حوار في أدب الحوار

حوار في أدب الحوار

" تعالوا نتفاهم ونتفق كيف نختلف أيها المسلمون "

 

الإنسان كائن اجتماعي ومدني بالطبع ، ولا يمكن أن يستغني الإنسان عن الحوار مع أخيه الإنسان مهما كان لونه أو شكله أو لغته أو معتقده أو جنسيته بل أن اختلاف تلك العناصر تزيد من ضرورة التحاور ولما كان كل إنسان ذا شخصية مستقلة فلا مناص من تبادل الأفكار والطلبات وكل ذلك يصب في بحيرة الحوار، ان الحوار يشمل كل الأفكار والمبادئ والعقائد ويستوعب كل مناشط حياة البشر وليس هناك ما يخرج عن دائرة الحوار شئنا أم أبينا .

 

إن هذا المقال لا يقصد إثبات ضرورة الحوار بل يقصد إلى الحديث عن أدب الحوار واسمح لي أيها القارئ ان اسرد هذه القصة الواقعية :

 

خرج رجل أعجمي مسلم لا يحسن اللغة العربية جيدا لقضاء بعض حوائجه ، وفي الطريق استرعى انتباهه رجلين عربيين مسلمين كانا يتحادثان ، ثم اشتد نقاشهما واحتد إلى درجة السباب والشتائم والبذاءة ، فرجع الرجل الأعجمي المسلم إلى أهله وعلى وجهه علامات الضيق والاستغراب فسأله أولاده ماذا جرى فأجابهم بالقصة ثم علق قائلا :

 

ما كنت أظن أن اللغة العربية التي نزل بها القرآن العزيز يمكن ان تستخدم في العراك والسباب .

 

فيا أخي القارئ هذا رجل لا يحسن اللغة ولكنه كان يظن أن لغة القرآن لا تسمح باستخدامها في السباب والبذاءة بين المسلمين تكريما لهذه اللغة وتشريفا لها وصونا لها ان تنزل إلى هذه الحضيض في الاستعمال .

 

نحن المسلمون نسمع ونقرأ ونرى زخما كبيرا من ألفاظ السباب والشتائم بين المسلمين خصوصا ممن ينتسب إلى العلم الشرعي فكيف تحول الحوار الذي هو وسيلة التفاهم والتقارب والمعرفة إلى هذه الدرجة الوضيعة .. وقد ينتقل الحوار من السباب إلى التكفير و التبديع والتشريك و التفسق باسم الدين نفسه لماذا؟ لأن هذا المسلم لم يقتنع بكلام محاوره فانهال عليه تجريحا وتكفيرا ، فأين أدب الحوار؟ وماذا تركتم للسوق أيها المتشاتمون ، وان كان المسلم يشتم أخاه المسلم فماذا تركنا لأعداء الدين ليقولوه عنا ؟

 

ولعل من اقبح القبائح توجيه الشتائم للدعاة والعلماء الذين يبذلون جهدهم في إرشاد الناس ونقلهم من الظلمات إلى النور ومن المعاصي إلى الطاعة فقد سمعنا ورأينا وقرأنا للأسف هجوما على الإمام الغزالي حجة الإسلام والاشعري المدافع عن عقيدة أهل السنة والجماعة والمانريدي وحديثا الشعراوي والقرضاوي والبوطي وعمرو خالد وطارق سويدان وغيرهم فالقائمة طويلة لا تبقي ولا تذر ، ودعنا نتساءل لمصلحة من كل هذا الهجوم والشتائم ؟ هب إن عالما أو داعية أخطأ في فتوى أو رأي أو اجتهاد ، فهل الهجوم عليه بالشتائم هو الوسيلة الشرعية الصحيحة لا صلاح ذلك ولتحذير الناس من خطأه ؟ أليس للمجتهد إذا اخطأ أجرا عند الله . واين النقاش العلمي والحوار الهادئ والقول اللين ؟ أين آداب الإسلام في الحوار ؟ ومتى كان المرض يعالج بالقتل والخطأ بالشتائم والسباب ؟ ما هكذا تورد الإبل يا سعد .

 

أيها الشاتم ، لست وحدك الحريص على الإسلام لتشتم كل إخوتك في الدين إذا خالفوك الرأي ولست وصيا على الدين لتقرر من يشتم ومن يكفر ومن يبدع ، وليس الإسلام شركتك الخاصة تطرد من شئت منها وتوبخه وترقي من شئت وتمدحه فكلنا مسلمون وكلنا نغار وكلنا لا نرضى بما يخالف شرع الله ولكن الإسلام علمنا الأدب كما علمنا العلم وعلم بلا خلاق كشجرة بلا أوراق ومن يدري لعل رأي من خالفك هو الصواب وأنت تكفره وتشتمه .

 

إني أوجه هذه المقالة لكل المسلمين على حد سواء ، رجاء أن يحترمون أنفسهم ويرتفعوا في حوارهم عن أسلوب الغمز واللمز والسباب والشتائم ، فكان الخير في احترام أنفسنا لا في تشتيت المسلمين وتفريق صفوفهم بالفحش من القول خصوصا وان الإسلام دين الحضارة والرقي لا يرضى للمسلم أن ينزلق إلى هذه الترهات والأساليب المغلوطة .

 

وحتى لا تطول المقدمة دعني أخبرك أ هذه المقالة ستأخذ شكل الحوار لأننا نتحدث عن أدب الحوار وسنقوم بجولة في عالم الحوار وطبيعته ثم سنسهب ونقيض في الحديث عن الحوار بين المسلمين أنفسهم فأرجو أن يتسع صدرك لمقالتي وان تنظر إليها بعين العقل والعلم والشرع وليس قصدي من هذه المقالة سوى دعوة كافة المسلمين لاحترام بعضهم البعض في حوارهم الذي هو وسيلة هامة للتفاهم والتقارب والمعرفة والتكامل ، والله الموفق لما فيه الخير .

 

كان لي صديق يجاذبني أطراف الحديث كل مساء وفي أمسية طيبة جرى بيننا هذا الحوار عن أدب الحوار ولماذا لا نحسن نحن المسلمين الحوار مع أنفسنا قبل غيرنا ولماذا ينتهي الحوار في بعض مسائل الدين بالحدة والشتائم وأحيانا بالتكفير ؟

 

فقلت له : يا صاحبي يلزمنا في هذا الحديث إذا أردنا الاستفادة منه أن نلتزم بالعلم أي أن ندرك الأشياء كما هي عليها دون زيادة ولا نقصان لأن من ساء تصوره عن الشيء ساء تصرفه معه ولا أكتمك سرا إن قلت لك نحن بحاجة ماسة إلى طرح المفاهيم الخاطئة واستبدالها بأخرى صحيحة لا تتعارض مع الشرع والعقل والفطرة السوية .

 

فقال لي: يا سيدي منك نستفيد / هات افدنا أفادك الله وأحسن جزاءك

 

فقلت له : يا صاحبي لنبدأ حديثنا بهذا السؤال : ما هي سنة الله في خلقه ؟ هل هي اتفاقهم أم اختلافهم ؟

 

فقال : هذا سؤال فما هو جوابه يا صديقي ؟

 

فقلت : إن سنة الله في خلقه هي اختلافهم وليس تطابقهم وإلا لصارت المخلوقات نسخا متكررة لا فائدة منها .

 

قال : أوضح يرحمك الله .

 

فقلت : هذه العوالم التي خلقها الله ، تراها مختلفة فعالم النبات يختلف عن عالم الحيوان ويختلف عن الجماد ، ثم خذ عالماً منها بالتحديد ، فعالم الجماد فيه المائع والجامد والرطب واليابس و الأبيض و الأسود والصلب والهش والثقيل والخفيف والغالي والرخيص إلى آخر تلك الاختلافات .

 

وأنظر يا صاحبي إلى عالم النبات ففيه نبات زاحف وآخر متسلق ومنها ما هو طفيلي ومنها من يعتمد على نفسه ، بل انظر إلى النوع الواحد من النبات كالحمضيات مثلا تجد فيها عشرات من أنواع البرتقال وهو مختلف في اللون والعم والرائحة . ألا ترى يا صديقي أن فصول السنة مختلفة من ربيع وصيف وشتاء وخريف ألا ترى النهار يختلف عن الليل بل أن الشروق يختلف عن الضحى عن الزوال ع الهاجرة عن العصر عن العشى عن الغروب ، ألا ترى أن يومك يختلف عن أمسك في ظروفه وطقسه و أحداثه ألا تعلم أن جنس الأبقار في العديد من الفصائل المختلفة وكذلك الخيول و الإبل وغيرها وتعال يا صاحبي نتأمل عالم الإنس تجد كما قال الله تعالى ((ومن آياته خلق السموات و الأرض واختلاف السنتكم والوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين )) الروم الآية 21 ألا ترى الإنس شعوبا وقبائل مختلفة ، بل انظر إلى الشعب الواحد تجد فيه العالم والجاهل والصادق والكاذب والمريض و المعافى والأعمى والبصير والأصم والسميع والغني والفقير بل انظر الإنسان نفسه تجده صاحب أطوار مختلفة من جنين إلى رضيع إلى فطيم إلى صبي إلى مراهق إلى شاب إلى كهل إلى شيخوخة إلى ارذل العمر ، بل انظر إلى نفسك تجد فيك اختلافا كبيرا عن نفسك ، فأنت تقبل ما كنت ترفض وتتعلم ما كنت تجهل وتفارق ما كنت تعاشر وتمر عليك ظروف مختلفة تترك آثرها في تغيير الكثير من مواقفك و آرائك وسلوكك فتستبدل لعب الصبي باندفاع المراهق بحماس الشباب بعقل الكهول وحكمة الشيوخ الست تختلف عن نفسك في ظل كل هذه المتغيرات . يوما تحارب ويوم تسالم يوما تجوع ويوما تشبع يوما تفرح ويوما تبكي هذه سنة الله في خلقه والله وحده هو الذي يغير ولا يتغير ، انظر إلى القرآن حيث يقول (( أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا )) ((ولا يستوي الأعمى والبصير )) (( ليسوا سواء))

 

يا صاحبي القرآن مليء بهذه الآيات التي تعبر بوضوح عن الاختلاف في خلق الله بصفة عامة فإذا فهمت كلامي علمت يقينا أن الاختلاف والتغيير هو سنة الله في خلقه وليس التطابق والاتفاق .

 

قال : لله درك ، كنت أظن أن الاتفاق هو الأساس ولكن كلامك خالف ظني .

 

قلت : إن تشابه الأسماء لا يعني بالضرورة تشابه المسميات و بالأحرى لا يعني اتفاقها فالنخلة شجرة و اليقطين شجرة ولكن شتان بين الزاحف على الأرض والشامخ في السماء وانظر كم من الاختلافات الأخرى وكلاهما يسمى شجرة على وجه العموم وتأمل الإنسان . هل الجبان كالشجاع وكلاهما إنسان ؟ وقس على ذلك .

 

قال : يا صاحبي أنا اتفق معك على أن الاختلاف هو سنة الله في خلقه ، فما الذي يلزم عن ذلك ، وهل نعتبر هذا الاختلاف والتغيير في الخلق مدعاة للتناحر والصدام وعدم الانسجام بين هذه المخلوقات المختلفة ، وبين بني البشر المختلفين والمتغيرين دوماً .

 

قلت : هذا هو السؤال الثاني في حوارنا ويمكن أن نلخص سؤالك الطويل بقولنا : ما الحكمة في أن يجعل الله الاختلاف هو سنة خلقه ؟

 

قال : المهم هو أن أتحصل على جواب شافٍ لا يصادم العقل و الشرع والعلم والفطرة .

 

قلت : حسناً ولكن سأخبرك ذلك بإذن الله في الأمسية القادمة

 

وانفض مجلسنا وانتهى سمرنا عند هذا الحد وسأخبركم بما يستجد إن شاء الله الأمسية الثانية

 

قال لي صاحبي وهو يحاورني : علمت أن الاختلاف والتغيير هو سنة الله في خلقه ، فهلا أجبت عن سؤالي الثاني وهو لماذا هذا الاختلاف في الخلق ؟

 

فقلت : لقد اخبرنا القرآن الكريم أن اختلاف المخلوقات آية من آيات الله تدل على انه خالق بديع حكيم وقدير ثم ان هذا الاختلاف له حكمة سامية وهي ان كل مخلوق يكمل غيره ويستفيد منه ويفيده (( ليتخذ بعضكم بعضا سخرياً )) فالحشرات مثلا في خدمة النبات والنبات يخدم الحشرات والحيوان يستفيد من النبات ويفيده فالكون يشبه لوحة فسيفساء كبيرة كل قطعة منها لها دور معين تشارك به في إبراز هذه اللوحة و لو كانت قطع الفسيفساء من حجم ولون واحد بلا اختلاف فإنه من المستحيل ان تظهر الرسومات الجملية .

 

وتأمل الإنسان تجد انه ذكر وأنثى ولي الذكر كالأنثى ولكن هذين الجنسين غير المتماثلين يكمل أحدهما الآخر ويستفيد منه ويفيده .

 

بل دقق في نفسك ترى انك لست نسقا واحدا بل أنت مركب من أعضاء مختلفة فليست اليد هي الرجل وليست العين كالآذن وليست المعدة كالقلب وليس الأنف كالفم ورغم اختلاف هذه الأعضاء فإن كل عضو له دور معين وبتناسق هذه الأدوار يكون قوام عيشك .

 

فلا يمكنك ان تبصر إلا بالعين ولا تشم إلا بالآنف ولا تهضم إلا بالمعدة وهكذا ترى هذا التنوع مقصود ليقوم كل عضو بوظيفة محددة تساهم مع غيرها في حياة الإنسان ولو شاء الله لخلق الإنسان كتلة واحدة من الشحم أو اللحم أو العظام تقوم بكل تلك الوظائف ولكن الله جعل فيك اختلاف الأعضاء واختلاف وظائفها ليساهم كل منها بعمل محدد ومنظم .

 

قال صاحبي : سبحان الخالق المبدع ، ولكن كيف لهذه المخلوقات المختلفة في الشكل والمهام أن تشكل هذه اللوحة الفنية الرائعة ، ألا يمكن لهذه الاختلافات أن تثير البلبلة بدل الاتفاق والانسجام .

 

قلت : سؤالك في محله ، وحوارنا هذا بدأ يتشعب ، ولكن دعنا نرتب أفكارنا التي اتفقنا عليها حتى يكون لحديثنا هدف ومعنى .

 

قال : تفضل مشكوراً

 

قلت : أن الله جعل الاختلاف سنته في خلقه بحيث يكون كل مخلوق مختلف مع غيره وفي نفس الوقت يقوم كل منها بدوره المناسب الذي يساهم به في لوحة الكون الرائعة ، وسؤالك الآن يقول ما الذي يضمن ان هذا الاختلاف لا يؤدي إلى الفوضى بدل النظام ، فدعني أذكرك بأن الله تعالى جعل هذه المخلوقات قسمان : قسم مسير لا يملك إلا الاستمرار فيما خلق من اجله ، وقسم مخير وهبه الله حق الاختيار . فأما القسم الأول وهو المسير فقد جعل الله له نظام التسخير الجبري أي انه مسخر لا إرادة له وهذا لا يمكن أن يوصف بالخطأ والصواب لأنه لا اختيار له وهذا يشمل سائر المخلوقات ما عدا الإنس والجن " ولو تأملت خلق الله لعجبت من نظام مملكة النحل على سبيل المثال ولا تملك إلا أن تقول سبحان الله العظيم المبدع .

 

فهذه المخلوقات نضمن عدم خروجها عن النظام لأنها مسخرة ومجبرة ولا يمكنها الخروج عن دورها وطورها والعلماء يسمون هذا النظام بقانون التوازن البيئي أي ان الحياة على الأرض لها موازين ثابتة بحيث يؤدي كل مخلوق دوره وفق توازن عجيب بحيث لا يموت الذئب ولا تفنى الغنم .

 

والله تعالى قال لنا (( ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها )) لأن الكون متناغم ومتناسق ومتوازن رغم اختلاف مخلوقاته بقانون التسخير الإلهي فأحذر أيها الإنسان أن تفسد هذا النظام بسوء تدخلك فتؤدي إلى الإخلال بالبيئة أو النبات أو الحيوان وغير ذلك .

 

قال صاحبي : ما كنت أظن أن الحديث عن أدب الحوار سيوصلنا إلى هذا المنعطف قبل الخوض ف أدب الحوار فقد حسبت أننا سنتناول الموضوع مراساً.

 

قلت : يا صاحبي إن الله تعالي عندما بعث الرسول حدد لهم مهمتهم فقال : " وما على الرسول إلا البلاغ المبين " أي لم يكتف بإبلاغ الرسالة بل لابد أن يكون البلاغ مبينا أي لا بد من الشرح والحوار وضرب الأمثلة وإيضاح البراهين والأدلة ليكون البلاغ مبينا . وقد اجمع علماؤنا رضي الله عنهم على أن من طلب العلم لا بد له أن يتجلى بالبصر ، وقد يتطلب دراسة موضوع ما أياما وشهورا أو عدة سنوات فمن حرم الصبر حرم العلم .. وما قطع العبد الصالح درسه عن كليم الله موسى عليه السلام الا لأنه لم يصبر " انك لن تستطيع معي صبراً "

 

قال : اللهم اجعلنا من الصابرين على رسالة العلم والتعليم ، فهل أكملت جوابك عن سؤالي .

 

قلت : انه عالم التسخير مهما اختلف وتباين في نظرنا فانه في الواقع والعلم والحقيقة يشكل لوحة فنية عظيمة متوازنة بذلك الاختلاف وليس لعالم التسخير الخروج عما سخر له .

 

ويأتي الآن عالم التسيير ويشمل الإنس والجن . نعم ان الله قد منح الأنس والجن حق الاختيار في المسائل التي سيحاسبون عليها مثل اختيار الشر او الخير ، الإيمان أو الكفر ونحو ذلك ، وارجوا ان تسمح لي أن أخص بحديثي الإنسان فهو بيت القصيد في حوارنا عن أدب الحوار .

 

قال : لك ذلك .

 

قلت : الآن نرى أن الكون منسجم ومتكامل و متناسق رغم اختلاف مخلوقاته وقد جعل الله الإنسان خليفته في الأرض وله حق اختيار طريقه حياته باستقامة أو اعوجاج فكيف نضمن أن الإنسان لا يختار الاعوجاج ويعيث في الأرض فسادا ؟

 

قال : هذا جزء من سؤالي وأنا انتظر إجابتك .

 

فقلت : الله لم يخلق الإنسان ويتركه سدى ، وكما وهبه حق الاختيار وهبه عقلا يفكر به وجعل له عين يبصر بها و أذن يسمع بها وبث في كونه الآيات الباهرات الدالة على عظمة الله .

 

ثم أرسل إليه الرسل وانزل إليه الكتب فيها الهدى والنور والسعادة وقد قامت كل الرسل بشرح تلك التعاليم على احسن وجه وبهذا تم البلاغ المبين فالله تعالى يقول للإنسان : " أيها الإنسان أنت خليفة في الأرض وهذه الأرض متناسقة ومتكاملة فإياك و الفساد فيها وهذه تعاليمي إليك عن طريق الرسل توضح لك تماما النظام الذي يجب عليك أن تسلكه لتنعم بحياة مطمئنة على هذه الأرض فإن أنت فعلت ذلك و أطعتني فأني سأمنحك في الدار الآخرة حياة النعيم الأبدي لا مقطوع ولا ممنوع ، لقد خلقتك مختلفا عن غيرك من بين جنسك في العلم و الإدراك والثقافة والتربية والعادات والتقاليد والأعراف وهذه الاختلافات أريدك أن تصيغ منها تناغما مع الكون ولا تجعل منها منطلقا للفوضى والتعالي والفساد " ومن هنا يمكننا القول أن الأديان السماوية جاءت لتوضح للإنسان كيف يتوافق ويتناغم وينسجم مع نفسه واخوته في الإنسانية ومع سائر المخلوقات .

 

(( وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا )) ولم يقل لتعاركوا .

 

والخلاصة هي أن الله تعالى خص البشرية بالدين وطلب منهم ان يطيعوه بقناعتهم دون إكراه وان يتخذوا من تعاليم السماء هاديا و مرشدا للتعاون و التكاثف والتراحم والسلام والمحبة وليتخلصوا من شرور أنفسهم ومن سيئات أعمالهم التي ستجر عليهم القتل والخراب والفساد وتجعل حياتهم على هذه الأرض جحيما لا يطاق وحذرهم إن فعلوا ذلك فإن الجحيم الأبدي بانتظارهم يوم الجزاء حيث سيحاسبهم الله على سوء اختيارهم وعدم استجابتهم للحق بعد ما تبين لهم .

 

قاطعني صاحبي قائلا : لم أكن افهم دور الأديان السماوية بهذا المنظور فقد كنت احسب إن الدين جاء لعبادة الله وطاعة أوامره فحسب .

 

فقلت : كلامك صحيح لا شك فيه ، ولكن القرآن الكريم ورسوله الصادق الآمين ( صلى الله عليه وسلم ) علمنا أن أديان السماوية تهدف إلى انسجام الإنسان مع الكون وهذا لا يتم الا بعبادة الله وحده لا شريك له وطاعة اوامره واجتناب نواهيه وليس بين قولينا أي تضارب او تعارض ، ولو أنكك تأملت الأوامر والنواهي لأحسست بذلك ففي الحرب يقول الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) " لا تقطعوا شجرة " وفي الوضوء ينهى عن الإسراف في استعمال الماء وعن الحيوان يقول " في كل ذات كبد رطب أجر " وهكذا تجد أن أنواع هذه الأوامر تهدف إلى أن يكون الإنسان مصلحا ومسالما مع غيه من المخلوقات وليست كل أوامرنا مجرد شعائر تعبدية فقط قال : حسن لنعد إلى ما كنا بصدده .

 

فقلت : لعلي أجبت عن سؤالك حول ضمان توافق وتكامل وانسجام هذه المخلوقات المختلفة : فهي تتناغم بقانون التسخير جبراً وبالنسبة للإنسان فيمكنه أن ينسجم مع هذا الكون المسبح بحمد الله عن طريق حسن استخدامه لقانون التسخير إذا اقتنع واستجاب لرسالة الله تعالى

 

قال صاحبي : أما عن المخلوقات المسخرة فأنا مقتنع بما تقوله ولكن اريد المزيد من الإيضاح عن القانون الذي يحكم الإنسان ليكون منسجما مع بقية خلق الله في التسبيح بحمده .

 

قلت : لقد أراد الله أن يكرم الإنسان ويعامله معاملة خاصة ليست كسائر المخلوقات فقال له لكي لا تضل طريقك في الحياة فسوف أرشدك إلى النظام الأفضل والأمثل لتعيش عليه وتنسجم مع مخلوقات في التسبيح بحمدي ولكن لا أريد أن أجبرك عليه ولو شئت لفعلت ولكن أريدك يما أودعت فيك ممن عقل وفطرة وبصيرة ان تخضع لآمري باختيارك " لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي " وبهذه الطريقة تكون أهلا لنيل الجائزة العظيمة في الدار الآخرة . ولو أجبرتك لما كان للجائزة معنى ولو لم أرشدك فانك ستضيع وتهلك لآن الحياة الدنيا بها مغريات كثيرة ونفسك أمارة بالسوء ستسول لك العبث والفساد والضلال وأنا أريد أن أرحمك من هذا الاضطراب ولهذا أرسلت إليك الرسل ليبلغوك ويشرحوا لك النظام الصحيح الذي تعيش عليه . وبعد ذلك لك أن تقرر هل ستستجيب أم لا . وبناء على اختيارك ستكون معاملتي لك .

 

قال صاحبي : وما علاقة ما تقول بأدب الحوار ؟

 

قلت : ها نحن الآن وضعنا قدمنا على أول الطريق ، فإن الله عندما انزل تعاليمه عن طريق الرسل ( عليهم السلام ) آمن فريق وكفر آخر . ومن هنا بدأ الحوار بين الأيمان والكفر

 

فقد كان في عهد آدم لا يوجد إلا مؤمنين فقط ولكن مع مرور الزمن و وساوس الشياطين نسي الإنسان عهد الإيمان واخذ ينحرف عن سواء السبيل فجاءت الرسل أولا بأول لتذكر الإنسان بما فيه صلاحه وخيره وسعادته ولهذا قلت لك من هنا بدأ الحوار بين الإيمان والكفر .

 

قال صاحبي وقد وضع كفه على جبينه : إذا كانت مهمة الأديان السماوية هي انسجام الإنسان مع الكون المسلم بحمد ربه فإني أرى ومن خلال الواقع المعاش والتاريخ الماضي أن الأديان فشلت في مهمتها فها هو الإنسان جاحد لربه ويعبث في الأرض فسادا فأين الانسجام الذي تدعو إليه الرسل ؟

 

قلت لصاحبي : هذه شبهة يثيرها منكروا الأديان فهم يزعمون ان الدين من صنع الإنسان او على احسن تقدير ان مهمة الدين الآن لا وجود لها لأن الإنسان بعقله وعمله ومخترعاته صار قادرا على الحياة السعيدة دون حاجة إلى دين ولهذا فالدين ظاهرة ولى عهدها و عفى عليها الزمن وقد آن الأوان لينطلق الإنسان في الحياة وفق ما يراه مناسبا طبعا هذا كلام منكري الأديان بصفة عامة والإسلام بصفة خاصة ونحن طبعا ننكر كلامهم ونرفضه نهائيا وواجبنا هو الرد على هذه الشبهات وغيرها بالحكمة والعلم وبأسلوب مختصر ليس فيه السباب والشتائم بل نتحلى في حوارنا معهم بكل الأدب الذي علمنا اياه الإسلام ولسنا الآن بصدد الرد عليهم ومحاورتهم و إنما جرنا الحديث جرا لذكرهم .

 

ودعنا نعود لسؤالك لماذا لا نرى نجاح الأديان السماوية بصفة عامة في منح الانسجام والتكامل والتعاون والتناغم بين الإنسان وهذا الكون المسبح بحمد ربه .

 

قال صاحبي : اعذرني فقد آن الأوان لانصرافي ولكن نحن على موعد في الأمسية القادمة لاستكمال هذا الحوار العذب عن أدب الحوار ثم قام وصافحني قائلا السلام عليكم

 

قلت : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته . الأمسية الثالثة

 

قال لي صاحبي وهو يحاورني في الأمسية الثالثة:

 

ما زال سؤالي حول فشل الأديان في بث الإنسجام وعلاقة التوافق والتكامل بين بني البشر قائماً, ولايزال يشغل بالي,فإن كانت الأديان السماوية جاءت لغرض تشكيل لوحة فنية من هذا المزيج المختلف من البشر فلماذا نرى التطاحن والتناحر على أشده بين البشر ولعلك تعلم أن أشد الحروب ضراوة هي الحروب الدينية بإسم الدين فكيف تفسر ذلك؟

 

قلت: يا صاحبي, إن الأديان لم تنزل من السماء ليختصم البشر بل ليتعارفوا ويتعاونوا, وإنك لاشك تجد في كل دين سماوي مجموعة من التعاليم في اليهودية والنصرانية والإسلام تسمى الوصايا العشر وإقرأ إن شئت سورة الأنعام وسورة الإسراء فإنك ستجدها واضحة وهذه التعاليم العشر تدعوا الناس إلى عبادة الله وحده لاشريك له وتحريم الزنا والقتل وعدم أكل مال اليتيم وغير ذلك من الوصايا النافعة جداً لحياة خالية من المشاكل والمتاعب والتعاسة ومن هنا فالأديان السماوية بريئة من مشاكل البشر لأنها أرشدتهم إلى الإبتعاد عن تلك المشاكل فكيف نلوم الأديان ؟

 

ولتعلم يا صاحبي أن كل دين ترك حرية الإختيار للإيمان به أو الكفر به فإذا إختار الإنسان الكفر بالدين وسعى في الأرض كفراً وفساداً وخراباً فمن الملوم؟ لاشك أن الملوم هو الإنسان صاحب الإختيار السيء الذي أهمل عقله وخالف فطرته فلم يعقل ولم يتدبر ولم يبصر ولم يسمع ودعني أسرد لك حركة الصراع عند نزول الدين السماوي سواء كان يهودياً أو نصرانياً أو إسلامياً.

 

قال صاحبي: تفضل مشكوراً.

 

قلت: عندما ينتشر الفساد في قوم وعادة يكون فساداً عقائدياً وإجتماعياً وغيره يبعث الله الرسول ليرشد قومه ويدعوهم إلى النظام الإلهي العادل والكفيل بإصلاحهم دنيا وأخرى فيستجيب العقلاء ويرفض السفهاء..فالفساد نشأ قبل بعثة ذلك الرسول بفعل البشر لفقدانهم النظام الأمثل للحياة,وتامل خطاب وحوار كل رسول مع قومه تجده حواراً مؤدباً عقلانياً يخاطب العقل بأسلوب منطقي ونخاطب القلب بالموعظة الحسنة ويهز النفوس بتحذيره الصادق المشفق على القوم من الهلاك وعادة ما يأتي الرسول بمعجزة دامغة واضحة يتحدى بها قومه وليطرد عنهم كل شبهة في كون دعوته من تلقاء نفسه, كما تلاحظ أن كل رسول كان يردد "وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين" ليطرد من أذهان الناس المنفعة والمصلحة الشخصية التي قد تدفع صاحبها للإدعاء. أضف إلى أن كل رسول كان يتمتع بأحسن الأخلاق والصفات والطباع بحيث يستبعد عنه أي تصرف شائن من قول أو فعل ولو انك تأملت في القرآن الكريم من خلال قصص الأنبياء عليهم السلام لسمعت الحوار السفيه من الذين يحاربون الرسول, فهو يكلمهم بالعقل والمنطق والموعظة الحسنة والتحذير الصادق وهم يضحكون ويسخرون ويقولون ساحراً أو مجنون ونحو ذلك فهم أعجز ما يكون وأبعد ما يكون عن الحوار الرصين. ثم سرعان ما يهددون الرسول ومن آمن معه بالطرد والرجم والقتل والسجن إن لم يكف عن دعوتهم. إذن إن تعنت البشر وحماقتهم وسوء إستعمالهم لحرية الإختيار وشغفهم بالدنيا ومتاعها وملذاتها هو السبب في نشوء الصدام بين المؤمنين والكافرين ولو أنهم قالوا نحن لن نؤمن لك ولكن دعنا في حالنا وندعكم في حالكم لما كان هناك أي صدام بينهما لأن الرسول نفسه يقول له فإن توليتم فإن الله هو الذي سيعاقبكم وما انا إلا رسول على البلاغ المبين والله يحكم بيننا وبينكم ولكن تغطرس الكافرين وحمقهم دفعهم إلى الرفض ثم المعارضة ثم المواجهة بكل أشكالها.

 

وهذا هو السبب في وجود المشاكل بعد بعثة أي رسول, وكل قصص القرآن تقول بوضوح أن الله أهلك الكافرين ونجى المؤمنين " فكلاً أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون" العنكبوت 40.

 

وسأضرب لك مثلاً: هب أن مدينة إنتشر فيها الفساد فما هو الحل؟ الحل ان يجتمع المسؤولون في تلك المدينة ويدرسوا هذا الفساد الذي سيؤدي بالمدينة إلى الخراب والهلاك(مهما كان نوعه) وفي النهاية سيصدرون القوانين اللازمة لحل مشاكل هذا الفساد. ولنفرض أن بعض المواطنين كانت لهم مصالح في ذلك الفساد ورفضوا الإنصياع للقانون.فلو انهم إحتفظوا برفضهم داخل نفوسهم لما كان هناك مشكلة ولكن هؤلاء المفسدين جاهروا بالعصيان وواجهوا القانون والنظام الذي يجلب النفع للناس ليحتفظوا هم بمصالحهم الفاسدة. ماذا يفعل المسؤولون؟ لابد ان هناك شرطة ستعمل للقضاء على هؤلاء المفسدين. بل ان العاقل سيعتبر أولئك المفسدين خارجين عن القانون ويسعون في خراب المدينة.فهل يعقل يا صاحبي ان يقول قائل إن القانون هو المسؤول عن وجود أولئك المفسدين لأنه وقعت مصادمات بينهم وبين الشرطة؟

 

قال صاحبي: وهل الصدام ضرورة حتمية بين الأخيار والأشرار؟

 

قلت: إن الأخيار يبدأون بالحوار الرصين العاقل ويبذلون جهدهم في الإقناع بالحسنى ويستمعون للطرف الآخر ليدلي بحجتهم "قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين" ولكن الأشرار نظراً وجود حجة أو منطق لهم بل أن كل البراهين ضدهم يلجأون إلى المشاغبات وفرض الرأي ويستعملون أسلوب الإستفزاز والتعالي ويبدأون غيرهم بإظهار مظاهر القوة والغطرسة فيشتمون ويعذبون ويعتقلون وقد يقتلون ويغتالون, وشعارهم في كل ذلك " ما أريكم إلا ما أرى".

 

قال صاحبي: إن قصص القرآن الكريم يؤيد كلامك, فإن الأشرار هم الذين يبدأون بالشغب والظلم والإعتداء. لأنهم لا يحسنون الحوار المبني على العقل والمنطق السليم والفطرة السوية بدافع من حفاظهم على مصالحهم الدنيوية الفانية ومراكزهم الوهمية وإستعلائهم على خلق الله.

 

قلت: أرجو الآن أن أكون قد أوضحت لك تلك الأغلوطة الشائعة والمفهوم القاصر عن أن الديانات السماوية فشلت في إيجاد علاقة التناغم والتعاون والتكامل بين البشرية وسائر المخلوقات المسبحة بحمد الله.

 

قال: وما سبب إنتشار هذا السؤال المغلوط؟

 

قلت: إن الأشرار عندما فشلوا في محاورة الأخيار بالحق والبراهين والحجج وتم إقحامهم في هذا المجال وأيضاً أن فشلهم في مواجهة الأخيار عندما حدثت المصادمات بينهما اخذوا يبحثون عن أي شيء قبيح يلصقونه بالأخيار ليوهموا الناس أنهم على حق وان الأخيار على الباطل وأنهم أناس قتلة وغوغائيون فألصقوا بهم العديد من التهم الباطلة بهتاناً وزوراً فيقولون أن مجيء الدين سبب الحروب والمصادمات وانه لا يراعى حقوق الإنسان وغير ذلك من الأباطيل, والحق أن الأشرار هم أول عدو لحقوق الإنسان وأول من أوقد نار الحروب والمصادمات بجحودهم لتعاليم السماء وتعسفهم في إرغام الناس ولو بالقدرة على قبول أفكارهم الفاسدة والكاسدة.

 

قال صاحبي: لا فض فوك من محاور, ولكن في نفسي سؤال أو طرحه.

 

قلت : هات سؤالك.

 

قال: أن الأديان جاءت لخير البشرية فرفض الأشرار تلك التعاليم لغاية في انفسهم وأشعلوا نار المصادمات,أنا فهمت هذا الطرح ولكن ما بال أصحاب الديانات السماوية وهم يمثلون جانب الخير في البشرية قد إشتعلت بينهم نيران الحروب أنفسهم.

 

قلت:أخبرنا القرآن الكريم أن ما بالناس من نعمة فمن الله أما النقمة فإن الناس يجلبونها بأنفسهم, إن التوارة التي أنزلها الله فيها هدى ونور, وكذلك الإنجيل , ومثلهما القرآن, وإعلم أن الكتب السماوية لا تضارب بينها فكل منهما يصدق الآخر ولكن العيب في البشر إتباع تلك الديانات عندما يتدخلون بتحريفاتهم وتزويراتهم ويكتمون ما أنزل الله من الهدى ويلبسون الحق بالباطل ويشترون بآيات الله ثمناً قليلاً فالبشر عندما إعتنقوا الدين لم يلتزموا به وإنما زادوا و أنقصوا وبدلوا وحرفوا ومن هنا نشأت الأحزاب والطوائف الدينية المتناحرة فيما بينها فهؤلاء إختلفوا بعدما جائهم العلم من عند الله عن طريق الرسل وبدل أن يعتصموا بتعاليم السماء نسبوا إليها ما ليس منها, وتفرقوا بدل ان يجتمعوا على مائدة الوحي وصار كل حزب بما لديهم فرحون,فعلى من يقع اللوم؟

 

قال: تقصد أن اليهود لا يعملون بمقتضى الديانة اليهودية التي جاء بها موسى عليه السلام وأن النصارى هم على دين منحرف غير الذي اتى به عيسى عليه السلام؟ ولهذا تناحروا وإختلفوا؟

 

قلت: هم أنفسهم شاهدون على ذلك. ألم يقم اليهود بإضطهاد النصارى ومحاولة قتل المسيح وصلبه لو لا ان رفعه الله تعالى فهل يوجد دين سماوي من عند الله يامر أتباعه بقتل عيسى عليه السلام,والله إن ما جاء به موسى برئ كل البراءة مما يفعله هؤلاء المجرمون..وتأمل أيضاً ما تفعل طوائف النصارى في بعضها من قتال وإقتتال تجد العجب العجاب فهل نبي الله عيسى اوصاهم بذلك وهو القائل "من صفعك على خدك الأيمن فادر له خدك الأيسر" وقال أيضاً "باركوا لاعينكم" شتان بين تعاليم السماء العظيمة وبين تصرفات البشر العقيمة.

 

قال: بالله عليك زد الأمر توضيحاً.

 

قلت: رسالة نبي الله موسى عليه السلام موجهة إلى بني إ سرائيل لكي يوحدوا الله ويعبدوه ويطيعوا اوامره الداعية إلى الخير والهدى والصلاح, والخلاصة أن بني إ سرائيل بدل ان يتمسكوا بتلك المبادئ الراقية جعلوا من أنفسهم شعب الله المختار. أي منحوا لأنفسهم حقاً لم يمنحوه لغيرهم من البشر بل جعلوا بقية البشر كالبهائم لا حرية لهم ولا إحترام فكيف إذن سيحاورون الناس وكيف سيتفاهمون معهم وهم بزعمهم أنهم السادة وغيرهم عبيد, إن اليهود لا يحسنون الحوار بسبب الكذب والتلفيق ولذلك وصفهم الله العليم الخبير بأنهم لا عهد لهم ولا مصداقية ولا يسعون إلا للفساد في الأرض ولم يسلم من أذاهم نبي أو رسول فهم قتلة الأنبياء ولا يخفى عليك قولهم لموسى عليه السلام "إذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون" وإرجع إلى التاريخ تجد أن الأرض التي يقطنها اليهود لابد أن تعج بالفتن والمشاكل و الفساد لأن اليهود من وراء ذلك رغم إدعائهم أنهم اهل التوراة فهل تتوقع من قوم هذه صفاتهم ومواصفاتهم ان يصدر عنهم خيراً أو رشاد؟

 

قال: فما بال النصارى؟

 

قلت: هم سواء في الإنحراف عن الصراط المستقيم, لقد إدعوا أن الممسيح إبن الله, وانه مخلص البشرية لا برسالته بل لأنه قدم نفسه قرباناً ليصلب تكفيراً عن خطيئة آدم عندما أكل من الشجرة ومن حينها فإن كل البشرية مخطئة بسبب خطأ آدم حتى جاء المسيح ليخلصها من تلك الخطيئة,وأنظر إلى الإنجيل فقد صار أناجيل بينهما إختلافات كثيرة وكبيرة ولا يمكن أن تنبع من نبع واحد لأن البشر كتبوها بأيديهم فأضافوا وحذفوا , بالإضافة إلى ان ما فيها من مسائل تتصادم وبعنف مع المعطيات العلمية الثابتة التي إكتشفها الإنسان بالتجربة والعقل والعلم ولهذا نجد البون شاسع بين النصرانية والعلم لدرجة ان النصارى لم يتقدموا في ميدان العلم إلا بتتلمذهم على المسلمين أولاً بطرح ماتقوله الديانة النصرانية خصوصاً في مسائل الكون فهل يعقل ان الله ينزل كتاباً يكذبه العقل والعلم والتجربة البشرية؟

 

أضف إلى أن النصارى هم هواة ومحترفون لسفك الدماء وقتل الأبرياء بداية الحرب الصليبية وإنتهاءً بالغطرسة الأمريكية فهل هكذا أوصى المسيح.

 

قال صاحبي: إذن فالبشر هم صانعوا المشاكل وعندما جاءت الأديان لتحل مشاكلهم أضافوا مشاكل جديدة على الأديان فشوهوها وميعوها لتناسب اهوائهم ومن ثم غاب الحوار وحضر الشجار.

 

قلت : هذا صحيح, وإن شئت التفصيل فعليك بمراجعة القرآن الكريم ومصادر التاريخ في القديم والحديث ستجد أننا لخصنا المجلدات في سطور,فكلامنا إشارات سريعة لنتحسس منها أن الحوار بين بني البشر طريقة أساسية وحضارية لا يقوم بها إلا الواثق من نفسه ومن حقه أما المبطلون والمفسدون فإنهم لا يرقون إلى هذا المستوى الرفيع بل ينحدرون إلى أسلوب البهائم في استعمال القوة وإستعراض العضلات لإرغام الخصم على ما يريدونه.

 

قال صاحبي: كيف نستدل على أن التوراة والإنجيل حدث فيهما تحريف وتزوير.

 

قلت: يا صاحبي لا تنسى أن حوارنا يهدف إلى بيان أدب الحوار, وبسؤالك هذا سنخرج عما نحن بصدده.

 

قال: ولكن الحديث ذو شجون ويجر بعضه جراً فإن شئت أجبت او أجلت.

 

قلت: لابأس ولكن دع الجواب في أمسية قادمة بعون الله تعالى.

 

قال: هو ذاك,وعليك مني السلام

 

قلت: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. الأمسية الرابعة

 

قلت لصاحبي وأنا أحاوره : سأبين لك انحراف التوراة والإنجيل الحاليين عن جادة الصواب .

 

قال : أنا استمع بكل انتباه فتفضل .

 

قلت : انزل الله ذينك الكتابين لهداية القوم إلى الصراط المستقيم ، فاحتكرتها قلة منهم ، وبدل أن يهدوا الناس بهديهما تلاعبوا بهما ، وصار اليهود بمقتضى تحريفهم شعب الله المختار وصار القساوسة يمنحون صكوك الغفران ، فلماذا على بقية الأمم أن تكون خادمة لليهود وكيف اكتسب أناس مثلك حق إصدار تذاكر للجنة أو للجحيم ؟ وما علاقة كل ذلك بهداية البشرية لسعادة الدارين .

 

قال صاحبي : يا للعجب من تلاعب الإنسان بالكتب المقدسة .

 

قلت : لنسأل التاريخ فهو لا يحابي ولا يجامل . أين هي التوراة والإنجيل الأصلية وبأي لغة كانتا ومن الذي كتب الموجود حاليا وكيف حفظ وكيف جمع وكيف اختلفت أنواعه وما قصة التلمود وما قصة الأناجيل المعترف بها والغير معترف بها ، إن من يحترم عقله سيبحث ويسأل حتى يصل إلى الحقيقة أن كان من طلابها .

 

قال صاحبي : أتريدني أن ابحث في كتب التاريخ ؟ لاشك انك تكلفني ما لا اأطيق ! فأرجوك بسط لي الأمر .

 

قلت : حسنا ، إليك هذا المثال : أتاك يهودي وقال أنا سيدك بموجب كتبي الدينية وما أنت إلا حثالة ، واتاك نصراني يقول لك هل تريد صكوكا للغفران ، تأمل هذه المهازل بينما الإسلام يقول لك : " يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله اتقاكم إن الله عليم خبير " فأيهم أصدق قيلا واسلم فطرة واهدى سبيلا ؟

 

ويقول اليهودي الجنة لي ويقول النصراني بل لي وحدي فيقول كتاب الإسلام .

 

" ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا " أفترى الإسلام يحابي أو يجامل أو يظلم ؟

 

قال صاحبي وهو يبتسم : سأبدل قصارى جهدى في البحث عن أي الكتب اهدى سبيلا وأقوم قيلا رغم أن أمثلتك واضحة وكافية ، فهل تسمح بالعودة إلى صلب موضوعنا .

 

قلت له : طيب ، وصلنا إلى أن البشر هم صانعوا المشاكل وان الدين السماوي نزل ليحل مشاكلهم ويرسم لهم طريق الهداية والنور فقام إتباع بعض الديانات بالتحريف والتزوير والتلاعب وتناسى الناس المعاصرون أن الدين بريء كل البراءة مما يختلقه البشر وليس أدل على انحراف البشر من أنهم لم يقوموا بهذه النهضة الحديثة إلا عندما القوا تعاليم الكنيسة المزورة وراء ظهورهم ، واستعملوا عقولهم واستفادوا من تراث المسلمين العلمي .

 

قال صاحبي : أرجو العودة إلى صلب موضوعنا وهو أدب الحوار ، فقد شرق بنا الحديث وغرب .

 

قلت : لا بد من بيان ذلك حتى نكون منصفين أمام الواقع وأمام التاريخ لان كثيرا من الناس يظن أن حضارة الغرب هي حضارة نصرانية بينما الواقع حضارتهم لم تقم لها قائمة إلا برمي النصرانية وراء ظهورهم ولهذا فهي حضارة علمية مادية لا علاقة للدين بها .

 

قال صاحبي : أحسن الله إليك ، ولنعد إلى موضوعنا .

 

قلت : أنت الآن أمام عدة ميادين للحوار كمسلم : حوار مع الكافرين ، حوار مع أهل الكتاب ، حوار مع المسلمين .

 

قال صاحبي : كنت أظن الموضوع سهل وبسيط .

 

قلت : لا عليك ، فإن الحوار مع الكافرين له شعبتان ، حوار الكافر المحارب للإسلام وحوار الكافر غير المحارب ولكل منهما شروطه وآدابه علينا أن نلم بها قبل أن نفتح أفواهنا بالحديث معهم . وكذلك يتشعب الحوار مع أهل الكتب .

 

و أما الحوار مع المسلمين فهو في أرقى درجات الحوار لأنه يعتنق نفس عقيدتك فأي منها تريدنا أن نبدأ بالحديث عنه .

 

قال صاحبي : هلا تكرمت بإعطائي نبذة عن القواعد العامة للحوار من جانب المنظور الإسلامي أولا بغض النظر عمن نحاوره ثم تفضل مشكورا بالبداية عن حوار المسلم مع المسلم .

 

قلت لصاحبي : حسنا ولكن لنؤجل ذلك في أمسية قادمة بإذن الله وحتى ذلك الحين لك مني سلام الله ورحمته وبركاته .

 

قال صاحبي : وعليك السلام ورحمة الله وبركاته .

 

المصدر: شبكة الفرسان الإسلامية

http://www.alwihdah.com/fikr/adab-hiwar/2010-04-26-1505.htm

أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك