ثقافة الحوار : الواقع والأزمات

ثقافة الحوار : الواقع والأزمات

الكاتبة : سعاد جبر

يعد الحوار بكافة أشكاله ومسمياته ومصطلحاته المتعددة من لوازم الحياة وضمان استمرارها ، والاضطلاح بكافة أعبائها ، وتتطلب لغة الحوار التعارف والتعاون والتعايش من جهة ، و التمكن من لغة الحوار، وإدراك وظائفها الاجتماعية وابعادها النفسية والتربوية ، والتنبه إلى تأثير الكلمة وسحرها ومفعولها، واختيار الاستجابة وتنويع الأسلوب واختيار المفردات والمصطلحات ، والتحقق بالإبانة والتمكن من لغة الآخر في الحوار معه والإحاطة بمعرفته؛ وذلك بالإدراك الكامل لخلفيته الفكرية وقيمه وتاريخه وحاضره ،وتعد لغة الحوار عاملا مهما من عوامل النهوض الحضاري ورسالة الإصلاح والتنوير في المجتمعات ، وتتطلب تكاتف النخبة المفكرة في المجتمع نحو تعزيز رسالته وادبياته المتحضرة ، واثراء أبعاده في أطياف قضاياه المتنوعة . ويشكل الحوار صيحة عقلانية في تفاعل الحضارات معا في العالم اجمع ، عبر ألوانه المتعددة من المناقشة والتفاكر والمثاقفة والمجادلة بالتي هي احسن وهي رسالة الأنبياء عبر مسيرة التاريخ كله .

والمتتبع لواقع العالم العربي فكريا ، يجده في حالة تأزم ناشئة من وأد لغة الحوار في مساحاته الفكرية المتنوعة ، وامتداد فكر التأزم والتعصب والتقليد والتمذهب ، والانغلاق والحجر على العقل وازدياد الطائفيات، مما يستدعي المراجعة وإعادة النظر ووضع الخطط والبرامج الكفيلة لعودة حوار الأمة إلى ذاتها وإعادة مد الجسور بين أوصالها ورؤاها المبعثرة .

وربما عول على المنابر الإعلامية في حمل تلك الرسالة وتوجيهها فكريا في مساحاتنا الحوارية، لكن الواقع يقدم إشارات متضادة في هذا الصدد ، إذ تبلغ حالة التناقض بين شعارات الحوار المعلنة إعلامياً في حل مشكلة التجافي والتباعد وتوسيع دائرة المشترك من جهة والواقع الإعلامي -وبالأخص المحطات الفضائية – من جهة أخري ، لأن هذه الواقع الإعلامي المتأزم يشكل مشكلة إضافية إلى أزمات الحوار لأنه بصراحة يدعم تصليب التعصب والانغلاق والتحزب والتشرنق ، ويضع عراقيل في لغة التفاهم والتبادل الثقافي ، وتنتفي من خلاله أدبيات الحوار واستيعاب الأخر ، ويتحول بالتالي إلى مادة إعلامية تسوغ حالة تأجيج المواجهة الحادة والصراع تحت مظلةوشعارات الحوار والتفاعل الثقافي الحضاري .

ومما سبق تبرز أهمية توسيع دائرة المشترك وتفكيك اللغة الأحادية لتغدو لغة مفتوحة تستوعب الأخر، وتلك المهمة السامية تحققها لغة الحوار ، والمنابر الثقافية الجادة التي تتبؤئ تلك الرسالة السامية ، وربما استطاعت العوالم الإلكترونية أن تحقق قفزات معقولة في هذا الصدد ، ولكن إلى الآن من وجهة نظري لم تبلغ الحلم المنشود ، إذ ما تزال بعض أعراض الحوار الأصم تتسع فجواتها في مساحاتنا الإلكترونية بين لغة متعالية واذن تستسيغ وتسمع ولاتناقش بأمعية مطلقة ، وارجع جذورها في سلم متدرج بين لغة القرارات السياسية الأحادية الاستعلائية واحادية السلطة وعدم تداولها من جهة وتنتقل هكذا تواليك حتى تبلغ الأسرة ومحضن التربية والتنشئة ، مما يعزز حالات التحدي والفجوات والجدران الأسمنتية في الحوار التي تحول دون تجاوزها حتى مع امتداد لغة العالم المتحضر بالحوار والعوالم الرقمية واعتبار العالم قرية واحدة ، لكن ما تزال الأزمة تمتد دون بذل النخبة المفكرة مساعيها لتعزيز لغة الحوار ومنابره ، وبذل التوعية الفكرية والاجتماعية والتربوية في هذه الصدد ، حتى يتحقق الحلم المنشود ، وتتحول مساحاتنا الإلكترونية والفكرية إلى مساحات حوار جادة فاعلية ، تحترم الأخر ولغته ، وتلتزم توسيع دائرة المشترك ، نحو عوالم فكرية إبداعية لا تنتهي في مشاريعنا الثقافية التنويرية ، وهذه أهداف عليا في الإنسانية ولغة الحضارات ، وتستحق من النخبة المفكرة في عالمنا العربي ، بث رسالتها التنويريه في هذا الصدد ، وتقديم مساهماتها التوعوية ، حتى توضع النقاط على الحروف ، وتتشكل قاعدة فكرية ، وبالأخص في مساحات الحوار الإلكتروني ، لتتشكل من خلالها المساهمات التوعوية ، في رسم لوحات حوارية ناضجة هادئة ؛ تتسم بالتثاقف ولغة التفاهم والتفاعل الحضاري .

.......

سعاد جبر / الأردن

كاتبة وناقدة في مجال سيكولوجيا الأدب

باحثة في مجال الدراسات النقدية والتربوية

اعلامية ومستشارة تربوية في مجال هندسة الذات

suad_jaber@hotmail.com

المصدر: http://pulpit.alwatanvoice.com/articles/2005/10/26/29574.html

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك