الحوار الإسلامي/ الإسلامي

الحوار الإسلامي/ الإسلامي

عبد الله صالح العبيد

الحوار لغة هذا العصر كما هي لغة كل عصر، الحوار لغة التوحيد والتشريع لغة الأنبياء والمرسلين، لغة التفاوض والتعاون بين سائر الخلق أجمعين. لغة إن لم تسبق السلاح فليس بعدها إلا العويل والنواح.

 

والعالم الإسلامي اليوم، أشد ما يكون حاجة الى الحوار -الحوار بين أجنحته وداخل جدرانه وبينه وبين أعدائه وجيرانه، فقد تعددت وسائل الإتصال وتيسرت كما تعددت مسائل الخلاف وتعقدت. فلم يعد بإمكان أي مجتمع أو دولة العيش في معزل عن الآخر أو الاستقلال بالنفس عن الآخر.

 

 

والعالم الإسلامي يمثل بموقعه ومساحته وعقيدته وثقافته ومصالحه وثرواته يمثل أقوى التجمعات الدولية والسكانية في العالم، وأكثرها قدرة على التفاهم والتعاون والتماسك ولا شك أن قساوة الظروف التي يواجهها من الداخل والخارج تمثل عوائق كبرى ولكن السبيل الوحيد لتفتيت هذه العقبات إنما يكون بوضع جميع قضاياه وشؤونه تحت المجهر ومعالجتها بالنقاش والحوار والتفاهم وتغليب المصالح العليا للأمة على مصالح بعض أفرادها وعناصرها. والإسلام كما بنى الفرد يبني المجتمع ويبني الأمة وفي كل منها حماية الآخر وقد أجزم بأن جزءاً كبيراً من إشكالية المسلمين في الوقت الحاضر تكمن في فقدان الحس الجماعي للأمة المسلمة وغلبة الفردية والحزبية الضيقة مما ضيق نطاق الاهتمام بقضايا الأمة وبالتالي لم يعد الواقع يستوعب حتى آمال وتطلعات الفرد أو الفئة المعنية على المدى البعيد، وقدرنا أن نخرط القتاد إذا أردنا تمهيد الطريق لحياة أفضل. المطلوب هو التعامل مع الواقع وتحويله الى عوامل تكاتف وتعاون وتحاب وتواد، علينا أن نتوجه بالحوار في الوقت الحاضر الى تفهم وفهم الواقع والعمل على التمسك بما هو موضع اتفاق وتفاهم ومعالجة ما هو موضع اختلاف وتفاقم.

 

معالم الحوار

 

يقوم الحوار على عدد من الأمور من أهمها:

 

أولاً:

 

الإعتراف ابتداء بأن الخلاف سنة كونية وإرادة إلهية ليهلك من هلك عن بينه ويحيى من حي عن بينه والخلاف راجع لتضارب المصالح وتباين القدرات والمواهب.

 

2- إن التعايش مطلب حتمي وضرورة شرعية، ومرحلة ينبغي أن تكون مخرجاً من الحاضر ومعبراً لحياة متكاملة.

 

3- أن يكون مرد الخلاف الى الله عز وجل وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم.

 

4- أن يكون الحق والصدق رائد المتحاورين، وأن تكون مصالح الأمة فوق مصالح الأفراد والجماعات.

 

5- أن يجري الحوار بعيداً عن البغي والعدوان والحسد وحب الانتصار والسيطرة والشهرة فالبغي مصدر الشهوات.

 

ثانياًَ:- وبعد هذه المسلمات ينبغي أن تقوم بالحوار تلك القيادات التي تقود قطاعات الدولة والمجتمع على اختلاف أهدافها ومستوياتها ومنها:

 

القيادات الدينية، القيادات الاقتصادية، القيادات السياسية، القيادات الأمنية، القيادات الاجتماعية، القيادات العلمية، والإعلامية والثقافية كما ينبغي أن يقوم الحوار داخل كل قضية من هذه القضايا من جهة وعلى مستوى تداخل هذه القضايا بعضها مع بعض من جهة أخرى وأن يقوم بالحوار من كل تخصص عدوله الناصحون للأمة البعيدون عن المصالح الذاتية والترهات الفردية والعنصرية والطائفية.

 

ثالثاً:- أن تحدد نقاط الخلاف وتوضح الايجابيات منها والسلبيات، وذلك بغرض توجيه الطاقات على اختلاف مظانها ومظاهرها وعلى تعدد أبعادها وغاياتها الى خدمة قضايا الأمة الإسلامية وليس الى الاحتراز من الجميع كما هو الحال.

 

بحيث تكون تلك الطاقات قوة للبنات هذا الكيان وليست الغاءً له وتنسيقاً وتكاملاً لعناصره ومحتوياته وعوامله ودوافعه وليست تفتيتاً له وتفجيراً لوحداته ووحدته.

 

الحوار البناء عاصم من الفتن

 

الكل منا يدرك الوضع الذي عاشته ولا تزال تعيشه المنطقة الإسلامية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية 1945م ومخلفات الاستعمار الغربي على الحدود وتعدد القيود، ومن ذلك زرع (إسرائىل) وهي القضية التي قتلت بحثاً ويقتل فيها المسلمون قهراً وصبراً دون تفريق بين برهم وفاجرهم ومنها الفتن الداخلية والصراعات الفكرية التي تؤجج متى تبين أن الأمة قد استعادت شيئاً من قوتها وبخاصة، منطقة القلب من عالمنا الإسلامي، وما حرب اليمن واليمنين وحربا الخليج الاثنتين الا شواهد ذلك، وما الدراسات التي تروج لصراع الحضارات وأن منطقتنا منطقة مقبلة على العديد من الخلاف والاختلاف والصراعات إلا تهيئة للمزيد من الفتن والتقلبات.

 

وليس من عاصم إلا الالتجاء الى الله القوي المتين والانتصار لهذا الدين العظيم {ولينصر الله من ينصره إن الله لقوي عزيز}، {ومن يعتصم بالله فقد هدي الي صراط مستقيم}. {وإنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا وفي الآخرة}. و{إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم}. التغيير المطلوب لا يعني البدء من جديد كما أن الحوار الإسلامي -الإسلامي لن يبدأ من فراغ فالأمة مهيأة ولله الحمد نفسياً واجتماعياً لجمع الكلمة ووحدة الصف فلم تستجب يوماً لحرب داخلية أو فتنة طائفية إلا أن تساق الى ذلك بعصا السلطة أو المرجعية ولدى الأمة من المؤسسات الرسمية والهيئات الشعبية والمنظمات الإقليمية والدولية ما يمثل عناصر التلاحم والتعاون والالتقاء ويحقق الأهداف المرجوة والمسلمون عبر التاريخ وبخاصة تاريخنا المعاصر، حيث تسارعت الأحداث سريعو الاستجابة إذا شعروا بأجراس الخطر فقد أنشئت على المستوى الحكومي الجامعة العربية وعقدت من خلالها العديد من الاتفاقيات، وانشئت منظمة المؤتمر الإسلامي وقامت في إطارها العديد من المنظمات وأقيمت تنظيمات ثنائية وإقليمية وتوثقت صلاتها مع تنظيمات دولية وأفريقية وآسيوية وأوروبية وقام فيها على المستوى الشعبي العديد من المنظمات السياسية والاجتماعية والخيرية والعلمية والمهنية مما زاد من تلاحم عناصرها بعد سابق تفكك وعلى الأمة الآن ومن خلال الحوار ألا تكون هذه الإنجازات محاور خلاف ومرتكزات اختلاف، بل علينا تقوية هذه الخلايا في إطار البناء الإسلامي الكبير. ويجب أن نعترف أنه حتى في ظل الرغبة العارمة في الاتفاق والوصول الى نتيجة مرضية لجميع الأطراف يجب أن نعترف أن هنالك عقبات حقيقية وظروفاً قاسية وملابسات يصعب التحكم بها ولا يمكن تجاهلها والقضاء عليها بين يوم وليلة أو عشية وضحاها، ولكن يكفي أن نستشعر أننا في حالة مرضية وليست مرضية وفي حالة استثنائية وليست عادية وأننا في هذا الإطار ينبغي أن نضع المسائل والمشكلات على الطاولة ونجلب الأطراف حولها وما ذلك على الله بعزيز ولكن علينا تحسين النيات وإثبات ذلك من خلال التسابق في الإنجازات على هذا الأساس

 

وصية مفكر مسلم

 

ولعلي أختم هذا الحديث بوصية لعلم من أعلام البيان في عصر من عصور النهضة الإسلامية التي قامت على الكلمة والحوار ولم يتبين لي سبب لهذه الوصية الا ما عسى أن يكون ذلك الصديق مقدماً على مجادلة أو حوار أما العلم فهو عمرو بن بحر الجاحظ، أما الصديق فربما كان نحن أو كل مقدم على الحوار يقول الجاحظ.

 

جنبك الله الشبهة وعصمك من الحيرة وجعل بينك وبين المعرفة نسباً، وبين الصدق سبباً، وحبب إليك التثبيت وزين في عينيك الإنصاف، وأذاقك حلاوة التقوى وأشعر قلبك عز الحق، وأودع صدرك برد اليقين، وطرد عنك ذلك البأس، وعرفك ما في الباطل من الذلة وما في الجهل من القلة.

 

المصدر: المجلة العربية العدد 302

http://www.alwihdah.com/fikr/adab-hiwar/2010-04-26-1541.htm

الأكثر مشاركة في الفيس بوك