإن قيل بالثاني فمعلوم أن الواحد من الناس لو علم أن بعض مماليكه أمر غيره بذنب يكرهه السيد ففعله كان العدل منه أن يعاقب الآمر والمأمور جميعا وأما تسليطه للآمر على عقوبة المأمور فليس من العدل وكذلك تسليط الآمر الظالم على جميع ذرية المأمور الذين لم يذنبوا ذنب أبيهم ليس من العدل وإن قيل بل هو إستحق أن يستعبدهم لكون أبيهم أطاعه قيل فحينئذ يستحق أن يأسر الأولين والآخرين فلا يجوز أن يمنع من حقه بالاحتيال عليه وإن قيل إنما يستحق أخذهم خطاياهم قيل فله أن يأخذ الأولين والآخرين وإن قيل هو لما طلب أخذ روح ناسوت المسيح منع بهذا الذنب قيل هذا إن كان ذنبا فهو أخف ذنوبه فإنه لم يعلم أنه ناسوت الإله وإذا إستحق الرجل أن يسترق أولاد غيره فطلب رجلا ليسترقه لظنه أنه منهم ولم يكن منهم لم يكن هذا ذنبا يمنع استرقاق الباقين وإن قيل إن عدل الرب ليس كعدل المخلوقين بل من عدله أن لا ينقص أحدا من حسناته ولا يعاقبه إلا بذنبه لم يجز حينئذ أن يعاقب ذرية آدم بذنب أبيهم ولم يجز أن يعاقب الأنبياء الذين ليس لهم ذنب إلا ذنب تابوا منه بذنب غيرهم فإن الأنبياء معصومون أن يقروا على ذنب فكل من مات منهم مات وليس له ذنب يستحق عليه العقوبة فكيف يعاقبون بعد الموت بذنب أبيهم إن قدر أنه مات مصرا على الذنب مع أن هذا تقدير باطل ولو قدر أن الأنبياء لهم خطايا يستحقون بها العقوبة بعد الموت وتسليط إبليس على عقوبتهم مع أن هذا تقدير باطل فمن بعد المسيح من غير الأنبياء أولى بذلك فكيف يجوز في العدل الذي يوجب التسوية بين المتماثلين عقوبة الأنبياء ومنع عقوبة من هو دونهم بل من هو من الكفار .
الوجه الثاني عشر : أن الرب إذا قصد بهذا دفع ظلم إبليس فهلا اتحد بناسوت بعض أولاد آدم ليحتال على إبليس فيمنعه من ظلم من تقدم فإن المنع من الشر الكثير أولى من المنع من الشر القليل أتراه ما كان يعلم أن إبليس يعمل هذا الشر كله فهذا تجهيل له أو كان يعرف وعجز عن دفعه فهذا تعجيز له ثم ما الفرق بين زمان وزمان أم كان ترك منعه عدلا منه فهو عدل في كل زمان "( ).
وقد حرفت النصارى نصوص الإنجيل كما حرفت اليهود نصوص التوراة ، فاليهود هم أساتذة النصارى في التحريف ، وكتمان العلم ، والكفر بالأنبياء فكما أن اليهود كذبوا عيسى عليه السلام ، وحرفوا نصوص التوراة الدالة على نبوته فكانوا بذلك كفاراً بموسى وبعيسى عليهما الصلاة والسلام ، فكذلك النصارى كذبوا بمحمد صلى الله عليه وسلم فكانوا بذلك كفاراً لأنهم خالفوا نصوص نبيهم في البشارة بمحمد صلى الله عليه وسلم الموجودة في الإنجيل وحرفوه ، وقالوا على الله تعالى أشنع الأقوال التي لا تصدر إلا من أحمق جاهل ، وقد كثر التناقض في الأناجيل الموجودة معهم حيث ادعوا فيها ما لم يتفوه به المسيح عليه السلام ومن ذلك ما قاله ابن القيم رحمه الله :
" وأما الإنجيل فهي أربعه أناجيل أخذت عن أربعة نفر ، اثنان منهم لم يريا المسيح أصلاً ، واثنان رأياه واجتمعا به وهما متَّى و يوحنا ، وكل منهم يزيد وينقص ويخالف إنجيله إنجيل أصحابه في أشياء ، وفيها ذكر القول ونقيضه كما فيه أنه قال ( إن كنت أشهد لنفسي فشهادتي غير مقبولة ، ولكن غيري يشهد لي ) وقال في موضع آخر ( إن كنت أشهد لنفسي فشهادتي حق لأني أعلم من أين جئت وإلى أين أذهب ) وفيه أنه لما استشعر بوثوب اليهود عليه قال : ( قد جزعت نفسي الآن فماذا أقول ؟ يا أبتاه سلمني من هذا الوقت ، وأنه لما رفع على خشبة الصلب صاح صياحاً عظيماً وقال : يا إلهي لم أسلمتني ؟ ) فكيف يجتمع هذا مع قولكم : إنه هو الذي اختار إسلام نفسه إلى اليهود ليصلبوه ويقتلوه رحمة منه بعباده حتى فداهم بنفسه من الخطايا ، وأخرج بذلك آدم ونوح وإبراهيم وموسى وجميع الأنبياء من جهنم بالحيلة التي دبرها على إبليس ؟ وكيف يجزع إله العالم من ذلك وكيف يسأل السلامة منه وهو الذي اختاره ورضيه ؟ وكيف يشتد صياحه ويقول : ( يا إلهي لم أسلمتني ) وهو الذي أسلم نفسه ؟ وكيف لم يخلصه أبوه مع قدرته على تخليصه وإنزال صاعقة على الصليب وأهله أم كان رباً عاجزاً مقهوراً مع اليهود ، وفيه أيضاً ( أن اليهود سألته أن يظهر لهم برهاناً أنه المسيح ، فقال : تهدمون هذا البيت يعني بيت المقدس وأبنيه لكم في ثلاثة أيام ، فقالوا له بيت مبني في خمس وأربعين سنة تبنيه أنت في ثلاثة أيام ) ثم ذكر في الإنجيل أيضاَ ( أنه لما ظفرت به اليهود وحمل إلى بلاط عامل قيصر واستدعيت عليه بينة أن شاهدي زور جاءا إليه وقالا سمعناه يقول أنا قادر على بنيان بيت المقدس في ثلاثة أيام ) فيالله العجب كيف يدعي أن تلك المعجزة والقدرة له ويدعي أن الشاهدين عليه بها شاهدا زور ؟ وفيه أيضاً للوقا ( أن المسيح قال لرجلين من تلامذته : إذهبا إلى الحصن الذي يقابلكما فإذا دخلتماه فستجدان فلواً مربوطاً لم يركبه أحد فحلاه واقبلا به إليّ ) وقال في إنجيل متَّى في هذه القصة ( إنها كانت حمارة متبعة ) وفيه أنه قال ( لا تحسبوا أني قدمت لأصلح بين أهل الأرض ، لم آت لصلاحهم ، لكن لألقي المحاربة بينهم ، إنما قدمت لأفرق بين المرء وابنه والبنت وأمها حتى يصير أعداء المرء أهل بيته ) ثم فيه أيضاً ( إنما قدمت لتحيوا وتزدادوا خيراً وأصلح بين الناس ) وأنه قال ( من لطم خدك اليمين فانصب له الآخر ) وفيه أيضاً أنه قال ( طوبا لك يا شمعون رأس الجماعة ، وأنا أقول إنك ابن الحجر وعلى هذا الحجر تبني بيعتي ، فكلما أحللته على الأرض يكون محللاً في السماء ، وما عقدته على الأرض يكون معقوداً في السماء ) ثم فيه بعينه بعد أسطر يقول له ( اذهب يا شيطان ولا تعارض فإنك جاهل ) فكيف يكون شيطان جاهل مطاع في السموات وفي الإنجيل نص ( أنه لم تلد النساء مثل يحيى ) هذا في إنجيل متّى ، وفي إنجيل يوحنا ؟ ( أن اليهود بعثت إلى يحيى من يكشف عن أمره ، فسألوه من هو أهو المسيح ؟ قال : لا ، قالوا : نراك إلياس ؟ قال : لا ، قالوا أنت نبي ؟ قال : لا ، قالوا أخبرنا من أنت ؟ قال : أنا صوت مناد المفاوز ) ولا يجوز لنبي أن ينكر نبوته فإنه يكون مخبراً بالكذب .
ومن العجب أن في إنجيل متّى نسبة المسيح إلى أنه ابن يوسف ، فقال : عيسى بن يوسف بن فلان ، ثم عد إلى إبراهيم الخليل تسعةً وثلاثين أباً ، ثم نسبه لوقا أيضاً في إنجيله إلى يوسف ، وعد منه إلى إبراهيم نيفاً وخمسين أباً ، فبينا هو إله تام إذ صيروه ابن الإله ثم جعلوه ابن يوسف النجار ؟
والمقصود أن هذا الاضطراب في الإنجيل يشهد بأن التغيير وقع فيه قطعاً ، ولا يمكن أن يكون ذلك من عند الله ، بل الاختلاف الكثير الذي فيه يدل على أن ذلك الاختلاف من عند غير الله ، وأنت إذا اعتبرت نسخه ونسخ التوراة التي بأيدي اليهود والسامرة والنصارى رأيتها مختلفة اختلافاً يقطع من وقف عليه بأنه من جهة التغيير والتبديل ، وكذلك نسخ الزبور مختلفة جداً ومن المعلوم أن نسخ التوراة والإنجيل إنما هي عند رؤساء اليهود والنصارى وليست عند عامتهم ، ولا يحفظونها في صدورهم كحفظ المسلمين للقرآن ، ولا يمتنع على الجماعة القليلة التواطؤ على تغيير نسخة أو نسخ عندهم أمكن ذلك ، ثم تواطؤا على أن لا يذكروا ذلك لعوامهم وأتباعهم أمكن ذلك ……..) إلى أن قال ( وأما أمة الضلال وعباد الصليب والصور المزوقة في الحيطان ، وإخوان الخنازير ، وشاتموا خالقهم ورازقهم أقبح الشتم ، وجاعلوه مصفعة اليهود ، وتواطؤهم على ذلك ، وعلى ضروب المستحيلات وأنواع الأباطيل ، فلا إله إلا الله الذي أبرز للوجود مثل هذه الأمة التي هي أضل من الحمير ومن جميع الأنعام السائمة ، وخلى بينهم وبين سبه وشتمه وتكذيب عبده ورسوله ومعاداة حزبه وأوليائه وموالاة الشيطان ، والتعوض بعبادة الصور والصلبان عن عبادة الرحمن الرحيم ، وعن قول الله أكبر بالتصليب على الوجه ، وعن قراءة ( الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين ) باللهم اعطنا خبزنا الملائم لنا ، وعن السجود للواحد القهار بالسجود للصور المدهونة في الحائط بالأحمر والأصفر واللازورد ( ).
وقال الإمام القرطبي رحمه الله تعالى :
" أنهم ذكروا في أول ورقة من إنجيل يوحنا حيث ذكر المسيح فقال : ( ولد المسيح الذي هو باديء الأشياء وعلتها الأولى علة جميع الأشياء وكل زمان ورأس كل نظام ، وأولية جميع المراتب ) ثم قال بعد ذلك في معرض مدحه : ( المكلوم في لحمه ، المعلق في الخشبة ) .
كيف يجترىء عاقل : أن يتحدث بمثل هذا العار ؟ أو كيف تصح نسبة هذا التناقض البين إلى أحد من الأخيار ؟ .
وفي الإنجيل أيضاً للوقا : يخبر عن المرأة التي صبت الطيب على رجلي المسيح ، وشق ذلك على التلاميذ ، وقالوا لها : هلا تصدقت به ؟ وفي الإنجيل لمتاؤوش يعني ( متَّى ) : أنها إنما صبت الطيب على رأس المسيح .
فما أبعد اليقين عن خبر فيه مثل هذا الاختلاف المبين .
وفي الإنجيل أيضاً : أن أم ابني زبدى جاءت إلى عيسى ، ومعها ابناها فقال : ما تريدين ؟ فقالت : أريد أن تجلس ولداي أحدهما عن يمينك ، والآخر عن شمالك ، إذا جلست في ملكك فقال : تجهلين السؤال أيصبران على الكأس التي أشرب بها ؟ فقالا : نصبر فقال : ستشربان بكأسي ، وليس إلي تجليسكما عن يميني ولا عن شمالي ، إلا لمن وهب ذلك .
فقد أخبر هنا : أنه لا يقدر على تجليسهما عن يمينه ، ولا عن شماله .
وفي أول ورقة منه : أنه باديء الأشياء وعلتها ، وعلة كل زمان .
فكيف يصح أن يكون باديء الأشياء كلها وعلتها ، ولا يقدر أن يجلسهما عن يمينه ، ولا عن يساره ثم يتبرأ عن ذلك بقوله ( إلا لمن وهب ذلك لي ) ولا مزيد في التناقض والفساد على هذا "( ).
فهذه هي بعض المناقضات في الإنجيل وإلا فهي كثير جداً لا يشك من يطلع عليها أنها من وضع جاهل مفتري على الله عز وجل وعلى نبيه عليه السلام وأن عيسى بريء من ذلك كله وإنما وضعه القساوسة والرهبان والملوك لهم وبجهل أتباعهم لم ينكروا من هذا شيئاً بل تبعوهم على ذلك فعبدهم من دون الله بطاعتهم لهم في التحليل والتحريم فغيروا دين المسيح الذي جاء به من عند الله واتبعوا دين الملوك والقساوسة فأحلوا الخمر والخنزير وتركوا الختان وعبدوا الصلبان والصور الملزوقة في الحيطان وادعوا في عيسى عليه السلام أنه هو الله أو ابن الله أو ثالث ثلاثة على اختلاف فرقهم التي هي في النار إلا فرقة واحدة وهي التي كانت على دين المسيح الحق وليس ما حرفه لهم ملوكهم قساوستهم الضلال فهم في المسيح على نقيض اليهود فيه فاليهود قالوا عنه ساحر ممخرق وكذبوا به وأرادوا قتله واخترعوا لهم عقيدة الصلب التي ردها الله عليهم وكذبهم فيها في قوله تعالى { وبكفرهم وقولهم على مريم بهتاناً عظيماً وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إلا اتباع الظن وما قتلوه يقيناً بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزاً حكيماً وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شيهداً } [ النساء : 156-159 ] فهذه هي عقيدة اليهود في المسيح عليه السلام وهو أنهم صلبوه أما النصارى الضلال فعقيدتهم فيه مما يضحك بهم عليهم الصبيان حيث قالوا إنه هو الله وقد نزل لخلاص العالم وأنه فدى العالم بنفسه واحتال على إبليس ثم إنه بعدما صلب وفعل به اليهود ما فعلوا من الذل والهوان تعالى الله عن قولهم علواً كبيراً قام بعد ثلاثة أيام وصعد إلى السماء فهو مدبر كل شيء تعالى الله عن ذلك فهذه هي عقيدة أمة الضلال وعباد الصلبان قاتلهم الله ، وأول من دعا إلى ألوهية المسيح عليه السلام هو بولس الشمشاطي .
قال ابن القيم رحمه الله تعالى :
" ثم قام بعده قيصر آخر وفي زمنه جعل في أنطاكية بتركاً يسمى بولس الشمشاطي وهو أول من ابتدع في شأن المسيح اللاهوت والناسوت وكانت النصارى قبله كلمتهم واحدة أنه عبد رسول مخلوق مصنوع مربوب ، لا يختلف فيه إثنان منهم ، فقال بولس هذا وهو أول من أفسد دين النصارى إن سيدنا المسيح خلق من اللاهوت انساناً كواحد منا في جوهره ، وأن ابتداء الابن من مريم ، وأنه اصطفي ليكون مخلصاً للجوهر الإنسي صحبته الإلهية فحلت فيه بالمحبة والمشيئة ، ولذلك سمي ابن الله وقال إن الله جوهر واحد وأقنوم واحد .
قال سعيد بن البطريق وبعد موته اجتمع ثلاثة عشر أسقفاً في مدينة انطاكية ونظروا في مقالة بولس فأوجبوا عليه اللعن فلعنوه ولعنوا من يقول بقوله وانصرفوا ، ثم قام قيصر آخر فكانت النصارى في زمنه يصلون في المطامير والبيوت فزعاً من الروم ، ولم يكن بترك الاسكندرية يظهر خوفاً أن القتل ، فقام بارون بتركاً فلم يزل يداري الروم حتى بنى بالاسكندرية كنيسة ، ثم قام قياصرة أخر منهم اثنان تملكا على الروم إحدى وعشرين سنة فأثارا على النصارى بلاءً عظيماً وعذاباً أليماً وشدة تجل عن الوصف من القتل والعذاب واستباحة الحريم والأموال وقتل ألوف مؤلفةً من النصارى ، وعذبوا مارجرجس أصناف العذاب ثم قتلوه ، وفي زمنهما ضربت عنق بطرس بترك الإسكندرية ، وكان له تلميذان ، وكان في زمنه أريوس يقول : إن الأب وحده الله الفرد الصمد والابن مخلوق مصنوع وقد كان الأب إذ لم يكن الابن ، فقال بطرس لتلميذيه : إن المسيح لعن أريوس فاحذروا أن تقبلا قوله ، فإني رأيت المسيح في النوم مشقوق الثوب ، فقلت يا سيدي من شق ثوبك ؟ فقال لي أريوس فحذروا أن تقبلوه أو يدخل معكم الكنيسة ، وبعد قتل بطرس بخمس سنين صير أحد تلميذيه بتركاً على الإسكندرية فأقام ستة أشهر ومات ، ولما جرى على أريوس ما جرى أظهر أنه قد رجع عن مقالته فقبله هذا البترك وأدخله الكنيسة وجعله قسيساً " ( ).
فهذا ما تدين به النصارى وهو أن بولس هو أول من أدخل عليهم عقيدة الألوهية في المسيح ثم تتابعوا عليها ، ثم بعد ذلك تواطؤا على تحريف الإنجيل وتغيير ما أوصاهم به المسيح واختلفوا اختلافاً كثيراً فعقدوا المجامع ووضعوا الأمانة والتي هي في الأصل الخيانة وحرموا فيها وحللوا ما يشاؤون ولعن بعضهم بعضاً واتفقوا على أن يكون فصح النصارى يوم الأحد ليكون بعد فصح اليهود ، ومنعوا البتاركة والأساقفة من التزوج وكانوا من قبل ذلك يكون للأسقف زوجة فحرموا عليهم ذلك ، ويا سبحان الله كيف نزهوا رهبانهم واساقفتهم من التزوج وإنجاب الأولاد وادعوا لله الولد تعالى الله عن قولهم علواً كبيراً ، فالنصارى تلقوا دينهم عن أصحاب المجامع وفي هذه المجامع العشرة التي عقدها النصارى يكفر بعضهم بعضاً ويلعن بعضهم بعضاً ، فهذا هو دين النصارى فكيف يكون هناك تقارب بينه وبين الإسلام الذي مبناه على التوحيد لرب العالمين والإيمان بما جاء به المرسلون وعبادة الله وحده لا شريك له ولا ند له لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد أيكون تقارب بين الإسلام في صفائه وبين النصرانية الضالة أمة الضلال اللعنة كيف يكون تقارب مع أمة أطبقت على صلب معبودها وإلاهها ثم هي بعد ذلك تعبد الصليب وتقدسه كيف يكون تقارب مع أمة أهانت خالقها وربها أقبح إهانة فجعلت له صاحبةً وولداً ثم قالت في وصف نبيها أنه الله وتارة تقوله هو ابن الله وتارة تقول هو ثالث ثلاثة ثم بعد ذلك يعبدون الصليب الذي يدعون أنه صلب عليه بدل من أن يحرقوه ثم بعد ذلك اختاروا الكفر على الإيمان فكذبوا نبوة عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم
كيف يكون هناك تقارب بين الإسلام الصافي في العقيدة والسلوك وبين النصرانية الضالة الملعونة كما ثبت في الصحيحين من حديث عائشة و عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قالا : لما نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم ، طفق يطرح خميصة له على وجهه ، فإذا اغتم بها كشفها عن وجهه ، فقال وهو كذلك : ( لعنة الله على اليهود والنصارى ، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ) . يحذر ما صنعوا .
وعند مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( لعن الله اليهود والنصارى ، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد )) .
وهم كذلك شرار الخلق كما أخبر بذلك الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها : أن أم حبيبة و أم سلمة ذكرتا كنيسة رأينها بالحبشة ، فيها تصاوير ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إن أولئك ، إذا كان فيهم الرجل الصالح ، فمات ، بنوا على قبره مسجداً ، وصوروا فيه تلك الصور ، أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة )).
فكيف يكون تقارب بين أهل الإيمان الذين يؤمنون بجميع رسل الله وكتبه وبين شرار الخلق عبدة الصور الملزوقة في الحيطان ، إن من عنده ذرة من عقل أو إيمان بما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يقول هذا أبداً ، إن النصارى كفار فكيف يكون تقارب بين الإيمان والكفر إن هذا لا يمكن أبداً نسأل الله أن يبصرنا في ديننا وأن يوفقنا للتمسك بدين الإسلام إنه على كل شيء قدير .
الفصل الرابع
عداء اليهود والنصارى ومكائدهم في الإسلام واعتراف قادتهم
إن عداء اليهود والنصارى ظاهر لا يخفى على أحد إلا من طمس الله بصيرته وختم على سمعه كيف لا وقد قال الله سبحانه وتعالى : {ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفاراً حسداً من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق }[ البقرة : 109 ] .
وفي هذا إخبار من الله لعباده المؤمنين عن حسد أهل الكتاب لهم وتمنيهم أن يردوهم عن دينهم ليكونوا كفاراً وذلك مع علمهم بفضل هذه الأمة وفضل نبيها صلى الله عليه وسلم لكنه الحسد الذي يعمي ويصم نسأل الله العافية .
وقال تعالى : {ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى الله هو الهدى ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم مالك من الله من ولي ولا نصير }[ البقرة : 120 ] .
وهذا خطاب من الله عز وجل لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم أن اليهود والنصارى لن يرضوا عنك إلا باتباع ملتهم ثم بينّ أنهم يتبعون أهواءهم فإذا كانوا لا يرضون عن النبي عليه الصلاة والسلام فكيف يرضوا عن أتباعه الذين هم على دينه ؟
وقال تعالى : { ودت طائفة من أهل الكتاب لو يضلونكم وما يضلون إلا أنفسهم وما يشعرون يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله وأنتم تشهدون يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم قل إن الهدى هدى الله أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم أو يحاجوكم عند ربكم قل إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم }[ آل عمران : 69-74 ] .
قال العلامة ابن سعدي رحمه الله تعالى :
" هذا من منّة الله على هذه الأمة ، حيث أخبرهم بمكر أعدائهم من أهل الكتاب ، وأنهم من حرصهم على إضلال المؤمنين ينوعون المنكرات الخبيثة ، فقالت طائفة منهم : { آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار } أي : أوله وارجعوا عن دينهم آخر النهار ، فإنهم إذا رأوكم راجعين ، وهم يعتقدون فيكم العلم استرابوا بدينهم ، وقالوا لولا أنهم رأوا فيه ما لا يعجبهم ، ولا يوافق الكتب السابقة ، لم يرجعوا . هذا مكرهم والله تعالى هو الذي يهدي من يشاء وهو الذي بيده الفضل ، يختص به من يشاء ، فخصكم يا هذه الأمة بما لم يخص به غيركم ، ولم يدر هؤلاء الماكرون أن دين الله حق ، إذا وصلت حقيقته إلى القلوب ، لم يزدد صاحبه على طول المدى إلا إيماناً ويقيناً ، ولم تزده الشبه إلا تمسكاً بدينه وحمداً وثناءً عليه حيث منّ به عليه " ( ).
وقال تعالى : { قل يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله والله شهيد على ما تعملون قل يا أهل الكتاب لم تصدون عن سبيل الله من آمن تبغونها عوجاً وأنتم شهداء وما الله بغافل عما تعملون يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقاً من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم }[ آل عمران : 98-101 ] .
قال أبو جعفر ابن جرير رحمه الله :
" فتأويل الآية : يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله ، وأقروا بما جاءهم به نبيهم صلى الله عليه وسلم من عند الله ، إن تطيعوا جماعةً ممن ينتحل الكتاب من أهل التوراة والإنجيل ، فتقبلوا منهم ما يأمرونكم به ، يضلوكم فيردوكم بعد تصديقكم رسول ربكم ، وبعد إقراركم بما جاء به من عند ربكم كافرين ، يقول : جاحدين لما قد آمنتم به وصدقتموه من الحق الذي جاءكم من عند ربكم فنهاهم جل ثناؤه أن ينتصحوهم ويقبلوا منهم رأياً أو مشورةً ، ويعلمهم تعالى ذكره أنهم لهم منطوون على غلّ وغش وحسد وبغض " ( ).
و قال الحافظ ابن كثير رحمه الله :
" يحذر تبارك وتعالى عباده المؤمنين عن أن يطيعوا طائفة من أهل الكتاب الذين يحسدون المؤمنين على ما آتاهم الله من فضله وما منحهم من إرسال رسوله " ( ).
وقال تعالى :{ لتبلون في أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذىً كثيراً وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور }[ آل عمران : 186 ] .
وقال تعالى: { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين }[ المائدة : 51 ] .
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله :
" ينهى تبارك وتعالى عباده المؤمنين عن موالاة اليهود والنصارى الذين هم أعداء الإسلام وأهله قاتلهم الله ثم أخبر أن بعضهم أولياء بعض ثم تهدد وتوعد من يتعاطى ذلك فقال { ومن يتولهم منكم فإنه منهم } الآية قال ابن أبي حاتم حدثنا كثير بن شهاب حدثنا محمد يعني ابن سعيد بن سابق حدثنا عمرو بن أبي قيس عن سماك بن حرب عن عياض أن عمر أمر أبا موسى الأشعري أن يرفع إليه ما أخذ وما أعطى في أديم واحد وكان له كاتب نصراني فرفع إليه ذلك فعجب عمر وقال إن هذا لحفيظ هل أنت قاريء لنا كتابا في المسجد جاء من الشام فقال إنه لا يستطيع فقال عمر أجنب هو ؟ قال : لا بل نصراني قال : فانتهرني وضرب فخذي ثم قال أخرجوه ثم قرأ { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء } الآية "( ) .
وقال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزواً ولعباً من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار أولياء واتقوا الله إن كنتم مؤمنين وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزواً ولعباً ذلك بأنهم قوم لا يعقلون قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منا إلا أن ءامنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل وأن أكثركم فاسقون }[ المائدة : 57-59 ] .
قال ابن كثير رحمه الله :
" وهذا تنفير من موالاة أعداء الإسلام وأهله من الكتابيين والمشركين الذين يتخذون أفضل ما يعمله العاملون وهي شرائع الإسلام المطهرة المحكمة المشتملة على كل خير دنيوي وأخروي يتخذونها هزواً يستهزئون بها ولعباً يعتقدون أنها نوع من اللعب في نظرهم الفاسد وفكرهم البارد "( ).
وقال العلامة ابن سعدي رحمه الله تعالى :
: يرشد تعالى عباده المؤمنين ، حين بيّن لهم أحوال اليهود والنصارى ، وصفاتهم غير الحسنة ، أن لا يتخذوهم أولياء فإن { بعضهم أولياء بعض } يتناصرون فيما بينهم ويكونون يداً على من سواهم فأنتم ، لا تتخذوهم أولياء فإنهم هم الأعداء على الحقيقة ولا يبالون بضركم ، بل لا يدخرون من مجهودهم شيئاً على إضلالكم فلا يتولاهم ، إلا من هو مثلهم ولهذا قال { ومن يتولهم منكم فإنه منهم } لأن التولي التام ، يوجب الانتقال إلى دينهم والتولي القليل ، يدعو إلى الكثير ، ثم يتدرج شيئاً فشيئاً ، حتى يكون العبد منهم " ( ).
وقال تعالى : { لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا }[ المائدة : 82 ] .
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله :
" وما ذاك إلا لأن كفر اليهود كفر عناد وجحود ومباهتة للحق وغمط للناس وتنقص بحملة العلم ولهذا قتلوا كثيراً من الأنبياء حتى هموا بقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم غير مرة وسموه وسحروه وألبوا عليه أشباههم من المشركين عليهم لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة ونقل عن ابن مردويه أنه روى عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( ما خلا يهودي بمسلم قط إلا هم بقتله )) "( ) .
فعداء اليهود والنصارى لا يحتاج إلى برهان بعد هذه الآيات التي ذكرها الله عز وجل في كتابه فالعداوة بينهم وبين المسلمين من أجل العقيدة لذلك فقد اتحد اليهود والنصارى على عداوة أهل الإسلام فهم لم يرضوا عن النبي صلى الله عليه وسلم فكيف يرضوا عنا نحن فهم على عداوتهم لنا وحسدهم لنا وقد حاول اليهود لعنهم الله أن يكيدوا المسلمين وأن ينشروا بينهم الفاحشة والعداوة بينهم ولم يدخروا في ذلك جهداً فقد جاء في كتب السير : " أن امرأةً من العرب قدمت بجلب لها فباعته بسوق بني قينقاع ، وجلست إلى صائغ بها ، فجعلوا يريدونها على كشف وجهها فأبت ، فعمد الصائغ إلى طرف ثوبها فعقده إلى ظهرها ، فلما قامت انكشفت سوأتها ، فضحكوا بها فصاحت ، فوثب رجل من المسلمين على الصائغ فقتله وكان يهودياً وشدَّت اليهود على المسلم فقتلوه ، فاستصرخ أهل المسلم المسلمين على اليهود ، فوقع الشر بينهم وبين بني قينقاع ، وكان بنو قينقاع أول يهود نقضوا ما بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزلوا على حكمه " ( ).
وروى أبو جعفر ابن جرير رحمه الله تعالى : عن زيد بن أسلم، قال: مر شأس بن قيس ، وكان شيخاً قد عسا في الجاهلية، عظيم الكفر، شديد الضغن على المسلمين، شديد الحسد لهم ، على نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأوس والخزرج ، في مجلس قد جمعهم يتحدثون فيه. فغاظه ما رأى من جماعتهم وألفتهم وصلاح ذات بينهم على الإسلام، بعد الذي كان بينهم من العداوة في الجاهلية، فقال: قد اجتمع ملأ بني قيلة بهذه البلاد! لا والله ما لنا معهم، إذا اجتمع ملأهم بها، من قرار! فأمر فتى شاباً من يهود وكان معه، فقال: اعمد إليهم ، فاجلس معهم، وذكرهم يوم بعاث وما كان قبله، وأنشدهم بعض ما كانوا تقاولوا فيه من الأشعار -وكان يوم بعاث يوماً اقتتلت فيه الأوس والخزرج، وكان الظفر فيه للأوس على الخزرج- ففعل. فتكلم القوم عند ذلك فتنازعوا وتفاخروا، حتى تواثب رجلان من الحيين على الركب: أوس بن قيظي ، أحد بني حارثة بن الحارث من الأوس- وجبار بن صخر، أحد بني سلمة من الخزرج. فتقاولا، ثم قال أحدهما لصاحبه: إن شئتم والله رددناها الآن جذعةً! وغضب الفريقان ، وقالوا : قد فعلنا، السلاح السلاح! موعدكم الظاهرة -والظاهرة : الحرة- فخرجوا إليها. وتحاوز الناس . فانضمت الأوس بعضها إلى بعض، والخزرج بعضها إلى بعض ، على دعواهم التي كانوا عليها في الجاهلية. فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج إليهم فيمن معه من المهاجرين من أصحابه حتى جاءهم فقال: يا معشر المسلمين، الله الله، أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم ، بعد إذ هداكم الله إلى الإسلام وأكرمكم به، وقطع به عنكم أمر الجاهلية، واستنقذكم به من الكفر، وألف به بينكم ، ترجعون إلى ما كنتم عليه كفاراً؟ فعرف القوم أنها نزغة من الشيطان ، وكيد من عدوهم ، فألقوا السلاح من أيديهم، وبكوا، وعانق الرجال من الأوس والخزرج بعضهم بعضاً، ثم انصرفوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سامعين مطيعين، قد أطفأ الله عنهم كيد عدو الله شأس بن قيس وما صنع. فأنزل الله في شأس بن قيس وما صنع: {قل يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله والله شهيد على ما تعملون قل يا أهل الكتاب لم تصدون عن سبيل الله من آمن تبغونها عوجا} الآية. وأنزل الله عز وجل في أوس بن قيظي وجبار بن صخر ومن كان معهما من قومهما الذين صنعوا ما صنعوا عما أدخل عليهم شأس بن قيس من أمر الجاهلية: {يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين}، إلى قوله: { أولئك لهم عذاب عظيم }( ).
فاليهود لا يدخرون جهداً في تفريق شمل المسلمين وإلقاء العداوة و البغضاء بينهم منذ زمن النبي صلى الله عليه وسلم وإلى اليوم وإن ما يفعله اليهود أحفاد القردة والخنازير في فلسطين منذ عام 1948 م وإلى اليوم من القتل والتشريد لهو خير شاهد على عداوتهم للإسلام والمسلمين فما من يوم إلا وهم يقتلون فيه مسلماً في أرض فلسطين وما يحدث في هذه الأيام على أرض فلسطين من القتل والتشريد وانتهاك حقوق الشعب الفلسطيني المسلم لهو مأساة لم يتعرض لها شعب من قبل فإن أحفاد القردة والخنازير قد استخدموا كل أساليب القتل فهاهي وكالات الإعلام المرئية والمسموعة تنقل كل يوم حدثاً جديداً في أرض فلسطين العزيزة على نفوس المسلمين لأنها أولى القبلتين ومسرى سيد الثقلين صلى الله عليه وسلم وفيها ثالث المسجدين فيدخل قرد من أحفاد القردة والخنازير لكي يدنس المسجد الأقصى المبارك المسمى ( شارون ) هذا المجرم الإرهابي المتطرف الذي قاد عدة مذابح ضد المسلمين عليه وعلى جميع اليهود لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة ، يدخل في تحدي سافر لأبناء المسلمين في فلسطين المسلمة وما ذلك إلا لعلمهم أن المسلمين لن يسكتوا على انتهاك حرمة المسجد الأقصى وأنهم سوف يرفضوا هذا الصنيع ويردوا على أحفاد القردة والخنازير فيتمكن هؤلاء الكفار من أن يقتلوا المسلمين بحجة مواجهة الإنتفاضة الفلسطينية المباركة فقتلوا الشباب والشيوخ والنساء والأطفال وهاهي وكالات الإعلام تنقل على الهواء مباشرة جريمة مقتل الطفل ( محمد الدرة ) فيقتل وهو وراء ظهر أبيه وهو يحتمي به لكن دون جدوى فتتناوله رصاصات القناصة فيصاب برصاصة في رجله لكنهم لم يكتفوا بذلك فيطلقوا عليه رصاصةً ثانية فتصيبه في قلبه فيردوه قتيلاً وما حادث الطفلة سارة عنه ببعيد فأين حقوق الإنسان التي تنادي بها هيئة الأمم المتحدة أو الملحدة التي يتكلمون عنها أين هي من هذا الحادث الأليم وغيره كثير يقع في كل يوم من هذه الأيام أين هذه الأمم ؟ وأين ما يسمونه بمجلس الأمن ؟ ولصالح من هذه الهيئات هل هي لجميع المشاركين في هذه الهيئات ؟ أم هي لطائفة معينة من الناس ؟ أم أن هذه الهيئات أنشأت لكي تحمي أناس معينين ؟ إن الواقع الذي نراه ونشاهده هو أن هذه الهيئات لا تحمي سوى اليهود والنصارى فقط لا غير وإلا فلماذا لم تتحرك تحركاً فعالاً بالنسبة للقضية الفلسطينية وشعب فلسطين منذ أكثر من خمسين عاماً وهو يذوق القتل والتشريد وهدم البيوت من أجل بناء المستوطنات اليهودية على مرأى ومسمع من العالم كله ولم تتحرك هذه الهيئات تحركاً مباشراً حاسماً يوقف نزيف الدم على الأراضي الفلسطينية إن الذي يحمي إسرائيل هو أمريكا والغرب بأسره وهم الذين يمدونها بالأموال والأسلحة المتطورة ضد المسلمين وما ذلك إلا لعدائهم الشديد للإسلام وأهله وصدق الله إذ يقول { ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم }[ البقرة : 120 ] وقال عز وجل [ ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواءً فلا تتخذوا منهم أولياء حتى يهاجروا في سبيل الله }[ النساء : 89 ] فهم لن يرضوا عن المسلمين إلا بشرط واحد وهو أن يكون على ملتهم الكافرة الضالة المحرفة وهذا من المحال أن يترك أبناء الإسلام دينهم الصافي ويتبعوا دين اليهود والنصارى المحرف المنسوخ فلذلك هم لن يهتموا بقضايا المسلمين وإن ادعوا أن هذه الهيئات تعمل لصالح العالم كله إن هذا من الكذب الذي يجب على أمة الإسلام أن لا تقبله لأنها ترى صباح مساء أن هذا الكلام غير صحيح على الإطلاق فهم إنما يعملون لصالح أنفسهم ومخططاتهم التي من أجل تحقيقها أنشأت هذه الهيئات والمنظمات ففي حين يضج العالم ويقوم ويقعد من أجل أن المقاومة الفلسطينية قتلت جندي إسرائيلي أو أكثر بالرغم من أن في اليوم الواحد يقتل عشرات الفلسطينيين ولا يوجد من يتكلم بكلمة واحدة وكأن الأمر عادي لا غرابة فيه وأن الله عز وجل خلق الفلسطينيين للقتل على أيدي اليهود فأين هذه المنظمات التي تطالب بالمحافظة على حقوق الإنسان لماذا لا تتكلم وتدافع عن الشعب الفلسطيني ؟
والجواب واضح جداً لكل ذي بصيرة أن هذه المنظمات لا تعمل إلا لصالح اليهود والنصارى ومن أجل ذلك أنشأت ولم تنشأ من أجل أن تحافظ على حقوق الإنسان المسلم أبداً وإنما همها أن تطعن في عقيدة المسلمين فعندما تسمع أن بعض دول المسلمين طبقت حداً من حدود الله في مجرم تتصايح وتقول إن هذه وحشية وأنها مخالفة لحقوق الإنسان وترغي وتزبد وتشنع على هذه الدولة التي قامت بهذا الفعل وأنها تنتهك حقوق الإنسان والسؤال الذي يطرح نفسه أين هم من انتهاك حقوق الإنسان في فلسطين وغيرها من بلاد المسلمين على أيدي اليهود والنصارى أين هم ولماذا لا يتكلمون ؟
وأظن أن الجواب يعرفه كل من له بصيرة ولم يطمس الله على قلبه ويجعل على بصره غشاوة .
إن اليهود عدائهم للمسلمين عداء عقائدي فهم يحاولون أن يحققوا ما في توراتهم المحرفة التي حرفها لهم أحبارهم وحاخاماتهم فهم على عمل دائم من أجل تحقيق هذه الأهداف فيدعون السلام أحياناً ويحرقون المسجد الأقصى أحياناً ويحفرون الأنفاق تحته أحياناً وكل ذلك من أجل ما يعتقدوه ولأنهم يجدون الحماية من الغرب بزعامة أمريكا التي تسعى جاهدة من أجل مصالح اليهود عليهم لعائن الله والسؤال لماذا النصارى يسعون لتحقيق مصالح اليهود مع أن اليهود أشد عداءً للنصارى من المسلمين فاليهود كذبوا بعيسى عليه السلام ورموه وأمه بالعظائم وقالوا عنه إنه ولد زنا وقالوا ساحر ممخرق وادعوا قتل وصلب عيسى عليه السلام فكيف بعد هذا يعملون لتحقيق مصالح اليهود ؟
والجواب : لأن عقيدتهم واحدة ويبين ذلك الشيخ سفر بن عبد الرحمن الحوالي في شريط الوعد الحق والوعد المفترى بقوله :
" القضية التي نريد أن نتحدث عنها في هذه الليلة ليست بعيدة ولا غربية عن واقعنا اليومي فنحن كل يوم بل في كل نشرة أخبار وفي كل جريدة وفي كل لقاء يتم في هذه الأيام في وسائل الإعلام أو في المجالس يكون الحديث عن هذا الحدث الكبير والقضية العظمى التي سنتناولها إن شاء الله تعالى بشيء من التفصيل الذي لابد منه ألا وهو ما يسمى مشروع السلام بين العرب واليهود ولا شك أن ما جرى في مدريد أنه حدث تاريخي كبير جداً ولا أدل على ذلك من اشتغال وسائل الإعلام الغربية بالذات ثم العالمية الأخرى من اشتغالها بهذا الحدث تحليلاً وتعليقاً حتى أن الغرب تناسى مشاكله الغربية وقضياه الكبرى واشتغل قادته و مفكروه وصحفيوه ومراسلوه وأفاد شعبهم كلهم بهذه القضية وملاحقة هذا الحدث لحظة بلحظة وساعة بساعة فما السر في ذلك هل تتوقعون أن يكون سبب ذلك هو أن طرفين كانا متنازعين فأصلح بينهما أو يراد أن يصلح بينهما لا إن ما تم في مدريد يفوق ذلك بمراحل كثيرة إن مدريد في الحقيقة هي محطة لقطار طويل انطلق منذ ألفي سنة وإن شئتم وكما سنثبت فنقول إنه انطلق منذ خمسة آلاف سنة وسيستمر إلى أن تقوم الساعة وهذه مدريد ومن بعدها واشنطن محطات عابرة على هذا الطريق الطويل وهذا الطريق الطويل هو طريق الوعد الذي وعد الله تبارك وتعالى به نبيه وخليله إبراهيم عليه السلام ووعد به صالح ذريته من بعده هذا الوعد تلتقي عنده الأديان الثلاثة المعروفة في العالم كلها المسلمون لهم في هذا الوعد دعوى ولكنها ثابتة ولله الحمد في كتاب الله وبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سنبين واليهود والنصارى لهم نظرة في هذا الوعد الذي افتروه على الله تبارك وتعالى ومن ثم فإن الصراع في الحقيقة ليس بين قوميتين ولا بين دول وإنما هو صراع بين وعدين بين الوعد الحق وبين الوعد المفترى وبالتالي فهو صراع بين عقيدتين بين عقيدة التوحيد التي جاء بها إبراهيم عليه السلام ثم جددها محمد صلى الله عليه وسلم وسيجددها عيسى ابن مريم عليه السلام في آخر الزمان وبين دعوة الشرك والخرافة والدجل التي أسسها الأحبار والرهبان فيما كتبوه من عند أنفسهم وقالوا هذا من عند الله وما هو من عند الله ابتداءً بحاخامات اليهود ومروراً ببولس شاؤول ثم الباباوات الضالون المضلون ثم انتهاءً بهرتزل ومن كان معه ثم ينتهي الأمر النهاية المؤكدة في آخر الزمان بظهور مسيحهم الدجال وعندما يلتقي المسيحان المسيح ابن مريم عليه السلام والمسيح الدجال عندئذ تنتهي هذه المعركة الطويلة الأبدية بين هاذين الوعدين أي بين الأمتين اللتين تؤمنان بهذا الوعد أمة الإسلام من جهة واليهود والنصارى أهل الكتاب من جهة أخرى هذه هي القضية المهمة ولذلك فإن ما جرى أو يجرى وما قرر في مدريد ليس في حقيقته بيانات أو قرارات للصلح وإنما هو للمتأمل المتدبر وكما سنثبت بالأدلة والبراهين القاطعة إن شاء الله إنما هو تأيد وإيمان بالوعد المفترى وتكذيب وكفر بالوعد الحق وهذه جوهر القضية وهذا هو أساسها ولا يشغلنا بعد ذلك الحديث في تفصيلات ماذا جرى وماذا سيجرى وما هي النتائج و إن كنا سنتعرض لها إن شاء الله لكن القضية الأساس هي هذه القضية والتي سنبدأ إن شاء الله تعالى الحديث عنها مع طوله كما ذكرنا .
تعلمون أن الله تبارك وتعالى قد اختار بلاد الشام {والتين والزيتون وطور سنين وهذا البلد الأمين } وأسكن فيها إبراهيم الخليل عليه السلام وهنالك بدأ هذا الوعد الذي كما قلنا يرجع إلى خمسة آلاف سنة تقريباً من هنالك بدأت المعركة وبدأت القضية أي منذ وجود إبراهيم عليه السلام الذي اختاره الله تبارك وتعالى وجعله إماماً للناس ومن ثم جاء به وأمره أن يأتي إلى هذه الأرض المباركة الطيبة وأن يجدد بناء البيت العتيق الذي تعلمون جميعاً قصته في هذا عند هذه النقطة تبتدأ المعركة ويبتدأ الخلاف بين أتباع هذه الأديان الثلاثة التي أشرنا إليها فالله تبارك وتعالى كما يزعمون قد وعد إبراهيم عليه السلام في التوراة وسنقرأ لكم نص التوراة في الوعود التي يستند إليها اليهود وأما الوعد الحق الذي وعد الله تبارك وتعالى به أولياءه فمعروف لدى الجميع وسنعرض له في الأخير إن شاء الله تبارك وتعالى لكن نريد أن نذكر المستند التاريخي للدعاوى اليهودية وانهم يرجعون ذلك لإبراهيم عليه السلام ثم ما هو موقف الغرب اليوم من هذه الدعوة ولماذا يقفون هذا الموقف من هذه القضية ؟.
في سفر التكوين وهو أول أسفار التوراة تبدأ القصة العجيبة في عهد نوح عليه السلام نبتدأ بعهد نوح عليه السلام لأنه مفتاح لفهم ما يجرى من وعد لإبراهيم عليهما السلام .
تقول التوراة المحرفة (( وابتدأ نوح أن يكون فلاحاً وغرس كرماً وشرب من الخمر والعياذ بالله هذا كلام تقشعر جلودكم أن يوصف الأنبياء بهذا لكن منطوق التوراة وهذا لفظها وستعلمون لماذا افتعلوا هذه التهمة الشنيعة ( قالوا وشرب من الخمر فسكر وتعرى داخل خبائه فأبصر حام أبو كنعان عورة أبيه وأخبر أخويه خارجاً حام ابن نوح أبو كنعان هكذا عرفوه أبوكنعان رأى عورة أبيه كما يزعمون فخرج إلى أخويه وقال لهم إن أبى هكذا قال فأخذ سام و يافث الرداء ووضعاه على أكتافهما ومشيا إلى الوراء وستر عورة أبيهما ووجهاهما إلى الوراء فلم يبصرا عورة أبيهما هذا الآن من هنا تنقسم البشرية إلى قسمين كما ترون فلما استيقظ نوح من خمره كما يقولون علم ما فعل به ابنه الصغير فقال : ملعون كنعان ما ذنب كنعان ما ولد إلى الآن كنعان ملعون كنعان عبد العبيد يكون لاخوته وقال : مبارك الرب إله سام بارك سام ولعن كنعان قال : وليكن كنعان عبداً لهم ليفتح الله ليافث فيسكن في مساكن سام وليكن كنعان عبداً لهم ثلاث مرات التأكيد بأن كنعان يكون عبداً للجنسين الآخرين من هو كنعان ؟ العرب كنعان في إصطلاح التوراة وكحقيقة تاريخية أيضاً كنعان رمز واسم للجنس العربي الذي لم يولد بعد فيكون ملعوناً ويكون ثلاثة مرات مكررة عبد العبيد للأخوين سام ويافث وذريتهما طبعاً هذا من أول ما يبدأ الإنسان يقرأ التوراة يقرأه وهذا الكلام تقرأه المدارس الإنجيلية في الولايات المتحدة الأمريكية من أول ما يدخل الطالب السنة الأولي الابتدائية وعدد هذه المدارس لا يقل عن عشرين ألف مدرسة يدرس بها ملاين التلاميذ كما سنبين إن شاء الله تعالى يفتتحون بهذا الكلام ثم بعد ذلك تأتى أوصاف في عدة أسفار أو إصحاحات من نفس سفر التكوين عن أراضي كنعان وماذا سيكون كنعان فتقول التوراة المحرفة في الإصحاح العاشر هذا كان في الإصحاح التاسع في العاشر : (( كان التخوم الكنعاني من صيدون حين ما تجيء نحو جرار إلى غزة من صيدا صيدون هي المسماه اليوم صيدا إلى غزة وحين ما تجيء نحو صيدون وعمورة إلى لاشا وهذه حدودها من الشرق إلى الغرب ولذلك لا يمكن أن يتنازلوا عن هضبة الجولان ثم يقول : قال الرب لإبراهيم الأول كان اسمه إبرام اذهب من أرضك هذا في الثاني عشر ومن عشيرتك ومن بيت أبيك إلى الأرض التي أريك فأجعلك أمة عظيمة وأباركك وأعظم اسمك وتكون بركة وأبارك مباركيك ولاعنك ألعنه وتتبارك فيك جميع قبائل الأرض واجتاز إبراهيم في الأرض إلى مكان شاكين إلى بلوط تتمورة وكان الكنعانيون حينئذ في الأرض وظهر الرب لإبرام أي إبراهيم وقال لنسلك أعطى هذه الأرض ) .
في الثالث عشر يقول: ( سكن إبراهيم أرض كنعان وقال الرب ارفع عينيك وانظر من الموضع الذي أنت فيه شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً لأن جميع الأرض التي أنت ترى لك أعطيها ولنسلك إلى الأبد وأجعل نسلك كتراب الأرض ) .
وقال في الإصحاح السابع عشر : ( أقيم عهدي بيني وبينك وبين نسلك من بعدك في أجيالهم عهداً أبدياً لاحظوا عبارات التوراة عهداً أبديا لأكون إلها لك ولنسلك من بعدك وأعطى لك ولنسلك من بعدك أرض غربتك كل أرض كنعان ملكاً أبدياً ) .
من العجيب أن في نفس السفر يحدد أن الختان هو علامة من يرثون الأرض علامة الذين يرثون الأرض هو الختان ماذا تذكرتم الآن ؟ تذكرتم حديث هرقل طبعاً لأنه قال فيه إنني رأيت في المنام أن ملك الختان قد ظهر النصارى لا يختتنون فقيل له لا يختتن إلا اليهود فإن شئت فأمر فنقتل كل من في مملكتك من اليهود كما في أول صحيح البخاري فلما جاءوا له بأبي سفيان وبالعرب قال هذا ملكهم هذا بعد ما سأله الأسئلة العجيبة التي في الحديث شهد قيصر هرقل بأن النبي صلى الله عليه وسلم هو الموعود بذلك لاحظوا لكنهم يحرفون كل هذه النبوءات وتفصيل هذا الكلام تجدونه في كتاب شيخ الإسلام الجواب الصحيح كيف حرفوا وبدلوا ما بشر الله به في الإصحاح الخامس عشر تحدد التوراة المحرفة الأرض التي هي ملك وحق أبدى فتقول لنسلك أعطي هذه الأرض من نهر مصر إلى النهر الكبير نهر الفرات ثم بعد ذلك يقول ليستعبد لك شعوب وتسجد لك قبائل كن سيداً هذا ليعقوب لاخوتك وليسجد لك بنو أمك ليكن لاعنوك ملعونين ومباركوك مباركين بعد ذلك يذكرون أن يعقوب نام بين بئر سبع وحران من أرض فلسطين فرأى الله تعالى فقال له أنا الرب إله إبراهيم أبيك وإله إسحاق الأرض التي أنت مضجع عليها أعطيها لك ولنسلك ويكون نسلك كتراب الأرض وتمتد غرباً وشرقاً وشمالاً وجنوباً ويتبارك فيك وفي نسلك جميع قبائل الأرض سبحان الله العظيم أقل الأمم عدداً في الدنيا اليهود أنظروا مع هذا الكلام الكثير عن مباركة النسل وتكثيره أقل الأمم في العالم عدداً اليهود لأن أكثر اليهود الموجودين الآن في الأرض في العالم هم أيضاً ليسوا من ذرية يعقوب وإنما هم من يهود الخزر ومن يهود العرب ومن اليهود الأروبيين فإذاً كم يبقى من اليهود الذين من ذرية إبراهيم عليه السلام وهذا دليل على أنه حتى هذه النبوءات يكذبون فيها ويفترون على الله الكذب بهذا الوعد الذي لا حقيقة له .
ثم بعد ذلك أيضاً يقول أن الله تعالى قال له إن الله يكثرك فتكون جمهور من الشعوب ويعطيك بركة إبراهيم لك ولنسلك معك لترث أرض غربتك التي أعطاها الله لإبراهيم .
الكلام طويل في هذا لا نريد الإطالة به مواضع كثيرة من التوراة تعطى أرض الغربة أرض كنعان ملك أبدياً لمن ؟ لذرية إبراهيم وبالتحديد قالوا تعطيها كما في التوراة المحرفة تعطيها لإسرائيل وبنيه
هذا هو أصل المستند في هذه الدعوى وفي هذه القضية هنا يأتي إشكال ولابد فيقال إذا كان هذا ما كان يؤمن به اليهود ويعتقدونه فيحق لهم باعتبارهم يهوداً لكن ما دخل النصارى المتوقع أن يكون النصارى مع من ؟ مع المسلمين لأن الذين بزعم النصارى قتلوا المسيح وما قتلوه وما صلبوه كما نعتقد لكن بزعمهم الذين قتلوا نبيهم وآذوا الحواريين واضطهدوهم وفعلوا ما فعلوا بالنصارى الأوائل هم من ؟ هم اليهود وعيسى عليه السلام في آخر الزمان سينزل ونحن نتفق معهم في هذا أما اليهود يعتقدون أن عيسى عليه السلام نبي دجال كذاب ولن يعود مرة أخرى إذاً سبحان الله أي الطائفتين أقرب كان المفروض أن يكون النصارى معنا ضد اليهود لكن لا سبحان الله استطاع اليهود بمكرهم وخبثهم ودهائهم وبغباوة النصارى وانسياقهم وراء اليهود أن يقلبوا ذلك رأساً إلى عقب استغلوا ماذا ؟ استغلوا أن الكتاب الذي يؤمن به اليهود والنصارى معاً الكتاب المقدس كما يسمونه يتكون من عهدين أو من قسمين :
القسم الأول العهد القديم والثاني العهد الجديد .
العهد القديم هو : التوراة بما فيه هذا الكلام الذي قرأنا فأي نصراني يبتدأ يقرأ كتابه أول ما يقرأ مثل هذا الكلام و أضعاف كثيرة مثله إذاً فهم يؤمنون بما يؤمن به اليهود نتيجة لهذا هذه هي أحد الأسباب والسبب الأخر كما تعلمون جميعاً ما جبل عليه أهل الكتاب مما بينه الله تبارك وتعالى في مواضع كثيرة من كتابه من الحسد لهذه الأمة فالنصارى حسدوا هذه الأمة رغم معرفتهم كما قد آمن النجاشي كما قد كاد يؤمن هرقل وغيرهم كثير رغم المعرفة المؤكدة برسول الله صلى الله عليه وسلم وصدق رسالته وعلى ذلك فأصبحت المعركة بين المسيحين المسيح الدجال الذي يؤمن به اليهود ويسمونه ملك السلام والذي يهيئون الآن لخروجه ومعهم النصارى والمسيح ابن مريم عليه السلام أو ما نؤمن به نحن من الوعد بنزوله عليه السلام لكن المشكلة التي أيضاً قد تسألون فتقولون كيف يؤمن النصارى بعودة المسيح عليه السلام إلى الأرض في نفس الوقت الذي يؤمن به اليهود بأن المسيح هو مسيحهم الدجال طبعاً لا يسمونه الدجال ، كيف يلتقي هؤلاء رغم العداوة بين المسيحين ؟ نقول هذه المشكلة عالجها اليهود والنصارى بخبث ودهاء شديد ولا سيما حاخامات اليهود إذ قالوا إن عودة المسيح تبقى مطلقة لا ندخل في التفاصيل نؤمن جميعاً بعودة المسيح ونرتب أمورنا السياسية والعملية على عودته فإذا جاء فبعد ذلك ننظر في مسألة هل يتنصر اليهود ويؤمنون به أم أنه سيكون المسيح اليهودي ويقتل النصارى وإلى الآن هذه القضية معلقة تماماً ويتجاهلها اليهود والنصارى عند الحديث عن هذا الموضوع انظروا كيف تترك مواضع الاتفاق بين المسلمين والنصارى ويذهبون وراء اليهود في نقطة يقول لهم اليهود اتركوها لا تبحثوها الآن فإذا جاء نتفق ومع ذلك اعملوا الآن معنا ولصالح من ؟ لصالح المسيح الدجال هذه قضية هنالك قضية مهمة جداً في سياق التاريخ المعاصر لأننا سوف ننتقل إلى التاريخ المعاصر لكن نريد أن نقدم بهذا الأمر المهم وهي أنه الغرب يكون أشدّ عداوة لنا في المرحلة التي نكون نحن أشدّ تعلقاً فيها به هذه قضية لاحظوا كيف يكون الغرب أشدّ عداوة لنا أهل الكتاب يكونون أشدّ عداوة لنا في الوقت الذي نكون نحن أشدّ تعلقاً بهم وأشدّ تمسكاً بهم وتحالفاً معهم والأدلة على ذلك من التاريخ فقط القريب والحديث واضحة جداً عندنا ثلاثة أدلة :
الدليل الأول : الحرب العالمية الأولى وقف فيها العرب مع من ؟ مع الحلفاء ودخل العرب تحت الراية الإنجليزية إلى بيت المقدس تحت قيادة الجنرال اللنبي الذي ركز الرمح على جبل الزيتون وقال الآن انتهت الحروب الصليبية والعرب جزء من جيشه بعد ذلك ماذا تم بعد نهاية الحرب العالمية الأولى اتفاقية سايكوا اسبيكوا هي التي طبقت وأحلام العرب بأن الحلفاء سيعطونهم خلافة عربية بزعامة الشريف حسين تبخرت وقطعوا أوصال هذه الأمة إرباً حتى إن ولاية الشام وحدها قسمت أربع دول سوريا ولبنان وفلسطين والأردن وهي ولاية عثمانية واحدة كانت قطعت ولم يف للعرب بأي وعد على الإطلاق وصدر وعد بلفور في أثناء الحرب العالمية الأولى والعرب ما يزالون يقاتلون مع الإنجليز ووعد بلفور يصدر من هنالك ويطبق هذه قضية القضية الأخرى والشاهد الآخر عندما قامت الحرب العالمية الثانية وكانت بريطانيا تحتل أكثر بلاد العالم الإسلامي هي وفرنسا أخذوا يجندون الجنود من الهند ومن غيرها بالنسبة للإنجليز وكذلك من شمال أفريقيا بالنسبة للفرنسيين ويأتون بالمشايخ السوء والمفتين ويقولون لهم أفتوا المسلمين بأن قتال الألمان جهاد في سبيل الله ودارت معركة العالمين المشهورة في أرض مصر بين الإنجليز والألمان وكان بعض الشيوخ جاءوا من الهند ليحثوا الهنود الذين يقاتلون مع الإنجليز على قتال الألمان وأن ذلك جهاد فماذا حصل؟ بعد انتهاء الحرب العالمية الذي حصل هو قيام دولة إسرائيل وتحقيق وعد بلفور في الحرب العالمية الأولى كانت القضية تحت ستار عصبة الأمم ونقاط الرئيس ولسن في الحرب العالمية الثانية كانت القضية مغلفة بميثاق الأمم المتحدة وحقوق الإنسان التي في تلك السنة التي أنشأت فيها دولة إسرائيل أعلنت حقوق الإنسان حتى نعرف حقوق من ، من البشر يريدون هذه هما حربين وفي النهاية ما يزال العرب متعلقين و متمسكين بالغرب واثقين في وعوده وسوف يرى وسوف نرى جميعاً بأم عيننا ماذا سيفعل الغرب بنا كما فعل بنا في المرات السابقة فالقضية متكررة وهذه أمثلة للتاريخ الحديث فضلا عما قبلها لنركز الحديث الآن عن النصارى لأننا كما قلت مخدوعون بهم ومغرر بنا من كلامهم ونعطيهم الثقة الكاملة مع أنهم سيفعلون بنا ما سنراه بأم عيننا ولا حول ولا قوة إلا بالله هناك عقيدة عند النصارى تقول إن المسيح سيرجع بعد ألف سنة بعد ما رفع عليه السلام قالوا سيرجع المسيح بعد ألف سنة ثم يحكم العالم ألف سنة ولهذا عندما كان عام ألف ميلادي قبل حوالي ألف سنة من الآن انتظر النصارى في جميع أنحاء العالم مجيء المسيح وانتظروا و انتظروا وما جاء فهدأ الموضوع لما جاء هذا القرن الآن قارب على الانتهاء بدأت الدعوات تظهر في جميع أنحاء العالم النصراني بأن المسيح في عام ألفين سيعود وكيف يعود ؟ قالوا إذا عاد المسيح فإنه سيعود في مملكة إسرائيل في فلسطين في موطنه الأصلي ولذلك يرى النصارى أن تجميع اليهود في أرض فلسطين هو مقدمة لقدوم المسيح ولعودة المسيح الألفية ومن هنا تبنى النصارى منذ أربعة قرون وليس اليهود ، النصارى قبل اليهود تبنوا قضية تجميع بني إسرائيل في أرض فلسطين تمهيداً لعودة المسيح في الألف سنة الثالثة وهذه حقيقة يؤمنون بها إيمان عجيباً وقد أوجز لكم يعنى الكلام فيها لكن اختصاراً فظهر كتاب في أمريكا ألفه رجل يدعى أترال لوبرتوس وهذا كتاب مشهور جداً سماه ( دراما نهاية الزمن ) وكتاب آخر أكثر منه شهرة وهو كتاب الذي ألفه لنسي كتاب ( نهاية أعظم كرة أرضية ) هذا الكتاب أو هذان الكتابان كمثالين يفترضان أن عام ألفين أو قريب منه سوف تنتهي هذه الكرة الأرضية نهائياً كيف تنتهي قالوا كل الحضارات ستنتهي حتى كان واحد منهم يقول لا داعي أن تفكروا في ديون أمريكا الخارجية ولا داعي تفكروا في مستقبل الأجيال من بعد ولا تفكروا في ارتفاع الضرائب في أمريكا العملية هي بضع سنوات وتنتهي كيف تنتهي قالوا ستقوم المعركة الكبرى العالمية معركة هرمج الدون أو سهل مجيدوا وهذه المعركة ستكون بين الوثنين وبين النصارى ولابد أنكم سمعتم عن هذه المعركة كثيراً قبل حرب الخليج وكيف أن الرأي العام في أمريكا حشد حشداً قوياً للتصديق بأن الحرب هي حرب هرمج الدون أو سهل مجيدوا ، سهل مجيدوا هذا سهل صغير في فلسطين يقولون أن المعركة العالمية النهائية ستكون فيه بين جيوش يصل عددها إلى أربعمائة مليون مع أنه لا يمكن أن الأرض تحتمل هذا العدد لكن يقولون في هذه الأيام وقريب من عام ألفين ستكون هذه المعركة وستكون حرباً نووية وسوف يأتي المسيح فيرفع المؤمنين به فوق السحاب ويموت المشركون الوثنيون بعض الكلام هذا بعض الإخوان يقولون سبحان الله هذا الكلام يصدقه الأمريكان عندنا أكثر من دليل أكثر من إحدى عشر مرة يعلن الرئيس ريجان إيمانه بهذا رئيس الولايات المتحدة وبوش وغيره ولعلنا نأتي بكثير من الشواهد فضلا عن الطبقة المثقفة فضلا عن كثير طبعاً كل رجال الدين يؤمنون بهذه القضية وأن المعركة لابد منها قد يختلفون في التاريخ لكن لابد من المعركة هذه والوثنيون والذين سيقتلون هم الكنعانيون المسلمون وأما المسيحيون سيرفعهم المسيح في جميع أنحاء الأرض يعنى حتى عرايا شكاغوا وعرايا باريس كل النصارى يرفعهم فوق السحاب حتى تنتهي الحرب النووية التي تدمر من ؟ تدمر الكنعانيين تدمرنا نحن هذا ما يعتقدونه الرئيس نكسون هو أكبر رؤساء أمريكا تنظيراً وفكراً ألف كتاباً يشعركم بهذه القضية عنوانه ( ألف وتسعمائة وتسعة وتسعين نصر بلا حرب ) يقول إلى عام ألف وتسعمائة وتسعة وتسعين نكون قد حققنا السيادة الكاملة على العالم من غير حرب يعنى بالنسبة لأمريكا كدولة بعد ذلك يبقى ما بقي على المسيح لا يتدخلون هم فيه هم يحددون إذاً لا يأتي عام ألفين إلا وقد هيئوا لعودته وما بقي عليه وكما يقولون هذا الكلام الذي يعتقده الرئيس نكسون لعلنا نقرأ بعض مقاطع صغيرة من كتابه هذا الضخم .
يقول نكسون أولا : عندما جربتشوف زار واشنطن وهذه من ثمرات الوفاق هذا العداء من ثمرات الوفاق بين الشرق والغرب هذه الحرب الشرسة على الإسلام يقول نكسون يجب على روسيا وأمريكا أن تعقدا تعاوناً حاسماً لضرب الأصولية الإسلامية هكذا رأى الوفاق من أجل ضرب الأصولية الإسلامية أما الأصولية المسيحية فسوف نحدثكم عنها العجب العجاب من نشاطها وقوتها لكن هذا ما يراه نكسون بالنسبة للقاء جربتشوف وريجان إن صراع العرب ضد اليهود يتطور هذا الصراع الموجود الآن يتطور إلى نزاع بين الأصوليين الإسلاميين من جانب وإسرائيل والدول العربية المعتدلة من جانب آخر هذه هي المعركة يقول ليست بينا وبين العرب المعتدلين وكرر هذا وفصله لكن خلاصة الموضوع كما قال المعركة ستكون بين الأصوليين الإسلاميين من جانب وبين إسرائيل وأمريكا والعرب المعتدلين من جانب آخر هذه هي حقيقة المعركة ويقول في العالم الإسلامي من المغرب إلى أندونسيا ورثت الأصولية الإسلامية محل الشيوعية باعتبارها الأداة الأساسية للتغيير العنيف يعني العنف والإرهاب الذي كنا أول نطلقه على الشيوعية انتهى الآن ورثته الصحوة الإسلامية من المغرب إلى أندونسيا لاحظتم كيف ويختم كتابه بعبارات حماسية عجيبة نذكر واحداً منها يقول عندما كانت أمريكا ضعيفةً وفقيرةً منذ مئتي سنة مضت كانت عقيدتنا هي المبقية علينا لاحظوا وعلينا ونحن ندخل قرننا الثالث بالنسبة لعمر أمريكا ونستقبل الألف سنة المقبلة أن نعيد إكتشاف عقيدتنا ونبث فيها الحيوية إذن حتى الرئيس نكسون يؤمن بالأصولية المتطرفة طبعاً ما يسمى متطرف لأنه ليس داعيةً إسلامياً يقول هذا الكتاب ( البعد الديني ) أول شيء ينقل عن الرئيس كارتر أنه تحدث قائلاً لقد آمن سبعة رؤساء أمريكيين وجسدوا هذا الإيمان بأن علاقات الولايات المتحدة الأمريكية مع إسرائيل هي أكثر من علاقة خاصة بل علاقة فريدة لأنها متجزرة في ضمير وأخلاق ودين ومعتقدات الشعب الأمريكي نفسه لقد شكل إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية مهاجرون طلعيون ونحن نتقاسم تراث التوراة هذا كلام كارتر سبعة من رؤساء أمريكا يؤمنون بمعركة هرمج الدون هذه ويعتقدون أن الصراع بين العرب واليهود هو صراع بين داود وجالوت الذي يسمونه هم جليات من هو جالوت ؟ العرب وداود هم اليهود في نظرهم .
تصريح أن الرئيس ريجان يعتقد أن السوفيت سوف يتورطون في معركة هرمج الدون وعندما قام أحد رجال الدين الكاثوليك وطالب ريجان بالتنكر لهذه القضية وقال كيف تصدق جلي فلوي وتعتقد أن الحرب النووية لابد منها يقول هذا المحتج على ريجان لقد قال الرئيس ريجان إن نهاية العالم باتت وشيكة وكررها في أكثر من إحدى عشرة مناسبة سواء كان حينما كان حاكماً لكلفورنيا أو رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية وقالها في منزله وفي البيت الأبيض وعلى العشاء وعند الغداء وعلى الهواء ومن خلال أسلاك التلفون ولرجال الدين والسياسة وقيادات الضبط وقالها لرجال مكتبه وللشيوخ وحتى لمجلة الناس يعني عدّ كم مرة قال ريجان إنه يؤمن بمعركة هرمج الدون وأن نهاية العالم باتت وشيكة كما يؤمنون بها .
الرئيس بوش يقول مثنياً على جلي فلوي يقول بوش اعتقد بكل أمانة أننا برجال من أمثال جلي فلوي فإن شيئاً فظيعاً كالإبادة الجماعية لليهود لن يحدث ثانيةً .
هذا جلي فلوي من الزعماء أو أكبر زعيماً أصولياً نصرانياً في العالم التي تنادي بعودة اليهود وبعودة المسيح وهو صديق حميم لجورج بوش " ( ).
وتقول مجلة الأزهر تحت عنوان (( قصة الاغتصاب في ثمان وثائق )) :
يحتاج الحديث عن الاحتلال الصهيوني لأرض فلسطين إلى مجلدات ومجلدات ولكن ما لا يدرك كله لا يترك كله فمن خلال وثائق قليلة يمكننا التعرف على حقيقة ما حدث .
كانت البداية في 11 من أغسطس سنة 1840 في مذكرة كتبها ( بالمرستون ) وزير خارجية بريطانيا إلى سفيره في تركيا مستغلاً تداعيات الصراع الذي نشب بين محمد على باشا والى مصر وبين السلطان العثماني جاء في هذه الرسالة :
يقوم بين اليهود الآن المبعثرين في كل أوربا شعور قوي بأن الوقت الذي ستعود فيه أمتهم إلى فلسطين آخذ في الاقتراب ومن المعروف جيداً أن يهود أوربا يمتلكون ثروات كبيرة ، ومن الواضح أن أي قطر يختار أعداداً كبيرة من اليهود أن يستوطنوه سيحصل على فوائد كبيرة من الثروات التي سيجلبها معهم هؤلاء اليهود … فإذا عاد الشعب اليهودي تحت حماية ومباركة السلطان فسيكون في هذا حائلاً بين محمد علي ومن يخلفه وبين تحقيق خطته الشريرة في المستقبل .
وحتى إذا لم يؤد هذا التشجيع الذي سيقدمه السلطان لليهود لم يؤد بالفعل إلى استيطان عدد كبير منهم في حدود الإمبراطورية العثمانية إلا أن إصدار قانون من هذا النوع سيعمل على انتشار روح الصداقة تجاه السلطان بين جميع يهود أوربا ، وسترى الحكومة التركية في الحال كم سيكون مفيداً لقضية فلسطين أن يكسب أصدقاء مفيدين في كثير من الأقطار بقانون واحد بسيط كهذا .
وفي عام 1895 ألف مؤسس الحركة الصهيونية ( تيودور هرتزل ) كتاباً بعنوان (( الدولة اليهودية )) ومما جاء فيه :
نتيجة العداء للسامية ، شعر اليهود المضطهدون بالكراهية للذين يضطهدونهم وهذا بدوره يزيد من الاضطهاد لهم وهكذا تدور المشكلة في حلقة مفرغة .
وتساءل هرتزل عن الحل . الحل هو كما يقول في أن يمنح اليهود السيادة على جزء من الأراضي يمكن اليهود من أن يعيشوا حياتهم كأمة … وما بعد ذلك يترك لليهود يتصرفون فيه بأنفسهم .
إن إقامة دولة جديدة ليس بالشيء المستحيل وستكلف وكالتان متخصصتان القيام بهذا العمل هما (( جمعية اليهود )) و (( الشركة اليهودية )) وستخول الجمعية السلطات للتفاوض مع الحكومات بكونها ممثلة للشعب اليهودي وسيكون هدفها خلق الدولة اليهودية أما الشركة فهي لتمويل هذه العمليات .
وأثار هرتزل التساؤل التالي : هل ستكون الدولة في فلسطين أم في الأرجنتين ؟ وقال إن الجمعية هي التي ستحدد . ثم قال : إن الأرجنتين من أخصب بقاع العالم ومساحتها كبيرة وتعداد سكانها ضئيل وجوها معتدل ولا شك أن جمهورية الأرجنتين ستجني مكاسب هائلة من وراء إعطائنا قطعة من الأرض أما فلسطين فلها ذكريات تاريخية وأن مجرد ذكر اسم فلسطين يثير شعبنا ويحفزه .
وإذا ما وافق السلطان على إعطائنا فلسطين فإننا في مقابل ذلك سنتعهد بتنظيم الأحوال المالية لتركيا وسنعمل على أن نظل مرتبطين بكل أوربا التي ستضمن بقاءنا وستقوم الشركة اليهودية يتنظيم الشؤون التجارية والمالية للدولة الجديدة .
وفي سبيل تنفيذ هذا المخطط أرسل هرتزل مع أحد أصدقائه إلى السلطان العثماني عبد الحميد رسالة يعرض فيها حل الأزمة المالية التي تعاني منها تركيا مقابل الحصول عل فلسطين وجاء فيها :
تصرف عشرين مليون ليرة تركية لنصلح الأوضاع المالية في تركية ندفع من هذا المبلغ مليونين بدل فلسطين وهذه الكمية تستند على تحويل رأس مال مدخول الحكومة الحاضر الذي هو ثمانون ألف ليرة تركية في السنة وبالثمانية عشر مليون تتحرر تركيا من بعثة الحماية الأوربية أما أصحاب الأسهم من الفئات الأولى والثانية والثالثة والرابعة فسوف نحملهم على الرضى بإزالة البعثة وذلك بإعطائهم امتيازات خاصة ، فوائد أعلى وتمديداً لملكية الأرض إلخ .ورد السلطان العثماني على رسول هرتزل في 19/6/1896 بقوله :
إذا كان هرتزل صديقك بقدر ما أنت صديقي فانصحه أن لا يسير أبداً في هذا الأمر لا أقدر أن أبيع ولو قدماً واحداً من البلاد لأنها ليست لي بل لشعبي لقد حصل شعبي على هذه الإمبراطورية بإراقة دمائهم وقد غذوها فيما بعد بدمائهم وسوف نغطيها بدمائنا قبل أن نسمح لأحد باغتصابها منا لقد حاربت كتيبتنا في سورية وفي فلسطين وقتل رجالنا الواحد بعد الآخر في (( بلفنة )) لأن أحداً منهم لم يرض بالتسليم وفضلوا أن يموتوا في ساحة القتال الإمبراطورية التركية ليست لي وإنما للشعب التركي لا أستطيع أبداً أن أعطي أحداً أي جزء منها ليحتفظ اليهود ببلايينهم فإذا قسمت الإمبراطورية فقد يحصل اليهود على فلسطين بدون مقابل إنما لن تقسم إلا جثثنا ولن أقبل بتشريحنا لأي غرض كان .
ولكن هرتزل لم ييأس فكتب إلى السلطان العثماني اقتراح بإنشاء جامعة يهودية في القدس جاء فيها :
لي الشرف أن أتقدم لحكمة جلالتكم المتناهية بالاقتراح التالي : إني أدرك الصعوبة التي تواجه حكومتكم بسبب ذهاب شبان تركيا لتلقي التعليم في الخارج وما يتعرض له هؤلاء الشبان من ضياع ، خاصة في تأثرهم بالأفكار الثورية مما يجعل الحكومة أمام أحد أمرين : إما أن تحرم هؤلاء من التدريب العلمي أو أن تعرضهم إلي مخاطر الغوايات السياسية على أن هناك حلاً للمشكلة . وأنا أسمح لنفسي بكل اتضاع أن أقدم لحكمة جلالتكم هذا الحل .
إننا معشر اليهود نلعب دوراً هاماً في الحياة الجامعية في أنحاء العالم والأساتذة اليهود يملأون جامعات البلدان كما أن هناك عدداً كبيراً من العلماء والمتخصصين في جميع الحقول التعليمية ، لهذا فإننا نستطيع أن نقيم جامعة يهودية في إمبراطوريتكم ولتكن في القدس مثلاً عندها لن يضطر الطلاب العثمانيون إلى الذهاب إلى الخارج بل يبقون في بلادهم ، والجامعة اليهودية تقوم بتقديم أفضل ما تقدمه أحسن الجامعات ومدارس التدريب المهني ومدارس الزراعة ولن تقدم مثل هذه المؤسسة إلا ما هو أفضل وعندها تقوم بدورها في خدمة العلم والطلاب والبلاد .
في عام 1916 وضعت اللجنة السياسية المنبثقة عن المنظمة الصهيونية خطوط برنامج توطين اليهود في فلسطين طبقاً لآمال الحركة الصهيونية وقدمته إلى (( مارك سايكس )) :
1- الاعتراف رسمياً بالشعب اليهودي في فلسطين ( ونقصد هنا بالشعب اليهودي ، اليهود الموجودين حالياً في فلسطين واليهود الذين سيهاجرون إليها مستقبلاً ) كنواة للوطن القومي اليهودي وأن يتمتع هذا الشعب بجميع حقوقه المدنية والسياسية .
2- أن تمنح الحكومة البريطانية لجميع اليهود في مختلف أنحاء العالم حق الهجرة إلي فلسطين وأن تسهل لليهود في فلسطين وسائل الاستقرار وشراء الأراضي .
3- أن تبارك الحكومة البريطانية تكوين جمعية يهودية هدفها استعمار فلسطين وأن تكون هذه الجمعية تحت حماية الحكومة وسيكون من أعمال هذه الجمعية مساعدة اليهود على الاستقرار في فلسطين بجميع الطرق الممكنة وأن تساعد وتشجع على الهجرة بكافة الوسائل .
وعد بلفور :
وفي 31/10/1917 أعلن آرثر بلفور وزير خارجية بريطانيا الوعد المشئوم المشهور باسمه (( وعد بلفور )) وجاء فيه :
إن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين ، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية على أن يفهم جلياً أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة الآن في فلسطين ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في البلدان الأخرى .
وكتب بلفور إلى ممول الحركة الصهيونية (( روتشيلد )) يقول :
عزيزي اللورد روتشلد :
يسرني جداً أن أبلغكم بالنيابة عن حكومة جلالته ، التصريح التالي الذي ينطوي على العطف على أماني اليهود والصهيونية وقد عرض على الوزارة وأقرته :
(( إن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية ، على أن يفهم جلياً أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة الآن في فلسطين ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في البلدان الأخرى )) .
وسأكون ممتناً إذا ما أحطتم الاتحاد الصهيوني علماً بهذا التصريح .
المخلص آرثر بلفور .
وتتوالى حلقات المؤامرة الدولية وتوضع فلسطين تحت الانتداب البريطاني الذي يمهد السبل لقيام الكيان الصهيوني على أرض فلسطين وإعلان قيام دولة إسرائيل مساء يوم الجمعة 14من مايو سنة 1948 على جزء من أرض فلسطين تم تحديده بمعرفة الأمم المتحدة ثم ابتلعت إسرائيل فلسطين كلها في الخامس من يونيو 1967 لتصل المأساة إلى ذروتها ( ).
إن حقيقة ما يدور على أرض فلسطين إنما هو من أجل العقيدة التي يعتقدها اليهود والنصارى ومن أجل عدائهم الشديد للمسلمين ولذلك اتفق اليهود والنصارى على المسلمين بالرغم مما بينهم من العداء الشديد والخلاف الديني فيما يعتقدوه في المسيح عيسى ابن مريم فاليهود آمنوا بمسيح الضلالة الكذاب الدجال فإنه هو الذي ينتظرونه حقاً واليهود هم جنوده وأتباعه ويكون لهم في زمانه شوكة ودولة حتى ينزل عيسى ابن مريم فيقتل منتظرهم الدجال ويضع عيسى ابن مريم وأصحابه فيهم السيوف حتى يختبأ اليهودي وراء الحجر والشجر فيقولان يا مسلم هذا يهودي خلفي فاقتله ففي مسند الإمام أحمد عن عائشة رضي الله عنها قالت : دخل علي رسول الله صلى الله عليه و سلم و أنا أبكي فقال لي : ما يبكيك ؟ قلت : يا رسول الله ذكرت الدجال فبكيت ، فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن يخرج الدجال و أنا حي كفيتكموه و إن يخرج الدجال بعدي فإن ربكم عز و جل ليس بأعور إنه يخرج في يهودية أصبهان حتى يأتي المدينة فينزل ناحيتها و لها يومئذ سبعة أبواب على كل نقب منها ملكان فيخرج إليه شرار أهلها حتى الشام مدينة بفلسطين بباب لد ـ و قال أبو داود مرة : حتى يأتي فلسطين باب لد ـ فينزل عيسى عليه السلام فيقتله ثم يمكث عيسى علبه السلام في الأرض أربعين سنة إماماً عدلاً و حكماً مقسطاً ( ).
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( يتبع الدجال ، من يهود أصبهان ، سبعون ألفا ، عليهم الطيالسة )) ( ).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود ، فيقتلهم المسلمون ، حتى يختبأ اليهودي من وراء الحجر والشجر ، فيقول الحجر أو الشجر : يا مسلم ! يا عبد الله ! هذا يهودي خلفي ، فتعال فاقتله ، إلا الغرقد ، فإنه من شجر اليهود )) ( ).
واليهود لم يؤمنوا بعيسى ابن مريم عليه السلام لأنهم يعتقدون أن علامة مجيئه أن يأكل الأسد التبن وأن البقرة والذئب يرعيان معاً وأن الذئب والتيس يربضان معاً وهذا غير صحيح فإن هذا لا يكون إلا بعد مقتل الدجال الكذاب وذلك لما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : (( الأنبياء إخوة لعلات ، دينهم واحد و أمهاتهم شتى ، و أنا أولى الناس بعيسى ابن مريم لأنه لم يكن بيني و بينه نبي ، و أنه نازل فإذا رأيتموه فاعرفوه ، فإنه رجل مربوع إلى الحمرة و البياض ، سبط كأن رأسه يقطر و إن لم يصبه بلل بين ممصرتين ، فيكسر الصليب و يقتل الخنزير ، و يضع الجزية ، و يعطل الملل حتى يهلك الله في زمانه الملل كلها غير الإسلام ، و يهلك الله في زمانه المسيح الدجال الكذاب ، و تقع الأمنة في الأرض حتى ترتع الإبل مع الأسد جميعاً ، و النمور مع البقر ، و الذئاب مع الغنم ، و يلعب الصبيان بالحيات لا يضر بعضهم بعضاً ، فيمكث ما شاء الله أن يمكث ثم يتوفى ، فيصلي عليه المسلمون و يدفنونه )) ( ).
أما النصارى فيؤمنون بمسيح لا حقيقة له قال ابن القيم رحمه الله تعالى :
" ومسيح النصارى لا حقيقة له فإنه عندهم إله وابن إله وخالق ومميت ومحيي فمسيحهم الذي ينتظرونه هو المصلوب المسمر المكلل بالشوك بين اللصوص المصفوع الذي هو مصفعة اليهود وهو عندهم رب العالمين وخالق السموات والأرضين ومسيح المسلمين الذي ينتظرونه هو عبد الله ورسوله وروحه وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول عيسى ابن مريم "( ) .
إن الذي يجب على المسلمين أن يفهموه هو أن قضية فلسطين قضيةً إسلامية دينية وليست قضية عربية كما يزعم البعض لأن الصراع بين اليهود والمسلمين هو صراع ديني عقائدي صراع بين عقيدتين متضادتين واليهود وأتباعهم من الشرق والغرب يخشون من أن يعتقد المسلمون أن الصراع صراع ديني لأنه سوف يؤدي إلى الجهاد في سبيل الله لذلك هم يحرصون وأتباعهم على جعل القضية عربية بالدرجة الأولى لأنهم يدركون مدى خطر الجهاد في سبيل الله عليهم فهم يخافون ليل نهار من المجاهدين لأنهم يعلمون أن المسلمين لو تمسكوا بدينهم ورفعوا راية الجهاد في سبيل الله فلن تقوم لهم قائمة لأن المجاهدين يطلبون الشهادة في سبيل الله فهم حريصون على الموت كما يحرص أعداهم على الحياة فالواجب على علماء المسلمين وحكامهم وشبابهم أن يعوا القضية جيداً وأن يعدوا العدة لما يخطط له اليهود والنصارى ضد الإسلام في شتى بقاع الأرض وإذا كان رؤساء أمريكا فضلاً عن غيرهم من رؤساء دول الغرب يعتقدون أنه لابد من معركة فاصلة مع العرب وهي التي يسمونها ( هرمج الدون ) ويعدون العدة لذلك على قدم وساق ويعلنون هذا في منتدياتهم وفي خطبهم وفي كتبهم فالواجب على أهل الإسلام أن يحذروا منهم وأن يعدوا العدة لهم وأن يتمسكوا بدينهم ويرجعوا إلى ربهم لكي ينصرهم قال تعالى {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوف إليكم وأنتم لا تظلمون }[ الأنفال : 60 ] وليعلم أهل الإسلام أن العاقبة لهم إن هم تمسكوا بدينهم وجاهدوا في سبيل الله ونصروه فإن الله عز وجل وعدهم بالنصر على الأعداء قال تعالى { يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم }[ محمد : 7 ] وقال تعالى { إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده وعلى الله فليتوكل المؤمنون }[ آل عمران : 160 ] وقال تعالى {ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور }[ الحج : 40-41 ] وقال تعالى { إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد }[ غافر : 51 ] .
أما عداء النصارى ومكائدهم في الإسلام فهي كثيرة جداً فكم من حرب شنوها على المسلمين للقضاء عليهم وعلى عقيدتهم الصافية فتوالت الحروب الصليبية ضد المسلمين في مصر والشام وفي الأندلس وغيرها من بلاد المسلمين حرباً شعواء لا هوادة فيها .
يقول المستشار علي جريشة في كتابه الاتجاهات الفكرية المعاصرة ص31-32 :
" استمرت الحروب الصليبية قرنان ولسنا نسجل تاريخاً ولكنا نستخلص من وقائع التاريخ حقيقة ، إن الهدف وراء تلك الحروب كان هدفاً صليبياً واضحاً وذلك ما يكشف عنه :
1- دعوة البابوات إلى هذه الحروب ومشاركتهم فيها ، فإن المؤرخين يسجلون أن أول من دعا إلى هذه الحروب كان البابا سلفستر الثاني عام 1002 م ، ثم تلاه البابا خريفوريوس عام 1075 م ، وقد قامت الحروب بعد ذلك بعشرين عاماً 1097 م ، وقد قاد بعض أولئك البابوات بعض هذه الحروب وشارك في أكثرها رجال الدين المسيحي ، وشارك كتّاب النصارى ومفكروهم في نفث روح الصليبية في هذه الحملات .
2- ما كان يحدث في هذه الحروب من إبادة للمسلمين بطريقة تنم عن الحقد ، ولا يقتضيها مجرد الفتح فإن التاريخ يسجل أن الحملة الصليبية التي دخلت بيت المقدس ( 15 يوليو 1099 م ) ( 2 رمضان 493 هـ ) وبعد أن انتهى فتح البلدة راحت فانتهكت حرمة المسجد في الشهر الحرام لتسيل الدم الحرام أنهاراً داخل المسجد حتى أن مؤرخيهم قالوا : لقد غاصت الخيل إلى صدورها في دماء المسلمين حيث قتلوا 70 ألف مسلم .
3- ما صرح به البعض منهم اعترافاً بهذه الحقيقة فقد قال أحدهم : ( لقد خاب الصليبيون في انتزاع بيت المقدس من أيدي المسلمين ليقيموا دولة مسيحية في قلب العالم الإسلامي ، والحروب الصليبية لم تكن لإنقاذ هذه المدينة ( القدس ) بقدر ما كانت لتدمير الإسلام " .
ويقول أحمد رائف في كتابه وتذكروا من الأندلس الإبادة ص 273-274 :
" يقول المقري : ثم إن النصارى نكثوا العهد ونقضوا الشروط عروةً عروة إلى أن حال لحملهم المسلمين على التنصير سنة أربع وتسعمائة بعد أمور أعظمها وأقواها عليهم أنهم قالوا : إن القسيسين كتبوا على جميع من كان أسلم من النصارى أن يرجعوا قهراً للكفر ففعلوا ذلك ، وتكلم الناس ولا جهد لهم ولا قوة ثم تعدوا إلى أمر آخر وهو أن يقولوا للرجل المسلم : إن جدك كان نصرانياً فأسلم فترجع نصرانياً ، ولما فحش هذا الأمر قام أهل البيازين على الحكام وقتلوهم ، وهذا كان السبب للتنصر قالوا لأن الحكم خرج من السلطان أن من قام على الحاكم فليس إلا الموت إلا أن يتنصر فينجو من الموت ، وبالجملة فإنهم تنصروا عن آخرهم بادية وحاضرة وامتنع قوم من التنصر واعتزلوا الناس فلم ينفعهم ذلك ، وامتنعت قرى وأماكن كذلك منها بلفيق وأندرش وغيرهما فجمع العدو الجموع واستأصلهم عن آخرهم قتلاً وسبياً إلا ما كان من جبل بللنقة فإن الله تعالى أعانهم على عدوهم وقتلوا منهم مقتلة عظيمة مات فيها صاحب قرطبة وأخرجوا على الأمان إلى فاس بعيالهم وما خف من مالهم دون الذخائر ثم بعد هذا كله كان من أظهر التنصر من المسلمين يعبد الله في خفية ويصلي فشدد عليهم النصارى في البحث حتى إنهم أحرقوا منهم كثيراً بسبب ذلك ومنعوهم من حمل السكين الصغيرة فضلاً عن غيرها من الحديد ".
" وقال صاحب أخبار العصر : ( ثم بعد ذلك دعاهم إلى التنصير وأكرههم عليه وذلك في سنة أربع وتسعمائة فدخلوا في دينهم كرها وصارت الأندلس كلها نصرانية ولم يبق فيها من يقول ( لا إله إلا الله محمد رسول الله ) إلا من يقولها في قلبه وفي خفية من الناس وجعلت النواقيس في صوامعها بعد الآذان وفي مسجدها الصور والصلبان بعد ذكر الله وتلاوة القرآن فكم فيها من عين باكية ، وقلب حزين ، وكم فيها من الضعفاء والمعذورين لم يقدروا على الهجرة واللحوق بإخوانهم المسلمين قلوبهم تشتعل ناراً ، ودموعهم تسيل سيلاً غزيراً ، وينظرون أولادهم وبناتهم يعبدون الصلبان ، ويسجدون للأوثان ويأكلون الخنزير والميتات ، ويشربون الخمر التي هي أم الخبائث والمنكرات فلا يقدرون على منعهم ولا على زجرهم ، ومن فعل ذلك عوقب بأشد العقاب فيالها من فجيعة ما أمرها ومصيبة ما أعظمها وطامة ما أكبرها ) .
( وانطفأ من الأندلس الإسلام والإيمان فعلى هذا فليبك الباكون ولينتحب المنتحبون فإنا لله وإنا إليه راجعون ، كان ذلك في الكتاب مسطوراً ، وكان أمر الله قدراً مقدوراً ) .
إن عداء النصارى لم يتوقف ولن يتوقف أبداً إلا في حالة واحدة كما بينه لنا ربنا عز وجل في كتابه قال تعالى { ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم }[ البقرة : 120 ] وقال تعالى { ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون }[ البقرة : 217 ] .
ولقد ظهرت عداوة النصارى في هذا العصر لكي تقول نحن على عدائنا للإسلام باقين ولن نتركه أبداً في جرائمهم التي ارتكبوها ضد المسلمين في شتى بقاع العالم ، فما فعله الصرب في البوسنة والهرسك منا ببعيد لقد فعلوا ما تقشعر منه الأبدان ويشيب له النواصي من الولدان فقد هتكوا الأعراض وقتلوا الأطفال والنساء والشيوخ والشباب ونهبوا الأموال وجعلوا الشعب البوسنوي لاجئين في كل مكان من أنحاء العالم والذي يساعد الصرب هي أمريكا وفرنسا وجميع دول أوربا من النصارى الحاقدين وما ذلك إلا من أجل منع قيام دولة مسلمة في أوربا ، وفي الصومال حرب ضد المسلمين وما هي إلا من تخطيط أعداء الإسلام فقد جعلوا الصومال فوضى وهدموا مساجدهم وجعلوهم يعيشون حرباً لا هوادة فيها ، وفي جنوب السودان الحرب مشتعلة بينهم وبين الشمال والذين يدعمون الجنوب هم اليهود والنصارى وذلك لقيام دولة نصرانية في الجنوب ، إن عداء النصارى للإسلام ما زال مستمراً ولن ينتهي أبداً لأنه عداء عقائدي ، وفي أندونسيا شرذمة قليلة من النصارى قد فعلوا بالمسلمين هناك الأفاعيل فقتلوا وشردوا كثيراً منهم فهم الذين معهم الأسلحة التي يمدهم بها الغرب النصراني حتى إن القساوسة هم الذين يباشرون الحرب بأنفسهم من أجل القضاء على المسلمين هناك أو إدخالهم في النصرانية الضالة المحرفة والمسلمين هناك لا حول لهم ولا قوة ولا يجدون من يعينهم على صد عدوان النصارى سواء كان بالمال أو بغيره من الوسائل الأخرى والعالم كله يعلم ما يدور هناك ولا يوجد من ينكر ولو بكلمة واحدة فأين حقوق الإنسان التي ينادي بها هؤلاء ؟ والجواب أن هؤلاء مسلمين ليس لهم حقوق يدافع عنها ولم تنشأ جمعية حقوق الإنسان من أجلهم وإنما هي من أجل اليهود والنصارى وغيرهم من الديانات الأخرى سوى المسلمين فهم ليس لهم فيها من نصيب .
وأما تصريحات قادة اليهود والنصارى في عداءهم للإسلام فيقولون في كتاب ( بروتوكولات حكماء صهيون )
يجب أن ننشر في سائر الأقطار الفتنة والمنازعات والعداوات المتبادلة فإن في ذلك فائدة مزدوجة .
ويقولون : إن صيحتنا الحرية والمساواة والإخاء قد جلبت إلى صفوفنا فرقة كاملة من زوايا العالم الأربع عن طريق وكلائنا المغفلين وقد حملت هذه الفرق ألويتنا في نشوة .
ويقولون : ولكي نصل إلى غاياتنا التحكم في العالم يجب علينا أن ننطوي على كثير من الدهاء والخبث خلال المفاوضات والاتفاقات وفيما يسمى باللغة الرسمية سوف نتظاهر عكس ذلك لكي نظهر بمظهر الأمين المتحمل للمسئولية .
ويقولون : إن المحفل الماسوني المنتشر في كل أنحاء العالم ليعمل في غفلة كقناع لأغراضنا .
يقول صحفي غربي : إن الشيوعية أفضل من الإسلام لأنها في الأصل فكرة غربية يمكن الالتقاء معها أما الإسلام فلا التقاء معه إلا بالحديد والنار .
يقول ابن غوريون رئيس وزراء إسرائيل السابق : نحن لا نخشى الاشتراكيات ولا الثوريات ولا الديمقراطيات في المنطقة نحن فقط نخشى الإسلام هذا المارد الذي نام طويلاً وبدأ يتململ من جديد .
ويقول شمعون بيريز : إنه لا يمكن أن يتحقق السلام ما دام الإسلام شاهراً سيفه ولن نطمئن على مستقبلنا حتى يغمد الإسلام سيفه إلى الأبد .
ويقول الرئيس الأمريكي الأسبق نكسون : المشكلة هو الإسلام قالوا : وما الحل ؟ قال : أن نأتي بأبناء المسلمين ثم نرسلهم إلى بلادنا كي نحقنهم نثقافتنا ونعيدهم إلى بلادهم ثم قال : يجب على روسيا وأمريكا أن تتحدا للحيلولة دون قيام حكم إسلامي في أفغانستان .
ويقول جورباتشوف : لقد بدأ المسلمون يتململون وينفضون الغبار عن أنفسهم ويحاولون أن ينطلقوا وإذا انطلقوا لن يقف في وجههم شيء وأن المستفيد الوحيد من اختلاف أمريكا وروسيا هو الإسلام فلابد من إنهاء مشاكلنا للوقوف في وجه العدو المشترك يعني الإسلام .
ويقول معلق سياسي في إذاعة إسرائيل : إن عودة الروح الدينية بهذا الشكل المفاجيء دليل على فشل جميع أساليب القمع مما يحتم على جميع الذين يعتبرون الإسلام عدواً تاريخياً لهم أن يعيدوا النظر في الأمر للتوصل إلى اتفاق على أساليب جديدة وحاسمة لوقف الزحف الإسلامي الجديد وعلى المحبين لإسرائيل أن يبذلوا جهودهم لإبقاء الروح الإسلامية خامدة لأنها إذا اشتعلت من جديد فلن نكون وحدنا في خطر .
ويقول المنصر روبرت ماكس : لن تتوقف جهودنا وسعينا في تنصير المسلمين حتى يرتفع الصليب في سماء مكة ويقام قُدَّا س الأحد في المدينة .
ويقول منصر آخر : لقد هان الأمر في أفريقيا فقد انتشر فيها الزنا وشرب الخمور والآن يجب التركيز على الجزيرة العربية .
ويقول صمويل زويمر رئيس الجمعيات التنصيرية : إن مهمتكم أن تخرجوا المسلم من الإسلام ليصبح مخلوقاً لا صلة له بالله وبالتالي ليس له صلة تربطه بالأخلاق وتكونون بعملكم هذا طليعة الفتح الاستعماري في المماليك الإسلامية .
ويقول الحاكم الفرنسي في الجزائر بمناسبة مرور مائة عام على احتلالها : يجب أن نزيل القرآن العربي من وجودهم ونقطع اللسان العربي من ألسنتهم حتى ننتصر عليهم .
ويقول غلادستون : ما دام هذا القرآن العربي موجوداً فلن تستطيع أوربا السيطرة على الشرق ولا أن تكون هي نفسها في أمان كما رأينا .
ويقول لويس التاسع ملك فرنسا : إنه لا يمكن الانتصار على المسلمين من خلال الحرب وإنما يمكن الانتصار عليهم بواسطة السياسة التالية :
أ – إشاعة الفرقة بين قادة المسلمين وإذا حدثت فلنعمل على توسيع شُقتها ما أمكن حتى يكون هذا الخلاف عاملاً في إضعاف المسلمين .
ب – عدم تمكين البلاد العربية الإسلامية أن يقوم فيها حكم صالح .
ج – إفساد أنظمة الحكم في البلاد الإسلامية بالرشوة والفساد والنساء حتى تنفصل القاعدة عن القمة.
د – الحيلولة دون قيام جيش مؤمن بحق وطنه عليه يضحي في سبيل مبادئه .
هـ – العمل على الحيلولة دون قيام وحده عربية في المنطقة والعمل على قيام دولة غربية في المنطقة العربية تمتد حتى تصل إلى الغرب .
ويقول مسئول فرنسي عام 1952 م : إن العالم الإسلامي عملاق مقيد لم يكتشف نفسه حتى الآن اكتشافاً تاماً وهو حائر قلق ضائق بتخلفه وانحطاطه وإن كان يعاني من الكسل والفوضى غير أنه راغب في مستقبل أحسن وحرية أوفر وعلينا أن نبذل كل جهودنا حتى لا ينهض ويحقق أمانيه ذلك أن فشلنا في تعويق نهضته يعرضنا لأخطار جسيمة ويجعل مستقبلنا في مهب الريح إن صحوة العالم العربي وما يتبعه من قوى إسلامية كبيرة نذير بكارثة للغرب ونهاية لوظيفته الحقيقية .
ويقول روجين رستو : لا تستطيع أمريكا إلا أن تقف في الصف المعادي للإسلام إلى جانب العالم الغربي والدولة الصهيونية لأنها إن فعلت غير ذلك تنكرت للغتها وفلسفتها وثقافتها ومؤسساتها .
يقولون : وقد عنينا عناية عظيمة بالحط من كرامة رجال الدين في أعين الناس وبذلك نجحنا في الإضرار برسالتهم التي كان يمكن أن تكون عقبة كئوداً في طريقنا .
يقول صمويل زويمر القس في كتابه ( العالم الإسلامي اليوم ) : يجب إقناع المسلمين بأن النصارى ليسوا أعداءً لهم ، يجب نشر الكتاب المقدس بلغات المسلمين لأنه عمل مسيحي ، تبشير المسلمين يجب أن يكون بواسطة رسول من أنفسهم ومن بين صفوفهم لأن الشجرة يجب أن يقطعها أحد أعضائها .
يقول لورنس براون : إذا اتحد المسلمون في إمبراطورية عربية أمكن أن يصبحوا لعنةً على العالم وخطراً أو أمكن أن يصبحوا أيضاً نعمة له أما إذا بقوا متفرقين فإنهم يظلون حينئذ بلا وزن ولا تأثير.
يقول إيرل بوغر الكاتب الصهيوني في كتابه ( العهد والسيف ) الذي صدر عام 1965 م ما نصه : إن المبدأ الذي قام عليه وجود إسرائيل منذ البداية هو أن العرب لا بد أن يبادروا ذات يوم إلى التعاون معها ولكي يصبح هذا التعاون ممكنا فيجب القضاء على جميع العناصر التي تغذي شعور العداء ضد إسرائيل في العالم العربي وهي عناصر رجعية تتمثل في رجال الدين والمشايخ .
يقول إسحاق رابين غداة فوز جيمي كارتر برئاسة الولايات المتحدة ونقلت قوله جميع وكالات الأنباء : إن مشكلة الشعب اليهودي هو أن الدين الإسلامي ما زال في دور العدوان والتوسع وليس مستعداً لمواجهة الحول وأن وقتاً طويلاً سيمضي قبل أن يترك الإسلام سيفه .
ويقول لورانس براون في معرض حديثه عن الإسلام وخطره : لكننا وجدنا أن الخطر الحقيقي علينا موجود في الإسلام وفي قدرته على التوسع والإخضاع في حيويته المدهشة .
ويقول بول هاريسون في كتابه ( الطبيب في بلاد العرب ) : لقد وُجدنا نحن في بلاد العرب لنجعل رجالها ونساءها نصارى .
ويقول مسئول فرنسي في وزارة الخارجية : لقد حاولنا نحن الفرنسيين خلال حكمنا الطويل للجزائر أن نتغلب على شخصية الشعب المسلمة فكان الإخفاق الكامل نتيجة مجهوداتنا الكبيرة والضخمة .
يقول هانوتو الفرنسي : رغم انتصارنا على أمة الإسلام وقهرها فإن الخطر لا يزال موجوداً من انتفاض المقهورين الذين أتعبتهم النكبات التي أنزلناها بهم لأن همتهم لم تخمد بعد .
ويقول البرمشادور : من يدري ؟ ربما يعود اليوم الذي تصبح فيه بلاد الغرب مهددةً بالمسلمين يهبطون إليها من السماء لغزو العالم مرة ثانية وفي الوقت المناسب ، ويتابع ، ولست متنبئاً لكن الأمارات الدالة على هذه الاحتمالات كثيرة ولن تقوى الذرة ولا الصواريخ على وقف تيارها .
ويقول غوستاف يونج في أحد كتبه : إن العالم الإسلامي قد أفلت من قبضة الموت الذي أعده ونسق أكفانه الاستعمار الأوربي وإن العالم الإسلامي ليسرع الخطى إلى الشباب ليصفي حسابه مع الاستعمار الأوربي الصهيوني وهو حساب عسير رهيب ( ).
ويقول محمد عقيل في جريدة البلاد السعودية تحت عنوان حاخامات إسرائيل :
( على الحكام العرب أن يختاروا بين السلام معنا أو القرآن )
" فوجيء الكثيرون بحدة التصريحات العنصرية الحاقدة التي صدرت عن الحاخام عوفوديا يوسيف زعيم حركة شاس ضد العرب والفلسطينيين ، وقد يكون عامل المفاجأة يكمن في أنها صدرت عن زعيم ثالث تجمع سياسي في الدولة الصهيونية ويفترض أن يكون أكثر حرصاً في تصريحاته سيما وأن حركة شاس التي يتزعمها تعتبر في الغالب شريكاً لمعظم الحكومات التي يتم تشكيلها في إسرائيل ، لكن الواقع يشهد أن التفوهات العنصرية ضد العرب والمسلمين وأنبياء الله تكاد تكون قاسماً مشتركاً لمعظم كبار الحاخامات ، وإن كانت هناك اختلافات بين الحاخامات نظراً لانتماءاتهم العرقية واختلافهم الكبير في تفسير ما يدعونه ( بالتوراة ) فإن ما لا يختلف عليه اثنان من بين الحاخامات اليهود ذلك الكم من التحريض العنصري والتهجم الفظ ضد المسلمين والعرب وعلى الأخص المسلمين ، الحاخام ابراهام شابير الذي كان الحاخام الأكبر لإسرائيل وفي رسالة لمؤتمر شبابي يهودي عقد في ( بروكلين ) في الولايات المتحدة الأمريكية قال : ( نريد شباباً يهودياً يدرك أن رسالته الوحيدة هي تطهير الأرض من المسلمين الذين يريدون منازعتنا في أرض المعاد ، يجب أن تثبتوا لهم أنكم قادرون على اجتثاثهم من الأرض ، يجب أن نتخلص منهم كما يتم التخلص من الميكروبات والجراثيم ) .
أما الحاخام مردخاي الياهو الحاخام الشرقي الأكبر لإسرائيل سابقاً فإنه يرى في القرآن الكريم أكبر عدو يواجه دولة إسرائيل ، وفي خطاب أمام عدد من منتسبي المدارس الدينية العسكرية قال الياهو مخاطباً مجموعة من الشباب المتدين على وشك الالتحاق بالجيش الإسرائيلي ( لنا أعداء كثيرون وهناك من يتربص بنا وينتظر الفرصة للانقضاض علينا وهؤلاء بإمكاننا عبر الإجراءات العسكرية أن نوجههم ، لكن ما لا نستطيع مواجهته هو ذلك الكتاب الذي يسمونه ( قرآن ) هذا عدونا الأوحد هذا العدو لا تستطيع وسائلنا العسكرية المباشرة مواجهته ) .
ويوجه الياهو انتقادات حادة للمستويات السياسية في إسرائيل التي تراهن على أي اتفاق بين إسرائيل والعالم العربي مع تسليمها باستمرار القرآن الكريم بالتمتع بكل هذه القدسية في العالم العربي ، ويتساءل مردخاي قائلاً ( كيف يمكن أن يكون سلاماً في الوقت الذي يقدس فيه المسلمون والعرب كتاباً يتحدث عنا بكل هذه السلبية ، على قادة الدولة عندنا أن يبلغوا قادة الأنظمة الحاكمة في الدول العربية أن يختاروا بين السلام معنا أو القرآن ) .
أما الحاخام شاؤول الهاريش أحد أبرز مراجع الإفتاء لدى الطوائف الإشكنازية فهو يرسم صورة قاتمة لإسرائيل ومستقبلها ، ولأمريكا وحتى للغرب بأسره إذا ظل المسلمون متمسكين بالقرآن الكريم ، ففي مقابلة أجرتها معه صحيفة ( يتيدنئمان ) الحريدية المتطرفة قال الحاخام الهاريش : ( هذا ليس سلاماً إنما مسرحية كاذبة ، لا يمكن أن يكون هناك شريك لنا في العالم العربي ، لأنهم ببساطة يهتمون بما هو نقيض لما يضمن وجودنا ، لا سلام إلا في حال تخلي العرب عن مصادر التطرف لديهم التي يمثلها القرآن إلى جانب ذلك الكم الهائل من التراث الثقافي المعادي للصهيونية الذي يؤسس له الدين الإسلامي ، ليس إسرائيل فقط مطالبة بإعادة تقويم علاقاتها مع العرب ، بل الغرب وعلى رأسه أمريكا يجب أن تدرك أنه لا مجال لضمان مصالحها في العالم إلا في حال استمرار قمع رغبات المسلمين للعودة لحكم دينهم فهذه الكارثة المحققة بالنسبة لنا جميعاً ) .
ولا يكتفي الحاخامات بمهاجمة القرآن الكريم والتحذير من مخاطره بل يتعداه إلى أنهم يهاجمون كل مظاهر الدين الإسلامي في العالم العربي والإسلامي ، الحاخام إسحاق بيريتس الحاخام الأكبر لمدينة ( بيتح تكفا ) والذي كان شغل في السابق منصب وزير الإستعاب في الحكومة الإسرائيلية يطالب قادة الدول المحتلة بأن ينسوا الحديث عن السلام مع العرب ويقول في موعظة دينية ألقاها أمام عدد من المجندين الجدد ( إذا استمر ارتفاع الآذان الذي يدعو المسلمين للصلاة كل يوم خمس مرات في القاهرة وعمان والرباط فلا تتحدثوا عن السلام ) ( ) .
فهؤلاء هم بعض قادة اليهود والنصارى وهذه هي تصريحاتهم ضد المسلمين فهل يتفطن لهذا العداء الشديد والحقد الدفين أبناء المسلمين ؟ أم أنه لن يزال البعض يدعو إلى التقارب بين الأديان ؟ إن أحبار وقساوسة اليهود والنصارى لا يدعون إلى هذا ، وإنما يدعون إلى القضاء على المسلمين وعلى عقيدتهم التي يعتقدونها ، إنهم يصرحون ليل نهار بالعداوة بينهم وبين أهل الإسلام ويخافون من تحكيم شرع الله في بلاد الإسلام فهل يعي هذا حكام المسلمين ويعملون على تطبيق شرع الله ؟ إن اليهود والنصارى لن يهدأ لهم بال أو يقر لهم قرار حتى يردوا المسلمين عن دينهم الذي رضيه الله لهم ، إن الذين يدعون إلى التقارب بين الأديان إنما شربوا هذه الأفكار الهدامة من الغرب فهم أذناب له يعملون من أجل تحقيق أهدافه ، إن واجب الأمة أن تتنبه لمثل هذه الأفكار المسمومة التي تنشر بين شباب المسلمين لأن خطرها عظيم ، إنها إخراج للمسلم عن دين الإسلام ، فكل من اعتقد ذلك فهو خارج عن دين الإسلام يستتاب فإن تاب وإلا قتل نسأل الله أن يبصرنا بديننا .
الفصل الخامس
أن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم نسخت جميع الشرائع التي كانت قبلها
إن الواجب على جميع المكلفين أن يؤمنوا بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً ، وأن محمداً صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء والرسل الذي لا نبي بعده ولا رسول قال تعالى : { ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين }[الأحزاب : 40 ] ، وأن شريعته ناسخة لجميع ما قبلها من الشرائع ، وأنه لا يسع أحداً من أهل الأرض عربهم وعجمهم أميهم وكتابيهم اتباع غير شريعته ، فمن اتبع غير ما جاء به فهو كافر مخلد في النار سواء كان يهودياً أو نصرانياً أو غير ذلك قال تعالى : { إن الدين عند الله الإسلام وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغياً بينهم ومن يكفر بآيات الله فإن الله سريع الحساب }[ آل عمران : 19 ] ، وقال سبحانه : { ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الأخرة من الخاسرين }[ آل عمران : 85 ] ، وفي صحيح مسلم ومسند الإمام أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أنه قال: (( والذي نفس محمد بيده! لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به، إلا كان من أصحاب النار )) ( ).
ولهذا فإنه لا يجوز لأحد من أهل الأرض اليوم أن يتمسك باليهودية أو النصرانية فضلاً عن الدخول في إحداهما ، لأن دينهم منسوخ ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم ، ولأن كل عبد مأمور باتباع الدين الناسخ لا الدين المنسوخ ، ولأن الله سبحانه وتعالى رد على اليهود والنصارى في قولهم ما الهدى إلا ما نحن عليه فاتبعنا يا محمد تهتد فرد الله عليهم وبين كذبهم فقال تعالى : { وقالوا كونوا هوداً أو نصارى تهتدوا قل بل ملة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين قولوا ءامنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتى موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون فإن ءامنوا بمثل ما ءامنتم به فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما هم في شقاق فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم }[ البقرة :135-137 ] .
إن الذي يجب على كل مسلم يؤمن بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً أن يعتقد كفر من لم يدخل في الإسلام من اليهود والنصارى وغيرهم ، وأن يسميه كافراً ، وأنه من أهل النار لأنه إما متمسك بدين محرف منسوخ أو أنه ليس على دين أصلاً كالبوذيين وأشباههم ، إن الذي يجب على جميع أهل الأرض أن يتبعوا شريعة محمد صلى الله عليه وسلم الذي أرسله الله إلى الثقلين ، وأمر الجميع باتباعه قال تعالى : { قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً الذي له ملك السموات والأرض لا إله إلا هو يحي ويميت فأمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون }[ الأعراف : 158 ] ، وقال تعالى : { وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيراً ونذيراً ولكن أكثر الناس لا يعلمون }[ سبأ : 28 ].
وفي الصحيحين عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( أعطيت خمسا ، لم يعطهن أحد قبلي : نصرت بالرعب مسيرة شهر ، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل ، وأحلت لي المغانم ولم تحل لأحد قبلي ، وأعطيت الشفاعة ، وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة ، وبعثت إلى الناس عامة )) ( ).
و عن أبي هريرة رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( فضلت على الأنبياء بست : أعطيت جوامع الكلم ، ونصرت بالرعب ، وأحلت لي الغنائم ، وجعلت لي الأرض طهوراً ومسجداً ، وأرسلت إلى الخلق كافة ، وختم بي النبيون)) ( ) .
وعند الإمام أحمد عن أبي موسى رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : (( أعطيت خمسا بعثت إلى الأحمر و الأسود و جعلت لي الأرض طهورا و مسجدا و أحلت لي الغنائم و لم تحل لمن كان قبلي و نصرت بالرعب شهرا و أعطيت الشفاعة و ليس من نبي إلا و قد سأل شفاعة و إني أخبأت شفاعتي ثم جعلتها لمن مات من أمتي لم يشرك بالله شيئا )) ( ) .
وبهذا نعلم أن رسالة محمد صلى الله عليه وسلم هي الرسالة الخاتمة ، وهي النبوة الخالدة التي لا نبوة بعدها ، وهي التي بها نسخ الله جميع الشرائع قبلها ، فلا يجوز لأحد كتابي أو غير كتابي أن يتمسك بغيرها ولا أن يتعبد لله بسواها ، ومن تعبد لله بغيرها فهو كافر وعمله هباء لا يقبله الله منه قال تعالى : { وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثوراً }[ الفرقان : 23 ] .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :
" ولهذا قال تعالى { إن الذين يكفرون بالله ورسوله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض } إلى قوله تعالى {والذين آمنوا بالله ورسله ولم يفرقوا بين أحد منهم } الآية [ النساء : 15-152 ]وقال لبني اسرائيل { أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض }إلى قوله {وما الله بغافل عما تعملون }[ البقرة : 85 ] .
فهذه الطريقة الواضحة البينة القاطعة يبين بها لكل مسلم ويهودي ونصراني أن دين المسلمين هو الحق دون اليهود والنصارى فإنها مبنية على مقدمتين :
إحداهما : أن نبوة محمد ورسالته وهدى أمته أبين وأوضح تعلم بكل طريق تعلم نبوة موسى وعيسى عليهما الصلاة والسلام وزيادة فلا يمكن القول بأنهما نبيين دونه لأجل ذلك وإن شاء الرجل استدل على ذلك بنفس الدعوة وما جاء به وإن شاء بالكتاب الذي بعث به وإن شاء بما عليه أمته وإن شاء بما بعث به من المعجزات فكل طريق من هذه الطرق إذا تبين بها نبوة موسى وعيسى كانت نبوة محمد بها أبين وأكمل .
والمقدمة الثانية : أنه أخبر أن رسالته عامة إلى أهل الأرض من المشركين وأهل الكتاب وأنه لم يكن مرسلا إلى بعض الناس دون بعض وهذا أمر معلوم بالضرورة والنقل المتواتر والدلائل القطعية .
وأما اليهود والنصارى فأصل دينهم حق كما قال تعالى إن الذين منوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون لكن كل من الدينين مبدل منسوخ فإن اليهود بدلوا وحرفوا ثم نسخ بقية شريعتهم بالمسيح ونفس الكتب التي بأيدي اليهود والنصارى مثل نبوة الأنبياء وهي أكثر من عشرين نبوة وغيرها تببن أنهم بدلوا وأن شريعتهم تنسخ وتبين صحة رسالة محمد فإن فيها من الأعلام والدلائل على نبوة خاتم المرسلين ما قد صنف فيه العلماء مصنفات وفيها أيضا من التناقص والإختلاف ما بين أيضا وقوع التبديل وفيها من الأخبار من نحو بعدها ما بين أنها منسوخة فعندهم ما يدل على هذه المطالب وقد ناظرنا غير واحد من أهل الكتاب وبينالهم ذلك وأسلم من علمائهم وخيارهم طوائف وصاروا يناظرون أهل دينهم ويبينون ما عندهم من الدلائل على نبوة محمد ولكن هذه الفتيا لا تحتمل غير ذلك " ( ).
و قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى أيضاً :
" فدين الأنبياء واحد ، وهو دين الإسلام ، كلهم مسلمون مؤمنون ، كما قد بين الله في غير موضع من القرآن ، لكن بعض الشرائع تتنوع ، فقد يشرع في وقت أمراً لحكمة ، ثم يشرع في وقت آخر أمراً آخر لحكمة ، كما شرع في أول الإسلام الصلاة إلى بيت المقدس ثم نسخ ذلك وأمر بالصلاة إلى الكعبة ، فتنوعت الشريعة والدين واحد ، وكان استقبال الشام ذلك الوقت من دين الإسلام ، وكذلك السبت لموسى من دين الإسلام ، ثم لما نسخ صار دين الإسلام هو الناسخ وهو الصلاة إلى الكعبة ، فمن تمسك بالمنسوخ دون الناسخ فليس هو على دين الإسلام ولا هو متبع لأحد من الأنبياء ، ومن بدل شرع الأنبياء وابتدع شرعاً فشرعه باطل لا يجوز اتباعه ، كما قال : { أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله }[ الشورى : 21 ] ، ولهذا كفر اليهود والنصارى ، لأنهم تمسكوا بشرع مبدل منسوخ ، والله أوجب على جميع الخلق أن يؤمنوا بجميع كتبه ورسله ، ومحمد صلى الله عليه وسلم خاتم الرسل ، فعلى جميع الخلق اتباعه واتباع ما شرعه من الدين وهو ما أتى به من الكتاب والسنة ، فما جاء به الكتاب والسنة وهو الشرع الذي يجب على جميع الخلق اتباعه ، وليس لأحد الخروج عنه ، وهو الشرع الذي يقاتل عليه المجاهدون ، وهو الكتاب والسنة " ( ).
قال ابن القيم رحمه الله تعالى :
" أما القرآن فإن الله يقول : { وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم } قالوا وقد اتفقنا على أن المراد بذلك ما ذبحوه لا ما أكلوه لأنهم يأكلون الخنزير والميتة والدم ، قالوا وقد جاء القرآن وصح الإجماع بأن دين الإسلام نسخ كل دين كان قبله وأن من التزم ما جاءت به التوراة والإنجيل ولم يتبع القرآن فإنه كافر ، وقد أبطل الله كل شريعة كانت في التوراة والإنجيل وسائر الملل وافترض على الجن والإنس شرائع الإسلام فلا حرام إلا ما حرمه الإسلام ولا فرض إلا ما أوجبه الإسلام " ( ).
وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى :
" فلما بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم, فكان من آمن به يؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله على الوجه الحق, كانوا هم أتباع كل نبي على وجه الأرض, إذ قد صدقوا الرسول النبي الأمي العربي, خاتم الرسل وسيد ولد آدم على الإطلاق, الذي دعاهم إلى التصديق بجميع الحق, فكانوا أولى بكل نبي من أمته الذين يزعمون أنهم على ملته وطريقته, مع ما قد حرفوا وبدلوا, ثم لو لم يكن شيء من ذلك, لكان قد نسخ الله شريعة جميع الرسل بما بعث الله به محمداً صلى الله عليه وسلم من الدين الحق الذي لا يغير ولا يبدل إلى قيام الساعة, ولا يزال قائماً منصوراً ظاهراً على كل دين, فلهذا فتح الله لأصحابه مشارق الأرض ومغاربها, واجتازوا جميع الممالك, ودانت لهم جميع الدول, وكسروا كسرى, وقصروا قيصر وسلبوهما كنوزهما, وأنفقت في سبيل الله كما أخبرهم بذلك نبيهم عن ربهم عز وجل في قوله: { وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا } الآية, فلهذا لما كانوا هم المؤمنين بالمسيح حقاً, سلبوا النصارى بلاد الشام وألجؤوهم إلى الروم فلجؤوا إلى مدينتهم القسطنطينية, ولا يزال الإسلام وأهله فوقهم إلى يوم القيامة. وقد أخبر الصادق الصدوق صلى الله عليه وسلم أمته بأن آخرهم سيفتحون القسطنطينية ويستفيئون ما فيها من الأموال, ويقتلون الروم مقتلة عظيمة جداً, لم ير الناس مثلها ولا يرون بعدها نظيرها, وقد جمعت في هذا جزءاً مفرداً, ولهذا قال تعالى: { وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة ثم إلي مرجعكم فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون فأما الذين كفروا فأعذبهم عذابا شديدا في الدنيا والآخرة وما لهم من ناصرين } وكذلك فعل بمن كفر بالمسيح من اليهود أو غلا فيه أو أطراه من النصارى, عذبهم في الدنيا بالقتل والسبي, وأخذ الأموال وإزالة الأيدي عن الممالك, وفي الدار الاخرة عذابهم أشد وأشق {وما لهم من الله من واق } {وأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم } أي في الدنيا والاخرة, في الدنيا بالنصر والظفر, وفي الاخرة بالجنات العاليات {والله لا يحب الظالمين}" ( ).
وقال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى :
" أما الكفار فيجب بغضهم في الله ومعاداتهم فيه سبحانه ، وتحرم موالاتهم وتوليهم حتى يؤمنوا بالله وحده ويدعوا ما هم عليه من الكفر والضلال ، كما دلت الآيات الأخيرة على أن الدين الحق هو دين الإسلام الذي بعث الله به نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم وسائر المرسلين ، وهذا هو معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم : (( نحن معاشر الأنبياء ديننا واحد )) رواه البخاري في صحيحه ، أما ما سواه من الأديان الأخرى سواء كانت يهودية أو نصرانية أو غيرهما فكلها باطلة ، وما فيها من حق فقد جاءت شريعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم به أو ما هو أكمل منه ، لأنها شريعة كاملة عامة لجميع أهل الأرض ، أما ما سواها فشرائع خاصة نسخت بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم التي هي أكمل الشرائع وأعمها وأنفعها للعباد في المعاش والمعاد كما قال الله سبحانه يخاطب نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم : { وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه من الكتاب ومهيمناً عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهوآءهم عما جاءك من الحق لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً }الآية [المائدة : 48 ] ، وقد أوجب الله على جميع المكلفين من أهل الأرض اتباعه والتمسك بشرعه ، كما قال تعالى في سورة الأعراف بعد ذكر صفة محمد عليه الصلاة والسلام : { فالذين ءامنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون }[الأعراف : 157 ] ، ثم قال عز وجل بعدها : { قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً الذي له ملك السموات والأرض لا إله إلا هو يحي ويميت فأمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون }[ الأعراف : 158 ] ، ونفى الإيمان عن جميع من لم يحكمه ، فقال سبحانه في سورة النساء : { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدون في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً }[ النساء : 65 ]، وحكم على اليهود والنصارى بالكفر والشرك من أجل نسبتهم الولد لله سبحانه ، واتخاذهم أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله عز وجل " ( ).
وبهذا نعلم أن الدعوة القائمة إلى التقريب بين دين الإسلام الحق ، وبين اليهودية والنصرانية الدائرة بين التحريف والنسخ أنها تشتمل على الكفر العظيم والضلال المبين لما فيها من جمع بين الحق الذي هو القرآن الكريم والباطل الذي تشتمل عليه التوراة والإنجيل من التحريف والتبديل وأن ما فيهما من حق فهو منسوخ بالقرآن الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم .
الفصل السادس
فتاوى العلماء فيمن يقول بالتقارب بين الأديان
إن الدعوة إلى التقارب بين الأديان دعوة تشتمل على كفر ونفاق ، وترمي إلى إضلال المسلمين ومسخ هويتهم المسلمة بحث أنها تجعلهم تائهين حائرين يتخبطون فيتركون الحق الذي شرعه الله لهم وأنزل لهم به كتابه المبين على أفضل المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم ، ويتبعون أهواء اليهود والنصارى الذين يريدونهم كفاراً لا دين لهم كما قال تعالى : { ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم }[ البقرة : 105 ] ، وقال سبحانه {ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفاراً حسداً من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق }[البقرة : 109 ] ، وقال تعالى : { يا أيها الذين ءامنوا إن تطيعوا فريقاً من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين }[ آل عمران : 100 ] ، ولما كانت دعوتهم هذه كفر بالله العظيم ، وخطر على عقيدة المسلمين تصدى لها العلماء العاملون وأصدروا الفتاوى التي تبين ضلال هذه الدعوة وخطرها على الأمة وأنها تشتمل على الكفر بالله ، ومن هذه الفتاوى ما يلي :
أولاً : قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :
" وإذا كانت المشابهة في القليل ذريعة ووسيلة إلى بعض هذه القبائح كانت محرمة ، فكيف إذا أفضت إلى ما هو كفر بالله ؟ من التبرك بالصليب ، والتعميد في المعمودية ، أو قول القائل ( المعبود واحد وإن كانت الطرق مختلفة ) ونحو ذلك من الأقوال والأفعال التي تتضمن إما كون الشريعة النصرانية أو اليهودية المبدلتين المنسوختين موصلة إلى الله ، وإما استحسان بعض ما فيها مما يخالف دين الله ، أو التدين بذلك أو غير ذلك مما هو كفر بالله وبرسوله وبالقرآن وبالإسلام بلا خلاف بين الأمة الوسط في ذلك"( ).
ثانياً : قال شيخنا العلامة ابن عثيمين رحمه الله تعالى معلقاً على كلام شيخ الإسلام :
" هذه مسألة مهمة وهي أن بعض الناس الآن مثل بعض الملحدين يحاولون أن يجمعوا بين الأديان الثلاثة الإسلام واليهودية والنصرانية ويقولون الرب واحد والهدف واحد كلنا يؤمن باليوم الآخر كلنا يؤمن بالجنة والنار وهكذا يريدون أن يموهوا على العامة ويقولون إن الاختلاف بين هذه الملل الثلاث كالاختلاف بين المذاهب الأربعة إلا أن الاختلاف بين المذاهب الأربعة في ملة واحدة والاختلاف بين هذه الملل أعم وأوسع والشيخ رحمه الله بيّن أن هذا من الكفر بالله عز وجل وصدق رحمه الله ولا شك أن من اعتقد أن دين اليهود والنصارى دين يرضاه الله لا شك عندنا في كفره وأنه مرتد خارجاً عن الإسلام يجب أن يستتاب فإن تاب وإلا قتل مرتداً وذلك لأن الله تعالى يقول { ورضيت لكم الإسلام دينا } وقال { ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه } هؤلاء اليهود والنصارى لو بقوا في الليل والنهار يركعون ويسجدون ويخشعون ويبكون لكن على غير دين محمد صلى الله عليه وسلم فلا يقبل منهم مهما عملوا لذلك يجب أن يتنبه شباب الأمة الإسلامية لهذا الفكر الخبيث القبيح الذي يريد من يبثه شاء أم أبى أن يمحوا دين الإسلام وأن يجعل الناس في هذه الأديان سواء ثم إننا نحن لا نقر أبداً ولا نوافق على أن ما عليه اليهود والنصارى اليوم دين شرعه الله أبداً لأن دين اليهود والنصارى منسوخ أصلاً منسوخ من عند الله عز وجل ثم هو مبدل ومغير مزيد فيه ومنقوص منه فهو دين باطل على كل حال حتى وإن دانوا به لله عز وجل ورأوا أنهم يتقربون إلى الله به فإن ذلك لا ينفعهم ، الذي يعتقد أن الشريعة اليهودية أو النصرانية موصلة إلى الله كافر ولا شك بل هي مبعدة من الله عز وجل " ( ).
ثالثاً : اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء ( فتوى رقم 19402 ، وتاريخ 25/1/1418 هـ :
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، وعلى آله وصحبه ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، أما بعد :
فإن اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء استعرضت ما ورد إليها من تساؤلات ، وما ينشر في وسائل الإعلام من آراء ومقالات ، بشأن الدعوة إلى وحدة الأديان : دين الإسلام ، ودين اليهود ، ودين النصارى ، وما تفرع عن ذلك من دعوة إلى بناء : مسجد وكنيسة ومعبد في محيط واحد ، في رحاب الجامعات والمطارات والساحات العامة ، ودعوة إلى طباعة القرآن الكريم والتوراة والإنجيل في غلاف واحد ، إلى غير ذلك من آثار هذه الدعوة ، وما يعقد لها من مؤتمرات وندوات وجمعيات في الشرق والغرب ، وبعد التأمل والدراسة فإن اللجنة تقرر ما يلي :
أولاً : أن من أصول الاعتقاد في الإسلام ، المعلومة من الدين بالضرورة ، والتي أجمع عليها المسلمون : أنه لا يوجد على وجه الأرض دين حق سوى الإسلام ، وأنه خاتمة الأديان ، وناسخ لجميع ما قبله من الأديان والملل والشرائع ، فلم يبق على وجه الأرض دين يتعبد الله به سوى الإسلام ، قال الله تعالى : {ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الأخرة من الخاسرين } [ آل عمران : 85 ] والإسلام بعد بعثة محمد صلى الله عليه وسلم هو ما جاء به دون ما سواه من الأديان .
ثانياً : ومن أصول الاعتقاد في الإسلام : أن كتاب الله تعالى ( القرآن الكريم ) هو آخر كتب الله نزولاً وعهداً برب العالمين ، وأنه ناسخ لكل كتاب أنزل من قبل ، من التوراة والزبور والإنجيل وغيرهما ، ومهيمن عليها ، فلم يبق كتاب منزل يتعبد الله به سوى القرآن الكريم قال الله تعالى : {وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه من الكتاب ومهيمناً عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهوآءهم عما جآءك من الحق }[ المائدة : 48 ] .
ثالثاً : يجب الإيمان بأن التوراة والإنجيل قد نسخا بالقرآن الكريم ، وأنه قد لحقهما التحريف والتبديل بالزيادة والنقصان ، كما جاء بيان ذلك في آيات من كتاب الله الكريم منها : قول الله تعالى : { فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه ونسوا حظاً مما ذكروا به ولا تزال تطلع على خائنة منهم إلا قليلاً منهم }[المائدة : 13 ] ، وقوله جل وعلا : { فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمناً قليلاً فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون }[ البقرة : 79 ] ، وقوله سبحانه : { وإن منهم لفريقاً يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون }[ البقرة : 78 ] .
ولهذا : فما كان منها صحيحاً فهو منسوخ بالإسلام ، وما سوى ذلك فهو محرف أو مبدل ، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه غضب حين رأى مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه صحيفة فيها شيء من التوراة ، وقال عليه الصلاة والسلام : (( أفي شك أنت يا ابن الخطاب ؟ ألم آت بها بيضاء نقية ؟ لو كان أخي موسى حياً ما وسعه إلا اتباعي )) رواه أحمد والدارمي وغيرهما .
رابعاً : ومن أصول الاعتقاد في الإسلام : أن نبينا ورسولنا محمداً صلى الله عليه وسلم هو خاتم الأنبياء والمرسلين ، كما قال الله تعالى :{ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين }[الأحزاب : 40 ] .
فلم يبق رسول يجب اتباعه سوى محمد صلى الله عليه وسلم ، ولو كان أحد من أنبياء الله ورسله حياً لما وسعه إلا اتباعه صلى الله عليه وسلم وأنه لا يسع أتباعهم إلا ذلك كما قال الله تعالى : { وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما ءاتيتكم من كتاب وحكمة ثم جآءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذالكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين }[ آل عمران : 81 ] .
ونبي الله عيسى عليه الصلاة والسلام إذا نزل في آخر الزمان يكون تابعاً لمحمد صلى الله عليه وسلم وحاكماً بشريعته ، وقال الله تعالى : { الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل }[ الأعراف : 157 ] .
كما أن من أصول الاعتقاد في الإسلام : أن بعثة محمد صلى الله عليه وسلم عامة للناس أجمعين ، قال الله تعالى : { وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيراً ونذيراً ولكن أكثر الناس لا يعلمون }[ سبأ : 28 ] ، وقال سبحانه : { قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً }[ الأعراف : 158 ] وغيرها من الآيات .
خامساً : ومن أصول الإسلام : أنه يجب اعتقاد كفر كل من لم يدخل في الإسلام من اليهود والنصارى وغيرهم ، وتسميته كافراً ، وأنه عدو لله ورسوله والمؤمنين ، وأنه من أهل النار ، كما قال تعالى : { لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة }[ البينة : 1 ] ، وقال جل وعلا : { إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها أولئك هم شر البرية }[البينة : 6 ] وغيرها من الآيات ، وثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أهل النار )) .
ولهذا : فمن لم يكفّر اليهود والنصارى فهو كافر ، طرداً لقاعدة الشريعة : ( من لم يكفّر الكافر فهو كافر ) .
سادساً : وأمام هذه الأصول الاعتقادية والحقائق الشرعية : فإن الدعوة إلى وحدة الأديان والتقارب بينها وصهرها في قالب واحد ، دعوة خبيثة ماكرة ، والغرض منها : خلط الحق بالباطل ، وهدم الإسلام وتقويض دعائمه وجر أهله إلى ردة شاملة ، ومصداق ذلك في قول الله سبحانه : { ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا }[ البقرة : 217 ] ، وقوله جل وعلا : { ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء }[ النساء :89 ] .
سابعاً : وإن من آثار هذه الدعوة الآثمة : إلغاء الفوارق بين الإسلام والكفر ، والحق والباطل والمعروف والمنكر وكسر حاجز النفرة بين المسلمين والكافرين ، فلا ولاء ولا براء ، ولا جهاد ولا قتال لإعلاء كلمة الله في أرض الله ، والله جل وتقدس يقول { قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون }[التوبة : 29] .
ويقول جل وعلا : { وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلوكم كافة وأعلموا أن الله مع المتقين } [التوبة : 36 ] .
ثامناً : أن الدعوة إلى { وحدة الأديان } إن صدرت من مسلم فهي تعتبر ردة صريحة عن دين الإسلام لأنها تصطدم مع أصول الاعتقاد ، فترضى بالكفر بالله عز وجل ، وتبطل صدق القرآن ونسخه لجميع ما قبله من الكتب وتبطل نسخ الإسلام لجميع ما قبله من الشرائع والأديان وبناء على ذلك فهي فكرة مرفوضة شرعاً محرمة قطعاً بجميع أدلة التشريع في الإسلام من قرآن وسنه وإجماع .
تاسعاً وتأسيساً على ما تقدم :
1- فإنه لا يجوز لمسلم يؤمن بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً الدعوة إلى هذه الفكرة الآثمة والتشجيع عليها وتسليكها بين المسلمين فضلا عن الاستجابة لها ، والدخول في مؤتمراتها وندواتها ، والانتماء إلى محافلها .
2- لا يجوز لمسلم طباعة التوراة والإنجيل منفردين فكيف مع القرآن الكريم في غلاف واحد !! فمن فعله أو دعا إليه فهو في ضلال بعيد لما في ذلك من الجمع بين الحق { القرآن الكريم والمحرف أو الحق المنسوخ { التوراة والإنجيل } .
3- كما لا يجوز لمسلم الاستجابة لدعوة : { بناء مسجد وكنيسة ومعبد } في مجمع واحد لما في ذلك من الاعتراف بدين يعبد الله به غير دين الإسلام وإنكار ظهوره على الدين كله ودعوة مادية إلى أن الأديان ثلاثة لأهل الأرض التدين بأي منها وأنها على قدم التساوي وأن الإسلام غير ناسخ لما قبله من الأديان ولا شك أن إقرار ذلك أو اعتقاده أو الرضا به كفر وضلال لأنه مخالفة صريحة للقران الكريم والسنة المطهرة وإجماع المسلمين واعتراف بأن تحريفات اليهود والنصارى من عند الله تعالى الله عن ذلك كما انه لا يجوز تسمية الكنائس { بيوت الله } وأن أهلها يعبدون الله فيها عبادة صحيحة مقبولة عند الله لأنها عبادة على غير دين الإسلام والله تعالى يقول : { ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين }[ آل عمران :85 ] بل هي : بيوت يكفر فيها بالله نعوذ بالله من الكفر وأهله قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في مجموع الفتاوى ( 22/ 162 ) : (( ليست – أي : البيع والكنائس – بيوت الله وإنما بيوت الله المساجد بل هي بيوت يكفر فيها بالله وإن كان قد يذكر فيها ، فالبيوت بمنزلة أهلها وأهلها كفار فهي بيوت عبادة الكفار )).
عاشراً : ومما يجب أن يعلم : أن دعوة الكفار بعامة وأهل الكتاب بخاصة إلى الإسلام واجبة على المسلمين بالنصوص الصريحة من الكتاب والسنة ولكن ذلك لا يكون إلا بطرق البيان والمجادلة بالتي هي أحسن وعدم التنازل عن شيء من شرائع الإسلام وذلك للوصول إلى قناعتهم بالإسلام ودخولهم فيه أو إقامة الحجة عليهم ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة قال الله تعالى { قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينك ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شياً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباُ من دون الله فإن تولوا فقولوا أشهدوا بأنا مسلمون} [ آل عمران : 64 ] أما مجادلتهم واللقاء معهم ومحاوراتهم لأجل النزول عند رغباتهم وتحقيق أهدافهم ونقض عرى الإسلام ومعاقد الإيمان فهذا باطل يأباه الله ورسوله والمؤمنون والله المستعان على ما يصفون قال تعالى { واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك }[ المائدة : 49 ] .
وإن اللجنة الدائمة إذ تقرر ذلك وتبينه للناس فإنها توصي المسلمين بعامة ، وأهل العلم بخاصة ، بتقوى الله تعالى ومراقبته ، وحماية الإسلام ، وصيانة عقيدة المسلمين من الضلال ودعاته ، والكفر وأهله ، وتحذرهم من هذه الدعوة الكفرية الضالة : وحدة الأديان ، ومن الوقوع في حبائلها ، ونعيذ بالله كل مسلم أن يكون سبباً في جلب هذه الضلالة إلى بلاد المسلمين وترويجها بينهم .
نسأل الله سبحانه بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يعيذنا جميعاً من مضلات الفتن ، وأن يجعلنا هداة مهتدين ، حماة للإسلام ، على هدى ونور من ربنا حتى نلقاه وهو راض عنا .
وبالله التوفيق ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء ( )
نائب الرئيس الرئيس
عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز
عضو عضو
بكر بن عبد الله أبو زيد صالح بن فوزان الفوزان
رابعاً : يقول الشيخ عبد العزيز بن محمد العبد اللطيف وفقه الله :
" من الموالاة العملية التي تناقض الإيمان : إقامة مؤتمرات وتنظيم ملتقيات من أجل تقرير وحدة الأديان ، وإزالة الخلاف العقدي ، وإسقاط الفوارق الأساسية فيما بين تلك الديانات ، وذلك من أجل توحيد هذه الملل المختلفة على أساس الاعتراف بعقائدهم وصحتها ، وقد يطلقون على هذه الوحدة المزعومة بين الديانات الثلاث ( الإسلام والنصرانية واليهودية ) ما يسمى بالديانة الإبراهيمية ، أو الديانة العالمية .
وقد نشأت هذه الدعوات المضللة في أحضان التنصير ، والصهيونية العالمية ، كما كان للبهائية مشاركة في إيجاد دين يوافق عليه الجميع !
ويذكر أن من أشهر دعاة وحدة الأديان في العصر الحديث جمال الدين الفارسي ، والمشهور بالأفغاني ، فقد كان له دور خطير في السعي إلى توحيد الأديان الثلاثة ، وتلقف هذه الدعوة من بعده تلميذه محمد عبده فقد كان له مشاركة في التوفيق بين الإسلام والنصرانية ، ومن الدعاة لهذه العقيدة الضالة في السنوات الأخيرة رجاء جارودي كما هو واضح في رسالته المسماة بـ " وثيقة أشبيلية " .
وهذه الفكرة الخبيثة قد وجدت قديماً عند ملاحدة الصوفية كابن سبعين وابن هود والتلمساني ، وقد أشار إلى ذلك ابن تيمية رحمه الله في أكثر من موضع في كتبه فمن ذلك قوله :-
" كان هؤلاء كابن سبعين ونحوه يجعلون أفضل الخلق " المحقق " عندهم ، وهو القائل بالوحدة ، وإذا وصل إلى هذا فلا يضره عندهم أن يكون يهودياً أو نصرانياً ، بل كان ابن سبعين وابن هود والتلمساني وغيرهم يسوغون للرجل أن يتمسك باليهودية والنصرانية كما يتمسك بالإسلام ، ويجعلون هذه طرقاً إلى الله بمنزلة مذاهب المسلمين " .
كما وجدت عند التتار ، يقول ابن تيمية في ذلك : - " وكذلك الأكابر من وزرائهم وغيرهم يجعلون دين الإسلام كدين اليهود والنصارى ، وأن هذه كلها طرق إلى الله بمنزلة المذاهب الأربعة عند المسلمين " .
ولما كانت الدعوة إلى وحدة الأديان كفراً بواحاً ، وردة ظاهرة ، يدركها العوام فضلاً عن الخواص ، لذا فقد حرص أعداء هذا الدين على إيجاد ذرائع مبطنة واستحداث وسائل مقنّعة للوصول إلى مآربهم في هذه القضية ، ولذا نجدهم – ابتداءً – يجاهرون بضرورة التعايش بين الأديان ، والحوار فيما بينها ، ثم ينعقون بالحاجة الملحة إلى زمالة الأديان والتقارب فيما بينها من أجل مواجهة قوى الإلحاد والتيارات المادية .
ويأتي النظام الدولي الجديد عاملاً رئيسياً في إحياء تلك الشجرة الخبيثة ، كما هو ظاهر في مثل هذه الأيام القريبة ، من كثرة المؤتمرات والملتقيات التي تسعى إلى وحدة و " خلط " الديانات .
إن الدعوة إلى وحدة الأديان كفر صريح ، لما تتضمنه من تكذيب للنصوص الصحيحة الظاهرة ، والتي تقرر قطعياً بأن دين الإسلام الكامل ، والذي أتم الله به النعمة ، ورضيه لنا ديناً ، أنه هو الناسخ لما سبقه من ديانات اعتراها التحريف والتبديل ، قال تعالى :{ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه }[ آل عمران : 85 ] ، كما أن هذا القرآن حجة على كل من بلغه ، يقول تعالى : { قل أي شيء أكبر شهادة قل الله شهيد بيني وبينكم وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ }[ الأنعام :19 ] ، كما أن بعثة محمد صلى الله عليه وسلم للثقلين كافة ، قال تعالى : { قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً }[ الأعراف : 158 ] ، وقال تعالى : { وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين }[الأنبياء :107 ] ، كما أن الدعوة إلى وحدة الأديان عبارة عن إنكار لأحكام كثيرة معلومة من الدين بالضرورة ، منها : استحلال موالاة الكفار ، وعدم تكفيرهم ، وإلغاء الجهاد في سبيل الله تعالى وتوابعه ….. الخ .
وقد حرّم الله تعالى موالاة الكفار من أهل الكتاب وغيرهم ، فقال سبحانه : { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء }[ المائدة : 51 ] ، وخص سبحانه الولاية بقوله تعالى : { إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا }[ المائدة : 55 ] ، وقد شهد الله تعالى عليهم بالكفر في آيات كثيرة منها قوله تعالى : { يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله وأنتم تشهدون }[ آل عمران : 70 ] ، وقال تعالى : { لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة }[ البينة : 1 ] .
يقول ابن حزم : " واتفقوا على تسمية اليهود والنصارى كفاراً ، واختلفوا في تسميتهم مشركين " .
ويقول القاضي عياض : " ولهذا نكفّر من دان بغير ملة المسلمين من الملل ، أو وقف فيهم ، أو شك ، أو صحح مذهبهم ، وإن أظهر مع ذلك الإسلام واعتقده ، واعتقد إبطال كل مذهب سواه ، فهو كافر بإظهاره ما أظهر من خلاف ذلك " .
وتتضمن دعوة وحدة الأديان تجويزاً وتسويغاً لاتباع غير دين الإسلام ، وهذا كفر يناقض الإيمان ، فمن اعتقد أن بعض الناس يسعه الخروج عن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم كما وسع الخضر الخروج عن شريعة موسى عليه السلام فهو كافر .
يقول ابن تيمية : " ومعلوم بالإضطرار من دين المسلمين وباتفاق جميع المسلمين أن من سوغ اتباع غير دين الإسلام ، أو اتباع شريعة غير شريعة محمد صلى الله عليه وسلم فهو كافر ، وهو ككفر من آمن ببعض الكتاب وكفر ببعض الكتاب " .
وفي نهاية هذه المسألة نقول : إن من يحدث نفسه بالجمع أو التقريب بين الإسلام واليهودية والنصرانية كمن يجهد نفسه في الجمع بين النقيضين بين الحق والباطل وبين الكفر والإيمان وما مثله إلا كما قيل : -
أيها المنكح الثريا سهيلا عمرك الله كيف يلتقيان
هي شامية إذا ما استقلت وسهيل إذا استقل يمان ( )
الخاتمة
لقد تبين مما تقدم أن الدعوة إلى التقارب بين الأديان ردة عن الإسلام ، لذلك فقد تبنى اليهود والنصارى الدعوة إليها داخل الكنيسة وفي معابدهم ، وعلى ألسنة حكامهم ، وعقدوا لها المؤتمرات والندوات وهم يحاولون إدخالها تحت مسمى ( النظام الدولي الجديد ) مستهدفين من ذلك إيجاد ردة شاملة عند المسلمين عن الإسلام ، وهم يعقدون الندوات من أجل ( الحوار بين أهل الأديان ) ، أو ( بناء حضارة إنسانية موحدة ) ، أو إجراء دراسات مقارنة في الشرعيات بين الأديان الثلاثة ، وفي هذه الدراسات يحاول كل من المشاركين أن يظهر دينه على الأديان الأخرى ، وهم يرمون من وراء ذلك إلى زرع الشبه لدى المسلمين وربما يستجيب لهم بعض ضعاف النفوس ممن لا علم عندهم .
يقول الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد حفظه الله تعالى :
" إن الدعوة إلى هذه النظرية الثلاثية : تحت أي من هذه الشعارات إلى توحيد دين الإسلام الحق الناسخ لما قبله من الشرائع ، مع ما عليه اليهود والنصارى من دين دائر كل منهما بين النسخ والتحريف ، هي أكبر مكيدة عرفت لمواجهة الإسلام والمسلمين ، اجتمعت عليها كلمة اليهود والنصارى بجامع علتهم المشتركة : ( بغض الإسلام والمسلمين ) وغلفوها بأطباق من الشعارات اللامعة ، وهي كاذبة خادعة ، ذات مصير مروع مخوف ، فهي في حكم الإسلام دعوة بدعية ، ضالة كفرية ، خطة مأثم لهم ، ودعوة لهم إلى ردة شاملة عن الإسلام ، لأنها تصطدم مع بدهيات الاعتقاد ، وتنتهك حرمة الرسل والرسالات ، وتبطل صدق القرآن ، ونسخه لجميع ما قبله من الكتب ، وتبطل نسخ الإسلام لجميع ما قبله من الشرائع ، وتبطل ختم النبوة والرسالة بمحمد عليه الصلاة والسلام فهي نظرية مرفوضة شرعاً ، محرمة قطعاً بجميع أدلة التشريع في الإسلام ، من كتاب وسنة وإجماع ، وما ينطوي تحت ذلك من دليل ، وبرهان .
لهذا : فلا يجوز لمسلم يؤمن بالله رباً ، وبالإسلام ديناً ، وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً ، الاستجابة لها ، ولا الدخول في مؤتمراتها ، وندواتها ، واجتماعاتها ، وجمعياتها ، ولا الانتماء إلى محافلها ، بل يجب نبذها ، ومنابذتها ، والحذر منها ، والتحذير من عواقبها ، واحتساب الطعن فيها ، والتنفير منها ، وإظهار الرفض لها ، وطردها عن ديار المسلمين ، وعزلها عن شعورهم ومشاعرهم ، والقضاء عليها ، ونفيها وتغريبها إلى غَربِها ، وحجرها في صدر قائلها ، ويجب على الوالي المسلم إقامة حدِّ الردة على أصحابها بعد وجود أسبابها وانتفاء موانعها ، حماية للدين وردعاً للعابثين ، وطاعة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم وإقامة للشرع المطهر .
وأن هذه الفكرة إن حظيت بقبول من يهود ، ونصارى فهم جديرون بذلك ، لأنهم لا يستندون إلى شرع منزل مؤبد ، بل دينهم إما باطل محرف ، وإما حق منسوخ بالإسلام ، أما المسلمون فلا والله لا يجوز لهم بحال الانتماء إلى هذه الفكرة لانتمائهم إلى شرع منزل مؤبد كله حق وصدق ، وعدل ورحمة .
وليعلم كل مسلم عن حقيقة هذه الدعوة ، أنها فلسفية النزعة ، سياسية النشأة ، إلحادية الغاية ، تبرز في لباس جديد لأخذ ثأرهم من المسلمين : عقيدةً ، وأرضاً ، وملكاً ، فهي تستهدف الإسلام والمسلمين في :
1- إيجاد مرحلة التشويش على الإسلام ، والبلبلة في المسلمين ، وشحنهم بسيل من الشبهات ، والشهوات ليعيش المسلم بين نفس نافرة ، ونفس حاضرة .
2- قصر المدِّ الإسلامي واحتوائه .
3- تأتي على الإسلام من القواعد مستهدفة إبرام القضاء على الإسلام واندراسه ، ووهن المسلمين ، ونزع الإيمان من قلوبهم ووأده .
4- حَلِّ الرابطة الإسلامية بين العالم الإسلامي في شتى بقاعة ، لإحلال الأُخوة البديلة اللعينة : ( أخوة اليهود والنصارى ) .
5- كفِّ أقلام المسلمين وألسنتهم عن تكفير اليهود والنصارى وغيرهم ، ممن كفرهم الله ،وكفرهم رسوله صلى الله عليه وسلم إن لم يؤمنوا بهذا الإسلام ، ويتركوا ما سواه من الأديان .
6- وتستهدف إبطال أحكام الإسلام المفروضة على المسلمين أمام الكافرين من اليهود والنصارى وغيرهم من أمم الكفر ممن لم يؤمن بهذا الإسلام ، ويترك ما سواه من الأديان .
7- وتستهدف كف المسلمين عن ذروة سنام الإسلام : الجهاد في سبيل الله ، ومنه : جهاد الكتابيين ومقاتلتهم على الإسلام ، وفرض الجزية عليهم إن لم يسلموا .
8- وتستهدف هدم قاعدة الإسلام وأصله : ( الولاء والبراء ) و ( الحب والبغض في الله ) ، فترمي هذه النظرية الماكرة إلى كسر حاجز براءة المسلمين من الكافرين ومفاصلتهم ، والتدين بإعلان بغضهم وعداوتهم ، والبعد عن موالاتهم وتوليهم وموادتهم وصداقتهم .
9- وتستهدف صياغة الفكر بروح العداء للدين في ثوب وحدة الأديان ، وتفسيخ العالم الإسلامي من ديانته .
10- وتستهدف إسقاط جوهر الإسلام ، واستعلائه وظهوره وتميزه ، بجعل دين الإسلام المحكم المحفوظ من التحريف والتبديل ، في مرتبة متساوية مع غيره من كل دين محرَّف منسوخ ، بل مع العقائد الوثنية الأخرى .
11- وترمي إلى تمهيد السبيل : ( للتبشير بالتنصير ) والتقديم لذلك بكسر الحواجز لدى المسلمين ، وإخماد توقعات المقاومة من المسلمين لسبق تعبئتهم بالاسترخاء ، والتبلد .
12- ثم غاية الغايات : بسط جناح الكفرة من اليهود والنصارى والشيوعيين وغيرهم على العالم بأسره والتهامه ، وعلى العالم الإسلامي بخاصة ، وعلى العالم العربي بوجه خاص ، وعلى قلب العالم الإسلامي وعاصمته : ( الجزيرة العربية ) بوجه أخص ، في أقوى مخطط تتكالب فيه أمم الكفر وتتحرك من خلاله لغزو شامل ضد الإسلام والمسلمين بشتى أنواع النفوذ الفكري ، والثقافي ، والاقتصادي ، والسياسي ، وإقامة سوق مشترك لا تحكمه شريعة الإسلام ، ولا سمع فيه ولا طاعة لخُلُق فاضل ولا فضيلة ، ولا كسب حلال "( ) .
وبعد هذا العرض الذي بين فيه الشيخ بكر وفقه الله لخطر هذه الدعوة الضالة الكافرة يجب على علماء المسلمين ودعاتهم دعوة هذه الأمم الكافرة إلى الإسلام ، وأن يشرحوه لهم ويبينوا لهم محاسنه ، ويوضحوا لهم حقيقته باللغات التي يفهمونها ، حتى يبلغوا عن الله وعن رسوله دينه ، كما يجب عليهم أن يكشفوا الشبه التي يلقيها أعداء الإسلام حتى لا يقع فيها أحد ، وأن يردوا الطعون التي يطعن بها أعداء الإسلام وأن يبينوا بطلانها ، وعليهم أن يبينوا بطلان جميع الأديان من يهودية ونصرانية وغيرهما ، وأن جميع هذه الأديان منسوخة بالإسلام الذي لا يقبل الله من أحد سواه مهما كان عمله لأنه ليس على الدين الحق الذي رضيه الله لعباده ، وعليهم أن يكونوا في دعوتهم على المنهج الرباني الذي أرشدهم إليه من الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة ، والمجادلة بالتي هي أحسن وأن يكون الداعي على علم يمكنه من الدعوة الصحيحة كما قال تعالى : { قل هذه سبيلي أدعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين }[يوسف : 108 ] ، وقال تعالى : ادعُ إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين }[ النحل : 125 ] ، قال تعالى :{ قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون }[ آل عمران : 64 ] ، وقال تعالى : { ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم وقولوا أمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون }[ العنكبوت : 46 ] ، وقال سبحانه : { ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين }[ فصلت : 33 ] .
وقد أخذ الله الميثاق على أهل العلم أن يبينوه للناس ولا يكتمونه وتوعدهم على كتمانه قال تعالى : {إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم }[البقرة : 159 –160 ] ، وقال تعالى : {إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمنا قليلا أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار ولا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة فما أصبرهم على النار ذلك بأن الله نزل الكتاب بالحق وإن الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد }[البقرة : 174-176 ] .
وفي هذه الآيات وعيد شديد لمن كتم ما منّ الله به عليه من العلم فلم يدع إلى سبيل الله ، وإن أولى الناس بالدعوة إلى الإسلام هم أهل الكتاب الذين عندهم شيء من العلم فضلاً عن غيرهم من الكفار فالجميع تجب دعوتهم إلى الإسلام وتبيين أن ما عليه هم من الديانات باطل لا يجوز التعبد لله به ، وأن من لم يدخل في الإسلام منهم فهو كافر مخلد في النار .
إن الواجب على أمة الإسلام الحذر من أعدائهم من الكفار سواء كانوا من أهل الكتاب أو غيرهم فهم جميعاً يعملون من أجل القضاء على الإسلام وأهله ، فهم من أجل ذلك يعقدون المؤتمرات والندوات ليل نهار في عمل مستمر سواء كان علناً أم في الخفاء من أجل الانتقام من الإسلام والمسلمين ، فالحذر الحذر من مخططات الأعداء ، ومن يتكلم بألسنتهم وهم من أبناء المسلمين .
نسأل الله سبحانه وتعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يهدي ضال المسلمين ، وأن يبصرنا بديننا ، وأن يصرف عن الإسلام والمسلمين كيد الكائدين وحقد الحاقدين ، وأن يثبتنا جميعاً على الإسلام الحق حتى نلقاه وهو راض عنا غير غضبان إنه جواد كريم وبالإجابة جدير ، وحسبنا الله ونعم الوكيل .
وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .