الشباب وثقافة الحوار

الشباب وثقافة الحوار

بقلم م.عماد الفالوجي

في غزة عقد مركز آدم لحوار الحضارات مؤتمر خاص تحت عنوان " نحو تعزيز ثقافة الحوار " , بحضور حشد كبير من طلبة الجامعات وعدد من ممثلي المجتمع المدني وعدد من المفكرين الفلسطينيين , وجاء انعقاد هذا المؤتمر ليركز على قضية جوهرية تعصف في أعماق الفكر الفلسطيني بعيدا عن السطحية وتبسيط الأمور وزخرفتها , وبعيدا عن الحديث حول قشور الحوار التي غطت بها كافة وسائل الإعلام , وعندما نذكر مصطلح " الحوار " يتبادر إلى الذهن فقط الحوار الدائر منذ أكثر من عام بين حركتي فتح وحماس بدون نتائج تذكر حتى هذه اللحظة , ولكن قلما تحدث أحد عن الحوار بشكل مجرد وخاص , والبحث بشكل عميق وجاد حول سبب فشلنا في الحوار , وهل الإشكالية فى المبدأ ذاته أم بأطراف الحوار ؟ وهل نحن حقيقة نمتلك ثقافة الحوار حتى نتحدث عن ممارسة الحوار ؟ أليس الأولى والأجدر بناء الأرضية الصلبة للحوار داخل ثقافتنا أولا حتى تتحمل حجم الخلافات الضاربة جذورها بيننا على كافة القضايا التى ترتبط بقضيتنا ؟ وهل الأصل فى العلاقة التى تحكم البشر الاتفاق أم الاختلاف ؟ وهل الخلاف صفة منبوذة وسيئة يجب محاربتها أم هي صفة ملازمة للإنسان بحكم تفاوت فهم وإدراك العقول ؟ وهل الخلاف يولد ضعف أم قوة ومتى وكيف ؟ وهل الإبداع الفكري والثقافي وبناء الحضارات الإنسانية على مدار التاريخ كان نتاج الاتفاق أم الإختلاف ؟ .

وهكذا لابد من الحديث بعمق للإجابة على كل تلك التساؤلات السابقة ومناقشة الأزمة التى يمر بها الحوار الفلسطيني من خلال البحث فى جذور المسألة وليس فى قشورها أو الحكم على الحوار من خلال النتائج فقط , وحصر مبدأ الحوار فى الحكم على ممارسة فصيلين أو أكثر وكأن الفكر الفلسطيني أصبح أسيرا لفهم البعض عن مفهوم الحوار وكيفية ممارسته والأهداف المرجوة منه , فكان انعقاد هذا المؤتمر كمحاولة جادة لتصحيح المفاهيم المغلوطة المنتشرة حول مبدأ الحوار وأصوله وأهدافه وآلياته .

وكان القسم الأول من المؤتمر حول التأصيل الشرعي للحوار بعنوان " الإسلام دين الحوار " وهذه القاعدة التى يجب التركيز عليها واحترامها , لأن كل من يقرأ التاريخ الإسلامي فى عصره الذهبي يجد أن الإسلام استولى على قلوب البشر من خلال الدعوة وحوار المخالفين وأورثنا إرثا عظيما من العلم والخبرات فى محاورة المخالفين له , بل إن انتشار الإسلام فى أصقاع الأرض كان نتيجة امتلاكه للفكر الحر واحترامه للعقل وتحريضه على التفكر والتدبر وعدم الجمود والانكفاء على الذات , بل الإسلام أراد من أتباعه أن لا يكونوا مقلدين جامدين بل مبدعين متحررين مطلقين لعقولهم العنان لاكتشاف كل ما يحيط حولهم وعدم انتظار ذلك من غيرهم , ولا يمكن أن يتأتى ذلك إلا من خلال تربية العقل على مواجهة الأحداث ومحاورتها والإبداع فيها فى كافة المجالات .

وكان القسم الثاني حول الحوار السياسي وهذا المحور يستهوي الكثيرين من المراقبين لخصوصية الوضع الفلسطيني وخصوصية المرحلة التي يمرون بها , وعلى وجه الخصوص الحوار الداخلي - سواء داخل الفصيل أو المؤسسة الواحدة أو بين الفصائل والمؤسسات فيما بينها - من ناحية والحوار مع الغرب من الناحية الأخرى , وهنا لابد من الوقوف أمام هذه المعضلة للبحث عن الأسباب الحقيقية عن فشلنا فى الوصول الى نتائج إيجابية فى حواراتنا الداخلية – ولماذا أيضا لم نحقق ذلك فى حواراتنا الخارجية ؟ ولماذا ينجح الآخرين فى تنظيم خلافاتهم الداخلية ويصنعوا منها قوة ووحدة بينما نحن نصنع منها ضعفا وتفرقا ؟ .

ثم كان فى نهاية المؤتمر قسم الحوار الثقافي بشكل عام وهنا كانت الفرصة ليعبر الجيل الشاب عن آرائه ومواقفه ونظرته للأمور , والتعبير عن الحاجة الملحة للاهتمام بثقافة الجيل الجديد وعدم تركه فريسة للإعلام الموجه المضلل وعدم قدرته على التمييز بين الخطأ والصواب نتيجة تزاحم الجميع على تشويه كل من يخالف الرأي , وسيطرة الإعلام الحزبي بمفهومه الضيق على الفكر والثقافة بشكل عام , ومن هنا كانت التوصيات بضرورة التحرر من الفكر الضيق الى الفكر الرحب الواسع الذي يجمع ولا يفرق ولديه القدرة على استيعاب كافة الآراء والأفكار , وضرورة بناء أرضية الحوار قبل الحوار ذاته من خلال نشر ثقافة الحوار وضرورة الاستمرار فى وضع برامج عمل للاهتمام بجيل الشباب وحمايته من الأفكار الضيقة المتطرفة وعلى وجه الخصوص المنتمين للأحزاب من خلال معالجة الثقافة الحزبية من بعض التشوهات الملاصقة بها , وعلى هذا الأساس أصدر المؤتمر نداءه لاعتماد الحوار ثقافة ومنهج حياة , وضرورة عقد المزيد من المؤتمرات المتخصصة بنشر ثقافة الحوار .

ولكن الملاحظة الأهم كانت فى الرغبة الجامحة للشباب فى التعبير عن أنفسهم وشعور الكبت الثقافي الذي يمرون فيه وحاجتهم الى اللقاءات المتواصلة التى تعطيهم الفرصة للتعبير عن أفكارهم وآرائهم تجاه كافة القضايا والأحداث التي تواجههم والتعبير بشكل حر حول ما الظروف الصعبة التى تواجههم مثل البطالة التي يعاني منها الخريجين والحالة السياسية الغير مستقرة التى تعصف بمجتمعنا وانعكاس الانقسام الفلسطيني على حاضر ومستقبل الشباب الفلسطيني وتنامي شعور القلق والتوتر وعدم الاستقرار الذي ينتاب هذا الجيل الذي سيكتب المستقبل الفلسطيني

المصدر: http://pulpit.alwatanvoice.com/articles/2010/06/28/202718.html

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك